العراق.. «الاستجارة» بقَطر..!
رشيد الخيون
الشرق الاوسط 22 نوفمبر

قَطر قَطران: موضع داخل العراق، على حافة البطائح (الأهوار) بين البصرة وواسط (الكوت)، وآخر «في أعراض البحرين على سيف الخط بين عُمان والعقير» (معجم البلدان). غابت الأولى في «تزاحم الأضداد». أما الثانية فهذا الموضع الذي نرى ونسمع. قيل كانت تستورد منه البرود القَطرية الحُمرُ، أو العنابية. وربما حَسب مصمم رايتها، ذات التسعة رؤوس، حساب ذلك النسيج، فجاءت عنابية اللون تمازجها قماشة بيضاء . وتأكد لي خطأ مَنْ أشار إلى اسم الخارجي، وغَرِيم الحجاج الثقفي (ت 95هـ)، قَطَرِيِّ بن الفُجَاءَة (قُتل 78هـ) أنه مأخوذ من اسم المكان، إنما أُخذ من قَطَريِّ النِعَال (الصحاح). ولا تهمل الصلة التاريخية بين «بيث قطرايي»، أي موضع قَطر الدولة، وبين العراق من قبل الإسلام. حين كانت بيث قطرايي مسيحية تتبع الكنيسة الشرقية، التي مقرها المدائن جنوبي بغداد. ذلك أيام الجاثليق (البطريارك) ايشوعياب الثالث الحديابي (ت 659 ميلادية) (أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية). وخلا تلك الصلة القديمة، لقَطر الحديثة، والحق يُقال، فضلها على عهدي العراق، السابق واللاحق.

بالنسة للأولى كانت تخترق الحصار بين فترة وأخرى، وترسل وفودها عندما عزَّ المهنئون والمعزون. وكان آخر وفد إلى بغداد، قُبيل السقوط، هو الوفد القَطري برئاسة وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. حينها كثرت الهمسات حول ما حصل بين الوزير ورأس النظام السابق. وعلى خلفية ذلك الموقف القَطري المتميز من دولة صدام، كان يستهل (خطيب) سفارة تلك الدولة بلندن عبد الزهرة الساعدي (خطبته)، في زاوية المكاشفة الشهيرة عند الهايدبارك، بالدعاء لقَطر، ويختمها بلعن بقية دول الخليج.

ومن أفضال دولة قَطر، بالنسبة للعهد الجديد، أن أراضيها كانت منطلقاً للطائرات الأمريكية، ومقراً للقيادة العسكرية المركزية في الحرب ضد دولة البعث. وإن حسب الكارهين لإسقاط تلك الدولة هذا الفعل على أنه مثلبة على قَطر، تحفظه الملايين من العراقيين لها بامتنان، كيف لا! وبه تبدد الخوف العراقي، وكُشف ظلام «دولة المنظمة السرية»، التي أوت قَطر قيادات منها، قريباً من قاعدة العديد نفسها.

بعد نجاح مهمة الجيوش الأمريكية، المنطلقة من قاعدة العديد، قدمت قَطر نفسها، وعبر ذراعها الإعلامي قناة «الجزيرة»، أنها تثأر للدولة القومية، حتى الشراهة في إرباك الحالة العراقية فوق ما هي مُربكة، تحت ذريعة الحيادية الإعلامية. بدأ الأمر ببث بيانات حزب البعث وخطابات صدام والزرقاوي، وبتصوير أفلام كاذبة لإشعال الإرهاب، وتضخيم مشاهد الخراب والدمار. ومن على شاشتها طل الشيخ يوسف القرضاوي، وهو سميرها الدائم، يذكي النار ناراً بفتاوى الجهاد. وعلى هذه الخلفية قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمندوب «الجزيرة»: «قناتكم تدعم الإرهاب».

يكشف الإعلامي العراقي إبراهيم الزبيدي عن تحايل إعلامي، بسبره بث صوت الحقيقة: «كنا نعلن عن أرقام هواتف معينة، نطلب من المشاهدين الاتصال بها للمشاركة الحية. لكن المشاهدين لن يستطيعوا الإمساك بأي منها... في حين كنا نكلف أشخاصاً معينين بالاتصال على هواتف لا نعلن أرقامها» (كتاب بلا مكان). وبطبيعة الحال لا تنفرد «الجزيرة» بهذا الغش، سوى أنها مارسته في أمر الدماء! في ظل هذه الأجواء، كثرت الوفود العراقية إلى دولة قَطر، من «جبهة التوافق» بالذات، وهي أعلنت نفسها ممثلة لأهل السُنَّة، بعد تراجع قيادات منها عن تشكيلة ما أُعلن عنه باسم «أهل العراق». وحتى نكون أكثر دقة أنه لولا تشكيل «الائتلاف الشيعي»، وقبله «البيت الشيعي»، وقبله «المجلس الشيعي»، وتشكيل «التحالف الكردستاني» ما كان لأحد من قيادات التوافق الإصرار على تشكيل توافق سُنَّي. وليس من عبث بأمر العراق مثل عبث تصنيف العراقيين سياسياً على الطوائف والقوميات، لا على المواطنة.

ولا صغراً بقَطر، لضآلة مساحة وقلة سكان، فالأمم المتحدة ظلت معترفة بجزيرة فرموزا، بعد أن أطلقت عليها اسم الصين الوطنية، على حساب الصين الشعبية، على عظم مساحة الأخيرة وغزارة سكانها. بيد أن القضية العراقية أكبر قطراً من قَطر، وهي ليس لها تماس بأرض العراق. إلا إذا كان المطلوب وساطة مع الأمريكان، وهؤلاء لا يحتاجون لواسطة، فهم ولي أمر الدولة العراقية أمنياً اليوم، وأبوابهم مفتوحة، فعلام هذا السفر الطويل!

ولا ندري، هل كان آخر الوفود، وهو وفد نائب رئيس الجمهورية إلى قَطر، قد تجهز بتنسيق مع بقية رؤوس الدولة، أم أنه وفد التوافق حسب؟ أما إذا كان الهاشمي موفداً من دولته فأقول ما أغربها من وفادة، حيث هدد نائب الرئيس خلالها، ومن الدوحة، الانسحاب من العملية السياسية، أعقبه توجيه انتقاد إلى رئيس الحكومة، وهي من المفروض حكومته! وربَ حريص يقول: هل عُدم الود إلى هذا الحد بين نائب الرئيس ورئيس الوزراء، وهما من حزبين إسلاميين لهما قدرة المواءمة بين الشورى والقول بالوصية؟ وعندها لا توجب الاستجارة بقَطر، التي يَشكل عليها العراقيون بجريرة بوابتها إلى العالم «الجزيرة»، وهي التي أعطتها مساحة أضعاف أضعاف مساحتها (11521 كيلومترا مربعا)، بينما مساحة الأنبار وحدها، وهي معقل التوافق، حوالي 145 ألف كيلومتر مربع، فهي 32% من مساحة العراق. أقول هذا لأهمية الجزيرة بالنسبة للدولة.

ويرد التساؤل: ماذا تستطيع قَطر فعله، وقد عجزت أميركا عن إصلاح ما أفسدته؟ ولا ندري، إذا ما كانت واشنطن تأمل من قَطر ذلك، فإضافة إلى صلة الأخيرة الخاصة مع الحزب الإسلامي، كونه وريثاً لحركة الإخوان المسلمين، وصلتها بجبهة التوافق عموماً، لها يد في داخل هيئة علماء المسلمين، ذلك إذا صحت الرواية التالية: كان خروج الشيخ أحمد الكبيسي من قيادة الهيئة إثر تعرض الشيخ لدولة قَطر، في إحدى خطبه من على منبر مرقد الإمام أبي حنيفة.

دعونا نتفاءل بدور لبيث قطرايي، على الرغم من أن القلق عميق في نفوسنا، وبدلالة الشاعر المخضرم والمُقل عَبدة بن الطبيب (ت نحو 25هـ) عندما قال: «تَذكَّر ساداتنا أهلُكم .. وخافوا عُمان وخافوا قَطر»، ودواعي الخوف من الأخيرة عديدة. أما عُمان فليس مثلما كانت في زمن الشاعر، فقد كفتها جغرافيتها وأحاطتها بمذهبها أمر الآخرين. وتبقى كلمات الحق محبوسة في الصدور، فمهما ابتعد طارق الهاشمي وتناكف مع نوري المالكي، فلا يجد أقرب له منه، إذا كانت وحدة العراق، وأمن الشعب العراقي أولويتهما في اللسان والضمير.