علي هامش الضجة المثارة بين حزب الله ومصر: ماذا يعني مفهوم الأمن القومي؟ (2/2)![]()
![]()
الكاتب د. رفعت سيد أحمد الاثنين, 20 أبريل 2009 21:54
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
* إن أي حديث جاد عن (أمن قومي مصري) لابد وأن يضع مواجهة الخطر الإسرائيلي في مقدمته.
* إن توفير الحماية لإسرائيل من المقاومة بوسائل مختلفة هو ما يهدد الأمن القومي العربي
* الأمن القومي العربي مفهوم مركب، له أبعاده، ونقاط قوته وضعفه ومن المهم التعامل معها إذا أردنا بقاء هذه الأمة.
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
* مع تزايد وتيرة الاتهامات الموجهة لحزب الله وما سمي بتنظيمه في مصر، فإن مفهوم الأمن القومي يكتسب أهمية كبيرة حين يترجم إلي أمن قومي عربي، وفي قلبه (أمن قومي مصري)، فإذا فهم الاخير باعتباره جزء من الأول ويدور في فلكه وأن لا قوام له إلا بالارتباط الصحيح غير المعوج به، فإننا في هذا السياق نتحدث عن أمن قومي حقيقي، وليس مفتعلاً، أمن قومي للدولة وللشعب وليس للنظام وللقوى المستفيدة منه، فحسب، إننا بهذا المعنى، نؤكد أن أبرز تحديات الأمن القومي المصري (الصحيح) وليس المعوج كما يروج هذه الأيام ـ هو ذلك الذي تكون إسرائيل فيه هي العدو المطلوب مواجهته بكافة الوسائل ليس بالضرورة الحرب المسلحة كما يروج البعض لكي يخيفوا الناس ويزيفوا وعيهم!أو علي الأقل تحييد خطره، ولا قيمة هنا لما يسمى باتفاقات كامب ديفيد فلقد انتهكتها إسرائيل (78 مرة طيلة الـ30 عاماً الماضية منذ توقيعها عام 1979 ولدينا إحصائيات دقيقة ستنشر في الموسوعة التي نعدها عن (ثلاثون عاماً من التطبيع) والتي ستصدر قريباً عن دار الشروق الدولية بإذن الله) ـ ومارست التجسس الفاضح والمكلفة مادياً وأمنياً علي مصر (57 مرة طيلة السنوات السابقة) والوثائق لدينا.
* هل تتذكرون عائلة (مصراتي) التي بال (من البول) والدهم علي المحكمة التي كانت تحاكمه بتهمة التجسس، هل تتذكرون الجاسوس عزام الذي أهان مصر ورئيسها بعد الإفراج غير المفهوم عنه! ثم إن إسرائيل أهانت الدور المصري الإقليمي في كافة الملفات الساخنة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني عشرات المرات، ورغم ذلك يتعاملون مع تل أبيب (بحنان بالغ) وبتسامح بالغ!!
علي أية حال: إذا ما فهم الأمن القومي المصري بمعناه الصحيح فإن مواحهة الخطر الإسرائيلي يأتي في مقدمته، وليس تقديم الحماية له كما حدث ولا يزال يحدث!!
* إن هذا يدفعنا إلي الحديث عن تقاليد وثوابت الأمن القومي العربي، في ظل التطورات الجديدة فماذا عنه؟
* * * *
إن ما يجري للأمة العربية هذه الأيام وبخاصة في مناطق الالتهاب الرئيسية (فلسطين ـ لبنان ـ العراق ـ السودان)، دفع العديد من المفكرين والسياسيين إلى الكفر بمفهوم (الأمن القومي العربي) وبأنه مفهوم لا وجود له إلا في رؤوس بعض المتفائلين من أمثالنا من الكتاب والمثقفين الحالمين، وتمضي هذه التحليلات خطوة أخرى لتقول أن هذا المفهوم يفترض وفقاً لتعريفه الشائع وجود (الدولة) القومية الواحدة و(الإدراك القومي المشترك) و(السيادة القومية غير الناقصة) كعناصر أصيلة يتم تنظيمها وخلق المفاهيم حولها، فماذا عن الأمة العربية، إنها ببساطة تفتقد هذه الأيام العناصر الثلاثة مجتمعة، أو على الأقل تفتقد اثنين منها، ومن هنا يصير مجرد الحديث عن مفهوم الأمن القومي العربي، حديث من باب التفكير بالأماني.
ولكن المعالجة الأكثر صواباً ينبغي أن تصبح معالجة لما ينبغي أن يكون وليس (لما هو كائن بالفعل) وإن ظل الحاضر ـ دائماً ـ عنصراً فاعلاً فيها.
وإذا سلمنا بهذه الحقيقة فإنه يمكن الحديث عن إطار عام أصولي مفترض للأمن القومي العربي ظل ثابتاً تقريباً قبل قيام الكيان الصهيوني عام 1948 إلى أن جاءت تلك الدولة العدوانية فأدخلت عليه متغيرات جديدة ،فرضت عليه تطوراً جديداً، وهذا الإطار العام يجعل من الماضي القريب، وتحديداً قبل وفاة عبد الناصر 1970، خلفيته الأصيلة في التعامل مع المفهوم، حيث يتعامل مع المنطقة العربية كجسد سياسي واحد، ويمتلك مقومات للقوة وعناصر للضعف، وله أهداف واحدة ومحاط بتهديدات مشتركة، ومن هذا المنطلق نضع الإطار العام للأمن القومي العربي كما استقر بعد نشأة الكيان الصهيوني وسلسلة اعتداءاته على البلاد العربية المستمرة حتى يومنا هذا.
* * * *
خلصنا فيما سبق وكتبناه إلى تعريفات متعددة لمفهوم (الأمن القومي) لم نشأ أن نمحورها حول تعريف واحد، حتى يسهل إدراك المفهوم من زوايا مختلفة. ولكن يمكن تقديم تصور مبدئي للمفهوم يسمح بتطبيقه على أية دولة تمتلك مقومات (الدولة القومية) أو (الدولة ـ الأمة) بمعنى أدق، وهو التصور الذي يرى أن (الأمن القومي) مفهوم معقد، يعني (قدرة الدولة ـ الأمة على حماية كيانها الذاتي ونظام قيمها الداخلية والتاريخية الثابتة)، والقدرة هنا تتدرج من القدرة الاقتصادية، فالسياسية فالعسكرية، على حمايتها من خطر التهديد المباشر، أو غير المباشر، الخارجي أو الداخلي، والمسبب لحالة من (الهزيمة)، التي تتدرج من التعطيل المؤقت لعمليات التنمية إلى التهديد الكامل لحق البقاء الإرادي فإذا كان هذا هو المقصود بالأمن القومي، فماذا عن الأمن القومي العربي؟
إن الوطن العربي ـ بداية ـ يحمل بين طياته العناصر الأصيلة المكونة لهذا المفهوم ولغيره من مفاهيم الوحدة والتجانس، وإن لم يجد إلى الآن من يصوغها ويحيلها إلى مبادئ نظراً لأن أغلب الحكام العرب يسبحون اليوم بحمد واشنطن العدو الاستراتيجي للأمن القومي العربي، إن الوطن العربي من خلال امتداده الإقليمي؛ الأرض الواحدة، ومن خلال وحدة تاريخه؛ لغته وعنصر الولاء القومي بين شعوبه، ووحدة الأمل والمصير، يمتلك مقومات (الأمة الواحدة) الأمة العربية و(الدولة الواحدة) من هنا فإن الأمن القومي العربي كتصور مبدئي يمكن أن يعرّف وفق المعايير السابقة باعتباره (قدرة الأمة العربية من خلال نظامها السياسي الواحد ـ المفترض ـ على حماية الكيان الذاتي العربي ونظام القيم العربية التاريخية الثابتة ـ المادية والمعنوية ـ ومن خلال منظومة من الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حمايتها من خطر التهديد المباشر أو غير المباشر، خارج الحدود ـ أي دولياً ـ أو داخل الحدود، بدءاً بالتخلف وحالات التبعية لواشنطن خاصة بعد غزوها للعراق وانتهاءاً بإسرائيل، وهو التهديد الذي سبب ـ ولا يزال ـ حالة من الهزيمة والانكسار العربي تمثلت مظاهرهما في فقدان الإرادة العربية لاستقلاليتها وفي تعطيل عمليات التنمية وبروز دور الشركات متعددة الجنسية، وفي تضخم الظاهرة الصهيونية إلى حد الاعتراف بشرعيتها، وهي المظاهر التي قد تنتهي بتهديد حق البقاء الإرادي للجسد العربي. إن الأمن القومي بهذا المعنى يصبح تعبيراً عن ثلاثة مطالب رئيسية، على الجسد العربي أن يحققها ليمتلك بهذا معطيات حق البقاء أي معطيات أمنه القومي:
المطلب الأول: الأمن القومي العربي كتعبير عن فكرة (الضرورة) التي تعني حق الدفاع عن النفس وهو الحق الذي يتطلب بالتبعية القدرة العسكرية المتقدمة والمنظمة والمتجانسة.
المطلب الثاني: الأمن القومي كتعبير عن (وحدة الإرادة) تجاه (وحدة الخطر)، بهذا المعنى، الوحدة العربية ضرورة سابقة على بناء المفهوم، ليس فقط الوحدة العربية التي بلا مضمون، بل (الوحدة العربية) النابعة من الإدراك الواحد المشترك للخطر المحيط أو الدخيل (إسرائيل نموذجاً) أو الداخلي.
المطلب الثالث: الأمن القومي العربي كتعبير عن (حق التنمية المستقلة وبناء الذات) حيث تصير التنمية هنا هي جوهر الأمن فالتخلف والتبعية مصدران خصبان لاختراق حاجز الأمن أياً كانت قوته، ومن هنا فإن التنمية العربية المستقلة النابعة من التكامل بين أجزاء الوطن العربي تمثل المناعة الذاتية غير العسكرية للأمن القومي العربي.
مطالب ثلاثة إذن، من تعانقها وتفاعلها يتحدد الوجه الحقيقي لأمن الوطن العربي، وهي المطالب التعريفية التي بإحالتها إلى متغيرات إجرائية تصبح حديثاً عن أوجه القوة وأوجه الضعف داخل الجسد العربي.
* * * *
إن مناطق الضعف في الجسد العربي يمكن بلورتها في الآتي:
* إخفاق أغلب عمليات التنمية المستقلة غير المعتمدة على عنصر الاستثمارات الخارجية أو الشركات متعددة الجنسية، ويمثل عدم التوظيف الجيد للإمكانات العربية البشرية والمادية ـ البترولية ـ مثالاً واضحاً لهذا الإخفاق وكيف تحول نفط الخليج على سبيل المثال إلى نقمة على أهله وعلى المنطقة وليس إلى نعمة كما كان مفترضاً.
* الوجود العنصري الصهيوني بفلسطين العربية كنموذج لأحد معوقات النمو والتقدم الاجتماعي والسياسي بل والحضاري العربي، وكنموذج للفشل وللضعف العربي مضافاً إليه وخادماً له الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان.
* سيادة أنظمة الاستبداد والفساد والعائلة الواحدة، والتي لكي تبقى توظف كل وسائل الكذب والدجل الإعلامي والسياسي لتصرف الجماهير عن مواجهة وإسقاط هذه الأنظمة التي هي الحليف الطبيعي المعادي للأمن القومي العربي في معناه الصحيح.
* إن الأمن القومي العربي وفي قلبه أمن مصر القومي ـ لا يستقيم عقلاً، ومصلحة دونما موقف جاد وقوي ضد الخطر الإسرائيلي، وفي هذا السياق ينبغي علي العقلاء في أنظمة الحكم (إن كان ثمة عقلاء) أن يعتبروا المقاومة بعداً إضافياً وليس خصماً من رصيدها، وأن برتبوا معها سبل الدعم والتعاون ومواجهة العدو الحقيقي للأمة ولأمنها القومي، العدو الصهيوني، لا أن ينصبوا لها سركاً من الشتائم، والشتامين عندما تخطئ في التقدير أو الفعل، يسئ لتلك الأنظمة ويكشفها أكثر مما يسئ للمقاومة التي يحاصرونها ليل نهار، سواء بالجغرافيا أو عبر السياسة وقوة النفط الذي ملأ الأفواه بديلاً عن الماء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
علي هامش الضجة المثارة بين حزب الله ومصر: ماذا يعني مفهوم الأمن القومي؟ (2/2)![]()
![]()
الكاتب د. رفعت سيد أحمد الاثنين, 20 أبريل 2009 21:54
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
* إن أي حديث جاد عن (أمن قومي مصري) لابد وأن يضع مواجهة الخطر الإسرائيلي في مقدمته.
* إن توفير الحماية لإسرائيل من المقاومة بوسائل مختلفة هو ما يهدد الأمن القومي العربي
* الأمن القومي العربي مفهوم مركب، له أبعاده، ونقاط قوته وضعفه ومن المهم التعامل معها إذا أردنا بقاء هذه الأمة.
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
* مع تزايد وتيرة الاتهامات الموجهة لحزب الله وما سمي بتنظيمه في مصر، فإن مفهوم الأمن القومي يكتسب أهمية كبيرة حين يترجم إلي أمن قومي عربي، وفي قلبه (أمن قومي مصري)، فإذا فهم الاخير باعتباره جزء من الأول ويدور في فلكه وأن لا قوام له إلا بالارتباط الصحيح غير المعوج به، فإننا في هذا السياق نتحدث عن أمن قومي حقيقي، وليس مفتعلاً، أمن قومي للدولة وللشعب وليس للنظام وللقوى المستفيدة منه، فحسب، إننا بهذا المعنى، نؤكد أن أبرز تحديات الأمن القومي المصري (الصحيح) وليس المعوج كما يروج هذه الأيام ـ هو ذلك الذي تكون إسرائيل فيه هي العدو المطلوب مواجهته بكافة الوسائل ليس بالضرورة الحرب المسلحة كما يروج البعض لكي يخيفوا الناس ويزيفوا وعيهم!أو علي الأقل تحييد خطره، ولا قيمة هنا لما يسمى باتفاقات كامب ديفيد فلقد انتهكتها إسرائيل (78 مرة طيلة الـ30 عاماً الماضية منذ توقيعها عام 1979 ولدينا إحصائيات دقيقة ستنشر في الموسوعة التي نعدها عن (ثلاثون عاماً من التطبيع) والتي ستصدر قريباً عن دار الشروق الدولية بإذن الله) ـ ومارست التجسس الفاضح والمكلفة مادياً وأمنياً علي مصر (57 مرة طيلة السنوات السابقة) والوثائق لدينا.
* هل تتذكرون عائلة (مصراتي) التي بال (من البول) والدهم علي المحكمة التي كانت تحاكمه بتهمة التجسس، هل تتذكرون الجاسوس عزام الذي أهان مصر ورئيسها بعد الإفراج غير المفهوم عنه! ثم إن إسرائيل أهانت الدور المصري الإقليمي في كافة الملفات الساخنة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني عشرات المرات، ورغم ذلك يتعاملون مع تل أبيب (بحنان بالغ) وبتسامح بالغ!!
علي أية حال: إذا ما فهم الأمن القومي المصري بمعناه الصحيح فإن مواحهة الخطر الإسرائيلي يأتي في مقدمته، وليس تقديم الحماية له كما حدث ولا يزال يحدث!!
* إن هذا يدفعنا إلي الحديث عن تقاليد وثوابت الأمن القومي العربي، في ظل التطورات الجديدة فماذا عنه؟
* * * *
إن ما يجري للأمة العربية هذه الأيام وبخاصة في مناطق الالتهاب الرئيسية (فلسطين ـ لبنان ـ العراق ـ السودان)، دفع العديد من المفكرين والسياسيين إلى الكفر بمفهوم (الأمن القومي العربي) وبأنه مفهوم لا وجود له إلا في رؤوس بعض المتفائلين من أمثالنا من الكتاب والمثقفين الحالمين، وتمضي هذه التحليلات خطوة أخرى لتقول أن هذا المفهوم يفترض وفقاً لتعريفه الشائع وجود (الدولة) القومية الواحدة و(الإدراك القومي المشترك) و(السيادة القومية غير الناقصة) كعناصر أصيلة يتم تنظيمها وخلق المفاهيم حولها، فماذا عن الأمة العربية، إنها ببساطة تفتقد هذه الأيام العناصر الثلاثة مجتمعة، أو على الأقل تفتقد اثنين منها، ومن هنا يصير مجرد الحديث عن مفهوم الأمن القومي العربي، حديث من باب التفكير بالأماني.
ولكن المعالجة الأكثر صواباً ينبغي أن تصبح معالجة لما ينبغي أن يكون وليس (لما هو كائن بالفعل) وإن ظل الحاضر ـ دائماً ـ عنصراً فاعلاً فيها.
وإذا سلمنا بهذه الحقيقة فإنه يمكن الحديث عن إطار عام أصولي مفترض للأمن القومي العربي ظل ثابتاً تقريباً قبل قيام الكيان الصهيوني عام 1948 إلى أن جاءت تلك الدولة العدوانية فأدخلت عليه متغيرات جديدة ،فرضت عليه تطوراً جديداً، وهذا الإطار العام يجعل من الماضي القريب، وتحديداً قبل وفاة عبد الناصر 1970، خلفيته الأصيلة في التعامل مع المفهوم، حيث يتعامل مع المنطقة العربية كجسد سياسي واحد، ويمتلك مقومات للقوة وعناصر للضعف، وله أهداف واحدة ومحاط بتهديدات مشتركة، ومن هذا المنطلق نضع الإطار العام للأمن القومي العربي كما استقر بعد نشأة الكيان الصهيوني وسلسلة اعتداءاته على البلاد العربية المستمرة حتى يومنا هذا.
* * * *
خلصنا فيما سبق وكتبناه إلى تعريفات متعددة لمفهوم (الأمن القومي) لم نشأ أن نمحورها حول تعريف واحد، حتى يسهل إدراك المفهوم من زوايا مختلفة. ولكن يمكن تقديم تصور مبدئي للمفهوم يسمح بتطبيقه على أية دولة تمتلك مقومات (الدولة القومية) أو (الدولة ـ الأمة) بمعنى أدق، وهو التصور الذي يرى أن (الأمن القومي) مفهوم معقد، يعني (قدرة الدولة ـ الأمة على حماية كيانها الذاتي ونظام قيمها الداخلية والتاريخية الثابتة)، والقدرة هنا تتدرج من القدرة الاقتصادية، فالسياسية فالعسكرية، على حمايتها من خطر التهديد المباشر، أو غير المباشر، الخارجي أو الداخلي، والمسبب لحالة من (الهزيمة)، التي تتدرج من التعطيل المؤقت لعمليات التنمية إلى التهديد الكامل لحق البقاء الإرادي فإذا كان هذا هو المقصود بالأمن القومي، فماذا عن الأمن القومي العربي؟
إن الوطن العربي ـ بداية ـ يحمل بين طياته العناصر الأصيلة المكونة لهذا المفهوم ولغيره من مفاهيم الوحدة والتجانس، وإن لم يجد إلى الآن من يصوغها ويحيلها إلى مبادئ نظراً لأن أغلب الحكام العرب يسبحون اليوم بحمد واشنطن العدو الاستراتيجي للأمن القومي العربي، إن الوطن العربي من خلال امتداده الإقليمي؛ الأرض الواحدة، ومن خلال وحدة تاريخه؛ لغته وعنصر الولاء القومي بين شعوبه، ووحدة الأمل والمصير، يمتلك مقومات (الأمة الواحدة) الأمة العربية و(الدولة الواحدة) من هنا فإن الأمن القومي العربي كتصور مبدئي يمكن أن يعرّف وفق المعايير السابقة باعتباره (قدرة الأمة العربية من خلال نظامها السياسي الواحد ـ المفترض ـ على حماية الكيان الذاتي العربي ونظام القيم العربية التاريخية الثابتة ـ المادية والمعنوية ـ ومن خلال منظومة من الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حمايتها من خطر التهديد المباشر أو غير المباشر، خارج الحدود ـ أي دولياً ـ أو داخل الحدود، بدءاً بالتخلف وحالات التبعية لواشنطن خاصة بعد غزوها للعراق وانتهاءاً بإسرائيل، وهو التهديد الذي سبب ـ ولا يزال ـ حالة من الهزيمة والانكسار العربي تمثلت مظاهرهما في فقدان الإرادة العربية لاستقلاليتها وفي تعطيل عمليات التنمية وبروز دور الشركات متعددة الجنسية، وفي تضخم الظاهرة الصهيونية إلى حد الاعتراف بشرعيتها، وهي المظاهر التي قد تنتهي بتهديد حق البقاء الإرادي للجسد العربي. إن الأمن القومي بهذا المعنى يصبح تعبيراً عن ثلاثة مطالب رئيسية، على الجسد العربي أن يحققها ليمتلك بهذا معطيات حق البقاء أي معطيات أمنه القومي:
المطلب الأول: الأمن القومي العربي كتعبير عن فكرة (الضرورة) التي تعني حق الدفاع عن النفس وهو الحق الذي يتطلب بالتبعية القدرة العسكرية المتقدمة والمنظمة والمتجانسة.
المطلب الثاني: الأمن القومي كتعبير عن (وحدة الإرادة) تجاه (وحدة الخطر)، بهذا المعنى، الوحدة العربية ضرورة سابقة على بناء المفهوم، ليس فقط الوحدة العربية التي بلا مضمون، بل (الوحدة العربية) النابعة من الإدراك الواحد المشترك للخطر المحيط أو الدخيل (إسرائيل نموذجاً) أو الداخلي.
المطلب الثالث: الأمن القومي العربي كتعبير عن (حق التنمية المستقلة وبناء الذات) حيث تصير التنمية هنا هي جوهر الأمن فالتخلف والتبعية مصدران خصبان لاختراق حاجز الأمن أياً كانت قوته، ومن هنا فإن التنمية العربية المستقلة النابعة من التكامل بين أجزاء الوطن العربي تمثل المناعة الذاتية غير العسكرية للأمن القومي العربي.
مطالب ثلاثة إذن، من تعانقها وتفاعلها يتحدد الوجه الحقيقي لأمن الوطن العربي، وهي المطالب التعريفية التي بإحالتها إلى متغيرات إجرائية تصبح حديثاً عن أوجه القوة وأوجه الضعف داخل الجسد العربي.
* * * *
إن مناطق الضعف في الجسد العربي يمكن بلورتها في الآتي:
* إخفاق أغلب عمليات التنمية المستقلة غير المعتمدة على عنصر الاستثمارات الخارجية أو الشركات متعددة الجنسية، ويمثل عدم التوظيف الجيد للإمكانات العربية البشرية والمادية ـ البترولية ـ مثالاً واضحاً لهذا الإخفاق وكيف تحول نفط الخليج على سبيل المثال إلى نقمة على أهله وعلى المنطقة وليس إلى نعمة كما كان مفترضاً.
* الوجود العنصري الصهيوني بفلسطين العربية كنموذج لأحد معوقات النمو والتقدم الاجتماعي والسياسي بل والحضاري العربي، وكنموذج للفشل وللضعف العربي مضافاً إليه وخادماً له الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان.
* سيادة أنظمة الاستبداد والفساد والعائلة الواحدة، والتي لكي تبقى توظف كل وسائل الكذب والدجل الإعلامي والسياسي لتصرف الجماهير عن مواجهة وإسقاط هذه الأنظمة التي هي الحليف الطبيعي المعادي للأمن القومي العربي في معناه الصحيح.
* إن الأمن القومي العربي وفي قلبه أمن مصر القومي ـ لا يستقيم عقلاً، ومصلحة دونما موقف جاد وقوي ضد الخطر الإسرائيلي، وفي هذا السياق ينبغي علي العقلاء في أنظمة الحكم (إن كان ثمة عقلاء) أن يعتبروا المقاومة بعداً إضافياً وليس خصماً من رصيدها، وأن برتبوا معها سبل الدعم والتعاون ومواجهة العدو الحقيقي للأمة ولأمنها القومي، العدو الصهيوني، لا أن ينصبوا لها سركاً من الشتائم، والشتامين عندما تخطئ في التقدير أو الفعل، يسئ لتلك الأنظمة ويكشفها أكثر مما يسئ للمقاومة التي يحاصرونها ليل نهار، سواء بالجغرافيا أو عبر السياسة وقوة النفط الذي ملأ الأفواه بديلاً عن الماء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلم: د. رفعت سيد أحمد
علي هامش الضجة المثارة بين حزب الله ومصر: ماذا يعني مفهوم الأمن القومي؟ (2/2)
* إن أي حديث جاد عن (أمن قومي مصري) لابد وأن يضع مواجهة الخطر الإسرائيلي في مقدمته.
* إن توفير الحماية لإسرائيل من المقاومة بوسائل مختلفة هو ما يهدد الأمن القومي العربي
* الأمن القومي العربي مفهوم مركب، له أبعاده، ونقاط قوته وضعفه ومن المهم التعامل معها إذا أردنا بقاء هذه الأمة.
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
* مع تزايد وتيرة الاتهامات الموجهة لحزب الله وما سمي بتنظيمه في مصر، فإن مفهوم الأمن القومي يكتسب أهمية كبيرة حين يترجم إلي أمن قومي عربي، وفي قلبه (أمن قومي مصري)، فإذا فهم الاخير باعتباره جزء من الأول ويدور في فلكه وأن لا قوام له إلا بالارتباط الصحيح غير المعوج به، فإننا في هذا السياق نتحدث عن أمن قومي حقيقي، وليس مفتعلاً، أمن قومي للدولة وللشعب وليس للنظام وللقوى المستفيدة منه، فحسب، إننا بهذا المعنى، نؤكد أن أبرز تحديات الأمن القومي المصري (الصحيح) وليس المعوج كما يروج هذه الأيام ـ هو ذلك الذي تكون إسرائيل فيه هي العدو المطلوب مواجهته بكافة الوسائل ليس بالضرورة الحرب المسلحة كما يروج البعض لكي يخيفوا الناس ويزيفوا وعيهم!أو علي الأقل تحييد خطره، ولا قيمة هنا لما يسمى باتفاقات كامب ديفيد فلقد انتهكتها إسرائيل (78 مرة طيلة الـ30 عاماً الماضية منذ توقيعها عام 1979 ولدينا إحصائيات دقيقة ستنشر في الموسوعة التي نعدها عن (ثلاثون عاماً من التطبيع) والتي ستصدر قريباً عن دار الشروق الدولية بإذن الله) ـ ومارست التجسس الفاضح والمكلفة مادياً وأمنياً علي مصر (57 مرة طيلة السنوات السابقة) والوثائق لدينا.
* هل تتذكرون عائلة (مصراتي) التي بال (من البول) والدهم علي المحكمة التي كانت تحاكمه بتهمة التجسس، هل تتذكرون الجاسوس عزام الذي أهان مصر ورئيسها بعد الإفراج غير المفهوم عنه! ثم إن إسرائيل أهانت الدور المصري الإقليمي في كافة الملفات الساخنة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني عشرات المرات، ورغم ذلك يتعاملون مع تل أبيب (بحنان بالغ) وبتسامح بالغ!!
علي أية حال: إذا ما فهم الأمن القومي المصري بمعناه الصحيح فإن مواحهة الخطر الإسرائيلي يأتي في مقدمته، وليس تقديم الحماية له كما حدث ولا يزال يحدث!!
* إن هذا يدفعنا إلي الحديث عن تقاليد وثوابت الأمن القومي العربي، في ظل التطورات الجديدة فماذا عنه؟
* * * *
إن ما يجري للأمة العربية هذه الأيام وبخاصة في مناطق الالتهاب الرئيسية (فلسطين ـ لبنان ـ العراق ـ السودان)، دفع العديد من المفكرين والسياسيين إلى الكفر بمفهوم (الأمن القومي العربي) وبأنه مفهوم لا وجود له إلا في رؤوس بعض المتفائلين من أمثالنا من الكتاب والمثقفين الحالمين، وتمضي هذه التحليلات خطوة أخرى لتقول أن هذا المفهوم يفترض وفقاً لتعريفه الشائع وجود (الدولة) القومية الواحدة و(الإدراك القومي المشترك) و(السيادة القومية غير الناقصة) كعناصر أصيلة يتم تنظيمها وخلق المفاهيم حولها، فماذا عن الأمة العربية، إنها ببساطة تفتقد هذه الأيام العناصر الثلاثة مجتمعة، أو على الأقل تفتقد اثنين منها، ومن هنا يصير مجرد الحديث عن مفهوم الأمن القومي العربي، حديث من باب التفكير بالأماني.
ولكن المعالجة الأكثر صواباً ينبغي أن تصبح معالجة لما ينبغي أن يكون وليس (لما هو كائن بالفعل) وإن ظل الحاضر ـ دائماً ـ عنصراً فاعلاً فيها.
وإذا سلمنا بهذه الحقيقة فإنه يمكن الحديث عن إطار عام أصولي مفترض للأمن القومي العربي ظل ثابتاً تقريباً قبل قيام الكيان الصهيوني عام 1948 إلى أن جاءت تلك الدولة العدوانية فأدخلت عليه متغيرات جديدة ،فرضت عليه تطوراً جديداً، وهذا الإطار العام يجعل من الماضي القريب، وتحديداً قبل وفاة عبد الناصر 1970، خلفيته الأصيلة في التعامل مع المفهوم، حيث يتعامل مع المنطقة العربية كجسد سياسي واحد، ويمتلك مقومات للقوة وعناصر للضعف، وله أهداف واحدة ومحاط بتهديدات مشتركة، ومن هذا المنطلق نضع الإطار العام للأمن القومي العربي كما استقر بعد نشأة الكيان الصهيوني وسلسلة اعتداءاته على البلاد العربية المستمرة حتى يومنا هذا.
* * * *
خلصنا فيما سبق وكتبناه إلى تعريفات متعددة لمفهوم (الأمن القومي) لم نشأ أن نمحورها حول تعريف واحد، حتى يسهل إدراك المفهوم من زوايا مختلفة. ولكن يمكن تقديم تصور مبدئي للمفهوم يسمح بتطبيقه على أية دولة تمتلك مقومات (الدولة القومية) أو (الدولة ـ الأمة) بمعنى أدق، وهو التصور الذي يرى أن (الأمن القومي) مفهوم معقد، يعني (قدرة الدولة ـ الأمة على حماية كيانها الذاتي ونظام قيمها الداخلية والتاريخية الثابتة)، والقدرة هنا تتدرج من القدرة الاقتصادية، فالسياسية فالعسكرية، على حمايتها من خطر التهديد المباشر، أو غير المباشر، الخارجي أو الداخلي، والمسبب لحالة من (الهزيمة)، التي تتدرج من التعطيل المؤقت لعمليات التنمية إلى التهديد الكامل لحق البقاء الإرادي فإذا كان هذا هو المقصود بالأمن القومي، فماذا عن الأمن القومي العربي؟
إن الوطن العربي ـ بداية ـ يحمل بين طياته العناصر الأصيلة المكونة لهذا المفهوم ولغيره من مفاهيم الوحدة والتجانس، وإن لم يجد إلى الآن من يصوغها ويحيلها إلى مبادئ نظراً لأن أغلب الحكام العرب يسبحون اليوم بحمد واشنطن العدو الاستراتيجي للأمن القومي العربي، إن الوطن العربي من خلال امتداده الإقليمي؛ الأرض الواحدة، ومن خلال وحدة تاريخه؛ لغته وعنصر الولاء القومي بين شعوبه، ووحدة الأمل والمصير، يمتلك مقومات (الأمة الواحدة) الأمة العربية و(الدولة الواحدة) من هنا فإن الأمن القومي العربي كتصور مبدئي يمكن أن يعرّف وفق المعايير السابقة باعتباره (قدرة الأمة العربية من خلال نظامها السياسي الواحد ـ المفترض ـ على حماية الكيان الذاتي العربي ونظام القيم العربية التاريخية الثابتة ـ المادية والمعنوية ـ ومن خلال منظومة من الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حمايتها من خطر التهديد المباشر أو غير المباشر، خارج الحدود ـ أي دولياً ـ أو داخل الحدود، بدءاً بالتخلف وحالات التبعية لواشنطن خاصة بعد غزوها للعراق وانتهاءاً بإسرائيل، وهو التهديد الذي سبب ـ ولا يزال ـ حالة من الهزيمة والانكسار العربي تمثلت مظاهرهما في فقدان الإرادة العربية لاستقلاليتها وفي تعطيل عمليات التنمية وبروز دور الشركات متعددة الجنسية، وفي تضخم الظاهرة الصهيونية إلى حد الاعتراف بشرعيتها، وهي المظاهر التي قد تنتهي بتهديد حق البقاء الإرادي للجسد العربي. إن الأمن القومي بهذا المعنى يصبح تعبيراً عن ثلاثة مطالب رئيسية، على الجسد العربي أن يحققها ليمتلك بهذا معطيات حق البقاء أي معطيات أمنه القومي:
المطلب الأول: الأمن القومي العربي كتعبير عن فكرة (الضرورة) التي تعني حق الدفاع عن النفس وهو الحق الذي يتطلب بالتبعية القدرة العسكرية المتقدمة والمنظمة والمتجانسة.
المطلب الثاني: الأمن القومي كتعبير عن (وحدة الإرادة) تجاه (وحدة الخطر)، بهذا المعنى، الوحدة العربية ضرورة سابقة على بناء المفهوم، ليس فقط الوحدة العربية التي بلا مضمون، بل (الوحدة العربية) النابعة من الإدراك الواحد المشترك للخطر المحيط أو الدخيل (إسرائيل نموذجاً) أو الداخلي.
المطلب الثالث: الأمن القومي العربي كتعبير عن (حق التنمية المستقلة وبناء الذات) حيث تصير التنمية هنا هي جوهر الأمن فالتخلف والتبعية مصدران خصبان لاختراق حاجز الأمن أياً كانت قوته، ومن هنا فإن التنمية العربية المستقلة النابعة من التكامل بين أجزاء الوطن العربي تمثل المناعة الذاتية غير العسكرية للأمن القومي العربي.
مطالب ثلاثة إذن، من تعانقها وتفاعلها يتحدد الوجه الحقيقي لأمن الوطن العربي، وهي المطالب التعريفية التي بإحالتها إلى متغيرات إجرائية تصبح حديثاً عن أوجه القوة وأوجه الضعف داخل الجسد العربي.
* * * *
إن مناطق الضعف في الجسد العربي يمكن بلورتها في الآتي:
* إخفاق أغلب عمليات التنمية المستقلة غير المعتمدة على عنصر الاستثمارات الخارجية أو الشركات متعددة الجنسية، ويمثل عدم التوظيف الجيد للإمكانات العربية البشرية والمادية ـ البترولية ـ مثالاً واضحاً لهذا الإخفاق وكيف تحول نفط الخليج على سبيل المثال إلى نقمة على أهله وعلى المنطقة وليس إلى نعمة كما كان مفترضاً.
* الوجود العنصري الصهيوني بفلسطين العربية كنموذج لأحد معوقات النمو والتقدم الاجتماعي والسياسي بل والحضاري العربي، وكنموذج للفشل وللضعف العربي مضافاً إليه وخادماً له الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان.
* سيادة أنظمة الاستبداد والفساد والعائلة الواحدة، والتي لكي تبقى توظف كل وسائل الكذب والدجل الإعلامي والسياسي لتصرف الجماهير عن مواجهة وإسقاط هذه الأنظمة التي هي الحليف الطبيعي المعادي للأمن القومي العربي في معناه الصحيح.
* إن الأمن القومي العربي وفي قلبه أمن مصر القومي ـ لا يستقيم عقلاً، ومصلحة دونما موقف جاد وقوي ضد الخطر الإسرائيلي، وفي هذا السياق ينبغي علي العقلاء في أنظمة الحكم (إن كان ثمة عقلاء) أن يعتبروا المقاومة بعداً إضافياً وليس خصماً من رصيدها، وأن برتبوا معها سبل الدعم والتعاون ومواجهة العدو الحقيقي للأمة ولأمنها القومي، العدو الصهيوني، لا أن ينصبوا لها سركاً من الشتائم، والشتامين عندما تخطئ في التقدير أو الفعل، يسئ لتلك الأنظمة ويكشفها أكثر مما يسئ للمقاومة التي يحاصرونها ليل نهار، سواء بالجغرافيا أو عبر السياسة وقوة النفط الذي ملأ الأفواه بديلاً عن الماء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
E-mail: yafafr@hotmail.com