كتاب “شبهات الملحدين والإجابة عنها” للعلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض)، إصدار “دار الهلال” و”دار الجواد” العام 1984م. كتابٌ يتصدّى لأقوال الملحدين وشبهاتهم والردّ عليها.
ويلفت المؤلّف بدايةً إلى اعتماد الملحدين في إثارة الشّبهات على معطيات العلم الحديث، بما يخصّ ما وصل إليه علم الأحياء وعلم النفس وعلم الطبيعة وغير ذلك لإثبات مدّعاهم.
يبدأ الكتاب عن أنّ فكرة الإلحاد كانت متقدّمة على الفيلسوف الوجودي الفرنسي “سارتر”، ولم يبتدعها هو بنفسه ومن وحي عبقريته، مع أنّ هذه الفكرة (الإلحاد) لا تعدو كونها مجرّد عقدة نفسيّة لدى البعض.
يقول الشيخ مغنيّة(رض): “إن فكرة الإلحاد ليست بالمشكلة التي ترتفع إلى مستوى النقاش الحادّ والإسهاب في الجدال بين العارفين المنصفين، لأنها لا تقوم على أساس من الواقع، ولا الشّواهد على وجود الله عزيزة المنال وفوق العقول والأفهام، كيف، وفي كلّ شيء له آية؟… وإنما الإلحاد عقدة نفسيّة لدى بعض المتفلسفين والمتحذلقين. وعلى أيّة حال، فإنّ وجودية “سارتر” تعتبر كلّ فرد من الإنسان قلعة في نفسها، وتضع حرّيته فوق أي اعتبار آخر، ويمتاز عن غيره من الكائنات بالاختيار، وهو يؤكّد ذاته ووجوده من خلال المواقف الّتي يختارها وينخرط فيها.. ولا وجود إطلاقاً قبل الإنسان أو بعده لأيّة قوّة أو مبدأ أو شريعة خارجة عنه يسوّغ لها أن تفرض نفسها عليه، هذا تلخيص سريع لفلسفة “سارتر” الوجوديّة”…[الكتاب، ص:12-13].
ويتابع الشيخ مغنيّة(رض) مناقشة فلسفة “سارتر”، إذ يشير إلى التفريق غير المبرر والمنطقي لأفكار “سارتر”، الّذي أباح للعقول والأفهام أن تكتشف أسرار الكون والإفادة منها مادّياً، ولا يبيح للعقول ذاتها أن تتحرك للاستدلال بالشواهد الكونية على وجود الخالق المبدع المدبِّر.
ويتساءل الشيخ مغنيّة(رض): “ونحن نؤمن بالله لدليل عندنا وليس عند “سارتر”، وهو يكفر لشبهة عنده وليست عندنا، فهل يسوَّغ له، وهو لا يملك الدّليل المسلَّم به عندنا، أن ينكر علينا الإيمان لشبهته، ولا يسوَّغ لنا أن ننكر عليه الإلحاد لدليلنا؟”.[الكتاب/ص:16].
ويتابع الشّيخ مغنيّة(رض)، بأنَّ أدلّة المؤمنين بالله ليست ارتجاليّة، ولا هي جزئيّات وكلمات متناثرة لا يجمعها ضابط، بل لها أصولها وقواعدها المحتكمة إلى منطق الحسّ والعقل والقلب في كلّ ما يمتّ إلى العقيدة بصلة. فكلّ شيء في الوجود، صغيره وكبيره، يسير على نظام محكم الإتقان ومنسجم مع بعضه البعض، فمن الّذي أحكم نظام الكون؟ أهي الطّبيعة العمياء الّتي تفتقر في أصل وجودها إلى مدبِّر حكيم عاقل؟!
ويؤكّد الشيخ مغنيّة أنّ ما يصل إليه العلم من اكتشافات ونتائج،كلّها تثبِّت الأدلّة على وجود الله. وبعد، فالدّين هو السّمة العامّة الّتي تحدّد حياة البشريّة كلّها، والإيمان بالله قديم وأصل قائم على العقل والحجّة والبرهان والقناعة والعلم.
يعرض الشّيخ مغنية(رض) في فصل من فصول الكتاب بعض الإشكالات بين المؤمنين والملحدين، إذ يدَّعي الملحدون أنّ الإيمان بالله لا يستند إلى حسّ وتجربة، فهو مجرّد إيمان غيبي، والكون ـ بحسب الملحدين ـ تولّد من الكون نفسه، لا من قوّة خارجة عنه، إنّه التولُّد الذّاتي أو التّفسير الميكانيكي لوجود الكون في رأيهم.
ويجيب المؤمنون على الإشكال الأوَّل بأنّ كلّ من آمن بشيء لم يرهُ فقد آمن بالغيب، والشّواهد كثيرة في الكون والطّبيعة على وجود خصائص وأمور لا يمكن أن تصل إليها يد الحسّ والتّجربة، ومع ذلك، ما من عاقل إلا ويؤمن بوجودها، فبالأولى أن يكون الإيمان بالله ضرورياً بعد ظهور آثاره في خلقه الّذي تعجز الأوهام والألسن عن وصفه.
وأجيب عن الإشكال الثاني، وهو التولّد الذّاتي، بأنّه هراء، لأنَّ المادّة جامدة عمياء لا روح فيها ولا شعور، ولا وعي ولا إدراك، فكيف نظّمت نفسها بنفسها، وقدّرت كلّ شيء في الكون تقديراً على سنن ثابتة ونواميس محكمة؟
ويجيب الشّيخ مغنيّة(رض) عن سؤال: إذا كان الله أوجد الكون، فمن أوجد الله سبحانه؟، بالقول: “إنّ الكون المستمرّ التّغير والتطوّر، لا بدّ أن ينتهي إلى علّة أوليّة قائمة بذاتها، لأنَّ تسلسل العلل إلى غير نهاية يرفضه العقل ولا يألفه، ولو احتاج كلّ شيء في وجوده إلى علّة، لاستحال أن يوجد شيء على الإطلاق، وبقي العالم طيّ العدم والكتمان.. وبكلام آخر، كلّ ما لا يحمل في طبيعته السّبب الكافي لوجوده، لا بدّ أن ينتهي إلى موجود يحمل في طبيعته سبباً كافياً وافياً لوجوده”.[الكتاب/ ص:26].
ويذكر الشّيخ مغنيّة ما أثير في الإعلام حول الدّين والعلم، ويضرب أمثلةً لذلك، ليخلص إلى تعليقه على ما أثير من مسائل وتوضيحها، مفسِّراً الفرق بين الحقيقة الدينيّة والحقيقة العلميّة، وتلاقي العلم والدّين على خدمة الإنسان ومصلحته، وأنّ الإيمان بالله هو بالحسّ والعقل والعلم.
ويتناول الشّيخ مغنيّة(رض) في فصلٍ آخر ما يذكره الملحدون من قضايا علميَّة تنافر الدّين وتعانده، مستندين، بزعمهم، إلى نتائج واكتشافات علم الطبيعة والأحياء وعلم النفس.
فمن علم الطّبيعة، ما وصل إليه علم الذرّة والنترونيتات، بما يدلّ على أنَّ في الكون نفسه قوانين ثابتة لا تتغيّر، كذلك قانون الجاذبيَّة، مما يثبت أنَّه لا شيء وراء الطَّبيعة يدعو إلى الإيمان به، وهذا فاسد.
ومن علم الأحياء، أنّ أصل الإنسان قرد، وهو ينكره الدّين والعقل، فقد قال كثير من العلماء الجدد: “أصل الإنسان غامض ومجهول، وإنّ القول بتطوّره من الأحياء السّفلى مجرّد حدس وتخمين”.
ومن علم النّفس، نظريّة “فرويد”، الّتي تلخّص النّفس بالغريزة الجنسيّة فقط، وأنّ تحديدها فقط بالميول والغرائز، وليس بالعقل والدّين، وأنّ أفعال الإنسان، بالتالي، تخضع لمبدأ الضّرورة والحتميّة، ولا أثر فيها للعقل والحريّة. وإذاً، لا مكان إطلاقاً للدّين والقيم في السّلوك البشريّ. والجواب: بأنّ غرائز الإنسان وملكاته لا تنحصر باللاشعور، بل فيه قوى أخرى ترى وتميِّز، وتختار وتدبِّر”.
ويعرض الشّيخ مغنيّة في كتابه للفروقات بين خصائص المادّة وخصائص الحياة، ولمراحل حياة الإنسان وتطوّرها الطبيعيّ، ليصل إلى واهب الحياة الحيّ الّذي لا يموت، خالق الحياة ومالكها، والماديّون منذ القدم يبحثون عن سرّ الحياة ولن يصلوا إلى حلّ، والعجز يؤكّد الإيمان بأنها من أمر الله. ويناقش الشّيخ مغنيّة مسألة الحياة والمادّة وتنافرهما من حيث التّكوين والخصائص.
وفي الكتاب أيضاً حديث عن الإسلام والمعرفة، وشخصيّة النبيّ الأكرم(ص)، ومراحل دعوته الّتي هي خير دليل وبرهان بالحسّ والتّجربة على الإيمان بالله.
ثم يعرض الشّيخ مغنيّة أيضاً لكتاب مالك بن نبي “الظاهرة القرآنيّة”، لأهمية مباحثه عن المادّة ومبدأ الدّين والنبوّة، بعدها يتناول الكتاب الشّبهات المُثارة حول “البعث”، والردّ عليها بشكل متسلسل وعلميّ رصين، وينهي الكتاب بإيراد العديد من الحوادث والقضايا والتّعليق عليها.
كتابٌ غنيّ بمباحثه الّتي تردّ على بعض شبهات الملحدين، وفيها عرضٌ لكثير من المسائل المتّصلة، وذلك بأسلوبٍ سهلٍ ومباشرٍ، بعيداً عن التّعقيد اللّفظي والمعنوي، كما يدلّ على غزارة علم صاحبه وسعة اطّلاعه وعمقه في العرض والتّحليل، ناهيك بتنوع المعلومات وكثافتها في كلّ المجالات، بما يخدم الموضوع الأساس، وبما يدلّل على فطنة المؤلّف وذكائه.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.