rri




من عادات تزويج الأبناء و البنات في الأرياف






كانت استشارة الوالدين و طلب رضاهم من المسلمات المغروسة في نفوس الشباب الريفيين من الصغر وهم نادر ما يقدمون على اتخاذ أي قرار أو عمل أي شيء هام بدون موافقة أوليائهم .. أما الأباء فكانوا من جهتهم حريصين على مساعدة أبنائهم في اختيار شريك الحياة المناسب ويقولون : ليس كل ما يطير طيرا بمعنى أن الحكم على فتاة أو شاب من الانطباع الأول ومن منظره فقط ربما يكون خاطئا وان تجربتهم الحياتية قد تحمي أبنائهم من اتخاذ قرار غير صحيح ويندمون عليه فيما بعد ..
يقول سميون ماريان في بحثه حول العرس التقليدي إن أولياء أمور الشباب لم يعتادوا منح بركتهم على الفور . فكان والدا الشاب يستمعون إليه ثم يعقدون مجلسا عائليا للإدلاء بآرائهما حول الفتاة التي تعجب أنبهم وإذا كانت ذات سمعة جيدة وابنة عائلة محترمة كانا يوافقان على زواج ابنهما منها .. أما أولياء أمور الفتيات فكانوا يستقبلون طالب اليد ويستمعون إليه بتأن ويحددون له موعد زيارة أخرى يتم فيها إبلاغه بقرارهم ..ولكن إذا كانت لديهم عدة فتيات في سن الزواج وكان طالب اليد يريد الزواج من واحدة أصغر سنا من أخواتها فكان الوالدان يرفضان طلبه في الحال ذلك أن الريفيين - حسب ما نقرأه في بحث سيميون ماريان كانوا شديدي الحرص يحرصون تزويج فتياتهم وفقا لترتيب أعمارهن ويقولون : حفنة الدرة تؤخذ من أعلى الكيس وليس من قاعه .. ولكن إذا كانت إحدى البنات تعاني من عيب خلقي كان والداها يوافقان على تزويج أخواتها الأصغر سنا قبلها .. وأحيانا كان أولياء أمور الشبان أيضا يلتزمون بترتيب أعمار أبنائهم ويرفضون منح البركة لأحدهم أقل سنا يريد الزواج قبل أخوته الأكبر .. أما إذا كان الراغب في الزواج يتيما فكان يطلب رضا أقاربه أو إشبينه أو أحد أعيان القرية المعروفين برشده و حكمته
غالبا ما كانت تزويج الفتيات أصعب من تزويج البنين حيث كان لزاما على أسرة الفتاة جمع مهر مناسب لتقديمه لها في يوم زفافها بينما كان المطلوب من الشاب بناء بيت مهما صغر وتواضع ليكون بيت الزوجية في حين أن العروس كانت تأتي بالمفروشات و الأدوات المنزلية وحتى الأثاث مع مهرها . وأحيانا كان الوالدان يزوجان بناتهما بدون مماطلة خصوصا إذا كثرت لديهما البنات خوفا من أن يصبحن عوانس ..
في هذه الأغنية التراثية الساخرة للراحلة ماريا تاناسي تشتكي امرأة من زوجها وتقول يا ويلي كل نساء القرية أزواجهن محترمون إلا أنا .. ذات يوم سأربط حول عنقه حبلا وأذهب به إلى السوق .. وإن دفعوا لي قرشا فليأخذوه وأعطيهم الحبل مجانا .. يا ويل لأباء الفتيات كم يتعبون إلى أن يكبرن ثم يزوجوهن من أي كان ..
و ماذا عن أسرة الشاب الذي وضع عينه على إحدى الفتيات الزائرات من قرية مجاورة .. فكيف لها أن تعرف ما إذا كانت مناسبة لهم أم لا قبل إعطائه رضاها .. في بعض الأحيان كان الوالدان يطلبان من أحد الأقارب أو الأصدقاء في القرية أن يذهب إلى القرية الفتاة و يلقي نظرة على بيتها و يحاول التحدث إلى جيرانها ثم يعود إليهما بالنتيجة .. ولكن غالبا ما كان والدا الشاب يذهبان لزيارة قرية الفتاة كي يريا بأم عينهما أين تسكن وما هي حالة المنزل و مظهره و يتحدثان إلى الجيران أنفسهم ليسمعا بأذنيهما ما يقولونه عن تلك الفتاة و عن أسرتها أيضا .. ثم يعودان و يبلغان أبنهما بقرارهما .. والجدير ذكره أن منح البركة لم يكن كافيا بحد ذاته يتم زواج الشاب من الفتاة التي تعجبه حيث كان اتفاق الأسرتين على مختلف النواحي وخاصة على قيمة مهر العروس العامل الحاسم في عقد الزواج كما سنرى في حلقة قادمة ..
و بعد حصوله على رضا والديه كان على الشاب أن يحدد يوما لزيارة أسرة الفتاة لطلب يدها .. وكن اختيار يوم الزيارة لم يتم عشوائيا وإنما بالاستناد إلى التقويم الشعبي الذي حذره من الأيام غير الملائمة للقيام بمثل هذه الخطوة .. وأنسب أيام الأسبوع لطلب يد الفتاة هو الخميس إلى جانب الأحد أما الاثنين فيخشاه الشباب لأنه يوم البداية وإن رفض طلبهم فإن جميع محاولاتهم اللاحقة ستفشل أيضا .. أما الثلاثاء فهو اليوم الذي فيه ثلاث ساعات شؤم حسب المعتقدات الشعبية وقد يتزامن طلبهم مع إحداها .. أما الأربعاء فهو يوم الأرامل فلا تقبل أية فتاة بالزواج من شاب يطلب يدها في مثل هذا اليوم .. أما الجمعة فيوصف كيوم حزن وهو بالتالي غير مناسب للقيام بتدابير الزواج ..وكان الفلاحون يرفضون أيضا عقد الخطوبة في الأيام الآنفة الذكر ..