الأمير نايف يكرم «الإرهابيين»!
محمد حسن الساري * - 7 / 10 / 2007م - 10:37 ص
الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي
أن تكون سعوديا فليس لك إلا أحد خيارات ثلاثة: إما إرهابيا مقاتلا تحمل السلاح وتنشر الموت وتصنع الخراب والدمار والحروب والفتن أو أن تقع فريسة النهم الجنسي وتصطاف في أقصى بقاع الأرض من أجل التمتع بملذات، هي محرمة في الداخل ومرغوبة في الخارج! أو أن تندب حظك ليل نهار لتبتلع غصة الكبت والقهر الممتدين من أدنى الوطن إلى أقصاه..
هذه الصورة النمطية حتى وإن بدت للوهلة الأولى متشائمة مجحفة بحق الشعب السعودي إلا أنها لا تخلو من دقة وواقعية إلى حد كبير، فثمة وقائع كثيرة تؤيدها وترسخها، آخرها الإحصائية المروعة التي ذكرت أن عدد المتدفقين من الإرهابيين الأجانب إلى العراق يصل يوميا إلى 18 مقاتل، نصفهم يحمل الجنسية السعودية! كما أن النسبة الأعلى من مقاتلي "فتح الاسلام" سعوديون! أما فيما يتعلق بنهم السعوديين في الاصطياف في الخارج وممارسة سلوكيات محظورة عليهم في الداخل، فهذا ما تعكسه نظرة شائعة وجدت لها تأيدا واسعا في محافل الغرب ووسائل إعلامه، حتى تكونت صورة نمطية عن الفرد السعودي يغلب عليها الطابع الجنسي في تصرفاته وسلوكياته.. وأخيرا فإن ثمة أمراض نفسية مزمنة تصيب عددا كبيرا من المواطنين جراء عوامل اجتماعية وسياسية عديدة كالكبت السياسي وتعثر بل واستحالة الإصلاح والأزمات الاقتصادية والفساد وارتفاع معدل الجريمة وغير ذلك من وقائع لا ينكرها مطلع.
الصورة النمطية هذه لم تأت من فراغ، ولا يمكن أن تكون مفتعلة أو نتيجة كراهية أو غير ذلك، لذا فحري بنا ونحن المعنيون مباشرة بأسبابها وآثارها أن نحاول استكشاف عواملها وحيثياتها لا أن نساهم في تكريسها عبر تسهيل تكاثر الإرهابيين القتلة المنتشرين على امتداد السعودية، أو أن نسمح بتوريد الأفكار الظلامية التي تكفر الآخر وتحلل دمه. كل هذا حدث ويحدث يوميا مع الأسف، الفتاوى التي تجيز القتل بتهمة الانتماء لهذا المذهب أو ذاك والتي تدعو إلى تفجير الأضرحة والمساجد وبالتالي شرعنة الاقتتال الطائفي وتغذيته، وغيرها من فتاوى أصبحت اعتيادية ومألوفة إلى حد كبير، الأفكار التي تساهم في تعميق الشقة بين المسلمين تنشر وتعاد طباعتها دوريا وعلى نفقة جهات رسمية -لا تخلو من شبهة، الممارسات الخاطئة والتي تفتقد إلى أبسط أدبيات المواطنة من قبل المتشددين تجاه مواطنين منتسبين لأقليات مذهبية لا تجد رادعا يردعها، سواء من قبل الحكومة والتي يفترض بها حماية جميع المواطنين بلا استثناء أو من قبل القضاء أو هيئات حقوق الإنسان، الحكومية أو الأهلية.
في هذا السياق تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بين الفينة والأخرى بأخبار عن مكافئات تقدمها وزارة الداخلية لمن بات يطلق عليهم "الفئة الضالة" وهم المنتسبون للتيار الديني السلفي المتشدد، يعلن عنها وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز أو مساعده للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف تارة، وتارة أخرى على لسان الناطق باسم الوزارة اللواء منصور التركي، آخرها الأمر الذي صدر عن الوزير ذاته بصرف مبلغ 10 آلاف للعائدين من معتقل غوانتانامو وذلك بمناسبة الإفراج عنهم بصورة مؤقتة لقضاء عيد الفطر المبارك وسط أسرهم وعوائلهم لمدة تصل لثلاثة أسابيع!! ولم يفت المصدر التنويه إلى أنهم سيمثلون أمام القضاء بعد العيد مباشرة.
هذه المساعدات أو المكافئات تثير أكثر من علامة استفهام حول مدى توفر النية الجادة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تلحق أفدح الأضرار بالأمن القومي والعالمي!! فبأي مبرر يمكن تقبل هذه المكافئة لحفنة من المتهمين بقضايا تمس أمن الوطن والمواطن والسلم الأهلي؟ قد يحلو للبعض وصفها بالمبادرات التي تهدف إلى تجفيف منابع الإرهاب واحتواء عناصره عبر تقديم مغريات مالية تأهلهم للعيش بكرامة بعد أن ثبت أن الفقر والحاجة بيئة ملائمة لتفريخ الإرهاب، ولذا فإن إغداقهم بالعون والمساعدات والمال كفيل بثنيهم عن عدوانيتهم وأفكارهم المنحرفة وعقائدهم الهدامة!
هذه التبريرات لا يمكن أن تصمد كثيرا خاصة وأن ظاهرة خطيرة بحجم الإرهاب تتطلب معالجة بنيوية لا يمكن أن تستثني النظام السياسي والديني والاجتماعي، يجب أن تشمل هذه المعالجة إن وجدت الفكر الديني الحاكم لتتمكن من تقويض تلك الفتاوى التي تصدر عن رجال دين كبار ومتنفذين لهم حضورهم الفاعل في المؤسسة الدينية الحاكمة، يجب أن تتضمن هذه المعالجة مقاربة جادة للعوامل الجذرية التي تساعد على نمو هذه الظاهرة.
كاد يجمع المفكرون الكبار الذين تناولوا ظاهرة الإرهاب بالدرس والتحليل الجاد على أن هنالك عدة أمور من شانها السيطرة على الظاهرة وكبح جماحها منها إشاعة الحريات والديمقراطية والتعددية وترسيخ العدالة الاجتماعية و الرقابة والقضاء المستقل وغيرها من أمور وإجراءات إصلاحية ضرورية وهامة جدا للحد من التذمر والكبت والإحساس بانعدام الأمن على شتى الصعد وبالتالي التمكن من مواجهة هذه الظاهرة والإمساك بتلابيبها.
على أن أيا من المطلعين لا يمكنه إغفال حقيقة التواطؤ المستتر بين جهات نافذة في العائلة المالكة السعودية وهي بالتحديد تمثل الجناح السديري وبين مجموعات سلفية قتالية ، وذلك منذ الثمانينات في أفغانستان مرورا بحرب البوسنة في التسعينيات ووصولا للاحتراب الطائفي الذي يدور حاليا في العراق. الأمر الذي أدى بالولايات المتحدة الحليف الأساسي للمملكة إلى الإقرار أكثر من مرة بضلوع السعودية بدعم وتمويل المجموعات التكفيرية المقاتلة في العراق، وهي التي قاومت طويلا فكرة إلقاء اللوم على السعودية لوقوفها خلف العنف المذهبي الدائر في العراق، وأنها اختارت عوضاً عن ذلك إلقاء اللوم على إيران وسورية! وحتى اليوم، يتجنّب القادة العسكريون الأميركيون الحديث علناً عن دور المقاتلين السعوديين في حركة التمرد في العراق. بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
نظرية "التواطؤ المستتر" تستند إلى أن من مصلحة النظام السعودي إشغال التكفيريين السلفيين وغالبيتهم يحملون الجنسية السعودية كما قلنا بحروب ومعارك "جهادية" خارج البلاد سواء في أفغانستان أو في العراق أو في لبنان مؤخرا، تقوم هذه النظرية على إجراءين أساسيين: تسهيل الهجرة إلى الجهاد عبر التسلل إلى الحدود بطريقة مموهة غير رسمية أو السفر عبر المطارات والمنافذ الحدودية الرسمية وهو ما جرى في لبنان عشية أحداث نهر البارد الأخيرة، والإجراء الثاني يتمثل في اتخاذ سياسة العصا والجزرة، فمن جهة مطاردتهم ومواجهتهم بقبضة أمنية حديدية، ومن جهة أخرى كسب ودهم ومكافئتهم بالمال والأرض والفرص الوظيفية الراقية. إثر ذلك يزعم النظام دوما أنه تمكن من القضاء على الفئة الضالة إلا أنه لا يعي أن ذلك لا يمثل إلا وضعا طارئا تحتجب من وراءه الكوارث والأزمات.
خلف هذا الواقع تتوارى صورةٌ أشد ضراوة وأكثر تنكيل حيث تكاد وزارة الداخلية تنسى فعلا بعد أن تناست طويلا مصير السجناء المنسيين التسعة المنتمين للأقلية الشيعية المضطهدة في السعودية، فبعد مرور أحد عشر عاما من التوقيف والاعتقال من دون توجيه تهمة محددة أو محاكمة لم تقدم لهم السلطات حتى الآن مكافئة أو مساعدة أو منحة، ولم تفرج عن أحدهم مؤقتا بمناسبة عيد أو بمناسبة اجتماعية كزواج أو وفاة أو غيرها، كما كان يجدر أن تفعل مع الأسير "فاضل العلوي" الذي اضطر لعقد قرانه وهو مكبل بين الأصفاد دون أن يستدعي ذلك شفقة السلطات الأمنية لتفرج عنه يوما واحدا أسوة بنظرائه العائدين من غوانتانامو!!
لماذا هذا التمييز بحق الله؟! لماذا يستحق "الغوانتاناميون" المكافئة والحظوة والدلال ويحرم منها هؤلاء المنسيون؟ متى يعلم ويقر سمو وزير الداخلية أن هؤلاء الشرذمة من الإرهابيين والقتلة هم سبب تشويه سمعة السعوديين في العالم؟
عندما يتأمل المرء في هذا الدلال الزائد تنتابه الدهشة حتى أنه ليظن أنها خصصت لهم بوصفهم أبطالا ونجوما قد تمكنوا من تحقيق مراكز عالية في مسابقة علمية على مستوى العالم، فيكاد ينسى أنهم مجرد إرهابيين وقتلة!
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة » التعليقات «3»
فكري الجزيري
[ القطيف ]: 7 / 10 / 2007م - 11:22 ص
لا فض فوك، ولا شلت يمينك، وطاب يراعك المتدفق، وارجو الا تكون عاشر المنسيين!
Hussain
[ SAUDI - Qatif ]: 7 / 10 / 2007م - 1:02 م
مقالة رائعة, نشكر الكاتب
اللهم فرج عنهم يا رب
صالح ابو داود
[ أمريكا - كاليفورنيا ]: 7 / 10 / 2007م - 1:28 م
الفكرة ياأخي هي كسب ود هذه الفئة بالمال. ألم تسمع أن الشباب السعودي كان يشترى للقتال كمرتزقة في صفوف الجيوش الإرهابية في كل مكان. فبالمال يمكن شرائهم لأي فريق كان وسوف يتم المزايدة عليهم في كل مكان. هذا المبدأ كما يظهر متأصل بين السعوديين، فقررت السلطات الدخول في المزاد كما يبدو، فلن تتغير توجهات هؤلاء الإرهابيين فسوف يدخل هامور تكفيري آخر ويلتقطهم بعد ذلك لأن الفكر الإرهابي متأصل في بنيتهم، فالمناصحة مجرد كف يدهم عن محاربة "ولي الأمر" وليس قطع دابر الإرهاب العالمي والقتل الطائفي