خبر..
أثارت قضيَّة المواطن الكندي، حسن رسولي، الّذي يعيش منذ سنتين في حالة غيبوبة دائمة(كوما)، جدلاً واسعاً حول مشروعيّة "الموت الرحيم"، الذي ما زال يشغل الأوساط الطبيّة والقانونيّة والإعلاميّة والشعبيَّة في كندا.
فعلى خلفيّة ما يعانيه رسولي من حالة صحيّة حرجة للغاية، عجز الأطباء عن معالجتها وشفائها، تقدَّمت أخيراً "الجمعية الوطنية" في مدينة كييبك بمشروع قانون يحمل الرّقم 52، يحقّ بموجبه لطبيب متخصّص أن يساعد مريضاً في "حالة موت سريري" على وضع حدّ لحياته. ومما جاء في القانون: "على المريض أن يتقدّم بطلب الموت، وأن يكون مرضه في حالٍ حرجة جداً وغير قابلة للشّفاء، وأن يكون راشداً ومشمولاً بالضَّمان الصّحي، ويعيش معاناة طويلة أنهكته صحياً وجسدياً ونفسياً".
وتفيد تقارير الأطبّاء المتابعين لحالة رسولي، أنَّ قضيّته شكّلت سابقةً هي الأولى من نوعها في كندا، وأحدثت إرباكاً شديداً، ليس بين مؤيّد ومعارض فحسب، وإنما أيضاً في تحديد الجهة المخوّلة اتخاذ القرار النّهائيّ لوضع حدّ لحياته أيضاً؛ فهل هي المريض نفسه؟ أو الهيئة الطبيّة المشرفة على علاجه؟ أو عائلته الّتي تنوب عنه بسبب عجزه الصحّي؟ علماً أنَّ الأطباء يصرّون على نزع الأنابيب الَّتي تبقيه على قيد الحياة، فيما ترفض أسرته أيّ حلّ طالما يبدي بعض التّجاوب معها بين حين وآخر.
وإلى أن ينتهي الجدال في كندا حول مصير رسولي خصوصاً، والموت الرحيم عموماً، يبقى الجواب النّهائيّ معلّقاً بقرار المحكمة الكنديّة العليا، الّتي ستلفظ حكمها النهائيّ في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
وتعليق..
إنّ مسألة الموت الرّحيم هي واحدة من الأمور الطبيَّة الَّتي أثارت الكثير من الجدل حولها، من ناحية شرعيّتها ومحاولة تبريرها، أو من ناحية تحريمها، فهناك عدد من الدّول شرّعته مع تحديد ضوابط، فيما أدانته الأكثريّة السّاحقة..
ومن منظور ديني، يرى سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، أنّه لا يجوز أن نقتل المريض قتلاً رحيماً حتّى لو طلب هو ذلك، أو أهله، لأنّنا لسنا مسلّطين على حياة أحد، وحتى هو ليس مسلّطاً على إنهاء حياته، وما يدرينا، لعلّ الطبّ يكتشف بعد ساعة أو بعد يوم شيئاً يمكن أن يخفّف عنه آلامه، أو يحفظ له حياته.
ويضيف سماحته(رض): "قد يكون الموت رحيماً في حجم اللّحظة، وليس من الضّروريّ أن يكون رحيماً في حجم الزّمن، وقد يكون خلاف الرّحمة، كذلك فإنّ الأخلاق لا تتجزّأ، إنّ أخلاقيّاتك ليست فقط في ما تمارسه مع الآخر، بل هي في ما تمارسه أيضاً مع نفسك، وهذه هي مسألة التّوازن. ولذلك فأنت عندما تكفّ عن معالجة المريض المبتلى بالمرض المستعصي، فأنت تقتله سلبياً، ولا فرق بين القتل السلبي والقتل الإيجابي، لأنّه يجب عليك الحفاظ على حياة الإنسان الآخر حفاظك على حياتك.
ويشدد سماحته أنه "من خلال هذا المبدأ، نرفض ما يسمّى بالقتل الرّحيم، وأنا لا أفهم كيف يكون الموت رحيماً؟!"
ويتابع رضوان الله عليه : "إذا فتحنا باب الموت الرّحيم، فعلينا إذاً تشريعه للفتاة الّتي تُصاب بصدمة عاطفيّة صعبة، أو الشابّ الّذي يشعر بالقلق والاضطراب، أو أنّ حياته لا قيمة لها، فهل نقنّن لمن يصاب بصدمة عاطفيّة أو اقتصاديّة موتاً رحيماً؟ وعندها كم من النّاس يحتاجون إلى موتٍ رحيمٍ بسبب كلّ الأزمات الّتي يعيشونها! فكيف نشرّع ونقنّن ما يهلك حياة الإنسان ويفقده قيمة وجوده؟! فإذا كان الإنسان يعيش الألم، فهناك القيم الرّوحيّة التي يمكن للإنسان أن يدعم فيها الجانب الجسديّ ويخفّف من ألمه". [موقع بيّنات، من فقه الحياة، الموت الرّحيم].