محمد عبد الجليل

تمتاز التمور العراقية بجودتها واختلاف انواعها وكذلك سهولة تصنيعها واستخراج مشتقاتها الغذائية المهمة فكان لابد من وجود مكانات لتصنيع هذه التمور الا وهي المسابك (المسابج) التي كانت في الماضي وقبل دخول الالات والمكائن الحديثة بمثابة المصانع التي يتم فيها تصنيع التمور وتحويلها الى مشتقاتها المعروفة. حيث كانت هذه المسابج تضم عدد كبير من العمال والمشتغلين بها حتى ان بعض العوائل عرفت ولقبت بلقب (السباك) وذلك لتوارث هذه المهنة ابا عن جد ولقد التقيت باحد الاخوة الذين كان في الماضي هو ووالده قد تعلم هذه المهنة وعمل بها وتوارثها الا وهو الاخ محمد علي ناجي المرزوك الذي بادرني قائلا : لقد انقرضت مهنة السباكة وتحولت المسابج الى مصانع حديثة تدخل في عملها المكائن والمعدات الحديثة بدلا من تلك التي كنا نعرفها ايام زمان حيث مدينة الحلة ومنطقة العلاوي وعشرات من المسابج التي يعمل بها مئات العمال وكيف كانوا يخرجون عند الصباح الباكر لمزاولة عملهم الشاق لكسب رزقهم الحلال.

ان عمل المسابج في الدرجة الاولى هو تحويل التمور الى مادة الدبس الذي بدوره يدخل في استخراج كثير من المواد كالخل والسبرتو والكحول والعطور.. الخ).

ان اهم انواع التمور واشهرها هو الزهدي الذي يعتبر سيد اصناف التمور وذلك لكثرته ولسهولة حفظه وتصنيعه. وعند سؤالي عن كيفية تحويل التمر الى دبس قال لي.

توضع التمور في سلال من الخوص (سعف النخيل) المعروفة (الزنابيل) ومفردها (زنبيل) وبعدها تغسل بالماء الحار وذلك لازالة الاتربة والاوساخ العالقة بها وبعدها توضع في (الصفرية) وهي عبارة عن قدر كبير مصنوع من مادة (الصفر) اي (النحاس) الذي يكون تحته نار قوية توقد بواسطة الاخشاب ونواة التمور والنفط الاسود.. ويضاف الى الصفرية كمية من الماء ويغلى بعدها ومن ثم يفرغ بواسطة اواني خاصة لذلك على افرشة مصنوعة من سعف النخيل تكون على شكل دوائر كبيرة تسمى (التلتية) وبعدها توضع في مكان يشبه البئر يسمى (الجب) او (الزنيك) الذي يعلق فوقه جذع نخلة كبير يسمى (بالسهم) مربوطا بسلاسل حديدية الى صخرة كبيرة يصل وزنها الى الطن احيانا . وهذه تعمل عندما يوضع فوق الجب خشبة كبيرة ضخمة ومن ثم توضع الصخرة فوقها وبتكرار عملية وضع الصخرة ورفعها تتم عملية عصر التمر المغلي وتحويله الى عصير يسمى (الشربت) او (الجلاب) ومن ثم يعاد الى الصفرية مرة اخرى لكي يتبخر منه الماء الزائد وبذلك يصبح الشربت ذو كثافة عالية بعدها يوضع في اواني فخارية كبيرة ويعرض لاشعة الشمس لمدة يومين ومن ثم يوضع في (حباب) كبار خاصة به وهذا هو الدبس المسمى بدبس (اللبة) اي دبس الدرجة الاولى الذي يكون لونه اصفر كلون الكهرب. وتتكرر عملية عصر التمور عدة مرات وبذلك نحصل على الدبس العادي المتعارف عليه والمستخدم للاكل وللتصنيع اما اخر عصرة للتمر فيخرج منها دبس عالي الكثافة يسمى دبس (الكربة) وهو اقل هذه الانواع. ان الدبس هو خلاصة التمر فهو مادة غذائية مهمة كانت ومازالت لها الحصة في موائد العراقيين وخاصة في فصل الشتاء وفي ايام رمضان الكريم الذي نقترب من ايامه الجميلة المباركة ولياليه الحلوة التي نتذكر فيها الماضي الجميل وتلك الايام التي عاش فيها الناس على محبة الله ونتذكر كذلك حلويات زمان التي كانت اغلبها مصنوعة من التمور وما الذ الحلاوة الدبسية التي يكثر بيعها في ايام رمضان التي لازالت حلاوتها ونكهتها لاتفارق الناس الذين عاصروا وعاشوا تلك الايام الجميلة.