تعزيز الروح الدينية عند الأطفال

د. محمد رضا فضل الله





إن الدين الإسلامي هو وحي الله تعالى إلى الناس، وهو يشمل تعاليم (أوامر ونواهي) تهدف إلى تهذيب السلوك، وتنظيم العلاقات، ورسم السياسات التي تتعلق بالحكم والاقتصاد والأمن والاجتماع... لتحقيق دولة العدل في الحياة، العدل الذي كان شعار رسالات الأنبياء عبر التاريخ: {إنا أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}.

وفي إطار التربية الدينية لمختلف المراحل العمرية، فإن تعزيزها في نفوس أطفالنا وفتياننا وفتياتنا يتطلب أساليب ووسائل مميزة بتنوعها وتسلسلها وتشويقها، كي تجعلهم يقبلون عليها برغبة، ويلتزمون بقواعدها وضوابطها بقناعة، لأن التعاليم الدينية تمثل بالنسبة للأطفال خاصة، قيوداً قد لا يألفونها في حركتهم، وهذا ما يفرض نشاطات خاصة تجعلهم يتقبلون هذه القيود حتى ولو على حساب رغباتهم...

من الأساليب والوسائل والنشاطات التي تساهم في بناء وتعزيز الروح الإيمانية في نفوس أطفالنا:

1 سمات المعلم الشخصية:

إن شخصية المعلم المربي بهيبتها وسلوكها وحكمتها ومرونتها، لها الأثر الكبير في إثارة اهتمام الأولاد بالموضوعات التي يطرحها، فمحبته لهم واهتمامه بشؤونهم، واستجابته لحاجاتهم، واحترامه لرغباتهم، وتوفيره للأجواء التي تحفزهم وتشجعهم... تجعلهم يتعلقون بشخصه، ويجتهدون في إرضائه من خلال الامتثال لرغباته وطلباته، وهذا يمثل الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل.

وحتى يحوز المعلم هذه المكانة في نفوس طلابه عليه:

أ ـ أن يحيط درس الدين بهالة من التقدير والاجلال والجدية وذلك من خلال:

التحضير الجيد الذي يثير الاحترام والثقة.

الأسلوب المشوق الذي يثير الحماس وينفي الملل.

ب ـ أن يعرف كيف يدخل إلى قلوب طلابه ليثير الجوانب الوجدانية والفطرية من خلال التركيز على عظمة الله تعالى وحبه ورحمته ورعايته لعباده.

أن يكون القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله، اقتداءً برسول الله الذي كان يتلو القران ويترجم معانيه في مظاهر سلوكية حيث "كان خلقه القران".

2 إشاعة المناخ الديني:

أن يعيش الولد الأجواء الدينية المحسوسة والمحببة، التي تجعله يألف مضمونها برغبة وتلقائية، ويكون ذلك على سبيل المثال:

في اللغة الدينية المتداولة:(بسم الله، الحمد لله، الشكر لله...)، التي يجب أن يعيشها في كل مفردات حياته، حتى تصبح جزءاً من لغته.

في اللوحات الدينية (آيات، أحاديث، حكم، صور....) التي يصادفها في الملاعب والممرات وجدران الصفوف وغرف النشاطات.

في الزيارات والاحتفالات والنشاطات (زيارة أماكن العبادة).

في سماع الأدعية القصيرة والأناشيد الموحية والقصص الهادفة...

3 الاحتفال بالمناسبات الدينية:

تشكل المناسبات فرص ثمينة لتنمية الروح الدينية، وإثارة المشاعر الفطرية، وإيقاظ العاطفة الإيمانية... وهذا يتطلب من المربي رصد الأعياد الإسلامية ومواليد ووفيات الأنبياء والأئمة ليعمل على خلق أجواء روحية، يعيش من خلالها الطالب مفاهيم وقيم المناسبات، ليرتبط بالنماذج الرسالية التي جسدتها إيماناً وسلوكاً وجهاداً، وهنا على المربي الحرص على أن يشارك الطالب بوضع معالم الزينة أو مظاهر الحزن، من خلال تزيين الصف أو توزيع الحلوى أو تخطيط الشعارات أو تجهيز اللوحات بالمقالات والايات والحكم.

4 الجلسات الهادفة:

وهي الجلسات التي تُطرح فيها الموضوعات الدينية التي تلامس حياته وتثير اهتمامه، وتتصل بعالمه، وتناسب مستواه الذهني، وهنا يفترض بالمعلم أخذ الاحتياطات التالية:

البعد ـ ما أمكن ـ عن أسلوب الوعظ والإرشاد والتلقين وحشو الذهن بالمعارف المكثفة، الأسلوب الذي يوحي بالفرض والفوقية.

اعتماد القصص المشوقة والهادفة التي لها وقع السحر في نفوس الأولاد والتي لا يملكون أن يقفوا موقفاً سلبياً من أشخاصها ووقائعها.

التركيز على الأمثلة والشواهد المنتزعة من واقع الأولاد، بحيث يشعرون أن الدين يتحدث عن حياتهم بكل شؤونها وشجونها.

عدم الإطالة في طرح الموضوعات، مع إعطاء فترة مهمة للسؤال والحوار والاستماع بلهفة إلى كل أسئلة الأولاد واستفساراتهم.

التركيز على الحديث عن الثواب أكثر من العقاب.

5 نشاطات وحوافز:

تستهدف هذه الآلية إشعار الطالب بالفائدة المادية والمعنوية، وخصوصاً تلك النشاطات التي تثير فيه الفرح والمتعة (صلاة جماعة وجمعة، إفطار جماعي، إحياء ليلة القدر، مباريات جوائز، مسرحيات، أفلام، رسوم، رياضة، حفظ وترتيل وتجويد القران، أناشيد، مجلة حائط، حفلة خطابية...)، على أن نأخذ بعين الاعتبار قدرة الطالب على الاستماع والحضور.

6 ربط المفهوم بالواقع:

التلميذ فرد من أفراد المجتمع، يتفاعل وينفعل بكل ما يجري فيه، حتى يشعر بالدور الإيجابي الذي يلعبه الدين في إغناء مجتمعه بالخبرات، وتوفير كل ما يساهم في أمنه وسلامته. من هنا على المعلم الاهتمام بتوضيح أحكام الدين بأمثلة حيّة مما هو واقع في محيطه، كي يدرك أن تعاليم الدين تواكب التطور، وتعالج مشاكل العصر بروح منفتحة ومعاصرة.

والواقع الاجتماعي غني بالشواهد التي تبحث قضايا العدل والظلم والغنى والفقر والمرأة والرجل والعلم والجهل والنظافة والتلوث.


موقع بينّات