بسم الله الرحمن الرحيم

بيان في ذكرى ثورة الامام الحسين "عليه السلام" في كربلاء

وحلول شهر محرم الحرام

(السلام عليكم يا ابى عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ابداً مابقيت وما بقي الليل والنهار).

اعتاد شعبنا العراقي ومنذ مئات السنين على استقبال شهر محرم الحرام بعواطف ملتهبة، واحاسيس متفاعلة، وحزن شامل، ففي مثل هذه الايام حدثت الفاجعة الكبرى التي حلت بالدين، وانتهكت فيها حرمة الاسلام، بقتل سبط النبي الاكرم "ص" امام الثائرين سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي"عليه السلام" واهل بيته واصحابه في كربلاء عام 61 للهجرة، حيث وقفوا ببطولة لا نظير لها يدافعون عن مبادئ الاسلام العلوية الاصيلة ضد الانحراف وبالطغيان المتمثل آنذاك بيزيد بن معاوية المعروف بشذوذه وانحرافاته الاخلاقية والفكرية واستعباده للناس عندما استولى عليه وهم القدرة، وغرور السلطان القائم على البطش والقمع والجور والظلم.

وبتلك الثورة العظيمة، اوجد الامام الحسين"عليه السلام" قاعدة عملية شرعية واخلاقية لمقاومة الاستبداد والظلم والطغيان وللمطالبة بالحقوق المشروعة للامة، فقال"عليه السلام": (انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، اريد ان أأمر بالمعروف وانهى عن المنكر) وذكر الامة بمقولة جده النبي "صلى الله عليه وسلم"؛ ان من رأى سلطاناً جائراً يعمل في الامة بالظلم والعدوان، فلم يغير عليه بقوله أو فعله أدخله الله مدخله، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى: "ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتسمكم النار".

ان الشعب العراقي الذي عاش بطولة الامام الحسين"عليه السلام" على ارضه وتشبع بعشق الخط العلوي بخلافة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رائد العدالة الانسانية في الاسلام، ظل وفياً لمبادئه، ملتزماً بولائه لأهل بيت النبي"صلى الله عليه وسلم" وقد دفع لذلك ثمناً غالياً من التضحيات والمقاومة والصبر، وها هو شعبنا يستعد في هذا العام ولأول مرة للتعبير عن ولائه وحبه لبيت الطهر والاستقامة في محرم الحرام بعد ان منّ الله سبحانه وتعالى بالخلاص من النظام العنصري الطائفي الدموي، الذي منعه من اقامة شعائر الامام الحسين لاكثر من ثلاثة عقود، مستعيداً بذلك اصالته وانتمائه الى هويته، ذلك ان شعائر نهضة الامام الحسين"عليه السلام" شعائر أصيلة ارتبطت بالعقيدة والتأريخ والتراث وورثها اتباع اهل البيت عن أئمتهم"عليهم السلام"، فقد كان الأئمة الاطهار يقيمون مجالس العزاء ويظهرون الحزن حتى الجزع على سيد الشهداء"عليه السلام"ويأمرون به، وكانت احدى اهداف ذلك هو ابقاء جذوة الوعي والنفور من الظلم متقدة في نفوس المسلمين والمؤمنين، ولتكون حيوية واصالة الدين قائمة في المجتمع.

ان شعبنا الكريم، يؤكد في هذا العام مرة أخرى انتمائه القوي والمتجذر لخط الامام الحسين"عليه السلام"، بكل الوسائل التي تحقق هذا الهدف، لذلك فان الحسينيين مدعوين لتجسيد اهداف ثورة كربلاء في السلوك والموقف الواعي والحضور الميداني واقامة الشعائر الحسينية المجسدة والمعبرة، وان يأخذ المنبر الحسيني الهادف دوره في شد الناس للدين ولأهل البيت"عليهم السلام"، ولوحدة الكلمة، واشاعة الاخوة والمحبة والايثار والسلام بين ابناء الوطن الواحد.

ان ثقافة محرم وصفر، يجب ان تتعمق وتتسع بعد الآن فهي الجسر المؤدي الى استقلال وسيادة وحرية ووحدة بلدنا، اذ يمر العراق الآن بمرحلة تأسيسية، لابد ان تؤدي الى التخلص من الاحتلال، وبناء النظام السياسي على أسس سليمة من دستور دائم يلبي طموحات الشعب العراقي بكل تركيباته، وبحياة برلمانية تجسد ارادة الشعب وتعيد اليه الثقة بنفسه بعد سنوات، سنوات التمزق والحرمان، وبدور مؤسسات المجتمع المدني في تنمية الشعور بالمسؤولية العامة، وبالنظام اللامركزي في ادارة الدولة بما يحقق العدالة ضمن وحدة وطنية قوية، ونعتقد في نفس الوقت ان الوصول الى تحقيق هذه الاهداف هو الاصلاح الحقيقي المنشود في العراق، وهو احد اهداف ثورة الامام الحسين"عليه السلام"، الذي نادى بالاصلاح في امة جده، وتحرير ارادة الفرد من الحكم الفردي والدكتاتوري، كما ان آلية ذلك ومفاتيحه هو الانطلاق من مرجعية الشعب العراقي في الانتخاب الحر المباشر لمؤسساته المرجعية في الحكومة القادمة سواء كانت انتقالية أم دائمة.

وبهذه المناسبة الشريفة نتوجه بالدعوة والرجاء اخواننا خطباء الجمعة والجماعة، والمتصدين لمجالس الوعظ والارشاد، وخطباء المنبر الحسيني الشريف الى اشاعة ثقافة الوحدة الوطنية والاخوة الاسلامية وحقوق المواطنة لكل عراقي، وتعميق الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع انطلاقاً من قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وقول نبينا الكريم "صلى الله عليه وسلم": (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) ونؤكد بهذه المناسبة على ان تتعاضد الجهود لطرد أهل الفتن والتكفير الغرباء عن وطننا وقيمنا وعاداتنا من ساحتنا، وسدّ الثغرات في صفوفنا لمنع أي طامع خبيث المقصد النفوذ منها، حتى وان تلبس بلباس ديننا وهو منه براء، ومهما اعطى لنفسه من مرجعية دينية لا تمت الى اسلامنا وقيمنا بصلة ينفث منها سموم الكراهية والاحقاد والثارات بين ابناء المجتمع العراقي المتآخي تحت مظلة الدين والوطن الواحد منذ قرون طويلة. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

سلام عليكم يا ابا عبدالله في ذكرى نهضتك العظيمة.

سلام عليك سيدي، ملهماً وقائداً وسيداً واماماً.

فانت مصباح الهدى وسفينة النجاة من جميع الفتن وفي كل زمان ومكان.. وسلام على سائر الشهداء على خطك الهادي والمهتدي.



السيد عبدالعزيز الحكيم

رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق

25 ذي الحجة 1424