rri




تقاليد التعارف و الغزل قبل الزواج








لم يكن من عادة الفلاحين تبادل الزيارات على غرار أهل المدن .. وقد ذكر الباحث سيميون ماريان في دراسته حول تقاليد العرس في الأرياف أن قلة المناسبات الاجتماعية العامة حدت بالريفيين إلى تنظيم ما سمي بولائم الشبان التي كانت تقام في الأشهر الأولى لكل عام.. كان أعيان القرية يستضيفون ولائم الشبان بشكل دوري فكانت الأمهات يحضرن بصحبة بناتهن في سن الزواج . وكان الشباب يتجاذبون أطراف الحديث ويتعارفون على بعضهم البعض ..وكان المستحسن أن يتم الاتفاق على الزواج قبل بداية صيام القيامة ليتم عقد الزواج بعد العيد
كان إقبال الشبان و الفتيات على حضور حفلات الرقص الجماعية المقامة في أيام الأحد كبيرا جدا فكان كل شاب في سن الزواج يحاول التقرب من الفتاة التي تعجبه.. كان يدعوها للرقص ويجاملها ويلقي عليها الأشعار الغزلية الشعبية معربا عن تقديره لها . وفي الأسابيع التالية كان يحرص على أن يكون أول من يدعوها للرقص . وعلى مدار الأسابيع كان يجس نبضها لمعرفة ما إذا كانت تبادله الإعجاب وتشاطره المودة و المشاعر و الإحساس . وإذا كانت الفتاة تبدي هي الأخرى إعجابها به كان الشاب يطرب أثناء الرقص مرددا كلمات الإعجاب بها

كان من عادة الشاب المعجب بإحدى الفتيات أن يطوف حول بيتها مساء ويؤدي أغاني الحب بصوت عال فتسمعه ويسمعه أيضا والداها ويعلمان بذلك أن الشاب معجب بابنتهما و قد يحضر عما قريب لطلب يدها .. وكان الشاب يحاول معرفة مشاعر الفتاة المحبوبة عليه بأسرع وقت حتى يتمكن من إبلاغ أسرته برغبته في الزواج و التهيؤ لزيارة أسرتها أيضا . وكان كل شاب يحرص على طلب إذن كلتي الأسرتين قبل أن يقوم بأية استعدادات أخرى وذلك ليكون مرتاح البال ومطمئن الضمير في يوم زواجه ..
و إذا كان معجبا بإحدى الفتيات الزائرات لقريته كان يسألها من أين هي وإن كانت تسكن في قرية مجاورة قريبة كان يحاول معرفة من هي وما إذا كانت ابنة أسرة محترمة و ما إذا كانت مخطوبة لأحد الشبان في قريتها وما إذا كانت تحظى بسمعة جيدة .. للحصول على كل ما يهمه من تفاصيل كان يزور قريتها ويتحدث إلى سكانها .. وكما أسلفت فإن الشبان كانوا يحاولون قدر المستطاع الزواج من فتيات قريتهم أومن فتيات القرى المجاورة القريبة ..
و لكن ماذا على الشاب القاطن في إحدى القرى المعزولة في الجبال أن يفعل كي يتعرف على فتيات و يختار عروسه .. في الحقيقة كان يصعب على الشبان من سكان تلك القرى الصغيرة المعزولة اختيار الزوجات من فتيات قريتم فقط .. لمساعدتهم للتعرف على فتيات في سن الزواج كان أهالي تلك القرى يقيمون أسواقا شعبية كبيرة بصورة منتظمة تنتهي بحفلات راقص كبيرة
والآن عودة إلى التقويم الشعبي الذي يعرف مطلع شهر فبراير/ شباط بالأيام التي يقابل فيها الشتاء الصيف بمعنى أن الموسم البارد يوشك على النهاية و أن الربيع سيحل حتما في مطلع شهر مارس آذار .. في مثل هذا الوقت من السنة يراقب الفلاحون حالة الجو ويستندون إلى ملاحظاتهم لمعرفة ما إذا كان العام الزراعي الجديد سيكون جيدا أم رديئا . فإن كان الجو لطيفا و دافئا يتوقعون أن يكون الصيف التالي حارا و طويلا وحينئذ يزرعون القمح على مساحات كبيرة من حقولهم متطلعين إلى أن يكون المحصول وفيرا .. وإن كان الجو باردا في الأيام الأولى لفبراير يمتنعون عن زرع القمح تحسبا الخسائر ..ولا يرضيهم الجو الدافئ في تلك الأيام لأنه يرون فيه خطرا على النحل التي قد تمرض وتموت . ويتفقدون مياه الأنهر أيضا فإن كانت طبقة الجليد لا تزال عائمة على سطحها يرون في ذلك إشارة إلى أن الشتاء سينتهي قريبا أما إن ذاب الجليد فيتوقعون استمرار الشتاء و البرد القارس شهرا آخر على الأقل . وليس البشر وحدهم من يراقب حالة الجوفي هذه الأيام لمعرفة ما إذا كان الشتاء سينتهي وإنما الدببة أيضا حيث يعرف التقويم الشعبي الثاني من فبراير بيوم الدب . . يقال إن الدببة تخرج من جحرها أو كهفها الذي ظلت تنام فيه طيلة الشتاء وتتجول حولها قليلا . فإن كان اليوم مشمسا و رأى الدب ظله يعود فورا إلى حجره وهو يعلم أن الشتاء سيستمر شهرا آخر على الأقل .أما إن كان الجو غائما لا يعود إلى مأواه بل يتوجه إلى الغابة حث ينتظر حلول الربيع عما قريب ..