بغداد - مشرق عباس الحياة - 27/12/08//

يشكل إكراه رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني على الاستقالة، واعلان زعيم «مجلس الحوار» خلف العليان انسحابه من «جبهة التوافق» ومطالبته بحلها، وظهور تنظيمات عشائرية قوية، المشهد الأخير في الصراع على تمثيل السنة في العملية السياسية. يعزز هذا الصراع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات وهي المفصل المهم لتجاوز مرحلة «التحالف البرلماني»، هذا التحالف الذي دعمه الاضطراب الأمني، والتشجيع الأميركي، وحاجة الأحزاب الكردية والشيعية الى تمثيل سني للمضي في مشروع المحاصصة الثلاثية.
وكانت «جبهة التوافق» تأسست عام 2005 لسد فراغ التمثيل السني في العملية السياسية. وعلى رغم وجود «الحزب الاسلامي» في تلك العملية منذ عام 2003، وفي المشهد السياسي العراقي منذ عام 1960، إلا أن اشكالات التمثيل السياسي كانت في حاجة الى أكثر من حزب يُعرف عن نفسه باعتباره سليلاً لحركة «الاخوان المسلمين» لكتابة الدستور. وكان ترشيح العشائري خلف العليان، وهو زعيم سابق لجماعة مسلحة وضابط في الجيش لتنويع تمثيل الجبهة.
واضافة إلى العليان الذي أسس خلال أسبوعين «مجلس الحوار الوطني»، كانت دائرة «التمثيل السياسي» للسنة في حاجة الى حركات سلفية وعلمانيين ووجهاء، مثل عدنان الدليمي الذي كان يشغل حينها رئاسة «ديوان الوقف السني» وتحول عنه لتأسيس «مؤتمر أهل العراق».
إن تشكيلة «جبهة التوافق» لم تكن متجانسة وقت تأسيسها، وعانت مشاكل داخلية منذ مشاركتها في الحكومة الحالية عام 2006. ويقول سياسي سني بارز إن الاحساس بالضغوط الأمنية، ومحاولة استثمار الدعم الأميركي الذي بدا غير محدود لتمثيل سني، ورافقته على الدوام رغبة عارمة لدى الأطراف التي تبنت مبدأ التوافق الطائفي والعرقي في العملية السياسية بتجاوز أزمة مقاطعة السنة البرلمان والحكومة. ويعترف هذا السياسي، وهو أحد أعضاء «جبهة التوافق»، بأن الجبهة تلقت منذ بداية تأسيسها دعماً داخلياً وخارجياً كبيراً، ساعد في عدم ظهور الخلافات بين أطرافه.
ويرى مراقبون أن تفكك «جبهة التوافق» قدم خدمة الى أطراف «التحالف الرباعي» التي تقود الحكومة (المجلس الأعلى والدعوة والحزبان الكرديان) لأنه سمح بتعزيز اتهام تلك الاحزاب «الجبهة» بوضع قدم في المعارضة وأخرى في الحكومة.
وبدا واضحاً أن قيادات «التحالف» كانت ترغب منذ البدء في إجراء تفاهمات حول القضايا الرئيسية موضع الجدل مع «الحزب الاسلامي» بمعزل عن الأطراف الأخرى، ووقعت معه ما عرف بـ «الاتفاق الخماسي» عام 2007. كما أن هناك تفاهمات أخرى تجمعها به يعود بعضها الى ما قبل عام 2003.
وأثبتت أحداث عام 2008 توجه «الاسلامي» إلى التحدث باسمه، مستقلاً في مناسبات مختلفة في مقابل تقارب العليان من الأطراف العلمانية بقيادة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الذي طور على امتداد سنوات ابتعاده عن السلطة آليات مختلفة لجمع المعارضين وفتح منافذ اتصال معهم، فأسس ما يطلق عليه اليوم «التجمع التنسيقي» الذي يجمع حركات اسلامية شيعية مثل «حزب الفضيلة» وتيار الصدر وعلمانيين مثل حركة صالح المطلك وحركات عشائرية وقومية مثل اتجاه خلف العليان، تطالب كلها بإنهاء مشروع المحاصصة وتقويض سيطرة الاحزاب التقليدية.
وتفتت «جبهة التوافق»، من وجهة نظر الأطراف المعارضة لمشروع المحاصصة يضعف امكانات دعم السنة آلية التوافق المعتمدة منذ عام 2003 ويساهم في فرز جديد لمواقف الأطراف، بينها المطالبة بإنهاء مشروع المحاصصة الذي ترفضه الجبهة، من حيث المبدأ، لكنها تعد حجر زاوية في تشكيله في الوقت ذاته.
وفيما يبدو المكون السني أكثر حماسة للمشاركة في العملية السياسية، بعدما تحمل نتائج مقاطعته انتخابات مطلع عام 2005، فإن واجهات تلك المشاركة تتزاحم فيها، اضافة الى «الحزب الاسلامي» الأكثر رسوخاً في العمل السياسي في المناطق السنية، توجهات مختلفة بينها القومي والليبرالي والعشائري، مع مقاطعة أو انحسار نفوذ الحركات الاسلامية السلفية والصوفية والاخوانية التي عبرت عن نفسها عبر المجموعات المسلحة طوال السنوات الخمس الماضية.
ومن غير المتوقع أن يتأثر المكون السني الذي وجه انتقادات واسعة الى أداء «جبهة التوافق» بنتائج انقسامها، لأن خريطة القوى في المحافظات السنية تشهد منذ عامين صراعاً محتدماً ستحسمه انتخابات المحافظات بين «الحزب الاسلامي» من جهة، والعشائر التي شكلت «مجالس الصحوة» وحاربت تنظيم «القاعدة» من جهة أخرى، أما أطراف «جبهة التوافق» الأخرى فحسبت على الأرض إما محايدة في هذا الصراع أو قريبة من موقف العشائر وبعض أفرادها، أعلن بالفعل انسحابه من الجبهة وتأسيسه تجمعات عشائرية.
من جهتها، ستكون المجموعات المسلحة السنية في وضع المترقب لنتائج الصراع، إذ أنها دعمت «التوافق» للوصول الى البرلمان والحكومة عام 2005، وعادت بعد أشهر قليلة إلى التنديد بالجبهة ورموزها وتحميلها مسؤولية مباشرة لضعف وجودها الفعلي من منتصف عام 2007.