رسالة مفتوحة إلى مسؤول الادارة المدنية لقوات الاحتلال في العراق

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم



تناقلت الانباء تصريحات لمسؤول الادارة المدنية لقوات الاحتلال (بول بريمر) يقول فيها انه سيستعمل حق النقض ضد اقرار الاسلام كمصدر اساسي للتشريع في الدستور العراقي المؤقت او الدائمي.

وتصريحه هذا يذكرني بالحديث الشريف (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه حتى لا يوردها موارد الهلكة) فيبدو انه لم يعرف حدود اللياقة في الحديث فاقحم نفسه في ما ليس له حق فيه وقد بين الحديث الشريف عاقبة من يفعل ذلك، لذا الفت نظره إلى عدة نقاط:

1- انه من اعطاه حق النقض حتى يتحدث عن استعماله وان القوانين الدولية تحدد صلاحيات المحتل ومسؤولياته وليس منها هذا التدخل السافر في خصوصيات اهل البلد المحتل التي يقررونها بانفسهم كما هو شأن كل الشعوب والامم.

2- ان مثل هذه الكلمات تكشف عن نواياهم الحقيقية من حربهم على العراق واحتلاله وتزيّف ادعاءاتهم بانهم جاءوا للتحرير فمن جهة يقولون ان الدستور يجب ان تكتبه ايدي عراقية لانه شأن عراقي ومن جهة اخرى يتحدث عن معارضته لتدوين فقرات تعبر عن ارادة الشعب واختياره وهذا يعني ان احد اهدافهم هو تغيير ثقافة هذا الشعب وطريقة حياته ونمط سلوكه وشكل النظام الذي يحكمه وهذا ما يأباه الشعب العراقي الابي الغيور الملتزم.

3- ان من حق كل شعب ان يثبّت في دستوره معالم حضارته وثقافته وتاريخه وتوجهاته في الحاضر والمستقبل وتجد ذلك واضحاً في دساتير كل الامم فانها ترسخ كل تلك القيم والمبادئ والمعالم والاسلام هو منبع ثقافة هذه الامة واساس حضارتها والصورة المشرقة لتاريخها فلماذا تمنع هذه الامة دون غيرها من الامم من ممارسة هذا الحق المشروع ؟ ‍‍‍‍‍‍‍عجباً عجباً.

4- ان الذي يخيف بريمر والغرب ليس كل الاسلام فانهم يعلمون ان هذه الشريعة الالهية هي نظام حضاري للحياة وفيه مقومات التجدد والابداع والتكيّف ومواكبة المستجدات والانسجام مع تطورات الحياة ونموها وهو يلتقي مع المبادئ الانسانية التي يتفق جميع البشر على أحقيّتها بل اليه ترجع ومنه تصدر فهو يحترم حرية المعتقد (لا اكراه في الدين) ولا يطلب من الآخرين الا الاستماع اليه ثم هم احرار في الاقتناع وعدمه وهو يكفل لهم امنهم على كلا التقديرين (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه) وهو منفتح على الحوار مع الآخرين (قل يا اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) ويقيم الحق (وزنوا بالقسطاس المستقيم) ويدعوا إلى المساواة (اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر وانثى) ويحكم بالعدل والانصاف (ان الله يأمر بالعدل والاحسان) ويرفض الظلم (ولا تبخسوا الناس اشياءهم) وغيرها كثير فماذا يريدون افضل من هذه المبادئ لتسود النظام الانساني، نعم، هم يخافون من شيئين رئيسيين في الاسلام وهما نظام الحكم فيه المبتني على ولاية الفقيه، وقانون العقوبات وهذا ناشئ من عدم فهمهم العميق للاسلام فان نظام العقوبات لا يكون ناجحاً وفعالاً الا اذا كانت الجوانب الاخرى للنظام الاسلامي مطبقة فالاقتصاد اسلامي والمجتمع اسلامي والقضاء اسلامي ونمط السلوك والبيئة الاجتماعية اسلامية فلا تقطع يد السارق اذا دفعه إلى ذلك الحرمان والعوز وسوء توزيع الثروة وعدم وجود فرصة العمل اما اذا كان وضعه الاقتصادي مؤمناً ورزقه مكفولاً ومع ذلك يسرق عناداً او تمرداً فان قطع يده يكون مبرراً ومفهوماً.

5- ان المطلعين على طبيعة الشعب العراقي وتوجهاته وانتمائه العقيدي وتاريخ حركته يعلمون ان هذا الشعب قد يسكت على هضم حقوقه وهدر ثرواته لا ضعفاً وجبناً وانما انتظاراً وتربصاً لكنه لا يسكت اذا مس عقيدته ودينه شيء وهو لم يرفض نظام صدام ويقف في وجهه متحملاً بطشه وقسوته ووحشيته الدموية الا لانه حارب شعائر الاسلام وهتك حرماته وقتل علمائه ومنع هذا المجتمع المؤمن من التعبير عما تقتضيه عقيدته لذا من المحتمل ان ينتفض الشعب ويرفض الظلم والاستبداد ومصادرة الحريات من دون الرجوع إلى احد او استئذانه حتى المرجعية الدينية باعتبار انه تعلم ذلك من القرآن الكريم ومن سيرة اهل بيت النبي 2 قال تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار) (والفتنة اكبر من القتل) والفتنة هي الابعاد عن الدين بالاكراه او بالتضليل او الافساد كما فعلت الجماهير في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 ولم تستأذن احداً من مراجع الدين فيها.

ويبدو ان المدة التي قضاها بريمر في العراق والمعلومات التي حصل عليها غير كافية لمعرفة هذه الحقائق والالتفات اليها، بل انه اساء حتى في اختيار الزمن إذ الامة مقبلة على شهر محرم الحرام الذي تفور فيه شرايين الامة بدماء التضحية والفداء وتمتلئ القلوب بحب الشهادة في سبيل الله تعالى متأسين بابي الاحرار الحسين بن علي H الذي جاد بكل شيء في سبيل الله وللفوز بكرامته ولم يترك عذراً لكل احرار العالم في السكوت على الظلم والقهر والحرمان والاعتداء على الاسلام العظيم.

لذا احببت تسجيل عدد من الحقائق في هذه الرسالة المفتوحة اعذاراً وابراءاً للذمة امام الله تعالى (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم).



محمد اليعقوبي

28 ذ.ح 1424