بقلـــم
:مظاهر اللاجامي
ليس هكذا يتم التصحيح يا سادة
23 / 11 / 2008م - 10:13 م
في مساء الخميس الفائت بين أعتاب الساعة الواحدة والواحدة والنصف أخذني من هلوسات أمسيات الخريف رنين هاتفي الجوال مظهراً رقماً ليس في قائمة الأسماء لديّ... كان المتصل الكاتب نذير الماجد وكانت هذه المرة الأولى التي نتحدّث فيها هاتفياً أو غير هاتفيٍّ...
حيّاني بأدب جميل أشكره كثيراً عليه، وبدأ في سرد ما يريدهُ من هذا الاتصال...
كان الاتصال دعوة أن أكون أحد الموقعين على بيان بعنوان " تصحيح مسار الطائفة الشيعية " فقلت بأن من الواجب أن أرى البيان أولاً قبل أن أوقّع فذكر أن ذلك من حقّي طبعاً... أرسلت له إيميلي وجاءتني بعد قليلٍ رسالة وكان المرسل الكاتب رائد قاسم الذي لم يتسنَّ لي للآن أن ألتقي به أو أسمع صوته حتى...
لم أجد في الرسالة مرفقاً بل وجدت كلمة مرفق الملف وفقط... عدت واتصلت بالماجد موضحاً له ما حدث فاقترح أن يخبرني بفحوى البيان فوافقته على ذلك...
أخبرني بأن البيان تحت عنوان تصحيح مسار الطائفة الشيعية فارتبت في العنوان في البدء وتشكلّت أول صورة ذهنية عن مدى ما سيكون في البيان، حيث كيف يتم تصحيح مسار طائفة أو مجتمع أو طبقة من خلال بيان موقع من عدة أشخاص، وكأن الموقعين لم يقرؤوا كيف تمّ التغيير وتصحيح مسار التاريخ، لتنتقل الدول الأوروبية من عصور الظلام الوسطى لعالم الحداثة، وكيف قدم بعض الفلاسفة روحه من أجل ذلك كسيبنوزا، دون أن نهمل المعطيات الواقعية كصعود الطبقة البرجوازية والظروف المادية التي أحاطت بتلك الفترة من التاريخ، مما جعل إمكانية انبثاق عالم الحداثة (التغيير والتصحيح) ومراجعة التصور الذهني لكل ما سبق ممكناً، إلا إن أصحابنا هنا قد قفزوا فوق الوقائع والواقع، واضعين في حسبانهم أن مسار الطائفة الشيعية سيتغير وفق هذا البيان ووفق توقيعاتهم...
ذكر الماجد بأن البيان يتناول موضوع الخمس دون أن يوضّح ما يتعرّض له البيان من اعتراضات وإشكالات أفترض مسبقاً بأنها معرفية، بل اكتفى بأن أحالني لكتابات رائد قاسم في هذا الصدد...
ثم انتقل لرجال الدين وتدخلهم في الحياة منطلقاً من رفض ذلك والغريب أن رائداً والماجد يتكلّمون عن الحرية دوماً في مقالاتهم وهنا يريدان أن يقصيا رجال الدين باعتبارهم فاعلين اجتماعيين لهم حق ممارسة هذه الفعالية في إطار المجتمع المدني الذي سيتعامل معهم كفاعلين وسيتعامل مع المسجد أو الحوزة كمؤسسة مدنية تندرج ضمن قانون المجتمع المدنيّ...
وعلى الرغم من أني أنطلق في رؤيتي من رؤية علمانية لتنظيم المجتمع وبناء الدولة إلا أن علمانيتي ذاتها هي التي تجبرني وتجعلني أرى حق رجال الدين في هذه الحرية، إلا إن ما لا يمكنني قبوله هو احتكار الحقيقة وانتزاع الشرعية من خلال مقولات الدين وإقامة سلطتهم من خلال تلك المقولات، وهنا الحدود التي أقف فيها مع رجل الدين على مفترق طريقين مختلفين...
عندما انتهى الماجد من ذكر فحوى البيان تفاجأت بعد عدّة أيام بأن رفض عصمة الأئمة لم ترد في محتوى ما قاله في تلك المكالمة (دون أن أفترض سوء النية) وقد بررت له رفضي بعدّة أمور كانت تلك الأمور هي أن التصحيح بالرغم من إنه مطلب أخال الغالبية ترفعه شعاراً إلا إن البيانات بشكل عام لا تجدي في أي محاولة تغيير حيث أنها لا تعدو أن تكون خطاباً تحريضياً تعبوياً له استشراؤه الإعلامي لتسجيل رفض أو دعوة من قبل أشخاص، وغالباً ما يأتي البيان انعكاسا لحالة آنية كاعتقال كاتب أو محاكمة مفكر وغير ذلك...
هذا من جهة... أما من جهة أخرى فربما لي رأي في مسألة من المسائل التي يتناولها البيان، أقول ربما لكن الأكيد كما قلت للماجد ليلتها بأن المسائل التي يتناولها البيان مسائل أعيد إنتاجها على مرّ عصور طويلة، محاطة بسلطة المقدّس وأسيجته التي تجعل محاولة الاقتراب منها مرعباً، شائكاً، مليئاً بالمخاطر والمزالق، هذا في حال امتلاك المقترب لأدواته المعرفيّة التي تمكّنه من تفكيك بنية هذه الأفكار من داخلها، لكن أصحاب البيان تعاملوا مع المسائل بسطحية وتبسيط شديدين، حيث أتساءل هنا عمن وقع في البيان وما مدى امتلاكه للأدوات النقدية التي تخوّله لطرح بيان يفترض أنه خلاصة أفكار وبحوث طرحت سابقاً، وهذا البيان ما هو إلا تذكير بتلك المراجعات التي أثبتت حقيقيتها، وتغلغلت في طبقات المجتمع وشكلّت رؤية مغايرة حول هذه الأفكار، أما أن يأتي بعض من المثقفين ويعلنوا من خلال بيان تصحيح مسار طائفة كاملة فهذا ما يعبّر عن أوهام المثقف كما وضعها علي حرب في كتابه " أوهام النخبة أو نقد المثقف " تحت مرآة ليرى المثقف حجمه الحقيقي ومقدار ادعاءاته...
لن أطيل في الحديث أكثر من هذا، لكني قلت في نفسي بعد أن أغلق الماجد الهاتف بأن الموقعين سيأخذون امتداداً إعلامياً واسعاً وسيوضعون تحت مقصلة التشهير والتجريح كما هي المجتمعات التي لم تأخذ حظاً كبيراً من الوعي النقديّ، وقد أخبرت الماجد بأني لا أستطيع أن أدفعها من أجل لا شيء أو فائدة، لكن ما أنا متأكد منه أن الطائفة الشيعية ستسير في مسارها كما هي الآن، ولن يؤثر بيان الأخوة الأعزاء إلا على أنفسهم فقط، حيث أوضحوا بأنهم ينظرون لأنفسم من خلال مرايا محدّبة، وما حدث أعادهم لينظرون لأنفسهم من خلال مرآة مستوية، إن لم تكن تلك المرايا مقعّرة حيث أثبت تراجع البعض ذلك...
رد مع اقتباس
