نص الكلمة
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه الله"
حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 4 رمضان 1445هـ 14 مارس 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقيَامَ وَصَالِحَ الأَعمَال.
هذه الكلمة هي متعلقة بالمستجدات الأسبوعية، في العدوان الإسرائيلي الهمجي، الإجرامي، الوحشي، على الشعب الفلسطيني في غزة، ونحن في الشهر السادس، وللأسبوع الثالث والعشرين على التوالي، وفي اليوم المائة والستين والعدو الإسرائيلي مستمرٌ في عدوانه الإجرامي على قطاع غزة، يمارس أبشع الجرائم، يرتكب جريمة الإبادة الجماعية بكل ما تعنيه الكلمة، إضافةً إلى الاعتداءات اليومية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس.وقد بلغ عدد الشهداء والمفقودين: (أكثر من تسعةٍ وثلاثين ألف شهيد ومفقود)، وعدد الجرحى: (أكثر من ثلاثة وسبعين ألفاً)، في الضفة: (أربعمائة واثنين وثلاثين شهيد، وأربعة آلاف وسبعمائة جريح)، وبلغ عدد المخطوفين في الضفة: (سبعة آلاف وخمسمائة وخمسة وستين).
هؤلاء ليسوا مجرد أرقامٍ تَعْبُر على مسامع الناس، بل هي أرواح بشرٍ تزهق، وتهدر حياتهم، وجراحات ومعاناة شعبٍ يباد، واستهدافٌ شاملٌ للحياة بكل إجرامٍ وتوحشٍ وعدوان، وهذه الأرقام الهائلة، التي معظم الشهداء فيها من الأطفال والنساء، ومعظم الجرحى- كذلك- من الأطفال والنساء، هي عارٌ على عالم يدَّعي التحضر، ويتغنى بالحقوق، وفضيحةٌ لما يسمى بالمجتمع الدولي.
والمسؤولية الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، كبيرةٌ في المقدِّمة على المسلمين قبل غيرهم، الذين يفترض بهم أن يتحركوا تحركاً جاداً وفعلياً لنصرة الشعب الفلسطيني، ومنع الاستمرار الإجرام الصهيوني، الذي يمارس جرائم الإبادة الجماعية بكل الوسائل: بالقتل، وبلغ عدد المجازر الجماعية: (أكثر من ألفين وثمانمائة وأربعين مجزرة)، وصلت إلى متوسط تسع مجازر كل أربعٍ وعشرين ساعة، إضافةً إلى الاستهداف بالقتل للشعب الفلسطيني في الطرقات، والشوارع، والمدارس، ومخيمات النازحين، وفي كل مكان، مع المعاناة الكبيرة جداً للأسرى والمخطوفين الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، حيث يستهدفهم بالقتل، يقتل البعض بدمٍ بارد، ويقوم بإعدامهم، والبعض يعذبهم حتى القتل، حتى يقتلهم، البعض ينتهك كرامتهم الإنسانية بالاغتصاب، ويمارس كل أنواع التعذيب ضدهم.
أمَّا سعي العدو الإسرائيلي لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة بالحصار والتجويع، فقد بلغت المأساة إلى مستوى كارثي، والآلاف من أهالي غزة لم يجدوا وجبة طعام يفطرون عليها، وهناك تصريحٌ ملفت في لجنة الطوارئ في بلدية غزة، قال: [سيكون لدينا شهداء بسب العطش].المعاناة الكبيرة من التجويع والحصار أدَّت إلى وفيات يومية من الجوع، وأكثر هذه الوفيات من الأطفال، والاستهداف للأهالي أيضا بالقتل أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات، أو الوجبات النادرة، والقليلة، والشحيحة، التي تصل إليهم في بعض الشاحنات، التي تدخل في الحالة النادرة، أو الوجبات التي يلقى بها من الطائرات، في المسرحية الأمريكية، التي تسيء إلى كرامة الشعب الفلسطيني، يستهدفهم أيضاً العدو الإسرائيلي بالقصف بالدبابات، والقناصة، وإطلاق النار؛ لقتلهم أثناء تجمعهم، وهم في حالةٍ شديدةٍ من الجوع والمعاناة، يريدون أن يحصلوا على الطعام لأنفسهم ولأطفالهم، فيباشر الاستهداف لهم بالقتل.يستهدفهم أيضاً بجرائم الإعدام بدمٍ بارد في منازلهم، ومن ذلك جريمة إعدام الفلسطيني الطاعن في السن، وهو على سرير نومه، وانتشرت مشاهد للجنود الصهاينة وهم يتبادلون التهاني، ويفتخرون بجريمتهم، في أنهم قتلوا رجلاً طاعناً في السن، على سرير نومه، أعزل من السلاح، يتفاخرون بأنهم قتلوه، ويهنئون الذي نفَّذ تلك الجريمة، وهو يتفاخر بأنه قتله بأربع طلقات.
التفاصيل الإجرامية لممارسات العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة كثيرة، وطالت كل مناحي الحياة، ومظلومية الشعب الفلسطيني لا مثيل لها، والعدو الإسرائيلي الذي يُنَفِّذ ما يُطلق عليه كوصفٍ حقيقي (جريمة القرن)، جريمة القرن بكل ما تعنيه الكلمة، هو يُنَفِّذ تلك الجريمة، ويشاركه الأمريكي، والمساهمون معه من الدول الغربية وبعض العرب؛ أمَّا الإسهام الآخر فهو للتخاذل، التخاذل والتفريط من المسلمين، وفي مقدمتهم العرب، إلَّا القليل.الأمريكي يزيد من إسهامه ومشاركته في استمرار الإجرام والعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بمنعه من وقف العدوان، وإصراره على استمرار العدوان، واستمرار الحصار، ومساعيه الالتفافية، التي يحاول أن تكون هي وسيلةً مساعدة لاستمرار العدوان واستمرار الحصار؛ لأن الاستحقاق الشرعي، الطبيعي، الواضح، هو: وقف العدوان، ووقف جرائم الإبادة الجماعية، وإنهاء الحصار، وفتح المنافذ البرية، لدخول المساعدات، والغذاء والدواء، إلى الشعب الفلسطيني في غزة، هذا هو الموقف الصحيح، والموقف الطبيعي، والحق المستحق للشعب الفلسطيني، لكن الأمريكي يصر على استمرار جرائم الإبادة الجماعية والعدوان، ويصر على استمرار الحصار والتجويع، ومنع فتح الممرات البرية لدخول المساعدات، ولا يريد أن يكون هناك ممرات إضافية بحرية؛ لأنه ليس هناك ما يغني عن فتح الممرات البرية أبداً، وليس هناك من مبرر لإغلاقها، ومنع دخول المساعدات عبرها، ولكن الأمريكي يحاول أن يتعامل بطريقة مخادعة، فلا فتح كامل للممرات البرية، ودخول مستمر للشاحنات التي تحمل الغذاء والدواء للأهالي في غزة، ولا إضافة منافذ أو ممرات بحرية حقيقية، تتدفق عبرها الاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني، وتكون إضافية إلى الممرات البرية، هو يتحدث عن ميناء بحري عائم، تصل عبره- بإشرافه هو، وسيطرته هو- القليل القليل من المساعدات الغذائية.
فالأمريكي حوَّل المسألة من دخول ما يكفي أهالي القطاع، ما يكفي الشعب الفلسطيني في القطاع من غذاء ودواء، إلى بدائل أخرى: تقديم القليل جداً، الذي لا يوقف حتى وفيات الجوع، لا يوفر الاحتياج، ولا القليل من الاحتياج، يعني: نسبة ضئيلة جداً، يلقي عدداً يسيراً من الوجبات عبر الطائرات، لا يصل إلى ما يقارب أربع شاحنات، مما يمكن أن يأتي عبر المنافذ البرية، ثم هو يسعى من خلال هذا إلى خداع الرأي العام، وإلى إلهاء الشعوب المسلمة في العالم العربي وغيره، وفي محاولة للاستمرار في الإجرام، يُقَدِّم هذه البدائل التي ليست حلاً، ليست حلاً، ولا تغطي الاحتياج للشعب الفلسطيني في غزة، ولا توفر مقداراً محترماً من الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، شيء قليل جداً ونادر، تستمر معه المأساة بحجمها الكبير، بحجمها الكبير بكل ما تعنيه الكلمة، يستمر الجوع، وتستمر الوفيات من الجوع، تستمر كذلك حالة الانعدام للأدوية، تبقى المأساة كما هي، يكون في الصورة أن هناك مساعدات تقدم، وهناك أغذية تصل، يلقى بها من الطائرات، أو عبر ميناءٍ بحريٍ عائم، يكون هذا شيء ظاهر في الصورة، لكن في الحقيقة والواقع الجوع مستمر، الحالة السائدة والغالبة هي: حالة الجوع والمعاناة الشديدة، وانعدام الغذاء على معظم السكان، واستمرار وفيات الأطفال من الجوع؛ ولذلك فهو خداع يعتبر جزءاً من العدوان.
هذه الأساليب الالتفافية الأمريكية، التي يريدها أن تكون بديلاً عن المستحق المشروع للشعب الفلسطيني، وعن الحلول الصحيحة، وعن الإجراءات الصحيحة، هي بحد ذاتها جزءٌ من العدوان على الشعب الفلسطيني، وجزءٌ من الاستمرارية في العدوان، والاصرار على استمرار المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني؛ فالأمريكي يُصر على مواصلة الجريمة، يصر على استمرار التجويع ومنع إدخال الغذاء عبر الممرات، وحتى الصناديق التي يلقيها في أعداد بسيطة محدودة من الطائرات، يقتل بها الشعب الفلسطيني، ويحاول أن يثير بها الفتنة بين أوساط الشعب الفلسطيني، يحاول أيضاً أن يقدم المساعدات المحدودة جداً، التي يمنع من خلالها وصول المساعدات الحقيقية، التي هي بالقدر الكافي للشعب الفلسطيني، بطريقة يمتهن بها كرامة الشعب الفلسطيني.في مقابل هذا الحجم الهائل للإجرام، والتدمير الشامل، والقصف بإعداد هائلة جداً، من أطنان القنابل والمتفجرات التي يقدِّمها الأمريكي لقتل أهل غزة، ولإبادة الأطفال والنساء والأهالي في غزة، هناك في المقابل استمراريةٌ للصمود والثبات للمجاهدين في غزة، وللشعب الفلسطيني في غزة بشكلٍ عام، صمودٌ عظيم بكل ما تعنيه الكلمة، وصبرٌ وثباتٌ وتماسكٌ لا مثيل لها، بالرغم من حجم المعاناة الشديدة.
المجاهدون في قطاع غزة، من كتائب القسام، وسرايا القدس، وبقية الفصائل الفلسطينية، يواصلون القتال في مختلف محاور القتال: في خان يونس، ووسط القطاع، وبقية المحاور، ويفاجئون العدو بالكمائن، ويستهدفونه بمختلف أنواع الأسلحة المتوفرة في العادة لديهم: بقذائف الهاون، بالمسيرات، بالقنَّاصة، يستهدفون أيضاً المدرعات والآليات العسكرية باستمرار، بل يفاجئون العدو بتكتيكات إضافية وجديدة، ويتكيفون مع الواقع الصعب جداً.صمودهم بفاعلية وثبات، وهم يُكَبِّدون العدو الخسائر بشكلٍ مستمر، بالقتل لجنوده، والجرح لجنوده، والاستهداف لآلياته، ويواصلون القتال بفاعلية وتماسك عظيم، هذا بحد ذاته- كما كررنا في كل الكلمات- حجة كبيرة على كل المسلمين؛ لأنهم لو اتجهوا بجديَّة لتقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية، ولو بمستوى لا يقارن بما تقدمه أمريكا والغرب للعدو الإسرائيلي، ولو بالحد الأدنى من الدعم؛ لكان هناك صورة مختلفة للمعركة وللأحداث في غزة.
نحن نرى هذا الصمود للمجاهدين في غزة، هذا الاستبسال، هذه الفاعلية، هذا التأثير على العدو، إلى درجة أن يفشل العدو ويخفق بشكلٍ كبير في السيطرة التامة، وفي التخلص من المجاهدين، وفي إنهاء المعركة معهم، ولكن مع الظروف الصعبة جداً، والإمكانات المحدودة للغاية التي بأيديهم، لماذا؟
لأننا عندما نأتي إلى واقع المسلمين، ومستوى الدعم الذي يقدمونه للمقاومة الفلسطينية، مَن مِن الخمسين دولة يُقدِّم السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة؟ على مستوى الدول، الحالة الوحيدة الفريدة هي: الجمهورية الإسلامية في إيران، من يقدِّم السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة، لماذا؟ لماذا لم تتجه بقية الدول لدعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح،وهي تجاهد في سبيل الله دفاعاً عن شعبها، وعن أرضها، وعن حقها المشروع، ودفاعاً عن الأمة بكلها، هي في الخندق الأول، هي تخوض معركة لكل الأمة، ولمقدسات الأمة، التي على رأسها المسجد الأقصى الشريف؟ لماذا أصبحت المسألة وكأنه من المعيب أن يتحدث أحد عن ذلك، وكأنه لا ينبغي أبداً أن يُقدِّم أحدٌ السلاح للمقاومة الفلسطينية، أو الإمكانات التي تساعدها على مواصلة المعركة؟ أمَّا العدو الإسرائيلي فلا يتحرج الأمريكي، ولا تتحرج الدول الغربية أن تُقدِّم له أفتك أنواع السلاح، وأحدث أنواع السلاح؛ ليقتل الأطفال، وليقتل النساء، ليقتل أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، دون تمييز بين مقاتل أو غير مقاتل، في قتلٍ جماعيٍ، وتدميرٍ شامل، وإبادة جماعية، واحتلال في قضية ظالمة، العدو الإسرائيلي لا يمتلك قضيةً عادلة، هو محتلٌ، غاصبٌ، مجرمٌ، سفاح، ومع ذلك في ما هو فيه من احتلال، وإجرام، وطغيان، وظلم بكل أشكال الظلم، وممارسة لكل أنواع الجرائم، يقدِّمون له الدعم المفتوح، يقدِّمون له كل أنواع السلاح، بسخاء كبير، واهتمام كبير، ويحرِّضونه على مواصلة قتل الأطفال والنساء، ويدعمونه سياسياً، وإعلامياً، ومالياً، وبالسلاح بشكلٍ مباشر، يُقدِّمون له القنابل، والقذائف، ومختلف أنواع السلاح، بالرغم مما يمتلكه هو من تِرْسَانة حربية ضخمة، ومصانع للأسلحة، وغير ذلك، ومع ذلك يدعمونه.
ليس الأمر عند هذا الحد بالنسبة للمسلمين في تقصيرهم الكبير جداً تجاه المقاومة الفلسطينية، والمجاهدين في فلسطين، فلا يدعمونهم لا مالياً بشكلٍ رسمي، ولا يقدِّمون لهم الدعم بالسلاح وغير ذلك من الإمكانات، هناك إساءة إليهم، وتشويه لهم من بعض الأنظمة العربية، وإدراج لهم في قوائم الإرهاب، وإلى حد الآن لم تتجه بعض الدول العربية إلى تغيير موقفها، بعد أن أدرجتهم سابقاً في قوائم الإرهاب، إلى هذه الدرجة، يعني: هناك تجريم لجهادهم، إساءة إلى جهادهم، تشويه لجهادهم، إساءة إليهم، منع للتبرعات لدعمهم، وهذا موجود في بعض الدول العربية، لا تزال فيها حالات اعتقال، أو معتقلين من المراحل الماضية على خلفية الدعم لهم، وحتى الدعم الإنساني. هذا على مستوى الصمود من جهة المجاهدين.
لو أن المسلمين يتجهون بجديَّة إلى دعم المجاهدين في فلسطين، الدعم الكافي ولو بالحد الأدنى من متطلباتهم الضرورية؛ لكانت صورة المعركة مختلفة تماماً؛ ولذلك هناك تقصير كبير، ومسؤولية كبيرة، وحجة كبيرة على المسلمين في تقصيرهم في هذا الأمر. مع صمود المجاهدين في فلسطين، هناك صمود الأهالي في قطاع غزة، مجتمع قطاع غزة يصمد، ويثبت، ويصبر، وهو في معاناة لا مثيل لها في أي بقعةٍ في العالم، مليون نازح من الشعب الفلسطيني يعيشون أقسى الظروف: الاستهداف بالغارات والقتل، القتل بكل أشكاله: جواً، وبراً، وبحراً؛ يقتلهم العدو الإسرائيلي من الجو، بما يلقيه عليهم من القنابل؛ يقتلهم في البر، بقذائف المدفعية، والدبابات، وإطلاق النار من قبل جنوده، يقتلهم من البحر.
ويجوِّعهم، ويمنع عنهم الطعام، والغذاء، والدواء، والاحتياجات الضرورية للحياة.
ويدمِّر عليهم حتى آبار المياه، وخزانات المياه، وشبكات المياه.
ويعيق عليهم حركتهم في العمل لتوفير متطلبات حياتهم الضرورية.
مع كل ذلك هم صامدون، وثابتون، ولم يتغير موقفهم في احتضان المقاومة والمجاهدين، هم يواصلون هذا الاحتضان للمجاهدين والمقاومة، لم يتغير موقفهم تجاه العدو القاتل، المجرم، المحتل، وهذا شيء طبيعي، يعود إلى إنسانيتهم، وقيمهم، وأخلاقهم، ووعيهم، وبصيرتهم.بل من الشيء الطبيعي أن يكونوا أكثر صلابةً تجاه العدو الإسرائيلي، وجرائمه بحقهم أكثر من أي وقتٍ مضى، هم يعيشون المأساة، هم يشاهدون ما يفعله بهم العدو الإسرائيلي، هل ينتظر منهم العدو الإسرائيلي أن تنكسر إرادتهم، أو عزمهم؟ بقدر ما قد ارتكبه من إجرامٍ ضدهم وبحقهم، وصنعه من المأساة لهم، بقدر ظلمه لهم، الظلم الذي لا مثيل له؛ بقدر ما تكون إرادتهم، وعزمهم، ووعيهم، أكثر بضرورة مواجهة ذلك العدو، بوحشيته تلك، وجرائمه تلك، وفظائعه تلك. النتيجة الطبيعية للناس جميعاً، وليس فقط لأهل غزة: أن تترسخ لديهم هذه النظرة، وأن يكون لديهم هذا القرار تجاه العدو الإسرائيلي: أنه عدو خطير وسيء، يشكِّل خطورة على البشرية، على الحياة، على الإنسانية، وينبغي من الجميع أن يكونوا ضده.المجتمع في قطاع غزة صامد وثابت، حاول الأعداء أن يثيروا الفتنة في أوساطه، بطريقة إلقاء المساعدات، أو يصال المساعدات، أو توزيع المساعدات القليلة جداً النادرة، النادرة للغاية، ولكن لم يؤثِّر فيه ذلك؛ لأنه يحمل الوعي، يحمل الإيمان والبصيرة، وفي نفس الوقت يدرك أهداف العدو.
حاولوا أن يربطوا تقديم القليل القليل، حاول الأمريكي وحاول الإسرائيلي أن يربط تقديم القليل القليل جداً من المساعدات التي تصل، أو الوجبات التي تصل، عبر العملاء الموالين للعدو الإسرائيلي، ويحاول أن يُكَرِّس بذلك سيطرة الاحتلال على القطاع، سيطرة العدو الإسرائيلي على القطاع، وأن يزيح الدور لحكومة غزة، الجهة الرسمية المعنية بتقديم المساعدات، ولكنه فشل، وكان موقف وجهاء العشائر والعشائر نفسها في غزة موقفاً مشرفاً، نحن نُوَجِّه لهم التحية بإكبار وتقدير وإعزاز؛ لوعيهم بمؤامرة العدو في هذه المسألة الحساسة والخطيرة؛ لأنه يحاول أن يستغل حجم المعاناة، والجوع الذي يوصل إلى درجة الوفيات؛ لابتزازهم، وإخضاعهم لعملائه، ولأعدائهم، ويحاول بذلك أن يزيح الدور الصحيح، الدور الطبيعي، الدور الرسمي، الدور المعني بتوزيع المساعدات، أو الإشراف على توزيعها، وهو: لحكومة غزة؛ فوعيهم بهذا أمرٌ مهمٌ جداً، وهو جزءٌ من صبرهم، وصمودهم، وثباتهم.
..............يتبع