خطبة بدون حرف الألف للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
هذه خطبة بدون حرف الالف لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وقصتها : أنه كان قوم يتذاكرون عند علي سلام الله عليه فاتفقوا أن أكثر الحروف استخداماً هو الألف وأنه لا يخلوا كلام من حرف الألف فقام الإمام علي عليه السلام فيهم خطيباً بهذه الكلمات من دون تحضير مسبقاً :
حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وتمت
كلمته ونفذت مشيئته وبلغت حجته وعدلت قضيته
وسبق غضبه رحمته
حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته متنصل
من خطيئته معترف بوحيده مستعيذ من وعيه
مؤمل من ربه مغفرته تنجيه يوم يشغل كل عن
فصيلته وبنيه ونستعينه ونسترشده ونؤمن به
ونتوكل عليه
وشهدتُ له شهود عبد مخلص موقن وفردته تفريد
مؤمن متيقن ووحدته توحيد عبد مذعن ليس له
شريك في ملكه ولم يكن له ولي في صنعه جل
عن مشير ووزير وعون ومعين ونظير علم فستر
وبطن فخبر وملك فقهر وعصي فغفر وعبد فشكر
وحكم فعدل وتكرم وتفضل لن يزول ولم يزل
ليس كمثله شيء وهو قبل كل شيء وبعد كل
شيء رب متفرد بعزته متمكن بقوته متقدس
بعلوه متكبر بسموه ليس يدركه بصر ولم يحط به
نظر قوي منيع بصير سميع رؤوف رحيم عجز عن
وصفه من وصفه وضل عن نعته من عرفه
قرب فبعد وبعد فقرب يجيب دعوة من يدعوه
ويرزقه ويحبوه ذو لطف خفي وبطش قوي ورحمة
موسعة وعقوبة موسعة وعقوبة موجعة، رحمته
جنة عريضة مونقة وعقوبته جحيم ممدودة موبقة
وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه
وحبيبه وخليله بعثه في خير عصر وحين فترة
وكفر رحمة لعبيده ومنه لمزيده ختم به نبوته
ووضحت به حجته فوعظ ونصح وبلغ وكدح رؤوف
بكل مؤمن رحيم سخي رضي ولي زكي عليه
رحمة وتسليم وبركة وتعظيم وتكريم من رب غفور
رحيم قريب مجيب حليم
وصيتكم معشر من حضر بوصية ربكم وذكرتكم
سنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم وخشية
تدري دموعكم وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم
ويبتليكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته وخف
وزن سيئته وعليكم بمسئلة ذل وخضوع وتملق
وخشوع وتوبة ونزوع وليغنم كل منكم صحته قبل
سقمه, وشيبته قبل هرمه, وسعته قبل فقره
وفرغته قبل شغله, وحضره قبل سفره ,وحياته
قبل موته قبل يهن ويمرض ويسقم ويمل طبيبه
ويعرض عنه حبيبه وينقطع عمره ويتغير عقله ثم
قيل هو موعوك وجسمه منهوك ثم جد في نزع
شديد وحضره كل قريب وبعيد فشخص ببصره
وطمح بنظره ورشح جبينه وخطفت عرينته
وجدبت نفسه وبكت عرسه وحضر رمسه ويتم
عنه ولده وتفرق عنه عدده وفصم جمعه وذهب
بصره وسمعه وكفن ومدد ووجه وجرد وغسل
وعري ونشف وسجى وبسط له وهيء ونشر
عليه كفنه وشد منه ذقنه وقمص وعمم ولف
وودع وسلم
وحمل فوق سرير وصلي عليه بتكبير، بغير سجود
وتغفير، ونقل من دور مزخرفة وقصور مشيدة
وحجر منضدة وفرش منجدة فجعل في ضريح
ملحود ضيق مرصود مرصوص بلبن منضود مسقف
بجلمود وهيل عليه عفره وحشي مدره وتحقق
حذره ونسى خبره ورجع عنه وليه ونديمه نسيبه
وحميمه وتبدل به قرينه وحبيبه
فهو حشو قبره ويسيل صديده من منخره وتسحق
تربته ويسحق ثوبه و لحمه وينشف دمه و يرق
عظمه حتى يوم حشره
فينشره فينشر من قبره وينفخ في صور ويدعى
لحشر ونشور
فثم بعثرت قبور وحصلت صدور سريره في صدور
وجيء بكل نبي وصديق وشهيد ومنطيق وقعد
لفصل حكمه قدير بعبده خبير بصير
، فكم حسره تضنيه ..فكم من زفرة تضنيه وحسرة
تنضيه في موقف مهيل مهول عظيم ومشهد
جليل جسيم بين يدي ملك عظيم
مليك كريم
بكل صغيرة وكبيرة عليم
،فحينئذ يلجمه عرقه ويخفره قلقه
،فعبرته غير مرحومة وصرخته غير مسموعة
وحجته غير مقبولة وبرزت صحيفته وتبينت جريريه
وتبين جريرته ونطق كل عضو منه بسؤ عمله
فنظر في سوء عمله وشهدت عينه بنظره ويده
ببطشه ورجله بخطوه وجلده بلمسه وفرجه
بمسه ويهدده منكر ونكير وكشف له حيث يصير
وكشف عنه بصير فسلسل جيده وغلت يده
فسيق يسحب وحده
فورد جهنم بكرب شديد وظل يعذب في جحيم
ويسقى شربه من حميم تشوي وجهه وتسلخ
جلده ويضرب بمقمع من حديد ، يعود جلده بعد
نضجه بجلد جديد
..
يستغيث فيعرض عنه خزنة جهنم ويستصرخ
فيلبث حقبه بندم
نعوذ برب قدير من شر كل مصير وندعوه عفو من
رضي عنه ومغفرة من قبل منه وهو ولي دعوتي
ومنجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل
سكن في جنته بقربه وخلد في قصور مشيدة
ونعمه وملك بحور ومكن من حور
عين وحفدة وطيف عليه بكؤوس وسكن حضيره فردوس
وتقلب في نعيم وسقي من تنسيم مختوم بمسك
وعنبر يشرب من خمر معذوب شربه ليس ينزف
لبه يشرب من خمور في روض مشرق مغدق
ليس يصدع من شربه وليس ينزف
.
هذه منزلة من خشي ربه وحذر نفسه، وتلك
عقوبة من عصى منشئه وسولت له نفسه
معصية مبدئه لهو ذلك قول فصل وحكم عدل خير
قصص قص ووعظ به ونص تنزيل من حكيم حميد
نزل به روح قدس مبين على نبي مهتد مكين
، صلت عليه رسل سفره، مكرمون برره، عذت برب
رحيم من شر كل رجيم . فليتضرع متضرعكم
وليبتهل مبتهلكم فنستغفر رب كل مربوب لي ولكم