حبذا أيها الأخوة لو ركزنا على الموضوع دون تشتيته في أمور ثانوية وجانبية .. عمار الحكيم وهو كتكوت بكل المقاييس فلا سابقة له تفرض أن يقود العراق بهذا الإتجاه أو ذاك .. كل ما في الأمر أنه وريث زعامة .. والفيدرالية بحد ذاتها ليست أمرا مقدسا مثلما هو شأن جميع الوسائل والتدابير والإجراءات والآراء التي يديرها بها الناس شؤونهم ولم ينزل به من الله سلطان .. التسليم بهذا الأمر أو ذاك مما يطرحه السياسيون يعني أن يتحول الشعب الى قطيع من النعاج .. وهذا بالضبط ما يريده قادة العراق الجديد مثلما أراده قادة العراق العتيق .. ومناقشة أي شئ يطرح يعني حيوية هذا الشعب .. وشعبنا بالمناسبة حيوي جدا وخلافا لما يتصوره البعض منا والا لما تأخر إصدار قانون النفط رغم الالحاح الكبير من إدارة بوش على حكومة المالكي وإستعداد الحكومة للتجاوب السريع دون النظر الى المصالح الوطنية .. والأمر نفسه ينطبق على الفيدرالية التي يريدها بعض الساسة وفقا للمقاسات التي قدمها السناتور الامريكي بايدن .. فيدرالية تقسيمية تقيم دويلات مشوهة كما تريد أمريكا وإسرائيل للمنطقة .. هل يتم الأمر هذا بحسن نية أو بتواطؤ .. هذا ليس من الأهمية بمكان لأن الامور تقاس بالنتائح .. والفيدرالية بحد ذاتها ليست أمرا سيئا فمعظم دول العالم المتقدمة هي دول فيدرالية .. وقد شبع العراق وخاصة في المحافظات الشيعية المستلبة من إستيراد إدارات جاهزة من محافظات الحكم العراقي السابق .. كما شبعت جوعا وتخلفا وإهمالا في وقت كان فيه المستحوذون في تكريت والرمادي وسامراء وغيرها من المدن السنية يهنئون بنعيم العراق وحدهم .. إنما الامر إختلف الأن فلم يعد العراق بيد المستحوذين وإنما بيد من يفترض أنهم يحفظون وحدة العراق ولا يسعون في تقسيمه بحجج سخيفة وواهية .. فالماضي تم طي صفحته .. وقيام الفيدرالية لا يمنع نهوض الظلم مرة أخرى .. لأن هذا يستند الى توازن قوى المجتمع وحينما يختل هذا التوازن لا ينفع معه لا قانون الفيدرالية ولا قيام الفيدرالية بحد ذاتها .. فهذا ما يمكن إلغاؤه بمجرد قرار او مرسوم .. وإن كانت الفيدرالية إسلوبا ونظاما لإدارة الحياة في المحافظات فيا حبذا بها .. أم أن تكون طريقا لإقامة دويلات على حساب العراق كدولة فلا أهلا ولا مرحبا .. ولنعد الى المفهوم الذي يروج له عمار الحكيم .. يقول في خطبة العيد بأنه يدعو الى الاسراع في تشكيل الفيدراليات لأنها ضرورة .. هكذا دون أن يكلف الحكيم نفسه بيان ماهي الضرورة .. ويردف دعوته بالقول بدءا من إقليم جنوب بغداد .. وهنا يكشف الحكيم جانب الإفتعال في طرحه الفيدرالي .. ما معنى إقليم جنوب بغداد .. يقال مثلا منطقة كردستان فيتبادر الى الذهن فورا وحدة الاقليم من حيث إنتماء سكانه الى قومية واحدة فيسمون بالأكراد أو نسمي كل محافظة بإسمها فنعرف أن هذه الوحدة الادارية تشكلت عبر التأريخ ولأسباب موضوعية .. ولكن جنوب بغداد يعني ان الحكيم يفتعل وحدات سكانية من أجل المس بقوة الدولة العراقية ومن ثم بوحدتها .. السعودية جنوب بغداد .. واليمن جنوب بغداد .. وعمان جنوب بغداد .. ولو كان للحكيم تسمية موضوعية لما يسميه بجنوب بغداد لأطلقها ولكن حين أسقط في يده فإنه كشف بأن هذا التقسيم الذي يريده للعراق هو تقسيم مفتعل .. لنأخذ جنوب بغداد ولنر ما فيه .. من جنوب بغداد الى الحلة وعلى جانبي الطريق هناك مناطق سنية وعلى جانبي الطريق لا يجمعها العامل المشترك الذي يحدد الحكيم بموجبه مناطق أقاليمه .. ثم بعد ذلك تأتي تسعة محافظات السمة المشتركة فيها أنها شيعية وما عدا هذا فلكل محافظة خصوصيتها التاريخية والثقافية ونظرة بسيطة ستخبرنا بأن البصرة ليس كإبن كربلاء بقدر ما أن الاثنين ليسا كإبن الرمادي او السليمانية .. ثم ان القول إبتداء من إقليم جنوب بغداد يعني أن الحكيم يتخلى عن بغداد التي تقطنها غالبية شيعية بمعنى ان بغداد لا تشكل اي اهمية بالنسبة للحكيم وهو بذلك يتصرف بعقلية الأقلية بحيث ان العراق بالنسبة له حالة مؤقتة يتعامل معها بحكم الأمر الواقع حتى تحين ساعة الانفصال تماما مثلما يفكر ويتصرف الأكراد .. والا كيف لطرف يقول محقا بأنه يشكل الأغلبية في العراق أن يتخلى عن عاصمة العراق لولا أنها لا تشكل شيئا بالنسبة له ومن ثم لابد ان للأمر أبعادا أخرى لا تخفى على القارئ اللبيب مع ان بغداد شهدت منذ إعلان نتائج الإنتخابات وما أظهرته من أغلبية شيعية ساحقة حربا ضروسا لتعديل جغرافيتها السكانية تقوم بها المليشيات السنية وبجد ومثابرة .. والتخلي عن بغداد تعني التخلي عن أهلها الشيعة وتضحياتهم والدماء التي سالت منهم فداء لدويلة عمار الحكيم التي تخدم مصالحه الشخصية والعائلية والحزبية .. ثم إن كان الحكيم ينطلق لإقامة دويلته من إقليم جنوب بغداد فماذا عن شمال بغداد .. أو بكلمة أكثر وضوحا عن الشيعة الذين يقطنون شمال بغداد .. ووجودهم هناك هو وجود تأريخي عريق لهذا لم تستطع الحرب الارهابية المفتوحة زعزعته رغم قسوة هجمتها .. كما أنه وجود كثيف إبتداء من بلد والدجيل وصولا الى تلعفر مرورا بديالى وكركوك ومناطق واسعة في الموصل .. فكيف يتعامل عمار الحكيم مع هذا الوجود وفق مشروعه الفيدرالي سوى أنه يسلمه طعما لنار حرب أهلية وتطهير طائفي ويفتدي به دويلته في جنوب بغداد .. ومن الواضح أنه وغيره من السياسيين الحاكمين اليوم قد تقاعسوا عن الدفاع عن شيعة شمال بغداد تسليما بأن هذه المناطق يجب أن تكون سنية خالصة مثل دويلة الحكيم التي ستكون شيعية خالصة .. كما رأينا أيضا لا مبالاة السياسيين والمرجعيات الدينية إزاء مأساة التهجير التي تعرض لها شيعة شمال بغداد وتعاملهم معهم كالجرب الذي يجب أن يحصر في مخيمات خارج محافظات دويلة الحكيم .. وعموما فهذا التداخل في التركيبات الاجتماعية لمناطق مختلفة من العراق يثبت بأن فيدرالية الحكيم او مشروع بايدن لتقسيم العراق لا أساس موضوعيا له ولا يمكن تحقيقه الا بحرب أهلية تسيل فيها أنهار من الدماء إضافة الى كل ما جرى من دم العراقيين الزاكي ..
وقد طرح الحكيم أثناء زيارته للرمادي مفهوما آخر مختلفا لفدراليته أساسه صلاحيات واسعة للمحافظات ولم ينس أن يدغدغ المشاعر بالقول بأن ذلك يوفر أساسا عادلا لتوزيع الثروة بين العراقيين .. وأن تكون هناك صلاحيات واسعة للمحافظات فهذا أمر مطلوب ولكنه لا يقتضي أبدا تجميع المحافظات في أقاليم على أساس طائفي .. أما عن توزيع الثروة وعدالته .. فهل أن توزيع الثروة بصورة عادلة غير ممكن في وجود وحدات إدارية تتمتع بسلطات واسعة إسمها المحافظات ولا يكون الا في إقامة الاقاليم أو الدويلات التي يدعو اليها الحكيم ويريدها المشروع الامريكي الصهيوني لتقسيم العراق .. هنا لا بد من توضيح أن الاستحواذ على الثروة هو جزء من الصراع الدامي الجاري في العراق .. والحكيم يعلم بأنه لا يمكنه ان يحقق مثل هذا الاستحواذ على أساس قيام لا مركزية المحافظات مع انه من الممكن جدا إيجاد آلية لتوزيع عادل للثروة بين المحافظات على اساس نسبة سكانها وحاجاتها الفعلية .. لكنه يريد بواسطة هدم مركزية الدولة العراقية بناء مركزية صارمة في دويلته تتيح له الاستحواذ على الثروة وذلك بالعمل على إقامة إقليم فيدرالي على اساس طائفي في جنوب بغداد .. والخلاصة هي أن عمار الحكيم ودعاة فيدرالية الأقاليم لم يقدموا اي أساس موضوعي لمشروعهم التقسيمي للعراق .. ومشروعهم أيضا ليست له أي اسباب موضوعية تحبذه على العكس من ذلك فإن وحدة العراق تؤكدها عوامل كثيرة رغم محاولات الفيدراليين من جهة وجرائم عصابات الارهاب البعثي الوهابي التي حاولت الدفع في إتجاه خلق حالة من الانقسام بين العراقيين للإحتماء بها .. وزيارة عمار الحكيم للرمادي تثبت بأن هناك متسعا لحل كل الاشكالات التي قامت بين العراقيين على أساس وحدتهم وليس على اساس تمزيقهم الى دويلات تحقق مصالح المحتلين والصهاينة والطامحين الى الإمارة ولو على حجارة او برميل نفط من العراقيين ..