مهند صلاحات*
[email protected]

حتى اللحظة لم أجد وصفاً مناسباً أصف فيه تصريحات النظام السعودي ومجلس شوراه إثر إصابته بحالة من الهلع والفزع أوصلته حد الهستيريا من الإفراط بالخوف إبان قيام مقاومي حزب الله اللبناني بقصف القواعد العسكرية الإسرائيلية بالصواريخ بشكل لم تشهده إسرائيل منذ العام 1973م وحتى هذا اليوم، إلا كونه محاولة لعمل تنفس اصطناعي لإسرائيل التي ضاق بها الفضاء نتيجة الضربات القاسية التي وجهتها لها المقاومة في لبنان.
فأعلن النظام السعودي نيابة عن كل الأنظمة العربية التي دعاها إحراجها - الذي أوصلها إليه حزب الله مع الدولة الصديقة "إسرائيل"- للصمت، فقام مهرجو النظام السعودي بكل تبجح بالتنديد بما وصفوه "بالمغامرة لبعض الأفراد ضدّ إسرائيل".

لم يعبر النظام السعودي عبر هذه التصريحات البائسة عن مدة هشاشته وخوفه فقط من المد الثوري-والذي يأخذ شكلاً إسلامياً قد يعطل إسلاميته- من جديد في المنطقة العربية ضدّ أمريكا، بل عبّر عن حالة من الفزع العربي العام وانسلاخ الأنظمة عن طموحات ورغبات وحماسة شعوبها، بل وعن كل ما يمكن أن يساند قوى التحرر والمقاومة ضدّ العدو الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة العربية، من الخليج إلى المحيط.

فحزب الله الذي أراد من خلال عمليته الجريئة والمميزة – والتي لا تعتبر الأولى من نوعها – أن يثبت لإسرائيل وأمريكا والعالم أجمع أن الملعب لم يعد خالياً من اللاعبين المضادين للتوجه نحو الدين الأمريكي الجديد، وأنه لم يزل كأحد قوى المقاومة المهمة في المنطقة، لاعباً أساسياً ومحورياً وبكل جدارة.
وليرد الاعتبار للشعب الفلسطيني الذي بقي وحيداً في الميدان في حين قيادته السياسية -وخصوصاً المتهاوين من فتح- منشغلين بتقسيم ما تبقى من أدوار سياسية لهم، والجزء الأخر في إدارة استثماراته من أبراج في دبي، وتقسيم أرباح النفط السعودي بين دحلان وبعض المسؤولين العرب، والذي يتم إدخاله بالسوق السوداء لإسرائيل.
ولينقذ الحكومة الفلسطينية من مأزقها الذي أوقعها به المجتمع الدولي المتواطئ، ويعلن وبصراحة أنه قادر على محاورة العدو الصهيوني بذات اللغة التي لا يفهمها غيرها، وهي لغة الحديد والنار.

فبينما يتقدم مقاتلو حزب الله ليقدموا أرواحهم فداء للأرض اللبنانية، ورفع مستوى الكرامة العربية قليلاً والتي تعاني من تدني حاد في مؤشرها منذ سنوات، ولأجل الأسرى العرب واللبنانيين في السجون الإسرائيلية، ويكسر معادلة القوة لصالح إسرائيل، والتي يتعلق الجميع بها كمبرر لتخاذله للرد على الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء العربية، يأتي النظام السعودي بوقاحة غير مبررة ليشجب هذه الخطوة الجريئة لينفذ طلباً أمريكياً واضحاً بالتنفيس عن مأزق إسرائيل من خلال الدولة العربية التي تحاول أن تتصدر المبادرات السياسية والحلول في المنطقة، فبدلاً من أن يكون المبادر، أو على الأقل يحاول تقديم دعم مادي، كما قدمه بالمليارات للمجاهدين المتطرفين العرب في أفغانستان الذين هبوا لقتال السوفييت ويشكلوا سلاحاً مجانياً لأمريكا، أو كما فعلها النظام السعودي أيضاً بعد ذلك حين موّل الحرب العراقية الإيرانية بأكثر من أربعين مليار دولار أمريكي، ويسميها مغامرات لأفراد غير مسؤولين يهدفون لوضع الدول العربية بمأزق أمام المجتمع الدولي، تماماً كما فعل من قبل فارس عودة، والطفلة إيمان حجو ابنه الستة شهور، وهدى التي فقدت أهلها جميعا على رمال غزة من إحراج للأنظمة العربية.

أما آن الأوان لهذا النشاز المأجور أمريكياً أن يصمت قليلاً ؟ ... قليلاً فقط على الأقل حتى يتسنى لنا بأن نسمع أصوات الثكلى بشهدائهن السبعة والأربعين الذين سقطوا على أرض لبنان، وحتى لا يطغى صوت هذا النشاز السعودي "الرسمي" على أصوات صرخات الثوار بنشوة الانتصار الذي حققوه عبر اختراقهم لخطوط الدفاع الإسرائيلية الأكثر تحصيناً.

أما آن الأوان لنا كشعوب عربية أن نرفع رؤوسنا من رمل الصحراء العربية، لنقول لهذه الأنظمة التي ترانا الغالبية الصامتة "كفى" ؟
"كفى" لهذه الهدايا المجانية المقدمة لإسرائيل، والتي هي متنفس إسرائيل من مأزقها.

على من يظن أنه يستطيع أن يصدّر مواقف سياسية ضدّ المقاومة بأسم الشعوب العربية، كما يصدّر الفتاوى التي يتم تفصيلها في قصور آل سعود لتكون على مقاس فوهات البنادق الأمريكية التي تقتل الشعب العراقي على أنها عمل إنساني مبرر لتحرير الشعب العراقي، وهو ذاته الذي يصدّر للعراق جيوشاً من المتطرفين ليفجروا مساجد الشيعة "الرافضة حسب زعمه"، عليه أن يخرس ويفكر جدياً بأن يقف بعيداً... وبعيداً جداً هذه المرة عن كل المنطقة العربية التي ضاقت ذرعاً بهذا الكم من القذارة التي تصدرها علينا السعودية عبر روتانات الوليد بن طلال، وفتاوى ابن باز.
وعليه أن يدرك أن ما يجري ليس بلعبة كرة قدم بإمكانه أن يَشتري حقوقها بثها حصرياً، فكل مليارات آل سعود، -ولحسن حظ الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط- لن تستطيع أن تمنع المواطن العربي من رؤية الصواريخ العربية لحزب الله تدك وسط تل أبيب.
في الوقت الذي لم تزل فيه فضائية المستقبل "الحريرية المتسعودة" وفضائية "L B C” تستعرضان الأزياء، والأغاني "الروتانية السعودية" الهابطة بناء على المطالب السعودية التي ربما تكون اشترت منهما حقوق بث مشاهد القصف الصهيوني للبنان.




* كاتب وصحفي فلسطيني