السلام عليكم :

من كنوز التراث الشعبي الروماني

القابلة في المجتمع الريفي

كانت القابلة تحضر إلى بيت الحامل خفية لئلا يراها الناس وهي تسرع إلى بيت الحامل حيث شاع في الأرياف في النصف الأول من القرن الماضي اعتقاد أن انتشار النبأ حول ولادة وشيكة من شأنه أن يؤخر الولادة ويزيد من معاناة الحامل . وكانت القابلة تعمل كل ما في وسعها لمساعدة المرأة على وضع مولود سليم و تخفيف آلامها .. كانت تستخدم بمهارة كافة الوسائل البسيطة الموجودة في متناول يدها للتدخل عند الضرورة وإنقاذ حياة الحامل أو جنينها وتلك الوسائل كثيرا ما كانت فعالة رغم بساطتها .. على سبيل المثال إن لاحظت اختناق الأم بسبب الجهد و الإرهاق كانت تنفخ الهواء إلى حنجرة المرأة إذا بواسطة أنبوب معدني .. وإذا كانت الولادة عسيرة غالبا ما كانت القابلة تستعين بالترانيم للتخفيف من معاناة الحامل .. وقد دون سيميون ماريان في إحدى دراساته أن الريفيين ينسبون الولادة العسيرة إلى العين الحاسدة و حتى إلى ممارسة السحر المؤذي أو الأسود على الحامل من قبل إحدى العوانس التي كانت في السابق قد وقعت في غرام زوجها وهي تحدق على زوجته أو حتى من قبل أرملة معجبة بزوجها وهي تتمنى لو أرمل هو أيضا كي تحل محل امرأته ..رغم أن المجتمع الريفي يعاقب ممارسة السحر الأسود إلا أن بعض الريفيات كن يلتجئن إليه خفية .. فإن طال المخاض و عسر الطلق كانت القابلة تشك فعل العين الحاسدة أو السحر وتشرع في ترنيم التعاويذ لإزالة آثارها . فيقول سيميون ماريان إن هذه الممارسة متوارثة من الرومان القدامى والذين كانوا يؤمنون بوجود بعض الإلهات الطيبات اللاتي تساعدن النساء أثناء الولادة وخاصة في الحالات الصعبة بمجرد ترنيم بعض التعاويذ .. وفي بعض الأحيان كانت القابلة تستعين بإحدى المسنات المعروفات لإجادتها الترانيم المفيدة في هذه الحالات ... وبعد ولادة الطفل تغسل القابلة المولود بالماء البارد حتى في موسم الشتاء ليكون الطفل قوي الصحة و قادرا على مقاومة البرد و تربط حول مفصل يده خيطا أحمر ليقيه من العين الحاسدة حيث يعزى إلى هذا اللون في التراث الشعبي القدرة على إبعاد الشؤم . وفي العديد من المناطق كانت القابلة تضع المولود تحت المائدة وعلى الأرض مباشرة . وعزى سيميون ماريان هذه العادة إلى الرومان القدامى الذين اعتادوا وضع المولود على الأرض بعيد كي تحتضنه آلهة الأرض أو أم الأرض وتحميه من أي ضرر . ثم تعتني القابلة بالأم وتغسلها و تشربها قليلا من الشاي المحضر من بعض أنواع النباتات و الأعشاب مع السكر ولكنها تمنعها من تناول أي طعام صلب بعد الولادة كما تمنعها من الاستغراق في النوم خشية تعثر الدورة الدموية و إصابتها بجلطة . وبعد مرور عدة ساعات على ولادة الطفل تتطعم الأم بقليل من اللبن أو الحساء .. وكانت القابلة أيضا تشرف على استقبال الزوار من أقارب و جيران وغيرهم ممن يرغب زيارة الأم والمولود .. وكان همها الأكبر ألا تصيب العين الحاسدة أيا منهما لذا فكانت كلما ملأ البيت بالزوار والمهنئين تستمر في الاعتناء بهما وهي ماضية في ترنيم التعاويذ بصوت خافض وكانت قبل وصول الزوار قد علقت رقعة من القماش الأحمر اللون على أحد جدران الغرفة .. وبصورة عامة كانت ولادة صبي تفرح الرومانيين أكثر من ولادة صبية لتيقن الناس من أن تربية صبي و تزويجه أسهل من تربية صبية و تزويجها و الحقيقة أن المجتمع الريفي ينظر إلى العانس بتشكك ويعتبرها بلاء على عائلتها تختلف المعتقدات حول التوائم في التراث الشعبي الروماني باختلاف المنطقة ..لكن أكثرها انتشارا أنهما أضعف بنية من سائر المواليد فغالبا ما كان الناس يتوقعون وفاة أحد التوأم مبكرا في غضون العامين الأولين من عمره أما إذا تجاور الثالثة وهو بخير فقيل إنه سيعيش طويلا وسيتمتع بصحة جيدة طيلة حياته ..كما اعتقد أن لكل واحد من التوأم طبعه و ميوله التي تختلف عن طبع وميول أخيه الآخر أوحى نهرا أولت وموريش اللذان ينبعان من نفس الكتلة الجبلية ثم ينفصلان ليواصل كل واحد منهما سبيله بعيدا عن الآخر - أوحى للراوي الشعبي بحكاية جميلة بطلاها توأم يختلفان دائما ويتشاجران حتى ينفصلان عن أحدهما الآخر إلى الأبد كان يا مكان في قديم الزمن ملك و ملكة . يعيشان في قصر محصن في الجبال .. ولهما رزقا توأم اسماهما موريش وأولت .. كانا متشابهي المنظر مثل قطرتي ماء ولكنهما مختلفا الطبع كالليل عن النهار .. كلما يلعبان معا يتشاجران وتخاصمان .. ولما كبرا قلما اتفقا على أمر ما .. في أحد الأيام انصرف أبوهما مع جيشه ليقاتل الأعداء و خاض ضدهم معركة شرسة ولكن بعد نهاية الحرب لم يعد إلى قصره . .. ولما طال غيابه خشيت الملكة أن يكون زوجها قد لقي مصرعه .. فقدم عليها ابناهما وقالا : "أيتها الوالدة .. لقد خابت آمالنا في عودة والدنا سليما .. ربما يقبع أسيرا عند الأعداء أو ربما ضاع ... اسمحي لنا أن نذهب ونبحث عنه . اذهبا وعودا بوالدكما بالسلامة .. ولكني أتراجعكما .. لا تتخاصما و لا تتشاجرا في الطريق .. ابقيا معا لتتخطيا أي مصاعب قد تلقيانها إلى أن وجدتما والدكما" انصرف الشابان فما لبثا حتى اختلفا في أمر الطريق الذي لهما سلوكه حتى قررا أن يذهبا كل واحد في سبيله .. فاتجه موريش وهو شاب منغلق على نفسه إلى الشمال أما أولت وهو سريع الغضب و نشيط فاتجه جنوبا .. سمعت الملكة أن ابنيها انفصلا وهرعت لإلحاقهما وإقناعهما بمواصلة الطريق معا .. ولكنها لم تجدهما .. حزنت و يأست وعرفت أنها لن تراهما أبدا ورجت الرب أن يحفظهما و يبقيهما حيين أبدا .. فاستجاب الرب لطلبها وحول الابنين إلى نهرين ليبقيا حيين أبدا . ومنذ ذلك الحين يسيل نهر أولت متدحرجا على الصخور الجبلية متشنجا و مسرعا بينما يسيل مورش هادئا بطيئا متخللا التلال الملساء و السهول الرحبة .

الموضوع منقول من :rri