أسس التحالف في الانتخابات المقبلة

ضياء الشكرجي


موعد الانتخابات أصبح قريبا، والعراق سيكون دائرة انتخابية واحدة. والتحالفات والائتلافات السياسية سنة جارية في واقع التعددية، وممارسة مألوفة في التجارب الديمقراطية في إطار الحكم أو في إطار المعارضة البرلمانية. ومن الطبيعي أن تكون التحالفات ضرورة بدرجة أكبر في حالة كحالة العراق، الذي ستجري فيه الانتخابات على ضوء اعتباره دائرة انتخابية واحدة. وهذا يعني أن أهل كل منطقة من مناطق العراق سيصوتون لممثلي سائر المناطق الأخرى. ومن هنا سنجد أمامنا مجموعة قوائم انتخابية، جرى تشكيلها على أساس توافقي تفاوضي بين الأطراف المدرجة في تلك القائمة. وإذا كنا قد قبلنا بهذه الصيغة لتشكيل الجمعية الوطنية للفترة الثانية من المرحلة الانتقالية التي تبدأ بانتخابات كانون الثاني 2005 وتنتهي بانتخابات كانون الأول من نفس السنة أو كانون الثاني من السنة التالية، فهذا لا يعني وجوب القبول بها كحالة دائمة، بل لا بد للدستور الدائم أو لقانون الانتخابات التالي الذي سينبثق عن الدستور الدائم أن يدرس بشكل مستفيض ومفصل النظام الانتخابي الأنسب للعراق، بحيث لا ينتقص هذا النظام من ديمقراطية العملية الانتخابية.

ولكن حديثنا في هذه المقالة يدور فقط حول التحالفات. فلا بد من أن تكون هناك ثمة أسس ومعايير لكل طرف سياسي يقيم على ضوئها تحالفاته مع الأطراف الأخرى. ومن الخطأ أن يوزَن بمعيار واحد من أجل اتخاذ قرار التحالف أو عدمه. فالإيديولوجية السياسية مثلا لا تمثل وحدها المعيار الوحيد، بحيث لا يتحالف الإسلامي إلا مع الإسلامي، ولا اليساري ولا الليبرالي ولا غيرهما إلا مع أقرانهم. نعم هذا يمثل معيارا وأساسا مهما بالتأكيد، وقد يتخذ في حالات موقع الأولوية، أو يتراجع قليلا أو كثيرا في سلم الأولويات إلى موقع متأخر نسبيا، وذلك على ضوء المحصلة لكل المعايير التي توضع في ميزان قرار التحالف أو عدمه. بالنسبة لنا كطرف سياسي له أسسه وثوابته وتاريخه وتجربته وعمله المشترك مع بقية القوى ونظرته للواقع واستشرافاته للمستقبل، له بالتأكيد مجموعة أسس ومعايير. أحاول هنا أن أثبت أهم تلك الأسس التي تمثل رؤيتي الشخصية لما يجب أن تكون عليه أسس حزب الدعوة الإسلامية. ويمكن تصور هذه الأسس كالمواد الدراسية، وما يحصل عليه الطالب في كل منها من درجة، تنتج محصلة تسمى بدرجة المعدل النهائي. مع الفارق في أن درجات هذه الأسس قد تكون متفاوتة، فلا ينبغي أن تكون كلها من مئة مثلا، بل قد تتفاوت فيما بينها في ثقلها وأهميتها. وبالتالي، سينظر حزب كحزب الدعوة في مثالنا إلى كم ونوع الأسس التي يجدها عند هذا الطرف أو ذاك ودرجة كل منها.

يمكن أن نتصور أسسنا التي نبني عليها تحالفاتنا بما يلي:

معيار الإسلام: درجة إسلامية التوجه، أو القرب من الإسلام، أو مدى الاستعداد على احترام الثوابت الإسلامية، ومدى الابتعاد عن الحساسية تجاه الإسلام، أو تجاه الإسلاميين، وعدم وجود تحالفات مع خصوم الإسلام.

معيار الوطنية: مدى تغليب المصلحة الوطنية على غيرها من مصالح ضيقة فئوية أو شخصية، أو مصالح أطراف أخرى داخلية أو خارجية يرتبط بها الطرف المعني.

معيار العقلانية والاعتدال: مدى تجسيد العقلانية والموضوعية والاعتدال في الفكر والأداء، والابتعاد عن كل ألوان العنف والتطرف، أو القرب من الأطراف التي تتبنى الإرهاب أو العنف أو التطرف.

المعيار الأخلاقي: مدى الصدق والشفافية في التعامل، والابتعاد عن المراوغة السياسية وانعدام الشفافية.

معيار إنصاف الغالبية المظلومة: مدى الالتقاء مع مصالح الغالبية الشيعية، وتبني مراعاة حقوق ومصالح هذه الشريحة التي نالها القسط الأكبر من ظلم النظام السابق، ومدى الاستعداد للانتصار لهذه الحقوق، أو لا أقل درجة ضمان عدم الإضرار أو التفريط بها.

معيار اللاطائفية: مدى الابتعاد عن المنهج الطائفي، وعد القرب والتنسيق مع الأطراف التي تعمل مجددا على إقصاء أو تهميش طائفة وتغليب هيمنة أخرى، وكذلك الابتعاد عن الطائفية بالاتجاه الآخر كرد فعل. معيار اللاعنصرية: مدى الابتعاد عن العنصرية والتعصب القومي، لا سيما إذا انعكس سلبا على طيف آخر من أطياف الشعب العراق، كبيرا كان أو صغيرا، سواء في مناطق تواجدنا أو غيرها.

معيار الديمقراطية: درجة الانسجام مع التوجه الديمقراطي والتمسك بأسس الديمقراطية.

المعيار الحزبي: طبيعة الموقف والتعاطي مع حزب الدعوة الإسلامية، والابتعاد عن التحسس منه أو الكيد والإساءة له، وعدم وجود تحالف مع خصوم لحزب الدعوة الإسلامية.

معيار اللابعثية: عدم وجود تحالفات مع البعثيين ورموز النظام السابق، ودرجة جدية تبني عدم السماح للبعثيين بتبوؤ مواقع حساسة في الدولة والمؤسسات العسكرية والأمنية والمخابراتية والتربوية، وألا تكون هناك علاقة بالنظام السابق على أي نحو من الأنحاء.

معيار الاستقلالية: مدى الاستقلالية عن قوى وأطراف خارجية إقليمية أو دولية.

المعيار الشعبي: درجة قوة وشعبية وامتداد وإمكانات الطرف المتحالـَف معه ودرجة قدرته على التأثير إيجابا أو سلبا على الساحة السياسية وفي الوسط الشعبي.

معيار المصلحة: مدى تشخيص وجود أي مصلحة إسلامية أو وطنية مهمة في التعاون والتنسيق مع ذلك الطرف ما عدا ما ذكر.

ومن الطبيعي أننا قد لا نجد دائما من يلتقي معنا في كل ما ذكر، وكما إن لطبيعة الظرف الذي نمر به أثرا أساسيا في صنع قرار التحالف، هذا الظرف الذي يتوزع إلى عناصر متعددة ومتداخلة ومتفاوتة في الأهمية والتأثير، فمما يحسب في حسابات الظرف العنصر الذاتي للدعوة نفسها كحزب، أي مدى ما يتمتع به الحزب من امتداد جماهيري أو انحسار نسبي لا سمح الله، مقدار ما يواجه من تحديات متنوعة، الإمكانات البشرية كـَمّا (من حزبيين وجماهير موالية) ونوعا (من كوادر ومختصين)، وكذلك الإمكانت المادية، كما يدخل في عامل الظرف العنصر الموضوعي منه أي ما يحيط بنا من ظرف داخلي وخارجي، إقليمي ودولي، وفي الظرف الداخلي تتعدد العناصر من حالة ثقافية واجتماعية وولاءات سياسية، ومدى تأثير كل عنصر من عناصر عامل الظرف الموضوعي الداخلي. ومن حالة إلى حالة ربما تتزاحف عناصر القرب والبعد المذكورة فيتقدم بعضها ويتأخر بعض آخر في مدى الترجيح والأهمية والوزن.

وبناءً على تعدد معايير وأسس القرب والبعد والتحالفات والائتلافات، قد يقترب البعيد من جهة ربما تكون في رأس قائمة الأولويات لتعدد جهات القرب الأخرى وثقلها، وكما قد يبتعد القريب من جهة ربما تكون في رأس قائمة الأولويات لتعدد جهات البعد الأخرى وثقلها. فلعل الحزب الإسلامي الذي تتبوأ إسلاميته رأس هرم الأولويات عنده يجد من غير الإسلاميين ممن هم لا يحسبون بالضرورة خصوما للإسلام أو قل للتيار السياسي الإسلامي، عندما ترجح عندهم عناصر العقلانية والاعتدال، والشفافية، وتغليب المصلحة الوطنية، والانتصار لحقوق الأكثرية التي هضمت لعقود طويلة، والوقوف بوجه مؤامرات مصادرتها أو تهميشها ثانية، والاستقلالية، وعدم التحسس من الدعوة، أو محاولة الكيد لها لإضعافها وتهميشها؛ عندما ترجح عندهم كل أو جل هذه العناصر أكثر مما يجده الحزب في طرف إسلامي يفترض أن يكون الأقرب إليه لإسلاميته، يكون التحالف راجحا مع من هو أبعد من جهة صفة الإسلامية مثلا على من هو أقرب في ذلك. وهكذا إذا أخذنا أي عنصر من العناصر المذكورة، نجد تارة الكم يلعب دورا في دفع الأهم نوعا إلى موقع متأخر، أو قد يلعب النوع هذا الدور في تغيير مواقع القرب والبعد، فيدفع النوع المهم الكم الذي هو دونه أهمية إلى الخلف.

ثم قد نجد ما يضطرنا إلى تحالف قد لا يقوم على معظم ما ذكر من معايير، عندما يكون الأمر الواقع مصنوعا من عدة عوامل داخلية أو خارجية، ومفروضا بشكل يجعله غير قابل للتجاوز، فيكون الغياب عن تحالف كهذا غير مبني على أسس صحيحة، أشد ضررا من الغياب عنه. ولكن الأصل هو تحكيم الأسس المذكورة بمجموعها أو بمعظمها وبحسب الأهميات والتحولات والظروف، والأصل أن نكون من صناع الأمر الواقع، وليس من المتعاملين معه بالقبول اضطرارا، والمهم أن يصار إلى دراسة مستفيضة، وموازنة بالقسطاس المستقيم والمعايير الدقيقة، مع دراسة المردودات والانعكاسات المستقبلية على ضوء تجاربنا وتجارب الأمم، تجارب الحاضر وتجارب التاريخ.

ولن ينزل الله علينا وحيا يحمل ميزانه سبحانه وتعالى المعصوم عن الخطأ لنزن به، بل ستتفاوت الرؤى وتختلف التقديرات وقد نصيب ونخطئ، ولكن أعاذنا من خطأ يكون ثمنه غاليا، لا علينا كحزب بل على الشعب العراقي، على الإسلام، على شيعة العراق، على المشروع الديمقراطي، على مستقبل العراق، وعلى حقوق كل الأقليات والأكثريات وحرياتهم المشروعة، سواء الدينية أو الفكرية أو الثقافية أو السياسية أو غيرها.