هكذا يستقبل الإرهابيون رمضان المبارك
كتابات - عمار البغدادي *
[email protected]
مشهد الفجيعة والدم وجثث القتلى ودخان الحرائق يعم المكان ويدميه والسيارات المحترقة وبقايا أصابع فتاة مرت من أمام عيني إرهابي وجدت فوق سطح مدرستها وهي تمسك بالقلم. لقد رفضت أصابع تلك الفتاة أن يهرب القلم من بين أظافرها وهي لما تزل بعد خارجة من صفها في المدرسة المحاذية لمكان الإنفجار. حتى الفتيات الصغيرات في المدارس الابتدائية يرفضن منطق الإرهاب ورجالاته ونهجه ويتدحين بلغة البراءة التي يحملنها اللحى السوداء القادمة من كهوف التخلف والقتال بالنيابة عن الإسلام والإسلام ورسالة الأنبياء منهم براء. إنهم يريدوننا أن نتخلى عن العراق ـ العراق الذي أحببناه وأحبنا ورفض أن يستبدل بنا غيرنا مثلما أرادوه أن يتخلى عن أحبته الذين أسسوه وأخذوا بيديه إلى حيث تشرق الشمس ولا تغرب. إن مشكلة العراق في الذهن السلفي ـ الإرهابي هي أنه لم يتأسس إلا عبر قاعدتين أساسيتين في الإسلام عرف بهما وعرفا به واستطاعا عبر الحلقات المتجددة لحركة التاريخ أن يتحول بهمة الرجال وتجديد الفكر الإسلامي وتأصيل ينابيعه في الحياة الإسلامية العامة إلى حاضرة تتزود الدنيا من إشعاعاتها في المعرفة والثقافة والفلسفة والأخلاق والعقائد وعلم الحياة وهاتان الحاضرتان اللتان أقصدهما هما الكوفة والبصرة. إن العراق التاريخي هو عراق الكوفة والبصرة وتلك حقيقة بينت عليها أجسادنا ولحومنا ودمائنا ولن نتخلى عنها ما دمنا نعتبر الإسلام المنهل والمنبع وشريان الحياة وعقيدتنا في توحيد الكلمة وكلمة التوحيد. إن هذا العراق الماثل بصورته البصرية والكوفية خطر مؤكد على الفكر والاتجاهات السلفية الظلامية وأعتقد بيقين الموحدين أن معركة أسامة بن لادن مع عراق الكوفة والبصرة أشرس وأكبر وأعمق وأوسع من معركته ضد الولايات المتحدة الأمريكية. إن معركته مع واشنطن جاءت عابرة حين تخلت في خضم تجاذب المصالح والسياسات عن أصدقائها القدامى من الأفغان والأفغان العرب بعد الإطاحة بالنظام الشيوعي وبعد أن استتب الأمر لحكومة المجاهدين الذين ما لبثوا أن تصارعوا على الكعكة الأفغانية من دون أن يشموا رائحة الشواء وحين اشتدت المعركة أرادت القوى السلفية العربية الظلامية التي تعتبر نفسها معنية بالشأن الأفغاني أن توصل صوتها القوي للولايات المتحدة الأمريكية التي تخلت عنهم واستدارت نحو مصالحها ومن غباءهم المطلق وتخلفهم الشديد استداروا هم نحوها بعنف نفوسهم الكارهة للحياة والحوار والشفافية السياسية فخططوا وكان ما كان من حكاية الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن ونيويورك. إن معركتهم معنا ليست معركة جانبية أو هامشية أو استثنائية أو عابرة كما يصور البعض ذلك إنهم يحاربوننا على المبدأ وعلى توحيدنا لله سبحانه وتعالى ورؤيتنا للحياة. إنهم يريدون قتل الحياة في نفوسنا لكي نستبدل حقنا في الحياة بحقهم في قتلنا وذبحنا بحيث نصل في النهاية إلى النتيجة التي يطمحون في تكرسيها في حياتنا وهي عشقنا للموت. إننا لا نحب الموت إلا من أجل الحياة لنا ولشعوبنا ـ وهي الحياة الكريمة المعطرة بأريج الكوفة المظللة بنخيل البصرة المستريحة على بساط الماء في شط العرب. إن أسامة بن لادن والحركة السلفية العربية الظلامية يذبحوننا وسيبقون مستمرين بنهج ذبحنا لكي لا تستعيد البصرة والكوفة نهج الحياة أو أن نتعلم مبادئ ترسيخ حقوقنا السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية المثالية في ربوع عراقنا الجريح لا في ربوعهم أو بالأحرى كهوفهم في أفغانستان. إننا لن نقاتل أسامة بن لادن في داره ولم يذكر التاريخ أن الشيعة العراقيين نقلوا معاركهم إلى موطن أسامة زعيم القاعدة وبلد الظواهري زعيم الجهاد الإسلامي ولم نرسل سيارات مفخخة إلى القاهرة والرياض ولم نرسل فرق الانتحاريين الذين يساقون كالخراف وبفتاوى أولئك الذين لا يفهمون معنى الحياة للمدن والعواصم الآمنة في هذين البلدين والبلدان العربية والإسلامية البعيدة أو القريبة. وحدهم (الجهاد والقاعدة) من يصدرون لنا لغة الموت بدل إحياء قيم الحياة وهم يعملون بالتأكيد ضد منطق الإسلام الذي يحث الجماعة الإسلامية الحركية والمجتمع الإسلامي العام على تأصيل معنى الحياة بدل التواصل المتخلف مع منطق الموت. إمامنا الحسين عليه السلام لم يقاتل في كربلاء من أجل الموت بل قاتل من أجل تأصيل مبدأ الحياة وهو القائل: {لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ولكني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر} وهو القائل أيضاً {إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني} وقد استشهد هذا الإمام العظيم لكي يعلم الأجيال العربية الإسلامية الطالعة أن الحياة الحرة الكريمة والأمانة للناس وإحياء قيم وسنن الإسلام العظيم لا تتجسد إلا بالعناد والمكابرة أمام الظلمة وسياسات الاستبداد والاستكبار وتقديم الدم الزكي من أجل أن يبقى الإسلام مرفوع الرأس وحركية الإسلام فاعلة نابضة بحق الحياة. ألم يقل الإمام الحسين عليه السلام {لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما} وقد ترسخت تلك الحركية الحسينية العظيمة في نفوس الملايين وعدد لا بأس به من الزعماء الذين لا علاقة لهم بحركية الإسلام في بلدانهم ألم يقل المهاتما غاندي {تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر} كما أن الثورة الحسينية تحولت إلى قضية جوهرية في عقيدة المجتمع الإسلامي وقد انطلقت الثورات بعد شهادة الإمام في مختلف مناطق العالم الإسلامي ابتداء بثورات المدينة والكوفة وانتهاء بالانتفاضة الشعبانية التي قادها شعبنا العراقي ضد يزيد العصر صدام على أساس إحياء سنن الحق والعدل والمساواة وإعلاء كلمة الله وإنصاف المظلومين وإقامة الدولة الوطنية الشريفة وانتصاراً لمنطق الحياة وتعتبر الثورة التي قادها الإمام الخميني (رض) واحدة من أهم المحطات التي توجت كل انتفاضات وثورات المجتمع الإسلامي وشعوبه العقائدية النبيلة بانتصار لا زالت المنطقة العربية والإسلامية تتفاعل معه وتنفعل به ما يعني أن تلك الثورة وبغض النظر عن عمليات الشد والجذب الجارية في حياتها السياسية الداخلية كانت بفعل الواقع الحركي المتنور لقضية الثورة الحسينية الأولى. أريد أن أقول أن الثورات التي انطلقت بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام توجت بإقامة دول انسجمت إلى حد كبير مع السياقات والسياسات ومنطق المصالح الدولية وعرفت كيف تتعامل مع العالم لكن هل هذا المثال الحسيني الذي تحول إلى ثورات وانتفاضات ودولة وأشاع قيم الاجتهاد والتنوير وإحياء السنن المثالية في المجتمع الإسلامي ينطبق مع مثال أسامة بن لادن الذي عرفه العالم عبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن وأفريقيا بصورته الإرهابية ونموذجه العدواني الذي ألّب الدنيا كلها على الإسلام والمسلمين وحشرهما في خانة ضيقة في المجال الأوسع للسياسة الدولية رغم أن الإسلام وحركيته وفعاليته الاجتماعية قبل أحداث سبتمبر حقق نجاحات باهرة في أوربا تشهد له بذلك سعة الجالية وتعدد نشاطها الديني والسياسي والاجتماعي ودور المؤسسات المجالس الإسلامية الأساسي في التعريف بالإسلام ونظمه وأحكامه؟ إن أسامة بن لادن لا علاقة له بالحركية الإسلامية التي تنظم شكل العلاقة المفترضة بين الإسلام والغرب وبين الإسلام ومجتمعه ومثله وأسباب ارتقائه وانتشاره في العالم وأعتقد أن من بين أهم الأسباب التي دعت بن لادن القيام بغزواته الفاشلة ضد الغرب وتوريط العالم الإسلامي بمنعكساتها الخطيرة هو فشل الفكر السلفي الظلامي في تسويق ذاته وعدم وجود دولة يتحدث باسمها وتراجعه عن سلم قيادة العالم الإسلامي بعد الفشل الذريع الذي منيت به تجربته الحزبية. وأقصد بذلك الإخوان المسلمين ـ حزب التحرير ـ حركة الجهاد ـ التكفير والهجرة إلى آخر التنظيمات التي أكل الدهر على خطابها العقائدي والسياسي وشرب!. إنهم يستهدفوننا في بغداد لأنهم أساساً يستهدفون المكون التاريخي لتأسيس العراق ـ الكوفة والبصرة ـ ويستهدفوننا لأننا نؤمن بالاجتهاد والشفافية السياسية والحوار مع الغرب والعقلانية في التعاطي مع الحياة ومقتضيات الزمان والمكان ونرغب في إقامة دولة تؤمن حق الحياة لأبناء أمتنا العربية والإسلامية وشعبنا العراقي بعد أن علموا شعوبنا في كهوف تورا بورا وجبال مصر وصعيده ومناطق أخرى في جغرافيتنا العراقية والعربية (واجب الموت على كل مسلم ومسلمة). لن يستطيعوا الإفلات هذه المرة بفعلتهم وكلما ذبحوا منا سيزهر المزيد من الشباب المؤمن بحق الحياة وستطلع من بين أصابع فتاتنا العراقية التي ذبحوها أمام مدرستها أو ذلك الشاب الذي قطعوا رأسه فيما كان يمر من أمام إحدى السيارات المفخخة في بغداد أجيال من الفتيات والشباب العراقيين القادرين على بناء بلدهم ومحاكمة هؤلاء المجرمين وإرسالهم إلى متاحف التاريخ. لن يذبحوا بغداد أو يقتلوا الأمل المتجدد في نفوس أبناءها ولن يغتالوا رأس الحرية التي آمن العراقيون بها ومن أجلها قدموا مئات الآلاف من أبناءهم قرابين لحضرتها المقدسة. أخيراً أقول لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وكل الغامديين المحيطين بهما أنكم واهمون لو اعتقدتم بأن العراق سيسقط في مستنقع الإرهاب والحرب الأهلية والطائفية فشعبنا أوعى وأكفئ وأكثر تقديراً لمصلحته الوطنية والإسلامية من شيوخكم القابعين في الكهوف لأنه ببساطة شديدة مجتمع مدني فيما أنتم لم تتحرروا بعد من عقدة الخروج من الكهوف إلى الساحة الأوسع من الحياة.
* إعلامي وكاتب عراقي
اللهم بفضل هذا الشهر المبارك الذي انزلت فيه القرأن أقضى على الفكر الهدام الذي يحملة عربان الوهابية وأفضحهم !!!
(اذا وفقتم لآدراك ظهوره(ع)فبلغوه سلامي )