الضيافة عند العرب أمر عظيم لا يفوقها أي امر آخر ، واكرام الضيف هي الصفة الملازمة لأهل المضايف، وهي احدى اركان عاداتهم وتقاليدهم التي توارثوها.
فللضيف مكانة عظيمة في نفس " المعزب " والعرب لا يتوانون في تقديم له حقه من الضيافة وذلك متى ما دخل في مضربهم وحل في حماهم.
ولاشك ان كرم الضيافة طبع اصيل تميز به العرب عن غيرهم من باقي الامم " والضيف عند العرب وخصوصا ً في المضايف الجنوبية أو في الفرات ألأوسط " هو الشخص اذا وفد الى موضع غير موضعه او الجماعة اذا حلو عند جماعة اخرى ويسمون ( ضيوف أو خطار ) ويقدم للضيف حق الضيافة حتى لو كان عدواً مادام انه نزل او دخل بيت مضيفه لأن من دخل البيت فقد أمن على نفسه وخاصة اذا تناول طعاماً او شراباً فيصبح في مأمن ولو كان في وكر عدوه .
ومن المسميات ألأخرى للضيف عند العرب (المسايير) ومفردها ( المسير ) بتشديد الياء والمعزب هو المُضَيف صاحب البيت ، وجمع معزب معازيب وهم أصحاب البيت واهله ، فالضيف عند نزوله في بيت مضيفه (المعزب) يكون ضيفاً على كافة افراد البيت فالجميع يهتمون بأمره كل حسب اختصاصه وواجبه فالرجل صاحب البيت هو المباشر والمسؤول الاول عن التنسيق في طريقة الكرم وحقوق الضيف عند نزوله في بيت مضيفه كثيرة يجب الوفاء بها متى ما حل على أصحاب البيت.
وهي مرتبة تسلسلية كالتالي:
- التهلي والترحيب بالضيف .
- ربط الراحلة ( الفرس ) .
- فرش الفراش له قبل الجلوس .
- تقديم علف للراحلة .
- تقديم الشراب " الماي " وليس كما هو متعارف التمر واللبن ... ( حتى مايشبع ) .. وبعدها يقدم الطعام للضيف .
- توفير الراحة له .
- اكرامه اكراماً تاماً كتلبية الطلب وقبول الاستجارة والدخالة والطنابة .
- حمايته من الذين يطلبوه بأي شئ " أذا طلب الحماية أو لم يطلبها " .
فالضيف متى ما قدم على صاحب البيت يُستقبل بالحفاوة والترحيب وفي ذلك قالت العرب في الضيف " أذا أقبل أمير وأذا جلس أسير وأذا قام شاعر" .
ومعنى ذلك انه يجب على المضيف ان يستقبل ضيفه بالحفاوة اللازمة والترحيب الحار على قدومه واظهار الوجه البشوش والفرح لمقدمه وهو يتساوى في ذلك بمنزلة ألامراء .
وأذا جلس أسير أي أسير لمعازيبه أصحاب البيت لا يستطيع أن يعمل أي شيء إلا بإذنهم فلا يخرج إلا عند سماحهم له ولا يستطيع أن يمنعهم في تأديتهم الواجب له من كرم الضيافة .
وأذا قام شاعر أي عند ذهابه سيذكر أصحاب البيت بما قدموا له من أكرام وتقدير أو العكس " أي يهجوهم أذا لم يقومو بكرمه على أحن وجه " .
وقد أقترن الكرم بالقهوة التي تكون أول ما يقدم للضيف والتي يقوم باعدادها صاحب البيت ويقدم له الطعام ساعة حضوره حتى لو كان في وقت متأخر من الليل وهي عادة جرت في الفرات ألأوسط والجنوب العراقي ويسمى هذا الطعام (القرى) وهو من طعام البيت الحاضر في تلك الساعة وكما يقال (الجود من الموجود) وبعدها في الوجبة التالية يتم عمل وليمة يدعى لها الجيران وأهل القرية " وذلك حسب منزلة الضيف ورفعة شرفه " ومهما بالغ " المعزب " في أكرام ضيفه في الطعام والشراب فإنه يعتذر عن التقصير حتى لو لم يكن هناك تقصير فكثيراً ما يتردد على ألسنتهم عند تقديم الطعام في الوليمة وغيرها مقولة ( أعذرنا عن القصور ) والاعتذار من مكملات آداب الضيافة حتى لا يقع الحرج في النفوس من الطرفين ومن القواعد السلوكية المتبعة في تقديم الطعام من وليمة او غيرها .
اولا ً يقدم الضيف الى المائدة ومعه كبار السن ولا يبدأون بالاكل إلا بعد السماح لهم بذلك من المضيف (المعزب) بقوله تفضلو أو سمّو ( أي قولو بسم الله ) مع كلمات الترحيب بالضيف والحضور.. وهناك عدة أمور يجب التنبه لها من قبل الضيف ومن معه على الطعام وهي مواضع انتقاد وتدخل في الامور المعابة او العيب وهي :
- أذا تناول الطعام قبل المعزب .
- أاذا أشرك يده اليسار بالطعام " إلا اللهم أذا كان أعسم ".
- أذا الشخص (عرش) العظم امام المحيطين به أي " رفع وأكل العظم بالصوت العالي " .
- أذا مسح يده في طرف الصحن .
- أذا أعاد ما تناوله من الصحن الى الصحن .
- أذا تناول الشخص الطعام من أمام غيره .
- أذا نهض ( المعزب ) قبل نهوض الضيف من والى الطعام .
فكل ما سبق مواضع نقد عند العرب وأصحاب المضايف ولا يزال معمول بها حتى الوقت الحالي .
ومن الاعراف العربية أنه لا يجوز للضيف تناول وجبتين من الطعام في الفترة المعروفة للطعام ... فمثلاً لو تناول الضيف وجبة غداء عن مضيفه عليه ان لا يتناول غيرها عند مضيف آخر قبل غروب الشمس ، لابد في ذلك اساءة للمضيف الاول حيث يتهم بأنه لم يشبع ضيفه او انه لم يقدم له شيئاً من الطعام فإذا علم المضيف الاول بمخالفة ضيفه يستطيع ان " يقاضيه " أي يطلب منه " حشم " بذلك لأن فيها اساءة كبيرة بحقه .
ويعرف العرب صاحب البيت الكريم بعدة علامات يستدلون فيها على كرمه ومنها :
1- كثرة العظام حول البيت وهو دليل على كرم صاحبه ويقال (دار الكرام ما تخلى من العظام) .
2- عمل القهوة العربية كل يوم وبدون حضور ضيوف له ويُعرف ذلك من خلال دقة ( الهاون ) وتُسمع من قبل أهل القرية ويقولون " ها دقة القهوة فلان خلي أنروح نستضيف عند المعزب " .
3- كثرة ( الجواعد ) المفروشة والجواعد هي الجلود التي تصنعها النساء من جلود الذبائح بعد وضع الملح عليها لتجف رطوبتها فكثرتها عند البيت دليل على كرم أصحابه ... وكذلك كثرة فرش ( الزوالي ) ( والبسط ) .
4 - يُشعل ( الفانوس ) في أول الليل الى الصباح ليستدل عليه الضيف في الظلمة .
ومن آداب الضيافة العربية أن يحدث المعزب ضيوفه بما تميل اليه نفوسهم من خلال ما يستشف من خواطرهم ... ومن اللطف ان لا يشكو الزمن والفقر ولا حتى المرض أمامهم لأن في ذلك وقع غير محمود في نفوس الضيوف .
ومن ألآداب ان لا ينعس ولا يتثاءب امامهم ... وعليه ان لا يرفع صوته بغضب " في أثناء وجود الضيوف " على أحد افراد عائلته .
يتبع
الحسيني