للمتسائل مَن هو الصدري؟ أجابت ساحة الفردوس حين احتضنتْ وظللّتْ بصروحها العالية ما لا حصر له من الأيادي المضمومة القبضات المتجهة نحو بيت الله الحرام، وما لا حصر له من الحناجر المرددّة لا للمشروع الامريكي في العراق الذي يُراد اختزاله في اتفاقية أو معاهدة... صدحت الحناجر بما
تختزله من غضب على تضييع ـ شبه متعمد إن لم يكن متعمداً تماماً ـ حاضر ومستقبل شعب عريق وجعله رهناً بإرادة من ثبت للعالم أجمع خبثه وشرّه... صدحت الحناجر على رجع مدوٍ لمآذن الفردوس"الله اكبر”.
احتضنت الفردوس العراق... هكذا نستطيع ان نوجز ما جرى في الجمعة المباركة حين اعرب الشعب عن نفسه وقال كلمته. ويحق لنا ان نطمئن ونحن نفخّم كلمة(الشعب) فلا نشعر بحرج مبالغة او تهويل اعتاد عليه المروّجون للمشروع الصهيو- امريكي في بلاد الرافدين. فـ"المظيهيرة" (مدفوعة الثمن) التي اعقبت تظاهرة الشعب والتي اقاموها في الفردوس أيضا زوّقتها الفضائيات التي احتشدت لنقلها وتسجيلها حتى كادت فرق العمل في تلك الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى ان يفوق عددها عدد المتظاهرين أنفسهم!! ومع هذا تسارعت المانشيتات الخبرية أسفل الشاشات.."الجماهير تلتف حول المالكي مؤازرة في امضاء الاتفاقية". في حين أن سيولاً بشرية هادرة غصّ بها شارع السعدون لايأتي على ذكرها أحد!! توضح الصدري اكثر عمن سواه مع انه واضح منذ التاسع من نيسان 2003، ومنذ (كلا كلا امريكا) التي هتف بها ليث العراق السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في الوقت الذي كان الجميع إما متسكعاً في شوارع العواصم التي"يفترض" انها احتوت معارضته لصدام، أو لائذاً بصمته المدقع الذي لا يتبين منه أي موقف، ولا تستطيع مهما أوتيت من قوة حواس ان تشم منه ولو رائحة معارضة. أجابت الفردوس، وما كان أشدّ بلاغتها حين اوجزت مطالبها بعبارة "اخوان سنّة وشيعة.. وهذا البلد ما نبيعه".. فهي تعرف ان سوق نخاسة الاوطان مزدهر وعلى أشدّه في زمن العولمة، وتعرف ان المراهنين على الحصان الامريكي في العراق يعلمون ان الاوطان المشمولة والمعروضة لامكانية البيع كثيرة على الرغم من"التطمينات" الساذجة الغبية التي يصدّعون بها رؤوس جيرانهم. فما يقدمه المسؤول العراقي لجيرانه لا يعدو ان يكون مجرد وعود، في حين ان أمريكا تقدّم حقائق على الأرض، فهي لم تتردّد عن قصف مدينة في بلد ذي سيادة معترف بها دولياً ضمن اتفاقيات أرصن واكبر من اتفاقية العراق ـ امريكا!
قال الصدريون لاؤلئك المراهنين على امريكا الشغوفين برامبوها ان أمريكا لم تحترم العالم كله حين قررت غزو العراق، أفهل تنتظرون منها ان تحترمكم؟ هل تتوقعون ان الامريكان لايستطيعون الاتفاق على اتفاقية توصف بعض بنودها بالغامضة والقابلة للتأويل؟! نظن أنكم أقل شأنا من هذا بكثير! عودوا الى جماهيركم الذين وعدتموهم ألاّ تخذلونهم وانتم تتسنمون مناصبكم في الدولة. وتذكروا أن من يتهيّب صعود الجبال يعش ابداً الدهر بين الحفر. فان كانت حفركم معطرّة ومكّيفة حتى لاتبدو حفراً، فاعلموا ان الشعب العراقي ليس لديه الكثير فيخشى عليه
المقال منقول