[align=center]قتل الزرقاوي.. وبقيت نسخه الكربونية[/align]



حسين العلق * - 9 / 6 / 2006م - 2:48 م
ما بين رأي أحد المستمعين العراقيين على إذاعة (بي بي سي) تعليقا على مقتل الزرقاوي والقائل بأن هذا الأخير ما اختار البقاء في ناحية «هبهب» التي قتل فيها يوم الأربعاء بمحافظة ديالى العراقية إلا لأن هذه الناحية بالذات تنتج أفضل أنواع ما يعرف بـشراب «العَرَق» العراقي والذي يحبه الزرقاوي على رأي المستمع، وبين الرأي الآخر المقابل والقائل بأن الزقاوي هو امام زمانه بحسب تصريح صهر الزرقاوي، زوج أخته السيد أبو قدامة، لقانتي الجزيرة والعربية عصر الجمعة.. أقول؛ بين هذين الرأيين تكمن ربما مشكلة وحيرة قطاع واسع من الشعب العربي.

فإن يكن من المشكوك فيه بأن الزرقاوي من محبي العَرَق العراقي، فمن غير المشكوك أبدا بأنه من عشاق سفك الدماء للعزل والأبرياء في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة، بل طالما فاخر هو نفسه بذلك، حتى بلغ من سوء تقديره أن تبنى عمليات التفجير التي جرت في عاصمة بلده الأم عمّان والتي راح ضحيتها العشرات من مواطنيه.

وإن كان الشئ بالشيء يذكر، فلم يكن سراً أن الشارع الأردني بغالبيته بحسب إحصاءات الرأي العام كان حتى قبيل تفجيرات عمان مؤيدا لتنظيم القاعدة، ولشخص الزرقاوي تحديدا، وكان الزرقاوي حينها فارس الفرسان وقدوة الشبان والمجاهد الأكبر.. حتى لو كان «أزعرا» في الزمن الأغبر، إلا إن الشارع الأردني سرعان من التف في حركة انقلابية على الزرقاي بعيد التفجيرات مباشرة، حتى إن إحدى منفذات تلك العملية لم تجد لها ملجأ لدى أقاربها في الأردن والذين سلموها صيدا ثمينا على طبق من ذهب للمخابرات الأردنية لتظهر بعد ذلك بأم لتدلي باعترافاتها أمام شاشات التلفزيون.

وهذا ما يأخذنا مباشرة إلى صلب المعضلة القائمة لدى قطاع واسع من الشعب العربي، تلك المعضلة المتمثلة في شغف هذا الشارع بكل من يرفع شعارا يدغدغ المشاعر ويداعب جروح الكرامة المهدرة هنا وهناك، وصولا الى إشباع «ساديتنا» في رؤية الدماء واستمراء مناظر الجثث، بشكل صار فيه العداء لأمريكا -مثلا- كفارة لما عداه من الجرائم والآثام، في واحدة من أجلى صور الذرائعية والمسلك التبريري.. حتى بات في كل شارع عربي ومنزل ومقر عمل نسخا كربونية عن الزرقاوي، تزيد في حدتها أو تقل، شغلها التبرير وبضاعتها اختلاق الذرائع لجميع الفضاعات التي يرتكبها.

وعجيب أمر هؤلاء «الكربونيين»، فالأمر جد عاديا لدى الواحد منهم بل مصدر فخر واعتزاز ما دام يشاهد مسترخيا في بيته عبر شاشات التلفزيون شلالات الدم العراقي بفضل جهاد الزرقاوي زعما، أما متى ما وصل ذات «الجهاد» الزرقاوي إلى ذقونهم، فحينها سرعان ما ينقلب إلى ارهاب! ولنا مثلا في الشعب الأردني كما أسلفنا، ومن قبلهم الشعب المغربي بعد مقتل اثنين من دبلوماسييه المخطوفين على يد جماعة الزرقاوي في العراق. وهنا يكمن السؤال المعضلة؛ ومكمن انفصام شريحة واسعة من العربان، فكيف يكون الزرقاوي واتباعه مجاهدون حين يسفكون دماء العراقيين، في حين ينقلبون إلى ارهابيين عندما يسفكون الدم الأردني أو المصري أو السعودي؟!

والأعجب من مما سبق، أنه قد يكون مفهوما جدا أن تكون هذه النسخ الكربونية الزرقاوية من بعض دهماء الناس، أو المتطرفين المسيسين، أو من بعض الخصوم الذين لم يستنكفوا عن المراهنة حتى على الحصان الخاسرة نكاية بغرمائهم السياسيين أو المذهبيين، إلا ان الأدهى والأمر أن تعم النسخة الكربونية هذه قطاعات واسعة من الشعب العربي بدرجة تميل فيها كفة الرأي العام لصالح حالة شاذة ونموذج دموي كأبي مصعب الزرقاوي!!

والأكثر مأساوية أن هذا الرأي العام لا يستيقظ من سباته إلا إذا وقعت الفأس في الرأس وقربت النار من ثيابه! حتى ليتمنى المرء أحيانا لو أن كل واحد من هؤلاء المصفقين ذاق من نفس الكأس الذي يذوقه المواطن العراقي يوميا منذ ثلاث سنين عجاف، حتى يعرف حقيقة الجهاد الذي كان يقوده الزرقاوي والذي أودى به أخيرا إلى حتفه غير مأسوف عليه.

بقي أن نقول، أن أمة تحترم عقلها، وترجو أن تكون خير أمة أخرجت الناس، ينبغي أن تربأ هذه الأمة بنفسها عن أن تتخذ من ارباب السوابق الأخلاقية وسجون الآداب والأميين، ومن لا يحسنون في هذه الدنيا إلا القتل وترويع الآمنين، عن أن تتخذهم أمثلة عليا لشبابها ومجاهديها.. فجميعنا يعلم «إذا كان الغراب دليل قوم» فإلى أين سيأخذهم.

http://64.246.58.199/artc.php?id=11534