قضوا أيام العيد بعيدا عن عوائلهم
بغداد ـ احمد حسين
تزامنت الأعياد في الأشهر الأخيرة من هذا العام لتمنح العراقيين نصيبهم من السعادة وترسم على وجوههم ابتسامة صادرها الإرهاب والاضطراب الأمني والسياسي. وما كان لهذه الأفراح أن تكتمل لولا الجهود المخلصة التي تبذلها قوات الأمن العراقية
لتوفر للعوائل أجواء آمنة تشجعها على التجوال وتبادل الزيارات وممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية التي تضفي على الأعياد والمناسبات في العراق نكهة خاصة وروحانية لذيذة يتميز بها العراقيون عن باقي شعوب الأرض. نقاط التفتيش الثابتة والسيطرات المتحركة تبعث على الاطمئنان، ودوريات القوات الأمنية تجوب شوارع العاصمة لتؤكد للمواطنين أنها قادرة على حمايتهم وحراسة أفراحهم ومناسباتهم، الشعور بالأمان يتجول بين الناس ليطرد هاجس الخوف والقلق ويرسل للظلاميين رسالة مضمونها أن العراقيين أناس يحترفون صناعة الحياة والسعادة بتفاصيل بسيطة.
نفخر بحماية المواطنين
النقيب محمد كاظم آمر مفرزة عسكرية كانت متوقفة بالقرب من كنيسة الأرمن في ساحة الطيران يحدثنا عن مشاعره وهو يقف في مكان طالما تعرض لعمليات إرهابية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، يقول كاظم:
ـ قد لا تصدقني إذا قلت أنني وجميع أفراد المفرزة فرحون بوقوفنا هنا رغم ما ذكرته من خطورة المكان الذي تعرض لعدة عمليات إرهابية اختلطت فيها دماء العراقيين جميعا مسلمين ومسيحيين وغيرهم، نفخر بوقوفنا هنا متحدين الإرهابيين وكل من يحاول أن يحرم الناس من حقهم في الحياة، أنا وأفراد المفرزة مصرونّ على حماية الكنائس وزوارها في هذا اليوم ولن نسمح بأية عملية تعكر صفو هذه الأيام السعيدة، نريد للمواطنين أن يمارسوا حياتهم بصورة طبيعية آمنة بعد أن حرموا منها لعدة سنوات.
مسؤوليتنا حماية المواطنين في جميع الأوقات والأماكن، أما في الأعياد والمناسبات فالمسؤولية مضاعفة والجهود أكبر والقوات الأمنية سواء في وزارة الدفاع أو الداخلية قادرة على توفير الحماية وبسط الأمن. والحمد لله أيام العيد مرت بسلام ونعد المواطنين بالأفضل في الأيام المقبلة.
نريد للحياة أن تعود
توقفنا عند إحدى نقاط التفتيش في الكرادة حيث توقف الرائد سليم علي مع مفرزته لتبادل التحيات والحديث مع أفراد نقطة التفتيش، الشعور بالثقة واضح على وجوه المتواجدين والابتسامات والأحاديث تنم عن سعادة تغمرهم بالاطمئنان على سلامة المواطنين، قاطعنا حديثهم بسؤالنا للرائد سليم عن مصدر سعادته وثقته فأجاب قائلا:
ـ مصدر سعادتنا جميعا هو رؤية العوائل تتجول في الشوارع والأسواق والابتسامة على وجوه الأطفال فبالرغم من أننا نواجه الموت كل يوم وكل ساعة وبالرغم من مشاهداتنا المستمرة لبشاعة الإرهاب لكننا ككل العراقيين ما زلنا نحتفظ بإنسانيتنا ونشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ونريد للحياة أن تعود إلى الشارع والسوق في عموم العراق.
حين أتجول في شوارع الكرادة وأرى أعداد الشباب والعوائل تتزايد يوما بعد آخر أشعر بالسعادة والفخر لأننا استطعنا أن نؤمن لهم هذه المنطقة الواسعة ذات المداخل المتعددة التي تعرضت لعشرات العمليات الإرهابية وآخرها قبل أيام.
اشعر اليوم بسعادة غامرة وأنا أشاهد العوائل المسيحية تخرج مطمئنة لتؤدي قداس العيد ليلا من دون خوف أو قلق، كما أشاركهم الفرحة التي أهداها الكاردينال عمانوئيل الثالث لكل العراقيين ولولا التزامي بالواجب لشاركت في الصلاة مع هذا الرجل الجليل.
واجبنا حماية جميع العراقيين في الشوارع والأسواق ودور العبادة، وبمناسبة عيد الأضحى المبارك وأعياد الميلاد ورأس السنة كثفنا جهودنا لحماية المواطنين في الكرادة وقد نجحنا في هذه المهمة وهذا ما يعزز ثقتنا بأنفسنا. أشعر أنني أقوم بعمل إنساني كبير وهذا الشعور يجعلنا نكثف جهودنا لإدامة هذه الفرحة.
وأخيرا دخلت الكنيسة
بالقرب من الرائد سليم علي يقف الجندي زيد كريم الذي بدا متحمسا للحديث معنا، يقول كريم:
ـ مشهد العوائل المسيحية وهي تتجه إلى الكنائس جميل ومثير أغراني لمشاركتهم الصلاة أو مجرد الدخول إلى الكنيسة أو حتى مشاهدتهم عن بعد والاستماع إلى تراتيلهم. استأذنت من آمر النقطة للذهاب إلى كنيسة قريبة من هنا لكنه حذرني من الدخول بالسلاح والزي العسكري فتركت سلاحي ووعدته أنني سأكتفي بالنظر فقط.
حقا شعرت بالسكينة واكتشفت أن لدى العراقيين عاملاً مشتركاً يوحدهم وهو الإيمان بالله بل أنني وجدت حتى الملحدين يمكنهم أن يشاركوا المؤمنين هذه الطقوس الجميلة التي تسهم في نشر المحبة والسلام بين الجميع دون تفريق.
خرجت من الكنيسة بعد دقائق وأنا ألعن الإرهاب والإرهابيين وعند الباب الرئيس استوقفني الحارس يوسف الذي اصبح صديقي متسائلا عن سبب خروجي فأخبرته أني ملتزم بواجب ويجب أن اعود إلى النقطة، لم يتركني حتى أرسل أحد زملائه ليأتيني بقطعة كيك وعصير.
تبادلنا أرقام الهاتف واتفقنا على زيارة بعضنا كلما سنحت الفرصة، غادرتهم وأنا ألعن الإرهاب والإرهابيين وكل من تسول له نفسه المريضة بقتل العراقيين.
في مكان آخر من الكرادة ثمة دورية للشرطة تقف بالقرب من إحدى الكنائس، تحدث إلينا آمرها الملازم قيس عن مشاعره بهذه المناسبة واهتمامه بتوفير الحماية اللازمة للكنيسة قائلا:
ـ منذ عدة أيام ونحن نتولى حماية هذه المنطقة وبما أنها تضم كنيسة داخل الفرع فقد كثفنا جهودنا أمس واليوم لتأمين الدخول والخروج إليها بسلام، رغم أننا نقف هنا منذ ساعات الصباح الأولى إلا أننا لم نشعر بالتعب أو الملل فمنظر العوائل المسيحية وهي تتوافد على الكنيسة يشعرنا بالراحة وكأننا في نزهة، هذا الشعب المتسامح المحب للحياة يمنحنا السعادة لأننا نحميه، لا أدري لماذا استهدفهم الإرهابيون؟، العراقيون جميعا مسالمين وطيبين لكن الأخوة المسيحيون متميزون بذلك بشكل كبير رأيناه بأعيينا ولمسناه من خلال تواجدنا هنا، وهذا ما يجعلنا نشدد من إجراءاتنا الأمنية لحمايتهم من أية محاولة تسيئ إليهم ليس من قبل الإرهابيين بل حتى من بعض الشباب والمراهقين الذين يتعرضون للفتيات.