الفساد الاداري والاستثمار النفطي في العراق
Corruption and oil investment in Iraq
الدكتور آزر ناجي الحساني
By Dr.Azer Naji
رئيس قسم الدراسات السياسية والاسترتيجية في مركز دراسات الخليج العربي
جامعة البصرة
Head of political and strategic division at Arab gulf center
Basra university
تعتبر ظاهرة الفساد الاداري والمالي منالظواهر القديمة تاريخيا ومورست منذ وجدت الدولة وتأسست
Administration financial corruption أجهزتها المختلفة. وفي ظل التطور التقني والانفتاح الاقتصادي
Administration financial corruption are old phenomena that been implemented since the establishment of state and its associations .During the development in technology and economy and due an increases of sizes of financial exchanges, and the simplest of trade deals and contracts with the ability of using exchanges operations in money washing which is covered by governments corruption all of these elements make the oil investment in Iraq an open field for corruption وزيادة حجم التعاملات المالية وسهولة ابرام الاتفاقيات التجارية مع القدرة علي تسخير العمليات المصرفية في التحويلات النقديةالمشبوهة والتي تتم تغطيتها عن طريق غسيل الأموال، كل هذا جعل ظاهرة الفساد تسيطر علي الطابع العام لتعاملات بعض الدول. وقد تم الكشف عن الكثير من أعمال السرقات والرشاوى واستغلال النفوذ والمناصب في دول العالم المختلفة .وعليه فأن ظاهرة الفساد ذات بعد دولي و تحتضن من قبل مؤسسات وبنوك ومنظمات وشبكات معقدة يقودها نخبة من رجال الأموال والسياسة , وبنفس الوقت استحدثت منظمات وقوانين وتشريعات تتصدي لمثل هذه الظاهرةوتسعى للقضاء عليها ومحاسبة ممارسيها .
وقد عاني العراق من تصرفات النظام السابق حينما أسس مثل هذا التعامل الغير مشروع في برنامج النفط مقابل الغذاء ، كذلك في توزيع الرشاوي بصورة كابونات النفط وصفقات استرداد مفردات البطاقة التموينية، وهذا ما تم الكشف عنه دوليا، اما محليا فكان الفساد يأخذ طابعا رسميا يتوسع ويتركز في القمة التي تضمن عدم المحاسبة ويكون اختزاليا وبسيطا في القاعدة المدنية للوظائف ذات المصالح بسبب خوفهم من العقوبات القاسية والتي لاتتلاءم مع حجم المخالفة.
وحينما تغير النظام ازداد- وللأسف الشديد- الفساد الاداري والمالي ،الخارجي والمحلي، في ظل غياب مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية وفهم البعض للديمقراطية علي انها تعني حرية التصرف بالمال العام واستغلال المنصب لمنافع شخصية وفئوية وحزبية، فكانت تقارير النزاهة تشير الي تورط مجموعة من القمم السياسية بأعمال الفساد الاداري والمالي مع العلم أن الفساد الاداري والمالي في العهد الجديد بدأ بالحاكم المدني بول بريمروبالمليارات التي لم يعرف مصيرها حتي الان ،وكذلك في سلوكيات الفترة التي أعقبت ذلك، ولم يقتصر الفساد علي محدودية المراكز والمناصب العليا -كما في السابق- بل انتقلت العدوي (عدوي الفساد) الي المراكز الوظيفية المتوسطة وحتي الادنى ، وتحولت الاكرامية في قاموس التعامل في ظل النظام السابق الي رشوة واجبة الدفع ، اما الوساطة والمحسوبية والمنسوبية والمحاصصة الطائفية والمصالح الحزبية فهي أساس انجاز المعاملات وسرعة التعينات ومعيار توزيع الامتيازات والحق في الاستيلاء علي المال العام .
أن استمرار ظاهرة الفساد والتعامل معها كواقع فرض علينا، يهدد الكيان الاقتصادي ويعرقل التقدم والاصلاح بل هو يقوض أركان المجتمع العراقي.


وبالرغم من ان الفساد كظاهرة تمثل نتيجة وليس سببا ، فأن معالجتها تنبع من أزالة تلك الأسباب.
ففي الوظائف الدنيا وحتي المتوسطة يلاحظ ان سبب تفشي هذه الظاهرة هو عدم قناعة هؤلاء بما يتقاضونه من أجور ورواتب،لأنها لا تسد احتياجاتهم الضرورية، وبالرغم من أن هذا ليس مبررا مقنعا لهذا السلوك لكننا مع اعادة النظر بنظام الرواتب واستخدام العدالة في تحديد الأجر وفق معايير متشابهة لجميع موظفي الدولة مع مراعاة مستوي ارتفاع الأسعار من أجل توفير حياة كريمة تسقط حجة ممارسة الفساد بسبب الحاجة المادية . أما الفساد عند القيادات العليا فانه من الضروري تفعيل اجراءات الرقابة المانعة أو الرادعة التي تكون قبل عملية الانفاق أو الصرف كالعمل علي تفعيل قانون ( من أين لك هذا) الذي لم نسمع عن تطبيقه بالرغم من أن جميع المسؤولين قد خضعوا للكشف عن مقدار ما يملكون قبل تسلم المناصب. وقد يكون هذا القانون غير فعال خاصة وأن المسؤولين الذين مارسوا هذا التجاوز أغلبهم يحمل أكثر من جنسية واقامتهم خارج العراق .كما ان عنصر الوعي والتمسك بالدين والأخلاق النبيلة من شأنه أن يقلل من انتشار هذه الظاهرة. أما الذين لايملكون هذه المبادئ فأن القانون والعقوبات الجزائية والملاحقة القانونية كفيلة بجعلهم لايقدمون علي اقتراف هذه الخطيئة.
ان تقرير الشفافية العالمية صنف العراق في المرتــــــبة الثالثة من حيث الفساد وهذا بدوره يعوق عملية جذب المستثمرين ورجال الأعمال العرب والاجانب لاستثمار أموالهم داخل العراق، لأن البلد الذي يعبث فيه الفاسدون يكون وضعه المالي والاقتصادي مهددا بالانهيار ويتعرض الي الأزمات ويعاني عدم الاستقرار.و تشير الدراسات الى ان تفشي الفساد في وزارة النفط وحدها قد يفضي الى تدمير برنامج اعمار العراق تدميرا كاملا، وبذلك نرى ان المهمة الرئيسة التي يتوجب على الحكومة الجديدة معالجتها بحزم هي قضية الفساد الاداري في هذه الوزارة.
ان احتلال العراق جاء بلا شك بهدف رئيس هو السيطرة على موارده النفطية لكونها يمكن أن تضمن الحاجة الأمريكية من النفط لأِكثر من قرن قادم. فعند الاكتفاء بالاحتياطي النفطي المؤكد وجوده (112 بليون برميل )، ووفق معدلات إنتاجه قبل المقاطعة الدولية (5ر2 م ب/ي)، تمتد فترة نفاذ النفط العراقي إلى حدود 124 سنة. بينما عند أخذ توقعات بعض الخبراء بشأن المكامن النفطية العراقية (300-450 بليون برميل) وعلى افتراض إنتاج ستة ملايين برميل يومياً عندئذ تمتد فترة نفاد النفط العراقي، رغم مضاعفة الإنتاج، إلى حدود 139- 208 سنوات.
بالإضافة إلى الحاجة الداخلية الأمريكية للنفط، هناك حاجة خارجية تنطلق من سياسة الولايات المتحدة محاولة السيطرة على منابع النفط العالمية لتحقيق، على الأقل، غرضين متكاملين:


أولهما- دعم اقتصاده المتراجع أمام قوته العسكرية المتصاعدة وخلق التوازن بينهما في سياق توسعه الرأسمالي والحفاظ على دوره كقوة أوحد في العالم.
ثانيهما- أن النفط هو المادة الرئيسة لتشغيل الماكنة الاقتصادية الدولية، بعامة، وللدول الكبرى بخاصة. وأن وضع منابعها تحت السيطرة الأمريكية يعني زيادة قوة الولايات المتحدة في السيطرة أو الضغط على تلك الدول لإعادة بناء النظام الدولي وفق مصالحها وعدم السماح بظهور دولة كبرى منافسة لها.
ربما تكفي هذه المؤشرات للاستنتاج أن العراق وهو قائم على أكبر بحيرة نفطية في العالم حسب المؤشرات المتوقعة حالياً، شكل الاهتمام الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على موارده النفطية وفق مخطط طويل الأمد بدأ تنفيذه منذ عقود وانتهى إلى احتلاله في 9/4/2003.
وفي الظروف غير الاعتيادية التي واجهها القطاع النفطي العراقي خلال الفترة 1980-2003 بسبب الحروب- المقاطعة- الاحتلال، وامتدت آثارها إلى الإضرار الشديد بالقدرات الإنتاجية للصناعة النفطية العراقية، ظهرت تقديرات متباينة لتكلفة إعادة إعمار القطاع النفطي. وإذا كانت تقديرات النظام العراقي السابق عام 2002 لتطوير مستوى إنتاج هذا القطاع بلغت 40 بليون دولار، فإن التقديرات التي صدرت بعد الاحتلال تعمدت المبالغة من جهات رسمية لتصل أو تتجاوز 200 بليون دولار، بغية إظهار عجز العراق توفير تكلفة إعادة إعمار قطاعه النفطي واقتصاده الوطني، وكمبرر ضمن مبررات اخرى عديدة انطلقت أساسا من مصادر الاحتلال لتبرير خصخصة القطاع العام العراقي عامة، والقطاع النفطي بشكل خاص، لصالح الشركات الأجنبية، تتقدمها الاحتكارات الأمريكية.
والخصخصة كما تأكد من خلال الدراسات هو عملية بيع ممتلكات الشعب الى بعض أغنيائه واصحاب السلطة فيه باستغلال الفساد الاداري المتفشي ، وعندما نتحدث عن الفساد الإداري في بلد ما فأننا نقصد ضعف القانون امام هؤلاء الإغنياء واصحاب السلطة فيه وشيوع الرشوة وسرقة المال العام والمحسوبية والمنسوبية.
أن دراسة بسيطة لمواصفات قطاع النفط العراقي، ربما توضح بشكل مقنع إمكانية إعادة بناء هذا القطاع وفق أحدث أشكال التكنولوجيا وبفترة زمنية قياسية وبمستوى من الإنتاج 6-10 مليون برميل يومياً دون أن يتطلب من العراق توفير موارد مالية ذاتية لإعمار قطاع النفط أو توفير جزء يسير فقط من التكاليف المطلوبة ذاتياً. وتفسير ذلك يكمن في المبررات التالية:
+ أن الكميات الضخمة من الاحتياطي النفطي المتاحة في العراق تعني أن أي تحسن في العمليات التكنولوجية للإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي.
+ قرب النفط من سطح الأرض مقارنة بالدول النفطية عموماً.


+ ويرتبط بذلك أن تكلفة إنتاج البرميل من النفط العراقي هي واحدة من أكثر التكاليف انخفاضاً في العالم.
+ تتواجد في العراق أكثر من 80 حقلاً مكتشفاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط. والمعنى الاقتصادي لهذا الوضع من وجهة نظر التكاليف، غياب مخاطرة مرحلة الاستكشافات وانخفاض تكاليف تطوير الحقل النفطي، مقابل تصاعد عوائده في مرحلة الإنتاج.
, منذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر تسربت أخبار من مصادر متباينة تتضمن:
+ قيام عدد من المسؤولين مع بدء احتلال العراق تشكيل شركات نفطية وهمية خارج العراق لتسهيل حصول الشركات الأجنبية على العقود النفطية العراقية لقاء عمولات.
+ تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات، مما يعني سهولة إمكانية التلاعب بالكميات المصدرة وعوائدها.
+ قيام سلطة الاحتلال برهن كميات من النفط الاحتياطي لسنوات قادمة، بما يعنيه من نهب ثروات البلاد.
+ اتفاقات سرية فرضتها سلطة المحتل على الحكومة العراقية لضمان الامدادات النفطية العراقية للولايات المتحدة الأمريكية بشروط تفضيلية لعقود قادمة.
لقد كان استثمار النفط العراقي ولا يزال عنوانا لاستغلال تستنزف فيه الشركات الغربية بمختلف الوسائل المبتكرة في عصر الثورة العلمية التكنولوجية ( الامتيازات والمشاركة ... وغيرها ) وشروطها المجحفة والارباح الفاحشة الطائلة التي تخرج من اية مقاييس معروفة للربح في التجارة والاقتصاد . كما ان القضية النفطية ليست مجرد عمليات تجارية كما تحاول الشركات الغربية تصويرها ، انها جوهر قضية التحرر الوطني والاجتماعي والاقتصادي في العراق. وباتت معالجة القضية النفطية الحلقة المركزية في مطالب واهداف الحركة الوطنية العراقية والاحزاب السياسية التقدمية وعموم الحركة الديمقراطية في بلادنا والتي كافح الشعب العراقي من اجلها في مختلف مراحل تطوره السياسي حتى يومنا هذا .

ان الموقف من القضية النفطية هو الذي يحدد ماهية اية حكومة او مؤسسة سياسية ومنظمة مجتمع مدني ودرجة ارتباطها باهداف الشعب في التحرر الوطني الديمقراطي والتخلص من الاحتلال والهيمنة والتبعية والتخلف والاستغلال ، وفي المضي قدما في طريق التقدم الاجتماعي اكثر مما تحددها الخطابات والشعارات البراقة والتهريجية التي تؤدي شئنا ام ابينا الى تفريق وحدة الشعب الوطنية واضعافها امام المعالم الزاحفة للعولمة الرأسمالية .


ان وحدة الرأي والعمل في الموضوعة النفطية هي نقطة البدء والانطلاقة في الوحدة الوطنية التي تسير بالبلاد نحو شاطئ الامان والتقدم بثبات راسخ وتنهي عهود التمزقات السياسية والارهاب والقمع والقسوة والبلبلة والخوف والتأخر.
ان الامتيازات تعني انتزاع الشركات الاحتكارية لحقوق حكومات البلدان المنتجة ووظائفها باعتبارها سلطة عامة تمتلك حقوق السيادة على اراضيها ، وبها تجمد العلاقات بين الطرفين لآماد طويلة تبلغ عشرات الاعوام لتقيم بموجب قدراتها التمويلية والقانونية نماذج اقتصادية رأسمالية تنمو في اطار الاحتكارات الدولية الكبرى ، وبشكل منعزل عن عناصر الاقتصاد الوطني المحلية ، ووفقا لمصلحة الاحتكارات او الدول التابعة لها اي خلق الدولة داخل الدولة الوطنية.
ان بعض اتفاقيات الامتياز تصر على اعتبار النفط الخام بعد استخراجه ملكا لصاحب الامتياز لا يربطه الى البلد المنتج الا الضريبة المقننة له عن مرحلة الانتاج . ويؤدي ذلك الى تذبذب وانخفاض اسعار النفط الخام . اما نظم المشاركة هي الاخرى انتزاعا لحقوق حكومات البلدان المنتجة ووظائفها باعتبارها سلطة عامة تمتلك حقوق السيادة على اراضيها ، ولكن باسلوبا دبلوماسيا ملطفا .

ان اتفاقية الشراكة في الإنتاج تعني ان الدولة تسيطر نظريا على النفط بينما تقوم شركة خاصة باستخراجه بموجب عقد ولكن تبقى نشاطات الدولة، من ناحية عملية، مقيدة بصورة صارمة بشروط في العقد. وفي اتفاقيات الشراكة في الإنتاج تقوم الشركة الخاصة بتوفير الاستثمار، أولا في التنقيب ومن ثم الحفر وبناء البنية التحتية... ثم يتم تخصيص الحصة الأولى من النفط المستخرج إلى الشركة، التي تستخدم مبيعات النفط لاسترداد تكاليفها وقيمة الاستثمار الرأسمالي، والنفط الذي يستخدم لهذا الغرض يسمى (نفط التكلفة). وهنالك عادة قيود على الحصة من إنتاج النفط في كل عام والتي ستحسب (كنفط تكلفة). وحالما يتم تحصيل التكاليف، تقسم (أرباح النفط) المتبقية بين الدولة والشركة في نسب متفق عليها.
وعادة يتم تحصيل الضرائب من الشركة على أرباحها النفطية. وقد يكون رسوما معينة ترفع على كميات النفط المنتج. وفي جميع الاحوال تعتمد سياسات الاحتلال والشركات الغربية على التخلف الاجتماعي بوجود مشايخ اقطاعية ومدينية واصوليات دينية لبيوتات كبيرة وتجار وشرائح طفيلية وبورجوازيات من داخل وخارج العراق وبيروقراطيةعفنة تسيطر على المؤسسات الحكومية وتهيمن على قررات الحكومة، كل هؤلاء يجمعهم وحدة في المصالح بين هذه الطبقات و المحتل ، وتسخير الطبقات المستضعفة لخدمتها. ان الطبقات الفاسدة في دوائر الدولة هي المستفيد الاول من استثمار الشركات الاجنبية في النفط العراقي لما لها من باع في الطرق الكفيلة بالحصول على المال الحرام دون امكانية كشفها .



لذا ان القضاء على الفساد الاداري كفيل بوقف الاستثمار الانتهازي في العراق ودعم العناصر الوطنية الكفؤ واعطائها الفرصة بادارة العملية الانتاجية واستيراد التكنلوجيا اللازمة لتطوير عمليات الانتاج والتصدير دون الحاجة الى تسليم السيادة.
ان ما يتم تصديره من نفط في الوقت الحالي هو نتيجة جهود العاملين في شركات النفط العراقية والتي لم تعتمد في اعادة اعمار هذه الشركات على اي دعم خارجي ،وانما بجهود ذاتية اعتمدت مالديها من خبرات متراكمة وقدرات متواضعة استطاعت من خلالها اعادة تشغيل منشآت النفط وبفعالية عالية .
ان هذه الكوادر تستطيع القبام بتطويرهذه المنشآت لما يمكنها من زيادة انتاج النفط حسب حاجة السوق بدعمها حكوميا عن طريق تزويدها بما يمكنها من استيراد التكنلوجيا اللازمة لذلك ،دون الحاجة الى اعتماد سياسات تؤدي الى هيمنة الشركات الاجنبية وفقدان السيادة العراقية على موارده النفطية.
منقول