حول دعوة الشيخ الضاري لإضراب الجوامع (*)
كتابات - جعفر الحسيني
أولاً: إن من حق المرء أن يتساءل عن بيان الشيخ الضاري عن استهداف منظمة بدر لعلماء السنّة، والذي جاء بعد ساعتين من بيان الزرقاوي المعنون (وعاد أحفاد ابن العلقمي)، والذي تحدّث فيه عن جرائم (الروافض الحاقدين الأشد علينا من أعدائنا الصليبيين)، خاصة وأنّ مثنى حارث الضاري الناطق بلسان هيئة العلماء قد صرّح عن الزرقاوي قائلاً: (نحن لا نشكّ بإخلاصه) (جريدة المستقبل اللبنانية، العدد 1824، يوم 4 شباط 2005)، فهل أننا مقبلين على موجات جديدة من عمليات القتل الطائفي، والتي ستجد تبريرها هذه المرة بالرد على جرائم قوات بدر!.
ثانياً: يحرص الشيخ الضاري دائماً بإظهار نفسه وكأنّه ضمير العراقيين جميعاً شيعة وسنّة .. فلماذا لم يدعو إلى إغلاق المساجد لثلاثة أيام احتجاجاً على جريمة كربلاء يوم عاشوراء، أو احتجاجاً على جريمة الحلّة التي قُتِل فيها 123 مواطناً بريئاً، أو استنكاراً لاختطاف العشرات من النساء العراقيات واغتصابهنّ، ناهيك عن المئات من أهالي الموصل الذين تم اختطافهم وقطع رؤوسهم لمجرد أنهم من الشرطة أو موظفي الدولة، أو لمجرد مشاركتهم في الانتخابات.
ثالثاً: قال الشيخ حارث في مقابلته الأخيرة مع الجزيرة عن جرائم المدائن بأنه (جرى تضخيمها). ورغم أن عددهم أكثر من ذلك بكثير، فلنفترض أن إذا كان عدد الذين تم قتلهم في المدائن بقدر عدد الذين يدّعي الشيخ حارث بأن منظمة بدر قد قتلتهم، فلماذا يقع هو أيضاً في (التضخيم) الذي عابه على غيره؟ ولماذا لا يرى آلاف العراقيين – حسب منظمة العفو الدولية – من السنّة والشيعة والذين قُتِلوا على يد الإرهاب؟ أم أنهم ليسوا من المواطنين ولا من المسلمين ولا من الآدميين.
رابعاً: إن الشيخ حارث بدعوته إلى إغلاق المساجد، يريد أن يجعل السنّة في مواجهة الشيعة، وهو أمر خطير يذكرنا بما فعله بيير الجميّل رئيس حزب الكتائب – في نيسان 1975 – عندما زجّ لبنان في أتون حرب أهلية مدمرة دفاعاً عن المسيحيين، ثم ظهر بعد 15 عاماً من القتال الوحشي، وبعد أكثر من 180 ألف ضحية، أنها حرب قامت على أوهام وأكاذيب وصراع زعامات بل وتبرأ الذين أشعلوها منها وصاروا يسمونها بحرب الآخرين على أرض لبنان.
خامساً: إن المشكلة التي يُعاني العراقيون منها اليوم هي (الإرهاب). وما يجري في العراق هو جزء مما يجري في بلدان عديدة، حيث لا يتورّع الإرهاب عن شيء، كما هو الأمر في السعودية والجزائر ومصر وأندونيسيا .. وغيرها. أما خلط الأوراق وتغيير العناوين وتبرير الجرائم من خلال تصوير ما يجري في العراق وكأنه (اقتتال طائفي) فهو محاولة لتوفير غطاء سياسي لجرائم الزرقاوي والمجموعات الإرهابية الأخرى بحيث يبدو ما يقومون به، وكأنّه مجرد رد طبيعي على جرائم الآخرين بحق السنّة. وهكذا فأن الشيخ حارث الضاري ومساعديه وفي كل مرة تقع فيها جريمة إرهابية يصرحون ويلمحون متهمين جهات أخرى. وكأمثلة على ذلك فإن جريمة اغتيال السيد محمد باقر الحكيم هي من عمل المخابرات الإيرانية، وجريمة يوم عاشوراء هي من عمل جماعة الجلبي، وجريمة الحلّة من عمل الموساد الإسرائيلي، وجريمة المدائن قالوا عنها في البداية بأنّها ملفّقة، ثم قلبوا الأمر بالحديث عن اعتداءات شيعية ومؤامرة أيرانية، ثم قالوا أنها خلافات عشائرية حول أرض مختلف عليها. وعرض عدنان سلمان رئيس دائرة الوقف السنّي وساطته لحلها، ثم اعترف الضاري أخيراً بها جزئياً قائلاً أنها (ضُخِّمَت).
سادساً: إن الشيخ الضاري، وهو الذي لا يكفّ عن الحديث عن وحدة العراقيين، ذكر في تموز 2003 بأنه ومساعديه قد قطعوا أي حوار لهم مع المرجعية في النجف الأشرف لأنها لم تعد لهم 27 جامعاً سنّياً سيطر عليه الشيعة. وأقول لحارث الضاري أنت محق لو أن هذه الجوامع قد توفر فيها أحد أمرين، الأول: إذا كان الجامع قد بنته وزارة الأوقاف في منطقة سنّية. والثاني: إذا كان الجامع قد بناه أحد المتبرعين السنّة. أما هذه الجوامع التي تتحدّث عنها فقد بنتها وزارة الأوقاف في مناطق شيعية خالصة، كجامع في كربلاء (في شارع العباس) والذي لم يكن فيه قبل سقوط صدام سوى المؤذن والإمام، ثم غادرا كلاهما كربلاء عشية الحرب، وجاء الناس وسيطروا على الجامع. أن وزارة الأوقاف ملك للعراقيين جميعاً، وإذا كانت قد بنت مئات الجوامع للعراقيين السنّة، فما المشكلة لو أخذ العراقيون الشيعة 27 جامعاً قد تم بناءها في مناطقهم.
وهنا تحضرني حادثة، فقد أراد سامي باش عالم مدير الأوقاف – عام 1967 – الاستيلاء على جامع مدينة بلد بحجة أن العثمانيين هم الذين بنوه، وكادت أن تحدث فتنة، فرفع الرئيس عبد الرحمن عارف التلفون وقال له: (يا أخي الشيعة أيضاً عراقيون ولهم حصة في الحكومة، ما المشكلة إذا أعطيناهم جامع واحد).
سابعاً: يبدو أننا في العراق أمام (مارونية سياسية) أخرى، وهي مصرة أيضاً، كالمارونية اللبنانية، إما أن تأخذ الحكم أو تخرّب البلد. فالمشكلة عندها ليس الاحتلال، ولا الإرهاب، ولا البطالة، ولا فساد الحكم، إنما المشكلة هي أن تكون السلطة في يد الآخر العراقي. ومن يتابع مواقف الضاري منذ سقوط بغداد حتى اليوم يبدو له ذلك واضحاً، فهم – مثلاً – لم يقاطعوا الانتخابات في البداية، ولكنهم عندما اكتشفوا أن الآخرين قد رصوا صفوفهم وتوحدوا في قائمة (الائتلاف العراقي الموحد) والأكراد في (قائمة التحالف الكردستاني)، عرفوا أن لغة الأرقام الانتخابية ستفضح الحجوم الحقيقية، ولذلك قرروا الانسحاب بحجة المطالبة بجدولة الاحتلال. وهكذا فاليوم هم لا يقرون بشرعية الحكومة التّامة ويعتبرون البلد بلا سيادة، ومع ذلك فهم (وأقصد هنا الضاري وجماعته) يريدون أن يشاركوا بكتابة الدستور .. أي أنهم يعملون الشيء ونقيضه.
ثامناً: إن على الشيخ حارث الضاري أن يثبت بأدلة قاطعة بأن بدر هي التي قتلت الأربعة عشر شخصاً، وغيرهم. فبالنسبة لكل متابع يبدو من غير المعقول أن منظمة بدر التي انتُخِب منها ستة محافظين والتي لها أكثر من عشرين عضواً في الجمعية الوطنية، بل وتعتبر الحكومة الحالية حكومتها .. أقول يبدو من غير المعقول أن تخرّب الوضع الأمني في العراق وتضع البلاد على حافة حرب أهلية من خلال القيام بجرائم اغتيالات طائفية .. فما هي مصلحتها في ذلك؟ وما هي الضرورات التي تدفعها إلى ذلك؟ بينما لا يأتي الشيخ حارث الضاري أبداً على ذكر الزرقاوي الذي يدعو صباح مساء لخلق فتنة طائفية في العراق .. فهناك جهة واحدة لها مصلحة في تخريب الأمن في العراق وجعل الوضع يفلت من يد الحكومة القائمة .. إن هذه الجهة بالتأكيد ليست منظمة بدر، إنما هي منظمة الزرقاوي الإرهابية التي ترسل الانتحاريين ليقتلوا الناس، بينما يتحدّث الضاري ومساعدوه عن المخابرات الإسرائيلية والإيرانية، وكأن القصد من ذلك ذر الرماد في العيون، لأنه ببساطة لا توجد مخابرات في الدنيا لديها انتحاريين يفجرون أنفسهم ليقتلوا الآخرين. ويجب الإشارة هنا إلى أن بعض الإرهابيين الذين تم القبض عليهم اعترفوا بإطلاقهم النار على جامع سنّي في الحرية بقصد البلبلة. فالإرهابيون يحاولون بأقصى جهودهم إثارة فتنة طائفية بين السنة والشيعة، وأخشى أن تكون هذه الدعوة كدعوة تدنيس القرآن الكريم في الرمادي والتي أراد فاعلوها تأجيج الفتنة بعد أن شاهدوا ما أججته أخبار تدنيس القرآن الكريم في غوانتانامو، وهنا من الجميل أن أورد ما قاله الأستاذ عبد الرحمن الراشد: (رأينا في افغانستان اشاعة قضية، بغرض تأليب الشارع في عمل منظم. وهو ما حاولت جماعة اخرى فعل مثله في العراق، وان لم يصدقها احد).
كما أن وزارة الداخلية العراقية مُطالبة بتوضيح وجهة نظرها في اتهام الضاري، بل وأرى أن على وزارة الداخلية والحكومة العراقية عموماً أن تكثف الجهود الإعلامية والسياسية في مواجهة الإرهاب وما كنته الإعلامية الضخمة، وتعاون وتعاطف قوى كثيرة معه.
تاسعاً: أما الحديث عن الفلسطينيين، فهو يذكرنا بخطابات صدام عن فلسطين من أجل كسب الشارع العربي .. مع الإشارة هنا إلى أن الحكومة العراقية أصدرت قراراً بمعاملة الفلسطينيين المقيمين في العراق معاملة العراقي، أما الادعاء بتطويق مساكن الفلسطينيين، فهو يذكرنا بما طرحه الشيخ الضاري عندما كان يسيطر الإرهابيون على المدائن، فقد طالب بعدم اقتحام المدائن، ثم اعتبر دخول الشرطة والجيش العراقيين هو اعتداء على السنّة ومحاولة لتهجيرهم. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك دولة في العالم تترك أحدى مدنها تحت سيطرة المسلحين أو الإرهابيين أو المقاومين .. ألم تحاصر القوات السعودية الإرهابيين في القصيم؟ وألم تلاحق القوات المصرية الإرهابيين في الصعيد؟
بقيت كلمة أخيرة أقولها للشيخ الضاري .. أقول له أن جدك (ضاري الظاهر) كان وسيظل رمزاً للوحدة الوطنية، ومفخرة للعراقيين .. فلا تكون أنت رمزاً للفرقة والانقسام .. وسبباً للتوتر والاحتراب.
وأقول له إنك صبرت على نظام صدام 35 سنة لم تنطق ضده بكلمة واحدة رغم كل جرائمه، ورغم مئات الآلاف من ضحاياه، فهلا صبرت بضعة أشهر على الحكومة الحالية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أقول ذلك إذا لم تكن هناك نوايا لا تريد وجه الله والوطن.
بسم الله الرحمن الرحيم (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (الأنفال: 25).
(*) للأسف نتيجة خطأ فني سقطت مقاطع من المقالة يوم أمس، لذلك اقتضى إعادة نشرها اليوم.