رؤيتي للنظرية السياسية لحزب الدعوة الإسلامية للمرحلة الراهنة

القسم الثاني

كتابات - ضياء الشكرجي

طبقا لرؤية حزب الدعوة الإسلامية حسب قراءة كاتب هذه السلسلة، يعني أن الدراسة لا تمثل محض رؤية شخصية للكاتب، ولا هي الرؤية الرسمية للحزب بكل تفاصيلها، وإنما تمثل قراءة الكاتب للنظرية السياسية للحزب في خطها العام على نحو المقاربة التي تكاد تمثل المطابقة. وقد نشرت الحلقات على صفحات "البيان" صحيفة الحزب، رأى الكاتب إعادة نشرها على "كتابات" تعميما للفائدة.

مهمتنا في هذه المرحلة
ومن مهام الدعوة الإسلامية بشكل خاص، وما نرى أنه من مهام عموم القوى الوطنية، في هذه المرحلة، هو ما يلي:

1. تلبية الحاجات الحياتية الضرورية للمجتمع العراقي.

2. توفير الأمن والاستقرار في البلاد.

3. المباشرة بعملية إعادة البناء على جميع الأصعدة.

4. معالجة جميع آثار الحقبة الديكتاتورية الدموية المظلمة، وإلغاء آثار القرارات والقوانين الظالمة المجحفة بحق مختلف شرائح الشعب العراقي، الصادرة من موقع المصادرة للحقوق السياسية والفكرية والثقافية والدينية والمذهبية والقومية والاجتماعية وكافة الحقوق الإنسانية للمواطن العراقي.

5. تهيئة صياغة مسودة الدستور الدائم، من أجل طرحه على الشعب العراقي في عملية استفتاء حر، ليقول فيه كلمته الفصل، قبل أن يأخذ مشروعيته النهائية، وذلك مع الاستئناس قبل وأثناء وبعد صياغة المسودة بآراء أهل الاختصاص وأصحاب الشأن من حقوقيين ومراجع وعلماء دين وقوى وتيارات سياسية ومفكرين ومثقفين، لتكون المسودة المعَدّة أقرب ما يمكن أن تكون لواقع المجتمع العراقي، بما يمثله من هوية لغالبية المجتمع وواقع تعددي على مختلف الأصعدة، قبل طرحها للاستفتاء الشعبي.

6. تأهيل المواطن العراقي للتعددية السياسية والانتخابات التي تتطلبها، ليكوّن لنفسه وعيا بكون الانتخابات الحرة تمثل من جهة حقا من حقوقه الأساسية، التي لا يملك أحد أن يصادرها، ومن جهة أخرى واجبا وطنيا وشرعيا، ومسؤولية تأريخية، مما يتطلب خلق وعي انتخابي واسع ومعمق. هذا إضافة إلى ما تتطلبه العملية الديمقراطية المقبلة من مران على التعددية الفكرية والسياسية وغيرها، إذ أن تغييب النظام الشمولي الأحادي لواقع ووعي التعددية يتطلب مرانا على واقع جديد نريده للشعب العراقي.

7. العمل الجاد على إنهاء مرحلة الاحتلال، بحيث لا تدوم يوما واحدا أكثر مما تتطلبه طبيعة المرحلة. وهذا يتم عن طريق العمل السياسي في تنسيق وتوحيد المواقف بين القوى الوطنية المخلصة عموما والإسلامية خصوصا، وبالحوار الإيجابي الفاعل مع قوى الاحتلال، وبتعبئة الجماهير نحو الضغط بالأساليب السلمية الحضارية بهدف استكمال السيادة الوطنية للعراق، وبالتعجيل بقطع أشواط مرحلة التمهيد للدولة الدستورية المستقلة.

تصورات الدعوة الإسلامية عن المستقبل السياسي للعراق
في الوقت الذي عملت الدعوة الإسلامية منذ تأسيسها على أسلمة المجتمع، أي جعله منسجما مع هويته التي تمثل عقيدة وانتماء وتأريخ الغالبية العظمى من المجتمع العراقي، لم تجد تعارضا - بل انسجاما كليا وتلازما - بين هذا الهدف وهدف تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، وحق تقرير المستقبل السياسي للبلاد لجميع العراقيين بكل أطيافهم القومية والمذهبية والدينية والفكرية والسياسية. من هنا اتخذت الدعوة من موقع الوضوح الشرعي قرار تبني التعددية السياسية والآلية والممارسة الديمقراطيتين. فإن المجتمع العراقي لا يمكن له أن يعيش الاستقرار والسلام الاجتماعي والوئام الوطني، ما لم يعش التعددية بكل أبعادها، والإسلام لا يضيق ذرعا بالتعددية، ولا يتعقد من الصيغ المعاصرة للحكم والإدارة، ما زالت هذه الصيغ تحقق التعايش السلمي بين كل الأفكار والديانات والرؤى. من هنا ترى الدعوة أن السير نحو هدف أسلمة المجتمع يمكن ان يكون بآليات التعددية السياسية والدولة الديمقراطية، وبآليات الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن دون إكراه لأحد على صيغة من صيغ الحكم. فإن منحتنا الجماهير ثقتها واختارتنا بتكليفها إيانا لقيادة عملية خدمة المجتمع في تولي المسؤولية السياسية، فإن لنا برنامجنا السياسي المعلن بكل شفافية، والمستوحى من الشريعة الإسلامية، والمواكب لمسيرة التطور العصري في الآليات والتعاطي الحضاري مع واقع التعددية، هذ التعاطي المنسجم تماما مع روح الإسلام، والمنفتح على الواقع بكل أطياف المجتمع والتنوع على جميع الأصعدة.



من هنا فإن المستقبل السياسي للعراق الذي تراه الدعوة الإسلامية هو تحقيق عراق حر ديمقراطي فيدرالي موحد مستقل في ظل العدل والمساواة والتضامن الوطني. وستبذل الدعوة وبالتعاون مع كل القوى الوطنية المخلصة كل ما في وسعها من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير للعراق والعراقيين. وستمارس دعوتها للإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وقيما إنسانية ضمن إطار هذا الواقع السياسي الذي تطمح في تحقيقه، وليس خارج هذا الإطار، ذلك من خلال قناعتها المستمدة من المفاهيم الإسلامية، بأن الحق الذي يؤمن به أهله، إذا ما لم يجدوا له أرضية جماهيرية تتبناه، وتتفاعل معه، وتحمله معهم رسالة للحياة، لا تكون له قيمة في أرض الواقع، وهو في نفس الوقت لا يفقد قيمته كحق حسب قناعة حامليه، مع عدم تجاوب وتفاعل الجماهير أو غالبيتها معه. فالأساس في ذلك بالنسبة للدعوة هو أن ندعو إلى ما نؤمن به حقا بالأساليب القرآنية والعقلانية والحضارية، بالحكمة والموعظة الحسنة، من غير إكراه وقسر، ومن غير إقصاء وإلغاء للآخر المختلف معنا قليلا أو كثيرا. فليدع كل إلى برنامجه وفكره وقناعاته بكل حرية، ولتكن الجماهير هي صاحبة القول الفصل في خيارها، فهي التي تتحمل مسؤولية ذلك الخيار أمام نفسها، وأمام التاريخ، وأمام أمتها، وأمام ربها، إضافة إلى ما يتحمل من مسؤولية من أثر فيها وفي قرارها سلبا أو إيجابا من قوى سياسية وثقافية.



وعلى ذكر ما نراه ونعتقد به حقا، لا بد من القول بأننا لا بد من التمييز بين الحق كمفهوم مجرد، وبين الحق كمصداق طبقا لفهم الناس وتبنيهم وممارستهم، ففي الوقت الذي يكون المفهوم المجرد للحق مطلقا وثابتا، لا بد من الإقرار بأن الحق طبقا لفهم الناس يبقى نسبيا، وما يكون ثابتا عند البعض يكون متغيرا عند البعض الآخر. فهذا الفهم ضروري لعملية الدعوة إلى الإسلام، كما هو ضروري للعملية السياسية، لا سيما عملية التحول الديمقراطي، لكي لا يتعسف صاحب القناعة بما هو حق بغيره ممن لا يرى رؤيته، ففرق - وأيما فرق - بين أن يُلزم الإنسان نفسه بما اقتنع به على نحو اليقين أو الظن الراجح ويمسك به بقوة، وبين أن يتعصب لقناعته ويتعسف بصاحب القناعة المغايرة، إذ الذي يريد أن تحترَم قناعته هو الذي يحترم قناعة الآخرين.

[email protected]