فضائيات...عباس جيجان ثائرا
حسين القطبي
يقول العلماء بان جبال الهملايا تنموا بمعدل سنتيمترا في العام، واذا كان ذلك صحيحا، فان الجبل يتحرك والعقل العربي المتجلي في هذه الصياغة السمجة للخطاب الاعلامي لا يتزحزح، تفضحه على الملأ هذه الفضائيات المتشاطرة، فاذا امتاز كل ما في الكون بديناميكية وحركة دائبة فأن العقول التي تدير تلك الفضائحيات على الاقل ما تزال راكدة، منذ ثلاث سنوات اذا ما طلبنا اليسر بالملاحظه.
عرضت احدى تلك المحطات لقاءا مع شاعر كان قد ارتبط اسمه بحقبة الثمانينات المرة (عباس جيجان)، كونه عرف كاداة في عملية التعبئة الاعلامية البعثية لحرب الثمان سنوات القذرة، وكأن هذه المحطة اذ تعطف عليه بالقليل من الضوء انما تنتشل جرذا مبتلا من الغرق في نهر التلاشي المظلم.
وفي ذات الاسبوع كانت القناة الاخرى شقيقتها في الامارة المجاورة تعرض لقاءا مع شاعر اخر، كان قد تنازل بمحض ارادته ليكون مجرد كاتب اغنية، لا يقل نجومية في دنيا الردح للمعارك الخاسره عن طريق رسم الانبهار بعبقرية القائد صدام وهو كريم العراقي.
واذا ما ارادت هذه المحطات تقديم مطرب، فلا تعرف غير كاظم الساهر، او موسيقي فليس امامها غير نصير شمه، ومن السياسيين هارون محمد و سمير عبيد، وكأن الزمن مازال راكدا كالرمال على افق الجزيرة، وان السنوات التي مرت على حقبة التسعينات كانت طيورا مهاجرة، وان كل تلك التغيرات التي حصلت في المجتمع العراقي لم تطرق اذانها بعد لتعيد النظر بخطابها الاعلامي المتهرئ الذي ينتمي لحقبة البعث المنطوية.
والغريب فقد كان الشاعر عباس اكثر ذكاءا من الاعلام العربي فقدم نفسه ثائرا، معلنا، وتماشيا مع المد الجديد بأن احدى قصائده التي ذم بها الخميني، كعادته انذاك، انما كان يقصد بها صدام، وكابر متحديا بكونه الشاعر الوحيد الذي انتقد صدام بحضرته.
كما ادعى بانه طالب ذلك الجزار ذات مرة باطلاق سراح السجناء، الامر الذي لا يجرؤ عليه سواه، لم لا وهو السياسي الشجاع الذي لا يخشى الديكتاتور ويوجه له الانتقاد نصب عينيه، و..
كل هذه الشجاعة قد بهرت السيدة مقدمة البرنامج لتسأله، وبعد ان ابدى ميولا سياسية قوية ضد الاحتلال والامريكان، وضد الحكومة العراقية الحالية، عن رأيه بمحاكمة صدام الا ان الثائر عباس جيجان وبمجرد سماعه الاسم انكمش على الفور، وقفزت على محياه نفس نظرات الهلع التي كان يلقي بها قصائده امام الديكتاتور محتجا حتى على سؤالها متعذرا لكونه شاعرا "فقط" وليس سياسيا ابدا! ولم يستجيب لملحتها، حتى تركته مشفقة بعد ما بدى لها مبلغ الخوف الذي اعتراه لمجرد ذكر اسم رأس النظام بسوء. ويبدو ان المسكين لم يكن يتوقع ثمة سؤال يضعه بالفعل امام هيبة الديكتاتور!
ثوريات ومقابلات على هذه الشاكلة كثيرة، تزخر بها الفضائيات العربية، منذ عقد على الاقل، الا انها لم تعد تزعجني، مثلما كانت على عهد النظام السابق، لان العراقيين اليوم اصبح لهم صوت اخر عبر فضائيات عراقية، فما ان غيرت المحطة حتى وجدت برنامجا ادبيا، يتحدث فيه الدكتور هاشم العقابي عن رائد الشعر العراقي الاصيل، المرحوم الحاج زاير، الذي لا تعرفه الفضائيات العربيه لأنه لم يروج لمجازر طاغية، ولم يدعي ثوريات زائفه، ولم يبع قصائد متملقه.
tohussein@hotmail.com