الخطة الأمنية الجديدة أساس المصالحة الوطنية وبناء جيش وطني قوي

المالكي يعزز تحالفه السياسي برغم تحفظات العرب السنة




واشنطن، بغداد _ الملف برس

تجمع التقارير و المعلومات أن مطلع شهر شباط سيكون الموعد لبدء ساعة الصفر في تنفيذ الخطة الأمنية الجديدة التي عمل عليها الرئيس الأميركي جورج بوش و كبار مساعديه بالتعاون مع كبار المسؤولين العراقيين، و بشكل خاص الملاحظات التي سجلها رئيس الوزراء المالكي في لقائه بالرئيس الأميركي في عمان نهاية تشرين الثاني نوفمبر الماضي.

استراتيجية الاندفاع الجديدة تواجه النفوذ الايراني

و في الأصل جاءت خطة الرئيس بوش الجديدة معتمدة على مجموعة ملاحظات، في مقدمتها تقارير متعددة للقادة الميدانيين في عمليات العراق، بضمنهم الجنرال الفريق ديفيد بتراوس الذي خدم قائداً لأحدى فرق القوات الأميركية، و تكللت فترة السنة الأولى التي أمضاها في العراق بأسر صدام حسين في أطراف تكريت، إلى جانب عدد من العقداء و المقدمين من قادة الأفواج و الألوية و بعض قادة الفرق بأشراف جنرال البحرية بيتر بيس رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة.

و إذ يرى العديد من المراقبين أن " إستراتيجية الاندفاع " التي أعلنها بوش في العاشر من الشهر الجاري، لا تعني مجرد إرسال 21.500 جندي إضافي إلى وحدات القتال في العراق، و إنما إصرار لا يلين على مواصلة معركته ضد الإرهاب و التمرد اللذين أضاف لهما المليشيات الشيعية، و في هذا المسار فأنه يصعد ضغطه على سورية من خلال العديد من التلميحات بشأن دورها قاعدة خلفية للتمرد، و كذلك ممراً شبه أمن لتهريب السلاح و الأموال و الأفراد إلى المتمردين و الإرهابيين، على حد تعبيره. أما بالنسبة لإيران فأنه مصر بشكل لا يقبل اللبس على أنها الطرف الرئيس وراء تصعيد العنف الطائفي، من خلال عمليات التحريض، التي يتفق جميع العراقيين من قادة الشيعة و السنة على أنها حالة غريبة عن تقاليد المجتمع العراقي، و هو الأمر الذي عده بوش تأكيداً على ما ذهب إليه بشأن حجم التدخل الإيراني، خصوصاً و أن العديد من ضباط المخابرات العسكرية و بقية الأجهزة الأمنية الأميركية و العراقية تطابقت معلوماتهم في أن جماعات مسلحة تمارس العنف الطائفي باسم جيش المهدي، هي في الأصل منشقة عليه و ترفض الالتزام بتوجيهات مقتدى الصدر، و هي تحظى بدعم مالي و عسكري من الإيرانيين.

و في إطار " تمهيد " الأرض لبدء العمليات العسكرية لاسترجاع امن بغداد، فأن لواء محمولاً جواً وصل بغداد، و بدأ الانتشار في مواقع مساندة للعراقيين، لكن الأصل في تهيئة ارض المعركة الأمنية داخل المدينة بدت معنية بتوفير حرية حركة قوات العمليات من شرق بغداد إلى غربها و من شمالها إلى جنوبها، و هو الأمر الذي أستدعى في مقدمته خوض معركة حي حيفا الأسبوع الماضي،الذي كان يسيطر على جسرين رئيسين هما جسر الصالحية و الشهداء، حيث يكمن الكثير من المتمردين و المسلحين و الإرهابيين، و أسفرت العملية عن اعتقال عشرات المشتبه بهم كما تمت السيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة و المتفجرات.

خطة أمن بغداد تتجاوز العاصمة لتشمل المحافظات الاخرى

وإذ تسعى الخطة إلى زج قرابة 17.000 جندي أميركي إلى جانب ثلاثة ألوية من العراقيين وعد رئيس الوزراء المالكي بتحريكها لإنجاز المهمة، إلى جانب لوائين هما في مهمة أمن بغداد عملياً. و هو الأمر الذي يعني أن 18 لواء من الجيش العراقي و الشرطة ستعمل إلى جانب الشرطة المحلية في بغداد و بقية المحافظات، في إطار الرؤية الشاملة للتفاعل بين أمن بغداد و تحرك المسلحين إليها أو الخروج منها و مسك الوضع الأمني في بقية المناطق، خصوصاً المحاذية لبغداد. و سيكون هناك وحدة عسكرية أميركية بحجم لواء إلى جانب قوات كل منطقة لدعمها و أداء دور استشاري من قبل قيادتها في الوقت نفسه. و ستتحول 3- 4 مراكز شرطة في كل منطقة عمليات من المناطق الموزعة في شطري الكرخ و الرصافة البالغ عددها 9 مناطق أو قطاعات ، لتكون مواقع خلفية للقيادة و الإشراف، فيما تتحرك قوات مشتركة من العراقيين و التحالف في دوريات و غارات على أهداف محددة. و في الوقت نفسه العمل من قبل وحدات هندسية أميركية و مؤازرة عراقية في معالجة نقص البنى التحتية للخدمات و توفير كل ما يؤدي كسب ثقة العراقيين في الأحياء التي يتم مسكها.

و يتفق الجنرالان بيس و جورج كيسي القائد العام للقوات متعددة الجنسيات في العراق على أن " تطهير الأحياء و مسكها و إعادة اعمار خدماتها و كسب ثقة الأهالي " سيكون العملية الضرورية لتحقيق منع تكرار تجربة عودة المسلحين إلى الأحياء التي تم تطهيرها في منتصف عام 2006، حيث أن الضرورة تقتضي هذه المرة بقاء القوات الأميركية في الأحياء إلى جانب القوات العراقية، تراقب و تقدم المشورة و توقف أي شكل من أشكال الخرق أو التسلل، لكي يكون كل حي مع مرور فترة مناسبة لا تقل عن ثلاثة أشهر قد أدرك نعمة مسك الحي من قبل القوات المشتركة و تلمس الفوائد العملية التي حققها.

و قد بدا الجنرال المخضرم بيس في شهادته متفائلاً أمام لجنة القوات المسلحة الأميركية في مجلس النواب عندما أبلغهم ثقته بنجاح الخطة الجديدة للرئيس بوش، بعد ساعات قلائل من إعلان الرئيس الأميركية إستراتيجيته الجديدة، مع إشارته إلى أنه كان منذ البداية مع زيادة عدد القوات الأميركية في العراق، لكن وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد كان له رأي مغاير، حتى توضح بشكل لا يقبل اللبس حقيقة الحاجة إلى مزيد من القوات.

و قال بيس بعبارات واضحة كلياً "إنني مقتنع أن هذه الخطة العسكرية، التي هي جزء من خطة سياسية و معونات اقتصادية إضافية، ستكون كفيلة مجتمعة في السير بنا نحو النجاح الذي نطمح إليه. و لمح بيس إلى أن بنود الخطة الجديدة للرئيس لم تكن مجرد حصيلة لمشاورات مع القادة الميدانيين، و كبار القادة العسكريين، و إنما في الوقت نفسه حصيلة مشاورات مع أطراف أخرى في المنطقة. و الشيء المهم الذي حرص على لفت انتباه لجنة مجلس النواب إليه هو أن الخطة قد جاءت حصيلة مداولات مع المسؤولين العراقيين الذين رحبوا بها، بل و أخذوا على عاتقهم العديد من الالتزامات الحيوية لإنجاحها، ليس في مضمار مشاركة المزيد من القوات العراقية فحسب، و إنما توفير كل المستلزمات الضرورية لحرية حركة القيادة العسكرية، و ضمان فعالية قيادة كل قطاع من خلال تمتع قيادته بحرية الحركة، بدون أن يؤثر فيها احتمال التدخل لأسباب سياسية لمنع أي إجراء تقتضيه العمليات العسكرية في مسار الخطة الأمنية، حيث إن الهدف هو المسلحين بغض النظر عمن يكونون ما داموا هم ليسوا قوات نظامية تعمل بتخويل دستوري و قانوني واضحين.



الخطة الامنية الجديدة تختلف عن سواها من الخطط السابقة

و بشأن الفوارق الجوهرية بين هذه الخطة و الخطط التي سبقتها قال الجنرال بيس أن الميزة الأولى هي أن مناخاً سياسياً يحيط بهذه الخطة، حيث تسود قناعة واضحة بأن بغداد هي مركز الجذب في وضع العراق و استقراره على وفق التشخيص الدقيق للرئيس بوش، و عليه فأن قوات العمليات الميدانية الأميركية عليها أن تكون هناك في العاصمة العراقية. و سيكون في العاصمة قائد ميداني يحظى على وفق ما قاله بيس و وزارة الدفاع العراقية بصلاحيات رئيس أركان الجيش العراقي، و هو برتبة فريق، يتولى مساعدته ضابطان عراقيان كبيران، كل منهما يتولى قيادة شطر من شطري المدينة التي يشطرها دجلة.

و لاحظ بيس و الجنرال بترواس أن القيادة المشتركة للعمليات المرتقبة تعمل على وفق أن يكون هناك جندي أو شرطي لكل 50 مواطناً، أي أن المفروض توفر 130.000 مقاتل في شطري بغداد التي يقارب تعداد سكانها حالياً 6 ملايين نسمة، من أجل المسك الحقيقي للأرض و بشكل يمنع أية تجاوزات بالاستفادة من الكثافة السكانية، في ظل توفر ما مجموعه لحد الآن 86.000 فقط، يمكن توفير المتبقين من المتعاقدين الأمنيين من الحمايات و الحرس.

أما عن القوات الأخرى التي سترسل إلى الأنبار، 4.000 جندي، فأنها ستساند شيوخ صحوة الأنبار و القوات النظامية العراقية في تصعيد تحركها ضد القاعدة، مساندة فرض النظام في المحافظة.

و خطى الرئيس بوش خطوة معنوية بتوجهه إلى قاعدة فورت بيننغ لمشاة الجيش الأميركي، التي تكلف بانتظام بزج ما لا يقل من لواء من ملاكها في المهام القتالية في العراق طيلة السنوات الأربع الماضية، حيث تحدث مع الجنود الذين قد يلتحق بعضهم بالواجب العراقي خلال فترة قصيرة قائلاً " إن من أروع العبارات تشخيصاً لمهمتنا في العراق ما قاله لي الجنرال جون أبي زيد ( قائد القوات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط التي تشمل العراق ): " سيدي الرئيس إذا أخفقنا في العراق، فأن العدو سيلحقنا هنا في الولايات المتحدة الأميركية."

و أضاف بوش " إذا غادرنا قبل أن ننجز المهمة في العراق، إذا ما أخفقنا في العراق، فأن إيران ستتمادي في مسعاها لامتلاك سلاح نووي، و سيكون لأعدائنا ملاذ آمن ينطلقون منه في الهجوم علينا. لهذا ينبغي علينا أن ننجح في العراق، و هذا ما نحن خططنا له و قادرون عليه."



قيادة عراقية للخطة الامنية

و في تناوله التفصيلي لإستراتيجيته في العراق، أكد بوش أن العدد الأكبر من الزيادة في القوات الأميركية لوحده لن يكون كافياً، فالمطلوب وضوح المهمة، وضوح الواجب، و هو الأمر الذي تعيه قواتنا، و نحن نخطط له.

و أشار بوش إلى " أن الحكومة العراقية عينت قائداً عسكرياً محترفاً لتولي المهمة ( الفريق عبود قنبر )، و في ظل ضرورة أن تبدي الحكومة العراقية كل الإرادة الضرورية اللازمة لتحقيق النجاح، فمن الضروري أن تكون هناك خطة للنجاح، و لكن في الوقت نفسه من الضروري أن تكون هناك بصيرة واضحة تستقر من خلالها الرؤية على النصر. و قد تم هذا كله في ظل طرحي الصريح ( بوش ) أن الشعب الأميركي صبور لكن لصبره حدود، و قد حان الآن وقت العمل ليس فقط من أجلنا، و إنما حان وقت العمل من أجل شعب العراق، و من أجل أن يحتفظ المسؤولون العراقيون بثقة الناخبين الذين خولوهم الولاية على شؤون البلاد."

و أبدى الرئيس بوش تأييده القلبي الحار لقرار الحكومة العراقية إنفاق 10 مليارات دولار من العوائد النفطية لتحسين مستوى المعيشة الذي تشخص، الحكومة العراقية،أنه مسألة ضرورية بقدر ما هي ضرورة تحسين الوضع الأمني.

و بشأن مدى ثقته برئيس الوزراء نوري المالكي، الذي تواترت تصريحات عدة بشأن ضجر بوش من تردده و عدم حزمه إضافة إلى الطريقة التي تم بها إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، قال بوش " إن من الأشياء المشجعة التي أثق أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قادر على انجازها الإنذار النهائي الذي وجهه للقوات غير النظامية بضرورة إلقائهم السلاح أو مواجهة قوات حفظ النظام و العدالة." و أضاف بوش في إطراء يخفف حدة التوتر الذي شاب علاقة الطرفين العراقي و الأميركي " هذا هو نوع القيادة التي يحتاج لها العراقيون في هذا الظرف. و أنني و قيادتنا العسكرية في العراق نتوقع أن يتم إنجاز هذا الإنذار و كل الخطة التي أعلنوا عنها للشعب العراقي. و من جانبنا سنساعدهم على أنجاز التزاماتهم."

و بقصد تطويق المعارضة الديمقراطية التي قادتها معارضتها لعلميات العراق للفوز في الانتخابات النصفية في السابع من تشرين الثاني من العام الماضي 2006، حذر بوش من انه لا يتوقع نتائج سريعة قائلاً " على الشعب الأميركي أن يدرك أن عمليات التفجيرات الانتحارية لن تتوقف فوراً، لكن و مع مرور الوقت يمكننا أن نتوقع نتائج إيجابية، حيث تتحسن الحياة العراقية يومياً، و سيجني العراقيون ثقة متزايدة في قادتهم."

من ناحية أخرى أعترف الرئيس الأميركي أن خطته الجديدة تعني إعادة انتشار وحدات عسكرية قبل الموعد المقرر لعودتها للخدمة الميدانية خارج الوطن، إضافة إلى أن بعض الوحدات لن يتم سحبها وفق الجدول المقرر سابقاً، حيث سيتم تمديد فترة خدمتها في الميدان بعض الوقت، لكنه وعد في أن تكون النتيجة هي تحقيق النتائج المرجوة، و في الوقت نفسه فأنه و الكونغرس ( يقصد بأغلبيته الديمقراطية ) سيعملان سوية على توفير كل المستلزمات الضرورية للقوات الأميركية لتحقيق النصر.

و في مجال الخوض في التفاصيل العملية كرر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس و المسؤولون في وزارته،البنتاغون، " أن العملية في العراق لا تعتمد ساعة أو يوم صفر في حشدها العسكري، إذ أن الزيادة في عديد القوات تستكمل حتى حزيران المقبل، حيث سيصبح عدد الألوية الأميركية المقاتلة 20 لواء، مقارنة مع تعدادها البالغ 15 لواء حالياً.

و يأتي هذا ضمن خطة لتطبيق أفكار الرئيس بوش، على حد تعبير البنتاغون حيث أشار في عرض خطته إلى أن كل الرصد العسكري و السياسي يؤكد أن 80% من العمليات في العراق تقع ضمن دائرة نصف قطرها 30 ميلاً و هي العاصمة العراقية.

و من جانبه أشار غيتس إلى أن زيادة القوات الأميركية سيكون له تمهيدات في مقدمتها تنفيذ الحكومة العراقية لالتزاماتها بشأن الخطة الأمنية، و تصعيد الإجراءات بشأن ضمان النجاح بتوفير الأرضية المناسبة. و أضاف أن مستوى المستشارين العسكريين و المدربين الأميركيين يتوقف حالياً عند مستوى الفوج، لكن في ظل الالتزامات العراقية الجديدة، فأن المستشارين و المدربين الأميركيين سيكونون موجودين حتى مستوى السرية.

و يذكر أن أول لواء جديد تحرك من الكويت إلى العراق في إطار الخطة الجديدة قبيل ساعة إعلان الرئيس بوش لخطته يوم الأربعاء 10 كانون الثاني يناير الجاري، و هو اللواء الثاني من الفرقة الـ 82 المحمولة جواً.

التحرك السياسي

و مع أن الإدارة الأميركية تتعامل بتشدد مع دمشق و طهران إلا أن زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني التي استمرت 6 أيام من يوم الأحد 14 كانون الثاني يناير الجاري و حتى يوم السبت 20 منه، قد جاءت لتصب لمصلحة الخطة الأمنية الجديدة في التحرك الشامل لتصفية بؤر العنف و الإرهاب و التمرد، ليس فقط من خلال ساحة المعركة، و إنما من خلال قطع موارد الإرهابيين و العمليات المسلحة، و هو الأمر الذي وظف الرئيس طالباني علاقاته الشخصية و ثقله الفكري في حركة التحرر الوطني في العالم الثالث و الحركة الاشتراكية الدولية، في دفع العلاقات العراقية السورية باتجاه قبول دمشق الالتزام بكل ما من شأنه تطمين العراق على عدم تعرضه لأية مخاطر مصدرها سورية، و بلغ الأمر بالرئيس السوري بشار الأسد القول لطالباني " إن استقرار العراق هو لمصلحتنا و تعزيز لاستقرارنا."

و إذا ما كان المنفذ السوري قد بدء غلقه بفعل الدبلوماسية الرفيعة المستوى التي تصدر لها طالباني بدعم خاص من رئيس الوزراء العراقي المالكي الذي درس في دمشق أيام زمان، فأن الوضع على الجبهة الإيرانية يأخذ مديات أخرى، فها هي حاملة الطائرات نتننس و على متنها 80 طائرة و مجموعتها الضاربة تتوجه إلى منطقة الخليج، لتكون إلى جانب مجموعة حاملة الطائرات أيزنهاور، حيث سيكون هناك بالمحصلة أكثر من 120 طائرة مقاتلة قرب الشواطئ الإيرانية إلى جانب الصواريخ التكتيكية، فيما تنتشر قوة دفاع جوي أميركي في الضفة الأخرى من شواطئ الخليج. و حط سرب طائرات و مستلزماته للقتال البعيد في قاعدة أنجرليك التركية. و يتم هذا فيما تشن القوات الأميركية هجماتها على أي موقع يشتبه بوجود أصابع لعمليات عسكرية إيرانية فيه، حيث داهمت دار ضيافة لزعيم الائتلاف العراقي عبد العزيز الحكيم قبل ثلاثة أسابيع و اعتقلت مجموعة من الإيرانيين، أطلقت سراح الدبلوماسيين منهم، و أجبرت الآخرين على مغادرة العراق عند إطلاق سراحهم. كما إن الأميركيين داهموا فجراً قبل عشرة أيام مقر مكتب الارتباط و العلاقات الإيرانية شبه الدبلوماسي في مقر إقليم كردستان و اعتقلت 6 أشخاص، أطلق سراح شخص واحد منهم و تم إبقاء الآخرين معتقلين بتهم التحريض على عمليات عنف في العراق، و أنهم من فيلق القدس المعني بتصعيد العنف في العراق و لبنان ضد المصالح الأميركية و العراقية، على حد تعبير الناطق العسكري الأميركي في العراق.

و إذ يحاول الرئيس طالباني توظيف علاقاته مع الإدارة الأميركية و الإيرانيين من اجل خلق منفذ مشابه لما هو يتحقق في العلاقات السورية مع العراق و الولايات المتحدة، إلا أن طبيعة المنهج التصعيدي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، و الملف النووي الإيراني، يدفعان باتجاه معاكس، سواء للدفاع عن امن القوات الأميركية في العراق و وقف العنف الطائفي من جهة، أو بفعل التصريحات النارية التي تتجاهل معاني الحشد الأميركي على حدود إيران، تماماً كما تجاهل الرئيس العراقي السابق صدام مؤشرات الحشد العسكري، حتى طلع على العراقيين بعبارته المحيرة في إعلان بدء هجوم التحالف الدولي على العراق في كانون الثاني عام 1991 بقوله " غدر الغادرون.."

و مهما تكن الأمور بشأن الجوار فأن الشيء الرئيس الذي يحرص رئيس الوزراء العراقي المالكي على الخروج به من تنفيذ الخطة الأمنية الجديدة هو وقف نزيف الدم المستمر، و في الوقت نفسه إرساء قواعد واضحة لأمن جميع العراقيين، تكون من قواعد تعزيز فرص المصالحة. و إلى جانب هذا كله فأن المالكي يريد أن تكون خطة أمن بغداد منطلقاً لتعزيز مطالبته بإطلاق يد القيادة العراقية في شؤون البلاد الأمنية من جهة، و قبول الإدارة الأميركية الارتقاء بتسليح القوات المسلحة العراقية إلى مستوى يتجاوز الأسلحة الخفيفة مثار سخرية ذوي الأمر من العسكريين العراقيين قبل الخصوم، الذين يتمتعون بالتفوق على قدرات السلاح العراقي نتيجة القيود و المخاوف الأميركية .. و مع هذا فأن الرئيس بوش كان قد وعد المالكي بتسليح أفضل مع تصاعد مهام الخطة الأمنية و النجاح في تنفيذها.

و قبل هذا كله فأن المالكي في إطار الخطة الأمنية استعاد دعم التيار الصدري غير المشروط لتنفيذه الخطة الأمنية، و هو الأمر الذي قد يسهل الكثير من مهمة نزع سلاح المنظمات العسكرية غير النظامية، على الرغم من أن كتلة التوافق قد عبرت عن شكوك في ما يدور من استهداف أحياء مثل حي حيفا، لكن هذا التحفظ قد يذوب إذا ما تم نزع سلاح المليشيات الذي هو بند رئيس في الخطة الأمنية.