الحرب الرابعة على البصرة
أكثر من عشرة ملايين لغم أرضي
نقاش | سليم الوزان |
تحفل البصرة (590 كلم جنوب بغداد) بأكبر نسبة من الألغام والمقذوفات الغير المنفجرة في العالم، ويعتبرها الأهالي والمسؤولين على حد سواء "حربا رابعة" تشهدها المحافظة.
ودارت على أراضي المحافظة الجنوبية المجاورة لإيران المطلة على الخليج العربي، رحى ثلاثة حروب مدمرة بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية التي دامت 8 سنوات (1980-1988) مروراً بحرب الخليج الاولى المعروفة بعاصفة الصحراء 1991 سنة، وانتهاءاً بحرب غزو العراق 2003. فتركت هذه الحروب خلفها أطناناً من المخلفات العسكرية والأعتدة والحاويات التي ألقتها الطائرات قوات التحالف إضافة إلى اعداد لا تحصى من الغام الاشخاص والدروع التي زرعتها القوات العراقية في طريق اعدائها السابقين.
وتشير تقارير منظمة اليونسكو قبل حرب 2003 إلى أن هناك أكثر من 10ملايين لغم أرضي ومقذوف لم ينفجر تتركز بشكل رئيس في المناطق الصحراوية الغربية، كذلك في شرق المدينة على امتداد قضاء شط العرب نحو الحدود الإيرانية وبعمق يربو على 10 كلم، بينما تشير منظمات إزالة الألغام التي تعمل في الجنوب أن العدد قد يكون تضاعف ثلاث مرات بعد الحرب الاخيرة.
وتمتد خارطة انتشار الالغام في شرق البصرة بدءاً من قضاء الفاو90 كلم جنوبا حتى شمال البصرة عند منطقة السويب ـ الاهوار، كما تنتشر في غرب البصرة على الشريط الحدودي المحاذي لدولتي الكويت والسعودية .
ويقول مصدر مطلّع في مديرية الدفاع المدني بالبصرة حبّذ عدم الكشف عن اسمه لمراسل (نقاش) أن "سرايا الدفاع المدني تعمل على إزالة الالغام وهي تنتشر (أي السرايا) في مناطق الزبير وصفوان والشعيبة غرباً وأبي الخصيب والقرنة والهارثة جنوبوشمال شرق المحافظة، إضافة إلى مفرزة مركز المدينة التي تغطي قضاء شط العرب" لكنه يشير إلى أن "سرايا إزالة الالغام ما زالت فتية واعدادها وامكاناتها وتجهيزاتها لا تتناسب مع الحجم الكارثي للالغام والمتفجرات المنتشرة في مناطق البصرة والتي أودت بحياة المئات من المواطنين و أدت إلى عوق مئات آخرين عدا عن الخسائر في الثروة الحيوانية والممتلكات".
ويوضح المصدر أن أفراد هذه السرايا يعتمدون على معدات بدائية للكشف على الالغام وإزالتها "ما يزيد من صعوبة العمل ودرجة الخطر خاصة لو علمنا أن البصرة مصنفة باللون الأحمر، أي أنها من أخطر المناطق حسب المعايير العالمية في نسبة الألغام".
ويؤكد أنه و"بعد حرب 2003 قدمت إلى البصرة حوالي 37 منظمة دولية معنية بإزالة الالغام، حاولت الإسهام برفع تلك المخلفات، غير أن الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في بغداد وتدهور الوضع الأمني في البصرة دفع بتلك المنظمات إلى الانسحاب".
ويرسم السيد أياد الكنعان رئيس المنظمة العراقية لإزالة الألغام صورة داكنة عن الوضع في محافظته لافتا إلى أن "غياب الدعم الحكومي والدولي و عدم استغلال امكانات الجيش العراقي سيعني أن ليس بمقدور أحد تطهير اراضي البصرة من الالغام ولو بعد سنوات!".
ويضيف الكنعان لمراسل (نقاش) أن "هناك أقضية وقصبات بكاملها في شرق البصرة هجرها سكانها وتحولت من جنان وأراض زراعية خصبة وغابات نخيل ومصدر غذاء للعائلة البصرية والعراقية بعامة إلى صحارى ملغّمة قاحلة ".
وفي هذا الصدد تشير احصاءات دائرة الهجرة والمهجرين وبعض منظمات المجتمع المدني إلى أن حوالي 4600 عائلة فلاحية نزحت من اراضيها في منطقة التنومة التي تحولت إلى مسرح قتال ضار خلال الحرب العراقية الإيرانية وفي مناطق الصالحية، نهر جاسم، جرف الملح، الدعيجي، عتبة. كما سجلت هجرة مماثلة للعديد من سكنة قضاء الفاو ناهزت 80 الف مهجّر وأغلب هؤلاء لم يعودوا إلى قراهم التي اصبحت مناطق محرّمة عليهم لخطورتها. بينما يشير مصدر في قيادة الشرطة "إلى أن الخارجين على القانون وعناصر المليشيات والارهابيين استغلوا تلك المتفجرات في أعمال أجرامية خلال السنوات الماضية، ويؤكد على ضبط أوكار في منطقة شط العرب أحتوت مخازنها على 6000 قذيفة ولغم أرضي جمعت من تلك المتروكات كان يراد بها زعزعة الأمن في المحافظة".
ودأبت دائرة صحة البصرة حسب مكتبها الإعلامي على التأكيد على خطورة الوضع مع وجود مخلفات الحروب من الغام ومواد مشعة مسرطنة، وأقامت أكثر من ندوة وورشة عمل في المحافظة لغرض نشر الوعي بين المواطنين وإيجاد السبل الكفيلة للحد من ظاهرة الاصابات الاليمة التي يتعرض لها الابرياء كما عقدت ورش عمل لتأهيل المصابين ببتور نتيجة انفجار الالغام وخاصة من النساء والاطفال.
ويقول السيد " كنعان" رئيس المنظمة العراقية لمكافحة الألغام أنه "ما زالت هناك نسبة 80% من الالغام منتشرة في البصرة وقدمت بعض المنظمات الدولية مساعدة في هذا الجانب لكنها لم تتمكن من إزالة غير400 ألف لغم خلال عملها".
ويؤكد كنعان أن "المأساة الكبرى" حدثت عندما قررت عوائل العودة إلى قراهما فحصدت الالغام عددا من ابنائها، ويضيف أن "البعض يقوم بنقل الاتربة الزراعية من تلك المناطق لاستخدامها في الحدائق المنزلية والعامة وهو ما عرض أرواح الكثيرين للخطر".
ويعزو عضو سابق في مجلس المحافظة رفض ذكر اسمه أسباب فشل المحافظة الغنية بالنفط في تنظيف حقول الالغام في البصرة خلال السنوات الماضية، إلى "النزاعات والتجاذبات التي سادت وشغلت مجلس المحافظة عن الاهتمام بالواقع الخدمي والأمني المتردي".
ويضيف المسؤول أنه "وفي وقت تدعو فيه الحكومة الشركات العالمية والاشخاص للاستثمار في الجنوب والبصرة بصورة خاصة، تغطي حقول الموت اغلب خارطة الاستثمار الجنوبية المفترضة".