أنصار الإسلام في كردستان العراق: امارة طالبانية غامضة الاهداف!
ديانا مقلد الوسط 2003/02/10
في منطقة كردستان العراق لتشهد اهتماماً إعلامياً دولياً بعد التهديدات الأميركية بضرب العراق وتغيير نظامه. وتجسد حلبجة التي تزخر بالحياة والحركة، ذروة المأساة في وجدان أكراد العراق، فهي لا تزال تعيش وطأة ما تعرضت له في العام 1988، حين قصفت الطائرات العراقية البلدة بقنابل من الغاز الكيماوي فقتل على الفور خمسة آلاف من المدنيين. وأتى القصف العراقي لحلبجة وقرى كردية أخرى بالغاز السام، رداً على دعم الأكراد للجيش الإيراني خلال حربه مع بغداد. حينها، غضّت واشنطن والمجتمع الدولي الطرف عن الجريمة لأن صدام حسين كان يقاتل إيران وكان الغرب إلى جانبه. لكن اليوم وكما في حرب الخليج الثانية، يتم استعمال مأساة هذه البلدة للتذكير بما ارتكبه الرئيس العراقي بحق شعبه وبالتالي كسب الرأي العام الدولي في الحملة ضد بغداد.

في حلبجة، يعيش الأكراد هاجس الحرب، وهاجس التعرض للقصف الكيماوي مرة أخرى. لكن هناك هواجس أخرى مستجدة تقض مضاجعهم. فبالنسبة إلى فيروز الذي نجا بأعجوبة هو وعائلته من القصف الكيماوي فإن مأساته وشعبه لم تنته، وهو يرى أن الغرب يستغل ما عاناه الأكراد في نزاعهم مع صدام حسين.

وفيروز هذا ربّ عائلة كبيرة، ومخاوفه لا تقتصر على احتمالات الحرب والقصف الكيماوي، فقد شهد خلال سنوات عمره الستين الكثير من المآسي. ويعيش فيروز منذ آواخر الصيف الماضي مع زوجته وأبنائه في منزل صغير في حلبجة المحاذية للحدود مع إيران والمعروفة بأنها والقرى المحيطة بها معقل تقليدي للحركات الإسلامية في شمال العراق.

فرّ فيروز إلى حلبجة من منطقة بياره هرباً من ممارسات أحد التنظيمات الإسلامية الكردية المتشددة وخوفاً على نفسه وأبنائه الستة.

فعلى خاصرة حلبجة المحاذية للحدود مع إيران، يقع جيب جبلي لا تزيد مساحته على بضعة أميال ويسيطر عليه متشددون إسلاميون يعتقد أنهم على علاقة بتنظيم "القاعدة". ويضم هذا الجيب الجبلي شريطاً من القرى الخاضعة لسيطرة هؤلاء الإسلاميين المنتمين إلى تنظيم أصولي اسمه "أنصار الاسلام".

يروي فيروز كيف تسلل وهرب مع ابنه المعوق بانفجار لغم من قرية خورمال الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الاسلام"، ثم ما لبث أن لحقهم باقي أفراد العائلة مطلع الصيف الماضي. وعدم انخراط فيروز في صفوف الجماعة عرضه للمضايقات. وخلال اشتباكات أمنية محلية، داهمت مجموعة من "أنصار الإسلام" منزل العائلة بحثاً عن الأب، وفرض الأنصار قيوداً على تحركات نساء الأسرة كما هو الحال على نساء المناطق التي يسيطرون عليها، لكن العائلة تمكنت من الهرب لاحقاً.

يقول فيروز: "إن الحياة مع جماعة "أنصار الاسلام" صعبة لأنه إذا لم ننضم الى هذه الجماعة نتعرض للمضايقة، كالسجن والحدّ من حرياتنا الشخصية وازعاج نساء العائلة واتهامنا بأننا غير مسلمين. إذا كانت الحياة في جهنم مريحة فهي ليست كذلك مع "أنصار الاسلام". إن جهنم أفضل من العيش معهم".

تتذكر هوميلا، الابنة الكبرى لفيروز، أنها كانت تكنس باحة المنزل حين مرت جماعة من "الأنصار" قربها وأسمعها أفرادها كلاماً قاسياً لأن منديلها كان حاسراً عن رأسها.

حكايات كثيرة ترددها هذه العائلة وأكراد كثيرون عن القوانين التي يطبقها "أنصار الاسلام"، وكيف يعمدون إلى إرغام الرجال على دفع غرامات إذا لم يجبروا نساءهم على ارتداء ملابس شرعية، على غرار ما كانت تفعله حركة "طالبان". وتقول زوجة فيروز: "إذا أردنا أن نذهب إلى النبع لإحضار الماء يجبروننا على تغطية رؤوسنا ويفرضون علينا إذا خرجنا من المنزل أن نضع عباءات سوداء. لقد طلبوا أن نضع قماشاً على جدران حديقة منزلنا حتى لا يرانا أحد. إن شمال العراق هو اليوم بمثابة أفغانستان. لا فرق بين أفغانستان وهنا، لقد أصبحت حياتنا كما كانت الحياة تحت حكم طالبان".

منطقة وعرة
ولمواجهة هذه الميلشيا الإسلامية، تنتشر على طريق حلبجة والجبال المحيطة بها مراكز عسكرية تابعة لقوات "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يتزعمه جلال طالباني، وتخوض هذه القوات معارك متقطعة ضد جماعة "أنصار الاسلام".

ويتهم مسؤولون أكراد جماعة "الأنصار" بإثارة مشاكل أمنية وتدبير اعتداءات واغتيالات وممارسة ضغوط على المواطنين، وتلقي أموال "مشبوهة" من الخارج. واندلعت المعارك بين "الاتحاد" و"الأنصار" بعد تأسيس هذه الجماعة في ايلول (سبتمبر) 2001. ويقتصر نفوذ جماعة "أنصار الاسلام" على المناطق الكردية الخاضعة لسيطرة "الاتحاد الوطني".

وتعتبر حادثة خيلي حماة واحدة من أسوأ المعارك التي وقعت بين الطرفين. ففي هذه البلدة القريبة من حلبجة، سقط 52 من مقاتلي البيشمركة التابعين للاتحاد الوطني الكردستاني في هجوم لجماعة "أنصار الاسلام" أواخر العام 2001.

كانت أيدي بعض مقاتلي الاتحاد مقيدة عندما لقوا مصرعهم وقد تم تصوير ما حدث من قبل "أنصار الاسلام" أنفسهم وتم الاستيلاء على الشريط المصور لاحقاً في هجوم مضاد قام به "الاتحاد الوطني الكردستاني" على أحد مواقع الأنصار. ويعتقد بأن "أنصار الاسلام" يتألفون من متطرفين مسلمين أكراد ومن عدد مجهول من "الأفغان العرب" الذين فروا عبر إيران إلى شمال العراق بعد سقوط حركة "طالبان" خلال الحرب الأميركية ضد أفغانستان.

قرب حلبجة وبرفقة مجموعة من مقاتلي البيشمركة التابعين للاتحاد الوطني زرنا جبل شنروي الاستراتيجي مشياً على الأقدام عبر طريق يصل الى قمته. انه المركز الأقرب الى مواقع "أنصار الاسلام" في بيارة.

يكاد يستحيل على الصحافيين خصوصاً الأجانب الدخول إلى مناطق "أنصار الاسلام". فهم يسيطرون على شريط يضم سبع قرى يفرضون مبادئهم المتشددة على سكانها بشكل يشابه حكم "طالبان" في أفغانستان، على حدّ ما يروي الأكراد.

ومن خلال انفراجات الغيم تمكن رؤية موقع الجماعة ومنزل "أميرها" الحالي عبدالله الشافعي والمسلحين المتحصنين حوله. وقد زرع "أنصار الاسلام" ألغاماً في كامل المنطقة الجنوبية الشرقية من كردستان، ما يجعل تقدم قوى البيشمركة باتجاهها أمرا مستحيلاً، حسب القادة الأكراد. وصف قيادي في البيشمركة هذه المواقع المقابلة بأنها تورا بورا العراق، على غرار الجبال التي كانت تشكل معقلاً لتنظيم "القاعدة" في أفغانستان.

جماعة "أنصار الاسلام" هي إحدى الذرائع التي تتمسك بها الولايات المتحدة كدليل على ارتباط النظام العراقي بتنظيم "القاعدة"، لكن ذلك لم يثبت فعلاً. ويقول المسؤول العسكري في الاتحاد الوطني الكردستاني سرباس ياسين الذي يشرف على مواقع عسكرية مقابلة لمواقع "الأنصار" إن عدد مقاتلي "الأنصار" لا يتجاوز 500 مقاتل معظمهم من الأكراد، لكن هناك نسبة من المقاتلين العرب الأفغان وعراقيين وأن العديد منهم تدرب في أفغانستان، "نحن نسيطر على المنطقة لكن هناك سبع قرى يسيطر "أنصار الاسلام" عليها ولا نستطيع الدخول إليها من ناحيتنا، علماً أن إيران تقع تماماً خلف مواقعهم".

ونظراً الى كون هذا الجيب يقع في منطقة حدودية مع إيران فإن أي عمل عسكري يقوم به الأكراد يحتاج إلى موافقة طهران، وقضية "أنصار الاسلام" هي محل بحث دائم بين الطرفين، خصوصاً أن إيران هي نقطة التسلل الأساسية لهؤلاء المقاتلين، على حدّ ما يؤكد المسؤولون الأكراد.

ويقول القيادي في الاتحاد الوطني سعدي بيرة: "لا يمكن أن ننكر أن مجموعات من تنظيم "القاعدة" فرت من باكستان وأفغانستان من خلال إيران لكن ليست لدينا أي أدلة تثبت تورط أو تعاون إيران مع هذه الجماعات. الوضع خارج عن سيطرتنا حتى الآن، فالموقع الجغرافي للمجموعة لا يساعد. ونحن نتصور أن محاولة الضغط عليهم ستؤدي إلى توحيد صفوفهم، أما تركهم وشأنهم كما هو الوضع الآن فسيؤدي إلى انهيارهم بشكل أكبر مما لو ضغطنا عليهم".

ومن المفارقات ان إيران التي يتهم بعضهم أطرافاً فيها بدعم جماعات إسلامية متطرفة من بينها "أنصار الاسلام"، ساهمت في إلقاء القبض على أمير هذه الجماعة الملا فاتح كريكار، وهو أحد القادة الأوائل للحركة الإسلامية في كردستان الذين انتقلوا إلى أفغانستان خلال التسعينات، وهو يحمل لقب "أمير أنصار الاسلام"، لكن كريكار واسمه الأصلي نجم الدين فرج، ينفي أن يكون ذهب إلى أفغانستان.

حصل كريكار على ماجستير في علم الحديث في باكستان حيث عمل مدرساً في الجامعة الاسلامية، ثم سافر عام 1991 إلى النروج وأقام فيها وحصل على اللجوء السياسي ومن ثم على الجنسية. وزار بعدها كردستان، وهو أعلن قبل أيام من أحداث ايلول تشكيل مجموعته التي كانت تعرف سابقا باسم "جند الإسلام". ووزع التنظيم بياناً بعد تأسيسه اتهم فيه الأحزاب العلمانية الكردية بالكفر والانتماء الى الأجنبي، مشيراً بالاسم الى "الاتحاد الوطني الكردستاني".

وأوضح بيان "الأنصار" أن كوادر المنظمة تلقوا تدريبات على أسلحة ومتفجرات في دولة لم يكشف عنها. وعمدت جماعة كريكار إلى تطبيق ما تعتقد به على القرى التي تسيطر عليها، ففرضت قواعد سلوكية متشددة. وفي ظل هذه الأجواء وقعت حوادث تخريب واغتيال أبرزها اغتيال محافظ اربيل وهو آشوري مسيحي، كما جرى تخريب مقابر مشايخ بعض الطرق الصوفية. واتُهمت جماعة "أنصار الاسلام" بالوقوف وراء هذه العمليات.

وألقت السلطات الإيرانية القبض على كريكار الصيف الماضي حين كان مسافراً إلى أوسلو عبر طهران، فقد كان اسمه مدرجاً على لائحة أميركية لأسماء مطلوبين بتهم تتعلق بالإرهاب، وتم تسليمه إلى هولندا التي كان ينوي كريكار السفر عبرها إلى النروج. وبعد اعتقال استمر حتى أواخر العام الماضي تم ترحيله إلى النروج، ولا تزال الولايات المتحدة تتهمه بأنه حلقة الوصل بين تنظيم "القاعدة" والنظام العراقي وبأنه أخفى مواد كيماوية خطيرة في مناطق "أنصار الاسلام". ومن التهم الأميركية المساقة ضده إيواء بعض عناصر تنظيم "القاعدة" في شمال العراق. إلا أن أياً من هذه التهم لم يثبت عليه، وقد نفاه كريكار أكثر من مرة مؤكداً براءته.

الحركات الإسلامية
عرفت الحركات الكردية ذات التوجه الإسلامي تشرذماً كبيراً وظل تنظيم الحركة الإسلامية أهم حزب إسلامي كردي لفترة طويلة وهو حزب قريب من حركة "الإخوان المسلمين". وشهدت المجموعات الإسلامية في شمال العراق انشقاقات بصورة متكررة، وظهرت مجموعة "أنصار الاسلام" نتيجة توحيد جماعتين. ويقول الشيخ صديق عبدالعزيز محمد، نائب المرشد العام للحركة الإسلامية في كردستان العراق في مقر الحركة في حلبجة: "منذ البداية وقبل الانشقاق تتواجد جماعة "أنصار الاسلام" في منطقة بيارة وطبعاً فإن فكرهم و آراءهم وسلوكياتهم تخالف فكر الحركة الإسلامية حتى حين كانوا داخل الحركة الإسلامية، إذ لديهم آراء تخالف فكرنا، لكن نعم هم جزء من الحركة الإسلامية، أما بالنسبة إلى سيطرتهم فأقول ان المنطقة التي يسيطرون عليها كانت ضمن نفوذ الحركة الإسلامية وحين انشقوا وقعت المنطقة تحت أيديهم".

ويقوم عدد من القوى الإسلامية، خصوصاً الحركة الإسلامية، بأدوار وساطة بين "أنصار الاسلام" والاتحاد، لكن أوساطاً في الاتحاد الوطني الكردستاني تتهم التيارات الإسلامية بدعم "الأنصار" ومدهم بالسلاح وتسهيل هروبهم عبر الحدود مع إيران إلى كردستان خصوصاً أن إحدى النقاط المواجهة لمواقع "الأنصار" خاضعة لسيطرة أحد الأحزاب الإسلامية الأخرى. ويقول الشيخ صديق: "إن قضايا أفغانستان والفيليبين والشيشان أثرت فيهم فشبانهم متحمسون ويضحون بما لديهم من غال ونفيس من أجل تحقيق أمنياتهم. لا شك أن عندهم آراء خاصة وهم يعملون من خلال عقيدتهم وآرائهم ومواقفهم".

ويقول مسؤولون أكراد إن عملية توحيد بعض الجماعات الإسلامية تحت لواء "أنصار الإسلام" تمت في احتفال أشرف عليه ثلاثة من العرب المدربين في معسكرات "القاعدة" في أفغانستان.

وتشمل الادعاءات الأميركية ضد هذه الجماعة اتهامها بتلقي الأموال من تنظيم "القاعدة" بصورة مباشرة. كما تؤكد التقارير الأميركية أن الاستخبارات العراقية تسيطر بصورة مشتركة مع عملاء "القاعدة" على "أنصار الاسلام". وتتوسع اتهامات واشنطن لتصل إلى حدّ تأكيد أن عدداً من أفراد "القاعدة" الذين هربوا من أفغانستان دخلوا بصورة سرية إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة مجموعة "أنصار الاسلام" وأن عملاء الاستخبارات العراقية يتعاونون في تقديم مساعدات لإجراء تجارب على أسلحة كيماوية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. لكن الشيخ صديق ينكر هذا الأمر ويقول: "إن حجمهم ونفوذهم ليس بالحجم الذي يضخمه الإعلام الخارجي. إنهم جزء من الحركة الإسلامية، بمعنى قوة من 21 فصيلاً تابعاً للحركة الإسلامية. وحين كانوا تحت لوائنا تسلحوا جيداً. أما بالنسبة إلى الأنصار فعندهم أسلحة من بنادق ورشاشات أما الأسلحة المتطورة فهي غير موجودة ولا نصدق أن لديهم أسلحة متطورة".

"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يخوض مواجهة شرسة مع "الانصار" يؤكد صحة المزاعم الأميركية بحدوث تجارب كيماوية في منطقة "الأنصار". وإذا كان من الصعب التحقق من هذا الأمر مباشرة إلا ان المسؤولين الأكراد يؤكدونه. وعن هذه التجارب يقول برهان سعيد سيوفي وهو مسؤول عسكري في الاتحاد الوطني: "لدينا بعض المستمسكات على وجود تجارب كيماوية وقد حصلنا على بعض نماذج هذه التجارب وهي ما زالت قيد الدراسة الآن إلا أننا نتصور أنها مواد غير فعالة بدرجة عالية".

إلا أن رئيس حكومة "الاتحاد الوطني الكردستاني" الدكتور برهم صالح يؤكد هذه المزاعم بقوله: "تمكنا من التحقق من الأمر. وصلتنا معلومات بادئ الأمر من جهات خارجية ومن ثم توصلنا إلى قناعة من مصادرنا أن مثل هذه التجارب حدثت وهناك عملية لتطوير سموم تستخدم من قبل المجموعة".

والواضح ان هناك حملة أميركية مستميتة للربط بين صدام حسين و"القاعدة"، كما يصفها المشككون في صحة المزاعم الأميركية، معتبرين أن اتهامات واشنطن تأتي في سياق حملة جمع المبررات التي يسوقها الرئيس جورج بوش لشن الحرب على العراق. وليس هناك أفضل من إيجاد علاقة بين العراق وابن لادن و"القاعدة" لتبرير هذه الحرب.

في الربيع الماضي زار مسؤولون أميركيون من وزارة الدفاع والاستخبارات شمال العراق للتحقق من العلاقة المزعومة بين "أنصار الاسلام" و"القاعدة" من جهة وبين صدام حسين من جهة أخرى. وقد سربت الـ"سي اي ايه" أنه كانت هناك خطة لشن عملية عسكرية سرية في شمال العراق لتدمير معمل لإنتاج الأسلحة الكيماوية تابع لتنظيمي "أنصار الاسلام" و"القاعدة" إلا أن الرئيس بوش ألغى العملية.

يسخر الشيخ صديق من هذه المعلومات معتبراً أن الغرب يستميت في خلق مبررات، ومنها تكبير حجم هذه الجماعة، "إنهم ليسوا بالحجم الذي يدفع أميركا لأن تتهيأ لقصفهم، فهم جماعة صغيرة وهم في صراع اليوم مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" لكنهم قد يتصالحون غداً. إنهم ليسوا بأسامة بن لادن، وهنا ليست أفغانستان حتى تضربنا أميركا. هؤلاء لا يوجد بينهم عناصر من "القاعدة" ولا أعتقد بأن بينهم ارتباط. إنهم من أبناء جلدتنا من أبناء الشعب الكردي وبينهم أفراد من العرب فروا من بغداد والموصل وأماكن أخرى والتحقوا بهم، لكن لا أعتقد بوجود للقاعدة".

ويتهم بعضهم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تواجه قواته جماعة "أنصار الاسلام" بأنه يبالغ في تكبير حجم هذه المجموعة ويحاول استغلالها في الحملة ضد النظام العراقي، فلدى الأكراد مصلحة واضحة في الاصطفاف إلى جانب أميركا في الحرب ضد الإرهاب. لكن بالنسبة إلى رئيس وزراء الاتحاد برهم صالح فإن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى ذريعة كي تضرب العراق، "مع الأسف النظام العراقي يتمادى في سياسته اللاعقلانية ويقدم ذرائع للمجتمع الدولي للتدخل في الوضع العراقي. الارهاب ظاهرة عالمية تستوجب تعاوناً دولياً ووجود عناصر تابعة لتنظيم "القاعدة" في كردستان لا يهدد كرستان فحسب بل يهدد الأمن في المنطقة".

وكان صالح تعرض في الربيع الماضي لمحاولة اغتيال أدت إلى مقتل مرافقيه ونجاته بأعجوبة من العملية التي استهدفته أمام منزله في مدينة السليمانية. واتهم الاتحاد "أنصار الاسلام" بتدبير العملية.

وباستثناء الاغتيالات والتعرض للحريات الشخصية، بدأ نمط غير مألوف هنا على الأقل في نوع المواجهة بين الطرفين: العمليات الانتحارية.

ديدار الذي لم يتجاوز العشرين من عمره كان على وشك أن يفجر نفسه أمام أحد مراكز الاتحاد، لكن تم توقيفه قبل أن ينفذ العملية. كان من الذين أثارت هجمات نيويورك وواشنطن حماسه لأنها برأيه أدت الى اهتزاز الولايات المتحدة. وقد أرسله "أنصار الاسلام"، كما يقول، لتنفيذ عمليته الانتحارية بمتفجرات تقدر زنتها بخمسة كيلوغرامات من مادة "تي ان تي" كان على وشك أن يفجرها خلال اقتحامه أحد المراكز الأمنية التابعة للاتحاد قبل أن يعتقل.

يروي ديدار كيف تأثر بآراء بعض العرب الداعمين لجماعة الأنصار. يقول: "قبل سنة بدأ هؤلاء العرب بالتوافد بعد تأسيس "أنصار الاسلام" مباشرة وبعد الأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة. تأثر الناس في قريتي بهم و بدأ الحديث بأن "العرب الأفغان" قادمون الى المنطقة وطغى الحديث عن الجهاد في سبيل الله. كانوا يقولون لنا اننا سنصبح شهداء ونذهب إلى الجنة. أكثر الملتحقين بهم هم من الشباب أمثالي الذين يريدون تشكيل أحزاب إسلامية تحتكم للقرآن وتساهم في انبعاث الاسلام من جديد".

لم يكن بإمكان ديدار الاختلاط بالأفغان العرب أو السؤال عنهم، على حد ما يروي. "لم نكن نستطيع أن نسأل من هم أو من أين أتوا. كنا نراهم، أي العرب الأفغان، في مناطق "الأنصار" وكانوا في "كتيبة الأقصى" ولم يكن هناك اختلاط بيننا وبينهم. كان بإمكاننا رؤيتهم لكن من دون أن نستطلع الكثير عنهم".

وبانتظار الضربة الأميركية المحتملة ضد العراق لا يستبعد مسؤولون أكراد أن تستهدف القوات الأميركية مناطق تجمع "أنصار الاسلام" في منطقة بيارة. ويؤكدون أن إيران حذرت "الأنصار" وطلبت منهم الابتعاد مسافة ثلاثة أميال عن الحدود لإبعاد أي عملية أميركية متوقعة ضدهم عن الحدود الإيرانية.

يقول صالح: "في تقديرنا ان "أنصار الاسلام" مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بـ"القاعدة" ويهدفون الى زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة. إنهم يشكلون خطراً أمنيا على رغم انهم مجموعة صغيرة، لذلك لا يمكن التهاون معهم".

في منزله الصغير في حلبجة، يعيش فيروز وعائلته قلقاً مضاعفاً نتيجة النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية وتحديداً "أنصار الاسلام"، "نحن خائفون من "أنصار الاسلام"، فهم لا يدعوننا نشعر بالراحة. دائما نشعر بالخوف من أن تطالنا أيديهم. لقد رأيت كثيرين من العرب بين "الأنصار". كانوا يتحدثون العربية، ورأيت أيضاً أفغاناً بينهم لأنني رأيتهم مرات عدة وهم يرتدون لباساً مختلفاً عنا. كانوا يرتدون القمصان والسراويل والعمامات ويتحدثون لغة لا هي بالكردية ولا هي بالعربية".

أما ابنة فيروز هوميلا فتشعر أنهم أكراد محاصرون بأكثر من جبهة "كما نريد أن نحصل على مساعدة لنتخلص من صدام حسين كذلك نريد أن نتخلص من "انصار الإسلام"، لقد هاجموا مزارات الأولياء والشيوخ وينتهكون حقوقنا حتى البسيطة منها".

إن فرصة الحياة الوحيدة المتاحة لهذه العائلة تبدو عالقة بين طرفي كماشة، طرفاها صدام حسين ومتطرفو "أنصار الاسلام" من جهة والوعود الأميركية من جهة أخرى. وهي تتذكر بتأثر كيف كانت الحياة سابقاً، "كنا مرتاحين في منزلنا الأصلي، فقد كان عندنا بيت نظيف ومنطقة جميلة، أما الآن فنحن نعيش في وضع صعب وكل يوم نعيش مرحلة انتظار طويلة، نحن بانتظار الغد وبانتظار ما سيحدث الاسبوع المقبل أو الشهر الذي يليه، نتطلع إلى أن يتحسن وضعنا لكننا نكاد نفقد الأمل. هناك كلام عن تدخل أميركي لكن الحرب تتأخر من يوم الى يوم ومن ساعة إلى أخرى ونحن نعيش أسرى القلق مما سيحدث".

أما والدها فيروز فيرى أن عمره بات وراءه وأن قلقه الفعلي هو على أبنائه الذين لم يتجاوز عمر أصغرهم الثلاثة أعوام، "أنا أشعر بالخوف على مستقبل أبنائي لأنني أنا شخصياً في سن متقدم نسبياً ولن أعيش أكثر من سنوات قليلة أخرى. لا أشعر بالخوف على حياتي الشخصية بل على مستقبل أولادي وعلى ابني المعوق بعدما فقد ساقه وكذلك مستقبله. أنا خائف على هؤلاء الأطفال من أن ينتقم منهم صدام بطريقة أو بأخرى. لا أريدهم أن يعيشوا مأساة جديدة. أنا شخصياً لم اعرف الراحة أو السعادة في حياتي ولم أعد أتوقع ذلك لكنني أريد السعادة لأولادي"

الشيخ صديق.

كاظم حسين ضابط الاستخبارات العراقي.