( الله رحيم وقادر فلماذا لاينقذ الأطفال المرضى من الموت
؟؟!)
سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن
سؤال:
❓أثار بعض الملحدين إشكالًا مفاده
:
أن الله كلي القدرة والرحمة، كيف يجعل أطفالًا يموتون بمرض السرطان، فما ذنب الطفل؟
الجواب:
وجوابنا المختصر على هذا السؤال نلخصه في نقطتين :
أولا: هذا السؤال ينطلق من افتراض أنّ اللازم على الله أن يتدخل في الصغيرة والكبيرة في هذا الكون لرفع الضيم عن الناس وتحقيق أحلامهم وآمالهم وإلا فلن يعترفوا به كإله عادل! والحال أنّ الله قد أوضح لهم في كتابه الكريم أنّه - ومع قدرته على التدخل – أجرى هذا الكون وفق مبدأ السنن والقوانين، ولم يجره على أساس التدخل المباشر الذي يجعله تعالى يخرق القوانين التي جعلها في الصغيرة والكبيرة، فيمنع وقوع التعدي على فلان وفلان ويرفع المرض عن هذا الطفل الذي يتألم أو ذاك العجوز المقهور ووو.. إن علينا أن نلتفت إلى هذا المبدأ وأن نسير في حياتنا على ضوئه، فنعمل على اكتشاف القوانين والتعرف على أسرارها فيما ينفعنا ولا يضرنا، فنتحرّى ونبحث عن عوارض هذا المرض وأسبابه وكيفيّة معالجته، كما نتعرف على سائر الأزمات والابتلاءات والمصائب التي تواجهنا، وبسيرنا على هدي هذه السنن نسمو ونبدع ونتطور، وهذه في الواقع هي ميزتنا التي جعلتنا أشرف من الملائكة. لو أراد الله تعالى أن يعتمد التدخل المباشر في كل ما يواجهه الإنسان، لم يكن هناك من داعٍ للحساب الأخروي ولا ضرورة لإعطائنا هذه العقول التي نتميّز بها عن سائر الخلق، وقد أمرنا الله أن نحرك هذه العقول ولا نجمدها، وهي قادرة على الاكتشاف والتطوير. إن أنين هذا الطفل المريض والذي هو بعين الله تعالى له، وهو يرأف له أكثر من تألمنا ورأفتنا، إلا أن عدم تدخله لرفعه، له حِكَم كثيرة، ومن أبرزها أنه سيشكل حافزًا قويًا للإنسان ليعمل على اكتشاف دواء يعالج مرضه، وهكذا تتطور الحياة نحو مزيد من الإبداع. ناهيك عن أن الإنسان هو المسؤول في كثير من الأحيان عن هذه المعاناة بجوره وظلمه وفساه، كما قال تعالى:( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
ثانيا - إنّ هذه الإشكالات تنبع من ذهنيّة لا تؤمن بالآخرة، وترى الدنيا نهاية المطاف، وهنا يكمن الخطأ، وحيث إن الملحد يريد أن يُشكل علينا وفقًا لمعتقداتنا حول الله وحكمته وعدالته، فإنّ جوابنا له: أن الله الذي نؤمن به لم ولن يظلم أحداً فهو قد أوعد بالثواب الجزيل لأصحاب المعاناة في تلك الجنة العظيمة وتلك الحياة الأبديّة، حيث رحمة الله ورضوانه وعطاياه التي لا تنقطع وحيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. إنك أيها الملحد وأيها الإنسان، عندما تنظر بحجم اللحظة فسوف تنفعل عاطفيًا مع هذا الطفل وذاك المشوه وتلك المرأة المغتصبة، ونحن نقدر هذا الانفعال. ولكنك بدل أن ترمي المسؤولية على الجناة الحقيقين الذين اضطهدوه وآذوه فإنك تلقيها على الله تعالى الذي أراد لك ولنا جميعاً أن نعمل على رفع الظلم والحرمان. ولو أنك نظرت إلى الأمور كما ننظر، بطريقة منطقية ومنفتحة على عالم الآخرة فسوف تعلم أنّ ألم هذه المعذّب في الدنيا هو بمثابة صراخ الطفل عند الولادة؛ صراخٌ يعقبه الفرح الأكبر حيث ينتقل من عالم الأجنة إلى عالم الدنيا الفسيح.
ونكتفي بهذا القدر في الجواب وإلا فثمّة إجابات أخرى على هذا الإشكال الذي يتصل بإشكالية خلق الشرور، وهي إشكالية قديمة وقد أجاب عليها العلماء بالعديد من الأجوبة الفلسفية والتربوية.