النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رحلة الظل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    151

    افتراضي رحلة الظل

    رحلة الظل

    قصة قصيرة جواد المنتفجي

    التارخ: 2/1/1973
    الزمن:الخامسة عصرا

    جلس واضعا أمامه على الطاولة مظروفا كان يحمله، نظر عبر النافذة المطلة على كورنيش نهر الفرات وراح يرسم على شبكية عينيه أشكالا في وجوه المارة متفقدا شخصا ما ظل بانتظاره منذ ثلاثة أسابيع،تنفس بعمق واخرج من جيبه قلما ودفتر ملاحظاته، ومثلما يفعل من قبل بدأ كعادته يكتب الأسطر الأولى لأبطال قصته...
    -الشخصية الأولى ( جلاوي)، أو( جليل المتحطم) كما يسميه أبناء مدينته،وهو الشخص الذي أنسدل شعره المشعث على جبينه ففقدت طيات شعره كل الاتزان على رأسه المتكور.
    -الشخصية الثانية (شنان) احد الذين يستحقون ميدالية العيش في الحياة، ولم يحق له لمسها أو رؤيتها قط في يوما من الأيام .
    -الشخصية الثالثة ( كرّيم أبو قواطي) الذي يجوب أسواق البزازين بحثا عن قصاصات قماش ليخيط بها أجزاء ثيابه الممزقة، والتي أتلفتها الأيام من بقاياه... يا لبقاياه ، يا لبقايايّ ... أشياء تافهة، قال هذا معيدا قلمه ودفتر ملاحظاته إلى جيبه بعد أن شعر بعدم الاستقرار وهو
    يحشر نفسه بمتاهات عندما بدأ يفكر بالكتابة عن شخوص قصته هولاء،
    وخصوصا حينما مر (جلاوي) قبل قليل من أمامه وراح يمسح مقدمة انفه بدشداشته، طالبا منه (مئة فلس) فأعطاه آخر قطعة نقود كان يمتلكها.
    غمم مع نفسه...
    -ما الذي أوقف (جلاوي) في هذه اللحظة ليقوم بعمل كهذا ؟ فـ(جلاوي) وعلى الرغم من قذارته المعروفة عنه ، ورائحتة الكريهة التي تفوح منه باستمرار لم يتنازل عنها قط لكونه كان يكره الاغتسال ، ولم يحظى يوما بوضع أي نوع من العطور، فهو لا يحب أن يفقد ميزة من ميزات مملكته الخاصة ،
    وفجأة شعر بشيء ما يتحرك خلفه كامتداد يد خشنة لتحضن كفه، يرافقها صوت جهوريّ بدا وكأنه يشق طبلتي أذنيه بكلمات متلعثمة استدار بانزعاج حول مصدرها...
    -(أنطيني جكارة)!! أجابه مبتسما...
    -آه (شنان) ... كيف حالك ؟ واستغرق بضحكه المتواصل مقدما أخر
    سيجارة في علبته التي ما فتئت أن يرميها لتسقط على الأرض حتى التقطها (كريم ابو قواطي) بشغف جالسا كالقرفصاء ، وراحت أجزاء جسده تتراقص كأنه أصيب بصعقة كهربائية ، صرخ بصوت مدويّ أيقظ الآخرين من تأملاتهم...
    -الله...الله... يا للجاذبية المتضامة بينكم!! ياله من يوم تعس!! يا لحظي
    النحس، وانتم تحيطون بي هكذا!!
    نهض حاملا مظروفه،وراح يخطو بخطوات وئيدة ، مبتعدا عن الضجة
    التي بدأت تحدثها وقع أقدامهم المرتجة ، فآثر إلى الجلوس في المكان الذي
    جمعه أخر مرة مع من احبها... فأنثالت في دواخله كلماتها بهدوء في ذهنه...
    -ماذا تخبئ وراء عيناك ؟
    -عمق مظلم ، في كل زاوية من زواياه رسم لذكراك.
    -وهل هذا ما تقوله حقيقة ؟
    -جدا.
    - وما هي الصلة بينك وبين هذا الواقع الذي تتكلم عنه الآن ؟
    -الواقع نفسه ، والذي أعيشه من أجلك حاليا.
    -أي الحقيقة! حقيقتنا، أليس هذا ما تعنيه ؟
    -بالضبط.
    -وهل بحثت عنها لتضع نهاية لما نعيش من معانات بين معارفنا؟
    -نعم في الشيء ، واللاشيء لإيجاد ما يسعدنا نحن الاثنين.
    -ولكن هذا غير بادي عليك، ومن خلال تصرفاتك في الآونة الأخيرة!!
    -وماذا اكتشفت أنت من خلال هذه التصرفات التي تدعينها ؟
    -وجدتك موهوما، لا تتكلم ألا عن أحلام خاوية تراها في المسلسلات
    والأفلام، والتي لا تطابق ما نعيشه الآن!!
    -وكيف اكتشفت ذلك ؟
    -من خلال الحقيقة التي تسميها ،أي الحقيقة التي عشتها معك منذ
    تعارفنا أول لحظة.
    -وماذا ترين أنت؟
    - أن بحثت أنت وراء الشيء ستكتشف بأنك إنسان محطم، وميتتك بكل مرارة أن تركتك هكذا يوما،لأنك لم تكن صادقا يوما من الأيام
    أي أنت مجرد وهم جميل لا غير حلمت به ذات مرة.
    -سأحاول أن اثبت لكي يوما ما عكس ما تعتقدينه.
    -وان سعيت وراء اللاشيء لتحقيق بعض مآربك معي فأنت معتوه
    ومجنون ، فليس هناك عطاء بدون مقابل ... أي دون ارتباط بيننا مهما
    حاولت ، إذا ذاك ستشيخ بسرعة ، يومها لن تجد من يحبك بصدق ، أو ربما ستحصل على إنسانة مرائية مثلك !!
    -شكرا على الكلمات التي نطقها اجمل فم ، ولكني أعدك بأنني سأكسب
    الرهان في يوما ما.
    -كيف ؟
    دنا منها محاولا لمس أصابعها المرتعشتين، فنهرته بعصبية مبعدة يدها
    عنه،قائلة له بزجر...
    -ما الذي تفعله ؟
    -الحقيقة ...لأثبت لك أن فوق كل زهرة يعلو المبسم.
    -مرحبا!!!!!
    اهتز مرتعدا بعد أن استفاق من لحظات هنيهة كان يعيشها ،ظانا أن احد أولئك الثلاثة قد تسلل خفية إلى مملكة أحلامه ليسرقونها منه هي الأخرى
    ، ألا أن الصوت الذي أيقظه من غفوته هذه المرة كان اكثر طراوة ، وقد داهمه برهة ليحقق حلم جميل كان بانتظاره... نهض ليصافح من كان
    ينتظرها قائلا...
    -أهلا... تفضلي بالجلوس !!
    لم تصافحه ، بل مدت يدها المرتجفة بحذر كامن نحو المظروف الذي كان
    أمامه ، أما هو فقد ابتلع خجله مع ريقه ، وبصوت خافت ومتزن قال...
    -منذ ساعة وانأ انتظرك و... قاطعته بسرعة قبل أن يكمل جملته...
    -شكرا ، ولا داعي للانتظار بعد الآن فقد انتهى كل شيء ،وعلى كلا
    منا الذهاب في سبيله.
    - وهل تعنين دوما بنهاية الأشياء؟
    -اسمع ... لقد مللت فلسفتك هذه ، وترّهاتك تلك التي تحرف بها دائما
    الأشياء، وخصوصا فيما يتعلق بعلاقتنا الفاشلة، ويقينا تكلمنا مرارا عن قضيتنا ، والتي باتت تسد أبوابها مشاكلنا العسيرة ، وأنت تعرف جيدا
    أننا لم نتوصل فيها إلى أي حل يرضي الطرفين ، فحاول أن تحد عن طريقي لأن هناك من تقدم لخطبتي .

    فتحت حقيبتها لتضع المظروف الذي حوى كل رسائلها وصورها، ألا
    أنها لاحظت العبارة التالية مكتوبة فوق المظروف.... (( عندما تعودين يوما لتحلقي في سمائي من جديد ، لا تنسي بأن تجلبي أجنحتك معك))
    أجابته وهي تغلق حقيبتها...
    -لا أريد خوض مغامرة أخرى بالبحث وراء اللاشيء،ولأثبت جنوني
    ثانية كما أحببتك.
    قال لها بقنوط حزين...
    -شكرا للكلمات التي نطقها اجمل فم.
    همّت مسرعة نحو الشارع ،وهي تجفف دمعة انسلت من جفنيها، لحظات
    ثم ضاع أثرها في زحام شارع كورنيش الفرات الذي بدأ يشتد بازدحامه كالمعتاد في هذا الوقت من المساء ، أما هو فقد وضع يديه في جيوبه التي فرغت من كل شيء ، متخطيا ممرات وكراسي الكازينو، والتي ودعه عند بابها (شنان) بتحية الجنود المستجدين ، سلك الشارع الرئيسي المتجه صوب محلة الصابئة بينما راحت الشمس تلملم أشعتها الممتدة في فضاءات السماء
    الفضية مختفية هي الأخرى تحت أجنحة الغروب ، وكان هناك ثمة ظل
    طري يجمع شتاته معلنا هروبه إلى دواخله من جديد.

    ملاحظة : شخوص هذه القصة حقيقية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    393

    افتراضي

    عاشت ايدك اخي جواد المنتفجي وان شاء الله دائما في تالق وتميز



    [align=center][/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني