تفاهة الرئيس وحزم القاضي والمرأة الرائعة شمسه خان - المحامي : تيلـي أميـن
[21-09-2006]
تفاهة الرئيس وحزم القاضي
والمرأة الرائعة شمسه خان
المحامي : تيلـي أميـن
بعد أن تبين أن القاضي عبد الله علوش العامري لا يستطيع تحقيق العدالة في محاكمة المتهمين في قضية الأنفال وان المسار الذي جرت عليه محكمته خاطئ ولا يخدم العدالة وذلك لتغاضيه عن محاولات المتهمين ووكلائهم لإلصاق التهم بالمشتكين والشهود وعدم جدية المحكمة للتحقق في جوهر جريمة الأنفال وحصرها في وقائع تلك الجريمة ونطاق التهم الموجهة إلى المتهمين ،و شعوره بالإحراج من تواجد رؤوس الجريمة تسلم القاضي محمد العريبي رئاسة المحكمة وباشر بإجراءات المحاكمة الوجاهية العلنية في جلستها العاشرة .
لا أود التعليق على سير المحاكمة أو مقارنة المسار الذي اتخذته مع سير المحاكمة في الجلسات السابقة ، لكن هناك ثلاث نقاط جذبت انتباه اغلب الناس الذين يتابعون محكمة العصر والتي ستدخل إلى التاريخ من نفس الباب التي دخلتها محاكم نورنبرغ الشهيرة بل ستحتل مكانة ارفع لان جرائم محرقة الأنفال ارتكبت في عصر أصبح فيه الإنسان والمجتمع والقيم أرقى مما كانت عليها إثناء الحرب العالمية الثانية في بداية وأواسط الأربعينيات من القرن الماضي . والنقاط هي :
اولا – كلما مرّ يوم جديد تتولد قناعة اضافية على بؤس الفترة التي قضاها الشعب العراقي في ظل حكم صدام حسين ويتأكد المرء كم كان هذا الشعب الأصيل مظلوما ومغلوبا على أمره ، لقد اقتطع زمن فاسد خمسة وثلاثين عاما بالتمام والكمال من عمره في ظل دولة كان حاكمها الأوحد الدكتاتور التافه صدام حسين ، انه من سخريات القدر أن يحكم هذا الدكتاتور وبعقلية مريضة وناقصة شعبا من امهر الشعوب في بناء الحضارة والتكيف معها .
الكل كان يدرك أن هذا ( الرئيس ) قاتل ودكتاتور وقد أساء إلى العراقيين ما لم يستطع غيره من الحكام المحتلين على طول تاريخه العريق من الإساءة إليه ، سواء في تدمير قيمه أو تبديد ثرواته أو إبادة أبناءه وبناته في حروب بالنيابة عن الغير ، حروب مدمّرة لم تكن فيها للشعب العراقي ناقة أو جمل ، وكان عليه أن يكون وقودها .
لقد شاهد العالم ضحالة تفكير هذا الرئيس والسخف الذي يتصف به في محاولة للإساءة إلى القاضي الجديد محمد العريبي لمجرد انه أراد إدارة الجلسات بحيادية وكما يقتضي القانون واتهم والده بأنه كان وكيلا للأمن !! شعب العراق يعرف أن رئيسه لفترة خمسة وثلاثين عاما كان كذوبا وحقودا وجحودا ، ما لم يعرفه الشعب هو أن هذا الرئيس قد ينقلب عند الضرورة إلى مخبر أمن ذليل ، فلو صدق ما قال من باب الفرضية ، الم يكن من الأجدر به أن يحافظ على أسرار ( دولته ) ؟ لقد قادته تفاهته إلى إرشاد الحكم الجديد للمتعاونين معه ، يا ترى كم قدّم هذا المخبر الصغير من معلومات خطيرة عن مسؤولي دولته و( رفاقه ) إلى سجّانيه من جنود الأمريكان ؟ . لا شك أن صدام كاذب وانه لا يريد إلا الإساءة إلى سمعة القاضي ، لكنه يكشف عن حقيقة أن الشعب العراقي يكره جهازه الأمني والحزبي حدّ المقت . وهو يقلد أخاه غير الشقيق برزان عندما اتهم رئيس هيئة الادعاء العام بالانتساب إلى حزب البعث . لكن صدام زاد عليه في ممارسة الكذب والنفاق والدجل .
ثانيا : يفرض القانون وقواعد المحاكمة سلوكا معينا على المتهم ويلزمه أن يتصرف من موقعه في قفص الاتهام كمتهم . ويجب على رئيس المحكمة التعامل معه وفق موقعه هذا ، ليس هناك شك على عدالة المحكمة والتزامها بالقانون عندما تضبط تصرفات المتهم وتجعله يلتزم بالقواعد المقررة وتتخذ بحقه الاجراءات القانونية عند اخلاله بنظام المحاكمة والاساءة إلى الخصم أو الادعاء العام أو هيئة المحكمة أو الشهود ، بل أن تطبيق المحكمة للقواعد القانونية واجبارها المتهم على الالتزام والتقيد بهذه القواعد من صلب واجب رئيس المحكمة ومن متطلبات تحقيق العدالة وتطبيق القانون ، أن التساهل مع المتهم يعني ضياع فرصة تطبيق العدالة وفقدان المحكمة لحياديتها وهيبتها واحترامها، ليس هناك من يطالب المحكمة أن يهين المتهم أو يعامله كمجرم أو يمنعه من فرصته في التحدث إلى المحكمة عند الوقت المناسب والمحدد أو يحرم عليه توجيه الاسئلة عن طريق المحكمة ،فالقاضي لا يحكم بعلمه الشخصي وهو لا يجعل من معلوماته الشخصية سببا لتكوين رأي ابتداءا . لكن ظروف تحقيق المحاكمة العادلة لا تتضمن ملاطفة المتهم على حساب الطرف الاخر والسكوت عن خروجه عن نطاق الدعوى وعدم اتخاذ القرار الحازم بطرده من الجلسة أو إجباره على السكوت عند اسائته وعدم امتثاله لقرارات رئيس المحكمة وطلباته إثناء الجلسة ، أن المتهم ليس ضيفا للقاضي وليس مدلل المحكمة ولا يجوزالتساهل معه وإبداء المرونة عندما لا يتصرف المتهم كمتهم ويسئ إلى سير المحاكمة ، لكي يقال أن المحاكمة عادلة . أي أن القاضي يجب أن يكون حاسما وحازما في إدارة الجلسة وضبط نظامها وإلزام المتهمين التمسك بالقواعد والأصول المقررة في قانون أصول المحاكمات الجزائية ، أن إحدى المعايير التي توزن عدالة المحكمة هو ما يتمتع به القاضي من حزم وحسم ، وكان القاضي السيد محمد العريبي بهذا الحزم عندما قبل انسحاب محامو المتهمين ووفر هيئة دفاع منتدبة حسب احكام القانون كما كان حاسما عندما اخل المتهم صدام بنظام الجلسة وأطلق كلاما فارغا ، وبمثل هذا الحزم واجه المتهمين الآخرين وأجبرهم على الجلوس في القفص ، أن كل هيئات حقوق الإنسان لا تستطيع الادعاء بان محاكمة كهذه تفتقر إلى المعايير الدولية للمحاكمات العادلة ، أن المحاكمة العادلة لا تتطلب السماح للمتهم ليصول ويجول داخل قاعة المحكمة ويخالف الإجراءات ويكيل التهم ويطلق التهديدات بسحق الرؤوس و التي ترفضها الهيئات الدولية وتعتبرها جرما يجب المعاقبة عليه .
ثالثا : النقطة الأخيرة التي أريد التحدث عنها هو شهادة المشتكية شمسه رسول ، شمسه خان ، كما سمتها المترجمة بحق ، والتي أثارت إعجاب المتابعين ، ليس لأنها تعرضت إلى مصاعب وأهوال وفقدت وزجها وأشقاءها واحتجزت هي ووالدها ووالدتها وفرقت الأجهزة الانفالية بينهما ، ومات أطفال شقيقها صالح في حضنها داخل مستوصف المعتقل دون أن يلقوا عناية طبية انما لأنها كانت صادقة في كل أقوالها التي أفادت بها بسلاسة قلما تستطيع أن تستطيع امرأة أخرى غير متعلمة مثلها . كانت رائعة في أداء إفادتها ورائعة وصادقة عندما كانت تنتحب على الطفلين اللذين ماتا بغياب والديهما ، كانت واثقة من نفسها ومن قضيتها وبدا عليها عزة النفس عندما لم تتهم أحدا بسوء معاملتها وإلا أية معاملة أسوء من حجب الماء عنها وامتناع علاج أطفال يموتون ؟
وكانت رائعة أيضا عندما تتحدث عن موت الطفلين وطلب منها القاضي بطلب من الادعاء العام الاختصار وقصر شهادتها وحصرها في الأمور المهمة، فأجابت القاضي بهدوء ، وأي أمر أهم لدّي من موت طفلين صغيرين ؟ ولان القاضي ، وكما يبدو ، واثق من نفسه لا يحرجه النقد الموضوعي قال لها ، صحيح انك على حق . انها مناسبة أن ألتمس من القاضي والادعاء العام ، الصبر ورحابة الصدر وإعطاء الوقت الكافي للمشتكين للاسترسال في إفاداتهم ، انهم انتظروا أعواما طويلة حتى أسعدهم هذه اللحظة وتوفرت لهم الفرصة للحديث أمام جهة قضائية عن كل تلك المعاناة التي قاسوا منها طويلا وكثيرا ، انهم يتنفسون الصعداء ويشعرون بالراحة والاطمئنان عندما تستمع المحكمة إلى أقوالهم التي تفيد كل كلمة منها في كشف احدى الحقائق ، وكل كلمة قد تكون مفيدة للقاضي أو الادعاء العام أو المحامون والقانون ينص على وجوب السماح للشاهد بالاسترسال طالما لم يخرجوا عن موضوع الدعوى . وهم يرون في المحاكمة تعويضا عن كم هائل من المعاناة البشرية وبلسما لجروح غائرة في أعماقهم ، قضوا أعواما مجحفة حتى تحققت آمالهم في مواجهة المتهمين وإشعارهم ، ومن خلال النطق بالحقائق والوقائع ، بالعار والشنّار مما اقترفوا من مظالم ،ومما جنت أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من النساء والأطفال ، أنهم سعداء أن يكشفوا للمتهمين الماثلين في قفص الاتهام طبيعتهم المتوحشة وخلقهم الذي يتنافى مع ما أراد الله للإنسان من حب الخير واجتناب الشر. والتمس المحكمة بدل اختصار إفادات المشتكين منع المحامين من طرح أسئلة غير منتجة في الدعوى وغير متعلقة بالتهم الموجهة إلى المتهمين وعلى سبيل المثال ، أن كون المشتكي بيشمركة لا يزيل مسؤولية إلقاء الغاز السام عن المتهمين لأنه سلاح محرم دوليا ويمنع استخدامه حتى في ساحات القتال والمنازعات العالمية والداخلية فلماذا استهلاك وقت المحكمة ؟ والأمثلة كثيرة على الأسئلة العقيمة التي لا تقدم ولا تؤخر في الدعوى بشئ .
أدعو السادة القضاة والمدعين العامين تسجيل وقائع الأنفال بكل تفاصيلها حتى تتوضح الحقيقة ويدرك العالم كله ماذا حدث وماذا جرى ، فليس هناك من تعويض أو قصاص يعوض المؤنفلين ، ما يعيد اليهم الهدوء وراحة البال والاطمئنان النفسي والتأهيل لبدء حياة جديدة وطي صفحة المأساة هو معرفة العالم بقضيتهم ومظلوميتهم والجرائم الفظيعة التي ارتكبت ضدهم والتعاطف الانساني معهم ومشاركتهم في جزء يسير من آلام المعاناة واستيعاب الضغط النفسي الذي يثقل كاهلهم ولا غير.