صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 31
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي الرد على مقدمة الحق المبين للشيخ الكوراني وما ورد فيها من اتهامات للسيد الشهيد الصدر

    الرد على مقدمة الحق المبين للشيخ الكوراني وما ورد فيها من اتهامات للسيد الشهيد الصدر (رض)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    جاءت المقدمة بشكلها العام ليس لشيء سوى ما ابتدعه سماحة الشيخ وما أسماه الاتجاه الشيعي الالتقاطي تحت الفقرة الخامسة من تقسيمه للاتجاهات في فهم النبي وأهل البيت عليهم السلام, شارعاً هجومه من خلال الكلمات الاولى التي عرف بها هذا النوع من التشيع قائلا : ( وهو الإتجاه المتأثر بأفكار السنيين وأحياناً بأفكار الغربيين ) .. والحقيقة أن كل ما يريده الشيخ من المقدمة بل ومن الكتاب أصلاً هو هذا الابداع الجديد في ابتداع مذهب شيعي التقاطي ليس الا , وهذا ليس تقولاً على الكاتب انما يصرح بنفسه مباشرة بعد تعريفه لهذا الاتجاه مبرراً سبب التوسع في البحث حوله ( وقد توسعنا فيه لأنه يتصل بموضوعنا مباشرة ) فالموضوع اذاً هو هذا الاتجاه الالتقاطي - كما أسماه - المتأثر بأفكار السنيين وأفكار الغربيين !!. والسؤال هنا أين هي الأفكار السنية والغربية عند هذا الاتجاه ؟ أليس الأحرى بالشيخ أن يعطي الأدلة على مزاعمه ؟! فهذه مزاعم تحتاج الى دليل لاثباتها ..
    نعم ذكر الشيخ بعض ذلك منها اقتباس من كلام للسيد الشهيد من كتاب بحث حول الولاية وسنأتي عليه .. ثم ذكر رؤية السيد الشهيد التحليلية حول دور الأئمة في كتابه "أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف" إضافة الى تناوله تفسير السيد الشهيد لآية قرآنية واحدة طابق تفسيره تفسير سيد قطب رحمه الله وبالتالي تكون أصابع الكاتب موجهة بشكل واضح لا يقبل النقاش الى السيد الشهيد بالدرجة الأولى ليعطي للقارئ فكرة أن الصدر هو رائد هذا الاتجاه المسمى بالتشيع الالتقاطي بالرغم من أنه حاول أن يشخص ويجيب على السؤال المقدر : من هم أصحاب هذا الاتجاه ؟ قائلا : ( وأصحاب هذا الإتجاه ليسوا فرقة متميزة عن الشيعة ، بل هم أفرادٌ أو كتلة في أوساطهم ، ويظهر اتجاههم من أقوالهم وبعض كتاباتهم ) .. لكنه لم يعطينا أقوالهم ولا بعض كتاباتهم الا ما ذكرته من الأمثلة أعلاه وبالتالي فالسيد الشهيد الصدر أول صدر تتوجه إليه السهام بعد أكثر من عقدين من الزمن مضت على سهام البعثيين التي اغتالت جسده الطاهر ولم تستطع اغتيال فكره النير! .
    ثم يشرع بشرح أبرز معالم الاتجاه الالتقاطي فــ : ( الأول ، أن أصحابه ينكرون عدداً من فضائل الأئمة ومقاماتهم عليهم السلام ، مثل أن الله خلق نورهم قبل خلق العالم ، وأنهم وسائط عطاء الله تعالى وفيضه ، وأن لهم ولاية تكوينية على العالم.. الخ. ويحرصون على تقديم شخصياتهم عليهم السلام بعيدةً عن عناصر الغيب التي فيها ، كأنهم مجرد أئمة مذهبٍ من المذاهب! بينما هم عليهم السلام أئمةٌ ربانيون معينون من الله تعالى ، وعلمهم منه سبحانه ، فهم ورثة الكتاب والعلم الإلهي ، وعندهم مواريث الأنبياء عليهم السلام ، وهم ملهمون من الله تعالى ، فلا يقاس بهم أحد ، ولا تقاس شخصياتهم بغيرهم ، ولا مذهبهم ببقية مذاهب الدول التي اضطهدتهم وأقامت مقابلهم علماء أسسوا لها هذه المذاهب ، وجمعوا أصولها وفروعها خليطاً من مصادر الإسلام ، ومقولات أهل الكتاب ، وظنون مؤسسيها !) انتهى
    الشيخ مطالب أولا بإثبات هذه الدعوى وقد قال بنفسه إن اتجاههم يظهر من أقوالهم وكتاباتهم ! فأين الدليل ؟ أما التخرصات والظنون والهواجس النفسية والتفسيرات القائمة على المواقف الشخصية فهو أمر يناسب مقام بعض منتديات الانترنت ! أين ومتى أنكر السيد الشهيد فضائل أهل البيت ؟ من هو الذي أنكر أن الائمة وسائط عطاء الله وفيضه وأين ؟! الخ .. ولو أخذنا مفردة واحدة مما أثاره الكاتب في هذا المّعْلم الأول لوجدنا انهم ( ينكرون أن لأهل البيت ولاية تكوينية على العالم .. ) ولا أدري كيف زج الشيخ هذه النقطة المختلف فيها بين علماء الشيعة قديما وحديثا ليضعها مفردة من معالم الاتجاه الشيعي الإلتقاطي ؟! وهو يعلم قبل غيره أن الولاية التكوينية مفادها ونتيجتها أن الأئمة يتحكمون بالكون والعالم بما شاءوا وكيفما شاءوا وبالتالي فهو القول بالتفويض شئنا أم أبينا كما يرى ذلك علماء لهم باع في الحوزة العلمية ولا زالوا وهم من القائلين بالولاية التشريعية لا التكوينية للأئمة عليهم السلام .. لو فرضنا أن الشيخ يُقلد - ولا تقليد في هذا - من يقول بالولاية التكوينية كيف يجيز لنفسه أن يكون قيما ووليا (تكوينياً) على التشيع ليسمي من لا يقول بها اتجاهاً التقاطياً في التشيع ؟! ثم أليس من حقنا أن نلزم الكاتب بما ألزم به نفسه وقرر أن هذا الاتجاه متأثر بالأفكار السنية والغربية , نلزمه ونقول له هات برهانك وأرنا أفكار السنة والغربيين وما فيها حول القول بالولاية التشريعية التي تعتبرها انحرافاً عن التشيع الصحيح ؟! أما بالنسبة للأفكار الغربية فهذا ما يُضحك الثكلى وأما الأفكار السنية فهم لا يؤمنون بالولاية لأهل البيت أصلاً فضلاً من التكوينية أو التشريعية !!
    أما المَعْلم البارز الثاني : ( يدعو أصحاب هذا الإتجاه الشيعة الى تركيز اهتمامهم على الولاية دون البراءة ، وأن يكتفوا بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام دون ذكر مظالمهم والبراءة من أعدائهم وظالميهم ، حتى لا يثيروا بذلك حساسية أتباع المذاهب السنية ، وغيرتهم على أئمتهم وحكامهم الذين ظلموا أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ! وقد يفرط بعضهم في التنازل عن ظلامة أهل البيت عليهم السلام فيعتبر أنها مسألة تاريخية لا يصح أن نهتم بها كثيراً ، لأن الإهتمام بالقضايا العامة أولى منها !) انتهى

    أولاً : هي دعوى كسابقتها تحتاج الى دليل حسي وليس حدسي كما نقرأ ! وثانياً اعتراف بالتركيز على الولاية باعتراف الكاتب وبذكر فضائل أهل البيت بينما في المَعْلم الأول يدعي أنهم ينكرون عدداً من الفضائل , بالوقت الذي لم يقيد في النقطة الثانية بأنهم يذكرون (عدد من ) فضائل أهل البيت بل يطلق ! ولا ندري بأيهما نأخذ بما جاء بالمَعْلم الأول أم بالمَعْلم الثاني من المعالم البارزة ؟! ثم يحاول أن يعزف على وتر تهييج مشاعر العامة من الناس من خلال التبرير المختلق (لا يثيروا بذلك حساسية أتباع المذاهب السنية) .. بالرغم من أن هذا التبرير يُراد منه الاثارة بطريقة صحفية في أزمات سياسية انتخابية الا أنه لا يُثبت أنهم ينكرون البراءة من أعداء أهل البيت وظالميهم بل تماماً بعكس ما يريد الشيخ أن يثبته , فهم - اصحاب الاتجاه الالتقاطي المزعوم - يركزون على الولاية لكنهم لا يعلنون البراءة .. وهذا يعني أنهم يبرؤون من أعداء أهل البيت غاية الأمر أنهم لا يعلنون , هذا ما يقوله الكاتب . والمشكلة هنا هل المقصود من ( دون ذكر البراءة من أعدائهم ) هو الذكر على المنابر وفي الصحف والمؤلفات أم المقصود ذكر الشخص بينه وبين ربه لتلك البراءة وإنها عقيدة يؤمن بها الانسان ويعمل على اساسها ؟ وهل البراءة من اعداء أهل البيت تتحقق بالذكر فقط ولقلقة اللسان كي يصبح الشيعي شيعيا وليس التقاطي ؟! أم أن المقصود من البراءة التي أرادها أهل البيت منا لأعدائهم تتحقق بالايمان الذي يتبعه الفعل والعمل ؟! لا أزيد على أن أقول للكاتب أن عقيدة البراءة التي تكتفي أنت منها بالذكر طبقها من تتهمهم بالالتقاط بالعمل قبل الصراخ ! بذلوا الغالي والنفيس في سبيلها وجادوا بأنفسهم مقارعين أعداء أهل البيت من سلاطين الجور و ( الجود بالنفس أقصى غاية الجود ) والائمة أمروا أتباعهم أن يكونوا لهم دعاة صامتين بغير ألسنتهم .. فلا يمكن وصف ما جاء في هذه النقطة الا مزايدة على السير على نهج أهل البيت عليهم السلام الذي لم يمت منهم واحداً حتف أنفه !
    أما الافراط بالتنازل كما يصفه الكاتب في آخر سطرين من الفقرة الثانية والمسائل التاريخية . هي فعلا مسائل تاريخية ولا يستطيع الكاتب ولا ألف ممن وجد فيهم ضالته أن يثبتوا غير ذلك . فهي تاريخ وعلينا أن نستفيد من التاريخ لصالح الاسلام وخط أهل البيت .. نأخذ منه العبر لحياتنا المعاصرة وقضايانا العامة والهامة ونستوعبه لهذا الغرض لا أن نستغرق فيه من أجل أن نعيش ونعشعش في شرنقة الظلامات ونتباكى ليل نهار دون أن نعمل مثقال ذرة !! فوق هذا وذاك فالكاتب نفسه وقد أفرط كثيراً في مسألة عدم التركيز على ظلامات أهل البيت واتهم من يثيرها على المنابر عملاء الاستعمار كما جاء في كتابه - طريقة حزب الله في العمل – فلاحظ قول الشيخ الكوراني هناك : (العائق الثالث عن تحقيق الوحدة الفروق المذهبية وقد تقدم ما يتعلق بهذا الموضوع في الاساس السادس وغيره , ونذكر هنا نقطتين مناسبتين :
    الاولى : أن الاختلافات المذهبية التي تطرح في عصرنا بين الشيعة والسنة أو بين الزيديين والشوافع أو بين مذهب اسلامي ومذهب , يشتغل فيها بعض المسلمين من أتباع المذاهب . حقيقتها في الغالب انها خلافات سياسية وليست عقيدية حول الامامة والخلافة والفقه .. بدليل بسيط هو أن هؤلاء المشتغلين بها المتحمسين لها حالتهم ليست واحدة في الحماس , فنراهم يتحركون في فترات تطول أو تقصر وعند ما نلاحظ فترات تحركهم وحماسهم وخطبهم وطتبهم وكراريسهم , وفترات سكوتهم وسكونهم , أو تحول بعضهم الى دعاة للوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب .. نجدها منسجمة مع الوضع السياسي الاستعماري وما يريده العدو الكافر من توتير العلاقات أو تهدئتها بين بعض الدول التي يسكنها الشيعة والسنة , أو داخل الدولة الواحدة .. إن هذه الموسمية في الحماس للتشيع وأئمة أهل البيت عليهم السلام وفقههم أو الحماس للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وأئمة المذاهب الاربعة رضي الله عنهم , توجب أن نتساءل عن مناسبتها وهبوبها وسكونها , ومن يستفيد منها , ومن يدفع اليها .. ولا يعني ذلك إن كل المشتغلين بها مرتبطون باعدائنا الكفار وأتباعهم المنافقين , ففيهم أناس صادقون في حماسهم للصحابة وفقه المذاهب السنية وعدائهم للشيعة ومذهبهم , وأناس صادقون في حماسهم لأهل البيت ومذهبهم وشيعتهم وعدائهم للسنة ومذاهبهم .. ولكنهم مدفوعون من حيث لا يشعرون .. نعم هؤلاء الطيبون غير معذورين في أمر واحد هو أنهم يدركون أن بلادنا يحكمها فقه ريغان وميتران وتاتشر وكرباتشوف وبيريز , وفقه جماعتهم المنافقين , وليس فقه السنة أو فقه الشيعة , وأن هذه الاثارات المذهبية والنيل من الشخصيات المقدسة عند هذا المذهب أو ذاك تخدم استخدام سيطرة الاعداء وفقههم , ولا تقربنا شبرا من حكم فقه الامام جعفر الصادق أو فقه المذاهب الأربعة , أو حكم جماعة علي أو جماعة أبي بكر وعمر .
    هذا المعمم الضرير البسيط الذي يُنقل أنه كان يقرأ التعزية على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ع في مسجد بطهران قرب السفارة العثمانية أيام الدولة العثمانية والصفوية , وكان ينال من الخليفة أبي بكر (رض) باعتباره ظلم الزهراء وصادر منها منطقة فدك التي نحلها اياها النبي (ص) وينال من الخليفة عمر (رض) باعتباره دخل دار علي بدون اذن وهدد باحراقه عليهم ان لم يبايع علي (ع) .. هذا المعمم كان صادقا في اعتقاده بمظلومية الزهراء وغضبه على من ظلمها ولكنه كان بذلك يخدم اعداء الزهراء والنبي وأبي بكر وعمر , ويقبض أجرته منهم من حيث لا يشعر .. فعندما تنبه الى ذلك أحد المتدينيين الواعين وسأل الشيخ عن قراءة هذا الموضوع لأيام متتالية أخبره أن صاحب الدكان المجاور نذر قراءة تعزية على الزهراء عليها السلام وذم من ظلمها , وطلب منه أن يقرأ ذلك لمدة خمسة عشر يوما .. ولما
    تتبع هذا المتدين المسألة قال له صاحب الدكان انه ليس هو صاحب النذر وأن رجلا أعطاه ثلاثين روبية وكلفه أن يستأجر قارئا بما شاء ويأخذ الباقي وانه قد اعطى القاريء النصف واخذ هو النصف , ولما تابع الرجل بحثه وصل بعد عدة أشخاص الى صاحب النذر الاصلي الذي هو سفارة صاحب الجلالة ملك بريطانيا ووجد أن مبلغ النذر كان خمسمائة روبية , وأن هدفه أن يسمع موظفوا السفارة العثمانية المساس بالخلفاء عندما يصلون في ذلك المسجد فيخبرون بذلك دولتهم ويصبون النار على الخلاف المذهبي الذي أشعله الاوربيون بين الدولة العثمانية والصفوية حتى وصل الامر الى الحرب بينهما .. بشكل عام فان المشتغلين بالحماس المذهبي والاثارات المذهبية يقومون عن علم أو جهل بتنفيذ نذورات أعدائنا الكفار واتباعهم
    المنافقين ويقرؤون التعازي التي يتصورون تخذم قضية أهل البيت والخلفاء والمذاهب ولكنها في الواقع تخدم الكفر العالمي وتضر بالمسلمين جميعا . ) انتهى كلام الشيخ

    ولقد أعجبني جداً وخاصة في العبارة التالية : (.. إن هذه الموسمية في الحماس للتشيع وأئمة أهل البيت عليهم السلام وفقههم أو الحماس للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وأئمة المذاهب الاربعة رضي الله عنهم , توجب أن نتساءل عن مناسبتها وهبوبها وسكونها , ومن يستفيد منها , ومن يدفع اليها ) !!! وبهذه العبارة وغيرها الكثير تحت هذا العنوان في كتابه "طريقة حزب الله في العمل" يكون الشيخ الكوراني قد فاق الشهيد الصدر وأصحاب الاتجاه الالتقاطي جميعا بعمق انتمائه الى هذا الاتجاه !

    فهل هذا يعني أن الشيخ الكوراني من منظري التشيع الالتقاطي أم أنه كتب "طريقة حزب الله في العمل" قبل مرحلة الوعي ! علماً أن تأليف الكتاب كان بعد استشهاد السيد الصدر بقرابة العقد من الزمان ! أم تغيرت رؤاه , وله الحق الكامل في هذه ولكن ليس له الحق في طعن واتهام من يخالفه أفكاره .

    أما المَعْلم الآخر - البارز - الذي يذكره الكاتب للدلالة على الاتجاه الشيعي الالتقاطي فهو : ( الثالث: يشارك أصحاب هذا الإتجاه السنيين في نظرتهم الى تاريخ الإسلام على العموم ، ويرون أن الدعوة الى إقامة النظام الإسلامي في عصرنا تعني الدعوة الى إعادة ما يسمى بأمجاد الحضارة الإسلامية ، وأمجاد نظام حكم الخلافة الإسلامية في صدر الإسلام ، وتطبيق ما يختاره الحاكم من فقه المذاهب الأربعة أو الخمسة . كما أن نظرتهم الى نظام الخلافة الذي أسست بطون قريش في السقيفة ، وما نتج عنه من صراعات الخلفاء على الحكم ، أقرب الى نظرة السنيين . وإذا ذكرت أمامهم الجرائم التي ارتكبها الخلفاء مع أهل البيت عليهم السلام ، فقد يقرون بهولها ، لكنهم يريدون الإغماض عنها وترك مناقشتها ! والأمر الأسوأ في آرائهم أنهم يريدون من الشيعة أن يقدموا أهل البيت عليهم السلام الى الأمة ويربُّوا أبناءهم على أنهم شخصيات قيادية ضمن المسار العام للأمة وكأن الأئمة عليهم السلام ارتضوا هذا المسار وعملوا في تقويته ! مع أنهم أدانوا كل المسار ، وحكموا بأنه انحراف عن الإسلام ، وتعاملوا معه من باب الضرورة ، لحفظ كيان الأمة ، وما يمكن حفظه من الإسلام ، وتثبيت خطه الصحيح ! ) انتهى
    كالعادة من المقدمة كلها ( السنة .. والسنيين .. والسقيفة .. وما ارتكبه الخلفاء في حق أهل البيت الخ ) يعزف الشيخ الكاتب على هذا الوتر المحبوب ذي النغمة الموسيقية التي تطرب لها الآذان الطائفية ! ! ولكي نثبت أن المقصود بهذه التهمة هو السيد الشهيد الصدر قبل غيره أنقل كلام الكاتب في الصفحة 33 من المقدمة اذ يقول : ( سألت استاذنا الصدر قدس سره عن الشخصيات التي أثرت في تكوين وعيه في نشأته وشبابه - وكنت أكثر تلامذته أسئلة له عن القضايا الفكرية بما فيها مكونات شخصيته - فتحدث عن اعجابه بالخطيب كاظم آل نوح رحمه الله وأن مجالسه في صحن الحرم الكاظمي قد أثرت في نشأته المبكرة كثيراً , وأن صداها ما يزال يرن في أذنه الى الآن , حيث كان الخطيب يتحدث عن أمجاد تاريخ الاسلام في دولته وحضارته , وكيف شملت أكثر العالم وحققت اعظم الانجازات وأننا في الحضارة والمدنية أأصل من غيرنا وأقدم - ثم يسترسل الكاتب في نفس الصفحة كنتيجة لسؤاله ذاك ليقرر - لكن هذا الفكر ان صح جواباً في مواجهة الثقافة الغربية والشيوعية , فلا يصح أن يؤثر علينا فنعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وانظمته , وننتقص من مقام أهل البيت الطاهرين عليهم السلام بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الاسلامي , وان لم يُطبق مشروعهم بعدُ . ) .. انتهى
    وبهذا يكون المقصود عند الكاتب ممن ينتقص من مقام أهل البيت هو السيد الشهيد الصدر وبصورة مباشرة لا لف فيها ولا دوران ! ولا إشكال من أن يتهم كاتب المقدمة أي شخص كان بهذه التهمة لكن الاشكال أن يكون الدليل ما تدعي ثم تكون أنت خصماً وحكما ! فلاحظ :
    المدعي : الشيخ الكوراني
    المتهم : الشهيد الصدر
    الدعوى : أن السيد ينتقص من مقام أهل البيت وبالتالي فهو التقاطي المذهب !
    الدليل : أن المدعي نفسه (الشيخ الكوراني) سأل المتهم ( الشهيد الصدر ) يوما حول من أثر في شخصيته ؟ فأجاب بأنه الشيخ كاظم آل روح وكان الخطيب يتحدث عن الحضارة والمدنية وأمجادهما الاسلامية !
    الحاكم : المدعي نفسه ( الشيخ الكوراني )
    الحُكم : الصدر التقاطي المذهب وينتقص من مقام أهل البيت !!
    نوع الحكم : غيابي !!

    الحقيقة أن المرء يقف خجلاً من أن يُناقش مثل هكذا أدلة تُساق في مقام مناقشة علمية لأخطر تهمة توجه للانسان في عقائده ! ولا أدري كيف سمح الكاتب لنفسه أن يكون هو الخصم والشاهد الوحيد والحاكم في هذه القضية التي يكون فيها الآخر الوحيد هو المتهم الشهيد الصدر قبل أكثر من عقدين !! وفوق هذا وذاك نجد أن مؤلفات المتهم وهو السيد الصدر وآثاره تدل على عكس ما ادعاه الكاتب وأولها ( فدك في التاريخ ) وثانيها ( بحث حول الولاية ) وأذكر على سبيل المثال لا الحصر كلام السيد الصدر رداُ على اتهامه بأنه يعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وانظمته وينتقص من مقام أهل البيت . يقول السيد الصدر في كتاب أهل البيت " تنوع ادوار ووحدة هدف صفحة 131 " تحت عنوان : دور الأئمة تجاه هذا التسلسل : ( فيتلخص بأمرين الأول : الذي كان الأئمة (ع) يعيشونه في حياتهم , هو محاولة القضاء على الانحراف الموجود في تجربة المجتمع الاسلامي , وارجاعها الى وضعها الطبيعي وذلك باعداد طويل المدى , وتهيئة الظروف الموضوعية التي تتناسب وتتفق مع ذلك . فمتى ما كانت الظروف الموضوعية مهيئة لذلك , كان الأئمة (ع) على استعداد لأن يمارسوا ارجاع التجربة الى الوضع الطبيعي , كما مارس أمير المؤمنين (ع) وقال : بأن الله سبحانه وتعالى أخذ عهدا على الانسان أن لا يقر على الظلم مع وجود الناصر , وفي كلمة الناصر استبطن كل الحدود والظروف الموضوعية التي سوف تذكر في ما بعد والتي ذكرناها سابقا , التي تجعل في قدرة الانسان , الامام المعصوم , ان يحاول اعادة التجربة الاسلامية الى وضعها الطبيعي ووضعها الصحيح الكامل .) وفي صفحة 132 يقول السيد الصدر : ( ولقد وقع الانحراف بعد وفاة الرسول (ص) هذه البداية في تسلسل هذه الفكرة وكان هذا الانحراف الذي وقع بعد وفاة النبي (ص) انحرافا سياسيا خطيرا جدا , بالرغم من أن هذا الانحراف لم يمس بحسب الظاهر الا ميدانا واحدا من الميادين التي كان يعتمد عليها الاسلام , في بداية الأمر لعل كثيرا من الناس بدا لهم أن هذا الانحراف لا يعني أكثر من أن شخصا كان مرشحا من قبل النبي (ًص) أو من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا الشخص قد أقصي أو غُصب حقه وأعطي لشخص آخر بدلاً عنه , قد يكون هذا الشخص الآخر قادراً على أن يقوم مقامه في هذه المهمة . الا أن هذا الانحراف لم يكن انحرافاً شخصيا أو سهلا أو بسيطا بهذا المقدار .......) ثم يقول السيد الصدر صفحة 134 ... ( هذا الانحراف كان يُشكل بداية خطر على التجربة الاسلامية كلها , على عملية التربية الاسلامية كلها , ولم يكن مجرد استبدال شخص بشخص آخر , كان ظلما للتجربة الاسلامية كلها , وبالتالي للبشرية كلها .) .
    هذا مجرد مثال واحد سقته للدلالة على مدى تهافت الادعاءات والتهم التي جاء بها كاتب مقدمة الحق المبين الشيخ الكوراني والتي وجهها للسيد الصدر وتياره العام , فتبين عدم صحتها بخط السيد الصدر ولا أجدني بحاجة الى تعليق على عبارات السيد الصدر وشرحها فهي واضحة كل الوضوح لترد بنفسها على من أراد لها أن تكون منتقصة لمقام أهل البيت عليهم السلام أو أنها تعطي الشرعية لمسار التاريخ الاسلامي وانظمته كما يدعي الكاتب بحق السيد الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي يثبت أن الانحراف الذي وقع بعد وفاة الرسول هو ظلم للبشرية كلها وليس ظلماً لأهل البيت فقط .! على أنني سأضع علامات استفهام حول ما جاء في كلام الكاتب التالي : ( سألت استاذنا الصدر قدس سره عن الشخصيات التي أثرت في تكوين وعيه في نشأته وشبابه - وكنت أكثر تلامذته اسئلة له عن القضايا الفكرية بما فيها مكونات شخصيته - فتحدث عن اعجابه بالخطيب كاظم آل نوح رحمه الله وأن مجالسه في صحن الحرم الكاظمي قد أثرت في نشأته المبكرة كثيراً , وأن صداها ما يزال يرن في أذنه الى الآن , حيث كان الخطيب يتحدث عن أمجاد تاريخ الاسلام في دولته وحضارته , وكيف شملت أكثر العالم وحققت اعظم الانجازات وأننا في الحضارة والمدنية آصل من غيرنا وأقدم - ثم يسترسل الكاتب في نفس الصفحة كنتيجة لسؤاله ذاك ليقرر - لكن هذا الفكر ان صح جواباً في مواجهة الثقافة الغربية والشيوعية , فلا يصح أن يؤثر علينا فنعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وانظمته , وننتقص من مقام أهل البيت الطاهرين عليهم السلام بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الاسلامي , وان لم يُطبق مشروعهم بعدُ . ) ..
    فالكاتب يقول ( لم يُطبق مشروعهم بعد ) وهل يعني الكاتب أن سني حكم الامام علي عليه السلام لم تُعتبر من مشروع أهل البيت عليهم السلام , بمعنى أن حكومة الامام علي لم تكن من مشروع أهل البيت عليهم السلام وهذا ما تعنيه عبارة الكاتب دون أي تأويل ( بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الاسلامي , وان لم يُطبق مشروعهم بعد ) . يبدو أن الكاتب يعتبر أن مشروع أهل البيت لم يتم تطبيقه فعلاً في زمن الامام علي عليه السلام وأنه يقصد من مشروعهم هو حكومة الأمام المنتظر عج , وما يهمه من حكومة الأمام المنتظر ما يؤمن به من أنه سيأتي بالخليفتين ويأمر بأخذ القصاص منهما وينتقم لظلامات أهل البيت !! وعلينا أن نؤمن بما يؤمن به الكاتب وحده كي لا نخرج من التشيع !! .
    ومسألة أخرى أسلط شيئا من الضوء عليها وقد أثارها الكاتب في هذه الفقرة التي يستشهد بها على صحة دعواه بالتقاطية هذا الاتجاه الشيعي - على حد تعبيره - وهي قوله : ( والأمر الأسوأ في آرائهم أنهم يريدون من الشيعة أن يقدموا أهل البيت عليهم السلام الى الأمة ويربُّوا أبناءهم على أنهم شخصيات قيادية ضمن المسار العام للأمة وكأن الأئمة عليهم السلام ارتضوا هذا المسار وعملوا في تقويته ! مع أنهم أدانوا كل المسار ، وحكموا بأنه انحراف عن الإسلام ، وتعاملوا معه من باب الضرورة ، لحفظ كيان الأمة ، وما يمكن حفظه من الإسلام ، وتثبيت خطه الصحيح ! ) انتهى.
    دعوى أخرى من دعاوى الكاتب بأن الصدر وأتباعه الفكريين يريدون أن يقدموا أهل البيت للأمة على أنهم شخصيات قيادية ضمن المسار العام للأمة .. أما مسألة أن الأئمة شخصيات قيادية فلا ريب في ذلك ولا نقاش في هذا , وأما ضمن المسار العام للأمة فهو ادعاء لا يملك الكاتب عليه دليلاً ليثبت زعمه , بل بالعكس تماماً سنضع بين يديه الدليل على عكس مدعاه وهو قول السيد الصدر في ص 143 من كتاب "أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف" اذ يقول رضوان الله تعالى عليه : ( وهنا نجد تصوراً شائعا لدى كثيرين من الناس , الذين احتاجوا أن يقيموا الأئمة بوصفهم أناسا مظلومين فقد اُقصوا عن مركز القيادة , وذاقوا بسبب ذلك ألوان الاضطهاد والحرمان , فهؤلاء الناس يعتقدون أن دور الائمة في حياتهم كان دورا سلبيا على الاغلب نتيجة لاقصائهم عن مجال الحكم , فحالهم حال من يملك داراً فيُغصب منه وينحصر أمله في امكان استرجاعها وهذا التفكير بالرغم من أنه خاطئ فانه يعتبر خطأ من الناحية العملية وانه يحبب الى الانسان السلبية والانكماش والابتعاد عن مشاكل الامة ومجالات قيادتها , ولهذا أعتقد ضرورة أن نثبت خطأ هذا التفكير وندرس حياة الائمة على أساس نظرة كلية لتتبين إيجابيتهم الرسالية على طول الخط ودورهم المشترك الفعال في حفظ الرسالة وحمايتها . )
    ومن نص السيد الشهيد هذا يتضح جلياً زيف دعوى أن السيد الصدر وتياره يريدون أن يقدموا الأئمة على أنهم شخصيات قيادية "فقط" في المسار العام للأمة , وهذا النص يرفض رفضاً قاطعا هذه الرؤية بل يثبت خطأ هذا التفكير الذي يؤدي الى وضع الأئمة في زاوية الباحث عن القيادة وحسب ! بل يُثبت السيد الشهيد دور الأئمة الرئيسي في حفظ الرسالة وحمايتها .

    وفي النقطة الرابعة والاخيرة من المعالم البارزة لما أسماه الكاتب بالاتجاه الالتقاطي في فهم أهل البيت يقول ( الرابع: يتبنى أصحاب هذا الإتجاه مفهوماً خاطئاً للوحدة الإسلامية ، فيتصورون أنها تعني الوحدة الفكرية بين المسلمين على القواسم المشتركة بين المذاهب في العقيدة والفقه ، وأنه يجب إهمال ماعدا المشتركات! مع أن الوحدة بهذا المعنى هدف خيالي لا يمكن تحقيقه إلا بالتنازل عن مجموعة من عقائد المذاهب وأحكامها ! والوحدة الإسلامية الصحيحة هي وحدة المسلمين السياسية في مواجهة أعدائهم ، ووحدتهم بتعاونهم لتحقيق النهوض بشعوبهم ، وهذا لا يتنافى مع المحافظة على حرية المذهب ، وحرية البحث العلمي المذهبي مع حفظ الأدب الاسلامي ، ولا مع العمل لبيان ظلامة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله . ) انتهى
    لا يختلف اثنان على أن هذه الدعوى التي يسوقها الكاتب ما هي الا فرية من المفتريات الكثيرة التي يشنها أعداء الوعي لتأجيج عواطف الغوغاء من الناس ! , ومن يدعي غير ذلك فعليه أن يطالب الكاتب بالدليل على مدعاه ! .. صحيح أن الصدر والتيار الفكري الواعي الذي أحدثه يتبنى الوحدة الاسلامية والتقارب والتعايش بين المسلمين ضمن المفهوم الصحيح للوحدة الاسلامية وهو الاتفاق والاتحاد فيما هو متفق عليه بين المذاهب وكل له خصوصياته في الامور المختلف عليها ! أما الكاتب فيختلق القضايا من عندياته بشكل يثير الاشمئزاز عند القارئ الحصيف ! من مثل عبارته ( وانه يجب اهمال ما عدا المشتركات ) ! ان كان المقصود من الاهمال هو الاهمال من دائرة الوحدة فهذا لا اختلاف فيه الا ان الكاتب ولا ريب يقصد من الاهمال هو الترك من الطرفين ودون العودة اليه ليأتي ويضع ظلامات أهل البيت ومسألة الخلافة والعصمة وما الى ذلك ليوحي للقراء بأن هذا التيار يريد الوحدة مع مذاهب المسلمين الاخرى على حساب أهل البيت وعلى طريقة اسلام بلا مذاهب !! بدليل الاسطر الأخيرة في هذه النقطة . وبالتالي وتأسيساً على كلام الكاتب فإن السيد البروجردي والشيخ كاشف الغطاء وجمال الدين الافغاني وهبة الدين الشهرستاني وغيرهم الكثير ممن يوضعون في دائرة الاتجاه الالتقاطي في فهم أهل البيت لأن هؤلاء وغيرهم ممن تبنى الوحدة الاسلامية مع المذاهب الاخرى ولعل كلمة الشيخ كاشف الغطاء حفظتها الاجيال الواعية جيلا بعد جيل : ( قام الاسلام بكلمة التوحيد ووحدة الكلمة ) . قد تكون نداءات السيد الشهيد الصدر للشعب العراقي هي التي جعلت من كاتب المقدمة أن يتصور ما يتصوره من أوهام في هذه القضية بالذات , نداءات السيد الصدر من مثل ( أنت يا أخي الشيعي وأنت يا أخي السني .... ) أو ( يا أبناء علي ويا أبناء عمر ... ) أو كتابة (رض) بعد ذكر الخليفة الاول والثاني في كتابه فدك في التاريخ ! . ربما هذا ما أباح للكاتب أن يعتبر ذلك تبنياً لمفهوم الوحدة الاسلامية على حساب أهل البيت عليهم السلام , وفي هذا من التجني الكثير من قبل الكاتب وتغافل وتناسي لمفهوم المصلحة العليا التي اختطها الامام علي عليه السلام في تعاطيه مع احداث الفترة الاولى من الخلافة بعد وفاة الرسول وقولته ( لاُسالمن ما سلمت أمور المسلمين .... ولم يكن فيها جور الا علي خاصة ) .
    الوحدة أصل مهم بل الاصل في الاسلام هو الوحدة بين المسلمين انسجاما وقوله تعالى ( ان هذه أمتكم أمة واحدة وأناْ ربكم فاعبدون ) الانبياء91 . فمن يعمل على تفرقة هذه الامة لا شك ولا ريب أنه يعمل على خلاف النص القرآني وعلى خلاف الامر الالهي الوارد في ذيل الآية : ( وأنا ربكم فاعبدونِ ) , فالربط في الآية واضح بين التوحيد ووحدانية الله تعالى وبين وحدة هذه الأمة وأن العمل على وحدة هذه الأمة انما هو عبادة وطاعة وتنفيذ لأمر الله تعالى . ومن الملفت في أهمية الوحدة في القرآن تجد أن الآية التالية لآية الوحدة الآنفة الذكر تقول : ( وتقطعوا أمرهم بينهم كلٌ الينا راجعون ) في اشارة صريحة الى عدم الأخذ بالأمر الالهي في وحدة الأمة بل العمل على خلافه والانغماس في تقطيع أوصال الجسد الواحد . ويتكرر المشهد ثانية في سورة المؤمنون 91-92 في بيان ولا أروع منه لتكريس الأهمية القصوى لمفهوم الوحدة بين أبناء الأمة الاسلامية , قال تعالى : ( إنَ هذه أمتكم أمة واحدة وأناْ ربكم فاتقون * فتقطَعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزبٍ بما لديهم فرحون ). الخطاب الالهي صريح في الأمر بالوحدة وذم الطائفية والفرقة وتقطيع أوصال الأمة الواحدة الى مذاهب وأحزاب وجماعات الأمر الذي يؤدي بل أدى الى وقوع أمة القرآن فريسة سهلة بين أنياب أعداء الاسلام والقرآن الذين لا يميزون كثيرا بين الشيعة والسنة أو بين الزيدية والحنابلة ! . ولا أدري هل السباب والشتائم لأبي بكر وعمر بن الخطاب وحفصة وعائشة هو المنهج الرباني لأهل البيت الذي يطالب الكاتب به - مثلاً - لاثبات ما اذا كان الشيعي شيعيا أم التقاطياً ؟! .
    ينهي الكاتب المعالم البارزة لهذا الاتجاه بالقول : ( لهذه الأسباب وغيرها ، صحت تسميتهم أصحاب الإتجاه الإلتقاطي التركيبي. ) .. يقر الكاتب اذاً بصحة هذا التسمية على أصحاب هذا التوجه الواعي في فهم أهل البيت من مثل فهم اللشهيد الصدر وغيره .
    ويمكننا أن نسأل الكاتب هل يقبل أن نسميه مثلاً أنه على رأس اتجاه خرافي مغالٍ لفهم أهل البيت ؟! ونسوق له بعض المعالم البارزة لهذا الاتجاه الخرافي من مثل :
    الاول : يؤمن أصحاب هذا الاتجاه بأفضلية علي عليه السلام وأهل البيت على الانبياء والرسل !
    الثاني : يؤمن اصحاب هذا الاتجاه بطهارة دم وفضلات الائمة , وان الائمة ليس من جنس البشر ولا من جنس الملائكة (كما هو رأي الكاتب في المقدمة) انما هم بين هذا وذاك !! بمعنى أنهم يلتقطون شيئاً من الملائكة وشيئاً من البشر ! خلافاً لقوله تعالى : ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول أني ملك . هود30). وخلافا لجملة من الآيات المؤكدة على هذه الحقيقة الهامة .
    الثالث : يُركز أصحاب هذا الاتجاه على كرامات أهل البيت واظهار ظلاماتهم ويعتمدون على مصادر موضوعة ومدسوسة في هذا المجال من مثل حديث رد الشمس ويصورونها للعامة أنها من عقائد اهل البيت !
    الرابع : يركز اصحاب هذا الاتجاه الخرافي المغالي على الشعائر المتخلفة والمستوردة على أهل البيت من مثل التطبير والضرب بالسلاسل وشج القفا بالسكاكين وعمل التشابيه من أمثال " شبيه القاسم " التي يندى لها الجبين ويصرفون الملايين من حقوق فقراء الشيعة على هذه المسائل وأمثالها ! ولهذه الاسباب وغيرها صحت تسميتهم بالاتجاه الخُرافي المغالي .. أيقبل كاتب المقدمة على هذه الطريقة من سوق التسميات والأدلة عليها ؟!!

    وبعد أن ينتهي كاتب المقدمة من ذكر المعالم البارزة للاتجاه الالتقاطي كما قرأنا , يشرع بالتحدث عن الذات والأنا وتجربته في فهم أهل أهل البيت وهذا لا يُغني ولا يُسمن من جوع اذ الكاتب يقول أنه قد رأى صاحب كتاب الغدير وهو يصلي في صحن أمير المؤمنين وغير ذلك مما ينفرد به خاصة !! حتى يصل الى دلالة أخرى على منهج السيد الشهيد الصدر وأنه التقاطي من خلال تفسيره للآية : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ.(سورة الأنبياء:30) حيث يزعم الكاتب أن السيد الصدر أخذ هذا التفسير من سيد قطب ثم يقول أن سيد قطب أخذ تفسيره من التفسير الأموي !! كي يوقع القارئ في مسألة رياضية منطقية كالتالي :
    السيد الصدر أخذ تفسير الآية من سيد قطب
    تفسير سيد قطب تفسير أموي
    النتيجة : تفسير السيد الصدر للآية تفسير أموي !!
    وهذا استدلال منطقي من الشكل الثاني ! .
    على كل حال وبهذه السهولة يسوق الكاتب التهم للسيد الشهيد الصدر ! وكان للكاتب أن يُثبت هذه الدعوى وعليه أن ينقل لنا الاجماع عند الشيعة في تفسير الآية كما ذكره هو ! حتى يكون السيد الصدر قد خالف الاجماع ! والكاتب يعرف قبل غيره أن دون اثبات ذلك "خرط القتاد" .. كيف يسمح الكاتب لنفسه أن يضع غيره ضمن الخط الأموي لمجرد تفسير صادف أن يوافق أحد المفسرين السنة !! طبعاً الذين لا يرتضيهم الشيخ الكوراني العاملي وهو لا يقبل أي سني على وجه الأرض لا لشيء الا لأن هذه المسألة مادة دسمة جداً لاثارة الفتن والعيش فيها وفي خضمها ! . ولا يحتاج المرء أن يبذل جهداً كبيراً لاثبات ما في دعوى كاتب المقدمة من حقد على السيد الصدر كي يظهره للقارئ وكأنه من أتباع الخط الأموي المتأثر بتفسيرهم لآي القرآن ! لا يحتاج أي جهد للوقوف على خطأ هذه الدعوى من خلال مراجعة التفاسير الشيعية ليرى عكس ما ادعاه الكاتب وفي تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي ما يكفي لدحض دعوى كاتب مقدمة الحق المبين .

    يقول العلامه الطبطبائي في تفيسره الآية المباركة : ( ضمير التثنية في - كانتا رتقا ففتقناهما - للسماوات و الأرض يعد السماوات طائفة والأرض طائفة فهما طائفتان اثنتان، ومجيء الخبر أعني رتقا مفردا لكونه مصدرا وإن كان بمعنى المفعول والمعنى كانت هاتان الطائفتان منضمتين متصلتين ففصلناهما. وهذه الآية والآيات الثلاث التالية لها برهان على توحيده تعالى في ربوبيته للعالم كله أوردها بمناسبة ما انجر الكلام إلى توحيده ونفي ما اتخذوها آلهة من دون الله وعدوا الملائكة وهم من الآلهة عندهم أولادا له، بانين في ذلك على أن الخلقة والإيجاد لله والربوبية والتدبير للآلهة. فأورد سبحانه في هذه الآيات أشياء من الخليقة خلقتها ممزوجة بتدبير أمرها فتبين بذلك أن التدبير لا ينفك عن الخلقة فمن الضروري أن يكون الذي خلقها هو الذي يدبر أمرها وذلك كالسماوات والأرض و كل ذي حياة والجبال والفجاج والليل والنهار والشمس والقمر في خلقها وأحوالها التي ذكرها سبحانه.
    فقوله: ( أ و لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) المراد بالذين كفروا بمقتضى السياق هم الوثنيون حيث يفرقون بين الخلق والتدبير بنسبة الخلق إلى الله سبحانه والتدبير إلى الآلهة من دونه وقد بين خطأهم في هذه التفرقة بعطف نظرهم إلى ما لا يرتاب فيه من فتق السماوات والأرض بعد رتقهما فإن في ذلك خلقا غير منفك عن التدبير، فكيف يمكن قيام خلقهما بواحد وقيام تدبيرهما بآخرين. لا نزال نشاهد انفصال المركبات الأرضية والجوية بعضها من بعض وانفصال أنواع النباتات من الأرض والحيوان من الحيوان والإنسان من الإنسان وظهور المنفصل بالانفصال في صورة جديدة لها آثار وخواص جديدة بعد ما كان متصلا بأصله الذي انفصل منه غير متميز الوجود ولا ظاهر الأثر ولا بارز الحكم فقد كانت هذه الفعليات محفوظة الوجود في القوة مودعة الذوات في المادة رتقا من غير فتق حتى فتقت بعد الرتق وظهرت بفعلية ذواتها وآثارها. والسماوات والأرض بأجرامها حالها حال أفراد الأنواع التي ذكرناها وهذه الأجرام العلوية والأرض التي نحن عليها وإن لم يسمح لنا أعمارنا على قصرها أن نشاهد منها ما نشاهده في الكينونات الجزئية التي ذكرناها، فنرى بدء كينونتها أو انهدام وجودها لكن المادة هي المادة وأحكامها هي أحكامها والقوانين الجارية فيها لا تختلف ولا تتخلف. فتكرار انفصال جزئيات المركبات والمواليد من الأرض ونظير ذلك في الجو يدلنا على يوم كانت الجميع فيه رتقا منضمة غير منفصلة من الأرض وكذا يهدينا إلى مرحلة لم يكن فيها ميز بين السماء والأرض وكانت الجميع رتقا ففتقها الله تحت تدبير منظم متقن ظهر به كل منها على ما له من فعلية الذات وآثارها. فهذا ما يعطيه النظر الساذج في كينونة هذا العالم المشهود بأجزائها العلوية والسفلية كينونة ممزوجة بالتدبير مقارنة للنظام الجاري في الجميع وقد قربت الأبحاث العلمية الحديثة هذه النظرة حيث أوضحت أن الأجرام التي تحت الحس مؤلفة من عناصر معدودة مشتركة وكل منها بقاء محدود وعمر مؤجل وإن اختلفت بالطول والقصر ) ويقول رحمه الله : ( هذا لو أريد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض وبالفتق تميز السماوات من الأرض ولو أريد برتقها عدم الانفصال بين أجزاء كل منهما في نفسه حتى ينزل من السماء شيء أو يخرج من الأرض شيء وبفتقها خلاف ذلك كان المعنى أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ففتقناها بالإمطار والأرض كانت رتقا لا تنبت ففتقناها بالإنبات وتم البرهان وربما أيده قوله بعد: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) لكنه يختص من بين جميع الحوادث بالإمطار والإنبات، بخلاف البرهان على التقريب الأول . وذكر بعض المفسرين وارتضاه آخرون أن المراد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض حال عدمها السابق ، وبفتقها تميز بعضها من بعض في الوجود بعد العدم فيكون احتجاجا بحدوث السماوات والأرض على وجود محدثها وهو الله سبحانه.) انتهى كلام العلامة الطباطبائي . وللقاريء أن يحكم هل العلامة الطباطبائي كان متأثراً بالتفسير الأموي وتفسير الشهيد سيد قطب رحمه الله ؟ وأن فكره كان التقاطياً ؟! .
    وقبل أن يتحول الكاتب الى تحليل السيد الصدر حول دور الائمة عليهم السلام من خلال كتابه "أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف" قبل الخوض في ذلك يقول كاتب مقدمة الحق المبين : ( إن تفسير هذه الآية ما هو إلا نموذج بسيط ليس فيه معاناة تذكر ، لكن المعاناة كانت عندما تصطدم النصوص بتصورنا الذي غرسناه في أذهاننا عن الأئمة عليهم السلام ! فكم فكرت في مشروع فهمهم كما قدمه أستاذنا الشهيد الصدر قدس سره ، فلم أستطع تطبيقه على نصوص سيرتهم عليهم السلام ، ولا على أصول فعل الله تعالى العليم بعلمه المطلق ، الحكيم بحكمته المطلقة .) انتهى
    وهنا تُسكب العبرات ! فكم فكر الكاتب في مشروع أهل البيت كما قدمه السيد الصدر .. فكر وفكر وفكر ! فلم يستطع أن يطبقه على سيرتهم عليهم السلام , وهذه يمكننا أن نبلعها بأي حال من الاحوال ! لكن ما لم يمكن هضمه هو أن الشيخ الكوراني لم يستطع أن يطبق مشروع فهم الائمة كما قدمه السيد الصدر , لم يستطع تطبيق ذلك على أصول فعل الله تعالى بعلمه المطلق ! . يا للهول ! كاتب مقدمة الحق المبين يدعي ادعاءً جنونيا ! فهو لم يستطع تطبيق التحليل في فهم أهل البيت على أصول فعل الله ! يعجز القلم من التعبير أمام هكذا جرأة إن دلت على شيء انما تدل على استبداد فكري مطلق يطال حتى أصول فعل الله تعالى ! .

    يتبع
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي

    وبعد أن انتهى الكاتب من تقسيم الأمة في فهم أهل البيت وتناول المعالم البارزة للاتجاه الالتقاطي في فهمهم عليهم السلام وبعد أن خط لنا تجربته في هذا الفهم ! وتناول مثالاً من التفسير للتأكيد على أموية التفسير الصدري المأخوذ من التفسير القطبي المأخود من الأموي !! . وبعد أن حاول أن يطبق تحليل وفهم الصدر على فعل الله فلم يقدر !! . انطلق الآن من كتاب " أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف" للسيد الصدر رحمه الله .

    يقول الشيخ الكوراني : ( خلاصة الدراسة التي تبناها الأستاذ الشهيد قدس سره في محاضراته ، وساعدناه على استخراج النصوص المؤيدة لأفكارها ، وفرحنا بها وحملناها الى الناس: أن الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام أئمة مختارون من الله تعالى، وأن حياتهم تنوعٌ في الأدوار ووحدةٌ في الهدف ، والهدف هو نفس هدفنا ومشروعنا في الدعوة وإقامة دولة الاسلام العالمية ) انتهى
    هذه مقدمة داخل مقدمة ذكرها الكاتب قبل الدخول في الأدوار الثلاثة التي توصل اليها السيد الصدر من خلال دراسته التحليلية لحياة الأئمة عليهم السلام . من الواضح أن الشيخ الكوراني أراد تمرير قضية يضرب فيها السيد الصدر أيضا وهي قوله ( والهدف هو نفس هدفنا ومشروعنا في الدعوة واقامة دولة الاسلام العالمية ) ! ولم يقل الصدر ذلك بل الكتاب بمجمله يُلخص أن الأئمة عملوا على حماية الرسالة من الانحراف وتربية وإعداد قواعد ونُخب تحمل هم وأعباء الرسالة وهذه وتلك مقدمات لإقامة دولة الاسلام وهذا هو هدفهم حقاً وقد تعددت أدوراهم وتنوعت وفقاً للظروف المعاشة .. أما قضية أن الهدف هو نفس هدفنا فهو تلاعب مقصود في الكلمات والألفاظ ! فالأصح أن يقول الكاتب : وهدفنا يصب في هدف أهل البيت عليهم السلام , هدفنا مستوحى من سيرتهم وحياتهم لا أن يقول ( والهدف - أي هدف أهل البيت - هو نفس هدفنا ومشروعنا ) !! اذ يقتضي أن يلاحظ الكاتب التقدم الزمني في المسألة اذا أحسنا الظن بالعبارة وأنها جاءت دون قصد ! مع الجزم أن الكاتب قاصد لهذه العبارة لأنه سيبني عليها كل ملاحظاته وأهمها وبالتالي يُقال له : هذا أول الكلام أن تختلق المقدمات من عندياتك لتبني عليها لاحقاً ما يروق لك . وما أن انتهى الكاتب من عرض الادوار الثلاثة لأئمة أهل البيت حتى انبرى لأولى ملاحظاته معتمداً على الفقرة التي ذكرها وألفها هو فلاحظ قوله :

    ( الملاحظة الأولى على هذه النظرية أن المنهج العلمي الذي قامت عليه ضعيف ، فهو منهج يضع أمامه مسبقاً مشروعنا في فهم الإسلام والدعوة اليه، ويعتبره أمراً مفروغاً عنه في حياة الأئمة عليهم السلام ويحاول تطبيق حياتهم عليه ) انتهى .
    لاحظ كيف بنى الكاتب ملاحظته على تلك العبارة التي سطرها بذكاء منقطع النظير بحيث يصعب جداً الانتباه لها حين قال مقدماً ( والهدف - أي هدف أهل البيت - هو نفس هدفنا ومشروعنا ) ليأتي لاحقاً فيقول أن هذه النظرية هي نظرية التحميل المستخدمة كثيرا عند الباحثين ولا يسلم منهم حتى الكاتب نفسه وملخص نظرية التحميل هذه أن يضع الباحث نظريته أولاً وملامحها ثم يذهب للقرآن والسنة والسيرة يجمع ما يناسبها من آي وحديث وسيرة ليستفيد منها أدلة دعماً لنظريته ! وبغض النظر عن صحة هذه النظرية من عدمها فان السيد الصدر لم يستخدم هذه الطريقة انما اراد كاتب المقدمة أن يُصور هذا الأمر ! . فلم يعتبر السيد الصدر أن مشروعه في فهم الاسلام أمراً مفروغاً عنه في حياة الأئمة بل من خلال كتابه نجد أن هذا الأمر كان نتيجة مستلخصة من تحليله لحياة الأئمة عليه السلام والفرق كبير بين المنهجين . والدليل على ذلك ما ذكره السيد الصدر في أخريات صفحات كتابه هذا قائلا كنتيجة لبحثه : ( وعلى هذا الاساس تسلم أمير المؤمنين زمام الحكم في وقت توفر فيه ذاك الجيش العقائدي متمثلاً في الصفوة المختارة من المهاجرين والانصار والتابعين . عرفنا أن الدور المشترك الذي كان الأئمة (ع) يمارسونه في الحياة الاسلامية كدور لايقاف المزيد من الانحراف وامساك المقياس عن التردي الى الحضيض والهبوط الى الهاوية غير أن هذا في الحقيقة يعبر عن بعض ملامح الدور المشترك , وهناك جانب آخر في هذا الدور المشترك لم نشر اليه حتى الآن وهو جانب رعاية الشيعة بوصفهم الكتلة المؤمنة بالامام والاشراف عليها بوصفها المجموعة المرتبطة به والتخطيط لسلوكها وحمايتها وتنمية وعيها ... الخ - ص 148 اهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف ) .. ذكرت هذا للتأكيد على أن السيد الصدر استلخص واستنتج ما أشار اليه الكاتب من دراسته لحياة الأئمة وليس النظر اليه كأمر مفروغ منه يطبقه على مشروعه بل العكس هو الصحيح وهو تطبيق مشروعه على هدي من سيرة وحياة الأئمة عليهم السلام . والمصيبة أن صاحب المقدمة يستدل على صحة ملاحظته هذه بما يلي : ( والدليل على ذلك أن مواد الإستدلال فيه انتقائية ، لأنا لم نكلف أنفسنا جمع النصوص في الموضوع ، ثم تقسيمها الى طوائف ، ثم دراسة التعارض بينها للوصول الى نتيجة ، كما نصنع في أبحاث الفقه المعمقة ! بل كنا نكتفي بانتقاء المواد من الروايات والتاريخ ، بقطع النظر عن أسانيدها وعن إشاراتها المخالفة أحياناً ، وهذا يشبه انتقائية خصوم الشيعة في بحوثهم !
    ويكفي دليلاً على ضعف مشروعنا أنه بَشَّرَ بدراسة حياة الأئمة عليهم السلام التكاملية المجموعية ، ونعى منهج الدراسة التجزيئية الإفرادية ، ومع ذلك أهمل أكثر الأحاديث التي تتحدث عن مشروعهم التكاملي وخطة الله تعالى فيهم بعد النبي صلى الله عليه وآله الى ظهور قائمهم عليه السلام ، مثل حديث اللوح الذي نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله هديةً الى الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وفيه أسماء الأئمة من أولادها عليهم السلام وخلاصة دور كل منهم وما يجري عليه. وهو حديث معتبر السند ومن أهم الأحاديث لمن أراد أن يدرس عقيدة الشيعة في الأئمة عليهم السلام .) انتهى

    أولاً من قال أنها انتقائية ؟! هي سيرتهم معروفة ومنقولة بشكل متواتر بل الشهرة إن لم يكن التواتر وخاصة سيرتهم في التعاطي مع الامور السياسية في حياتهم فلا خلاف ولا اختلاف فيها . وبالتالي فلا نحتاج الى تقسيم الى طوائف ودراسة التعارض فيها بل هو تاريخ مجمع عليه ! والغريب في دعوى دراسة التعارض أن يؤدي الأمر عند الكاتب أن نسقط السيرتين مثلاً عند الامام الحسن باعتباره صالح معاوية وعند الحسين باعتباره حارب يزيد وهما امامان ومعاوية ويزيد حاكمان ! فهل يريد كاتب المقدمة أن نعتبر مثل هاتين سيرتين متعارضتين فنسقطهما مثلاً !!! أو نسقط سيرة كل من الامام الكاظم وسيرة ابنه الرضا لتعارضهما في الموقف فالاول عارض هارون الرشيد واُدخل السجن لسبب سياسي 15 عاما والثاني قبل ولاية العهد لابن الرشيد المأمون ؟! أم ماذا يريد الكاتب من دعوى التعارض ؟ ان مثل هذه الدعوى تعني أن الكاتب يعتبر موقف الامام الحسين يتعارض وموقف الامام الحسن عليهما السلام وهذا يعني حسب مدعاه يجب اسقاط الموقفين معاً عملاً بقاعدة التعارض !! .
    ولا يكتفي الكاتب بهذا بل يُشبه السيد الصدر في بحوثه انما كبحوث الوهابية وخصوم الشيعة كما يقول : ( كنا نكتفي بانتقاء المواد من الروايات والتاريخ ، بقطع النظر عن أسانيدها وعن إشاراتها المخالفة أحياناً ، وهذا يشبه انتقائية خصوم الشيعة في بحوثهم ! ) ..
    ويعتقد الكاتب أن الدليل على ضعف مشروع الصدر هو نعيه للدراسة التجزيئية الافرادية في حياة الائمة والاعتماد على الدراسة التكاملية لحياتهم لكنه - المشروع - أهمل أكثر الاحاديث التي تتحدث عن مشروعهم التكاملي ! . ونسأل الشيخ الكوراني ماهو هذا الحديث الذي يتحدث عن مشروعهم التكاملي , يقول : ( حديث اللوح الذي نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله هديةً الى الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وفيه أسماء الأئمة من أولادها عليهم السلام وخلاصة دور كل منهم وما يجري عليه. وهو حديث معتبر السند ومن أهم الأحاديث لمن أراد أن يدرس عقيدة الشيعة في الأئمة عليهم السلام .)
    هذا هو دليل الشيخ الكوراني على ضعف مشروع الصدر في دراسته التكاملية لحياة الائمة عليهم السلام ! .
    وهنا أقول اذا كان حديث اللوح يذكر اسماء الائمة وخلاصة دور كل منهم وما يجري عليه , فقد لا نحتاج الى ذكر اسماء الائمة فلا يوجد اختلاف في ذلك بينك وبين الصدر في هذا , ويمكن أن تناقش ذلك مع الزيدية مثلاً أو الاسماعيلية أو ممن لا يؤمن بالائمة الاثني عشر ! وثانيا فقد ذكر الصدر دور كل واحد منهم وما جرى عليه من قتل وتشريد ودس سم وسجن وغير ذلك , بل هي الدراسة التكاملية نفسها لا تستغني عن التجزيئية في الادوار انما تستخلص من الجزئيات دوراً متكاملا وتربط الحلقات بعضها ببعض وهذا ما فعله السيد الصدر في دراسته التحليلية لحياة الأئمة عليهم السلام .
    ويضرب الكاتب على وتر دراسة عقيدة الشيعة في الائمة ويضعها كلها في حديث واحد وهو حديث اللوح ! وما علاقة هذا بدراسة السيد الصدر لدور الأئمة عليهم السلام ! على كل الاحوال يمكن القول أن الكاتب له الحق في أن لا يتفق مع الرؤية التي توصل اليه السيد الصدر في فهمه وتحليله لحياة الأئمة وكيف كانت الادوار التي يعيشها أهل البيت عليهم السلام متنوعة الا أنها بالنهاية تصب في هدف واحد ذلك هو الاسلام وحمايته والحفاظ على مثله وقيمه وهذا الدور واحد عند علي بن أبي طالب وعند الحسن والحسين وجميع الائمة عليهم السلام فلا يمكن أن يُعقل حصول اختلاف وتناقض وتضاد في هدف الائمة وانما يمكن تصور ذلك في اسلوب وطريقة الدور الذي يمارسه كلٌ على حدة من أجل الوصول الى ذلك الهدف . فللكاتب الحق أن يرى غير ذلك كأن يرى مثلاً أن هدف بعض الائمة يختلف عن الآخر فهو ربما يرى أن أهل البيت عليهم السلام تنوع أدوار وتنوع هدف أيضا فالأمر يعود اليه الا أن عليه أن يعطي الدليل على ذلك ! نعم يُقبل من الكاتب أن لا يرتضي النتيجة التحليلية للسيد الصدر لحياة أهل البيت وبما أن المسألة خاضعة للبحث والتحليل واختلاف الرؤى في الفهم لحياتهم عليهم السلام فلا ضير من عدم قبوله لفهم السيد الصدر , فالمسألة تبقى في نطاق التحليل واستخلاص النتائج ولا يصح من التحليل الا ماهو أقرب الى العقل والهدف السماوي من الرسالة الاسلامية وأقربها تحليل السيد الصدر .

    لكن ما لا يجوز للكاتب أن يدعي على الشهيد الصدر ويقوُّله ما لم يقل , بل أكثر من ذلك اذ يستخدم التقويل دليلاً على صحة مدعاه ! نجد الشيخ الكوراني يقول : (ويكفي دليلاً على ضعف مشروعنا أنه بَشَّرَ بدراسة حياة الأئمة عليهم السلام التكاملية المجموعية ، ونعى منهج الدراسة التجزيئية الإفرادية ،).. في حين أن الشهيد الصدر يرى أن الدراسة التجزيئية لحياة الأئمة ضرورة ! بل والسبيل الوحيد للمنهج التكاملي في دراسة حياتهم عليهم السلام , يقول رضوان الله عليه : ( ولا أريد بهذا أن نرفض دراسة الأئمة على أساس النظرة التجزيئية أي دراسة كل امام بصورة مستقلة بل أن هذه الدراسة التجزيئية نفسها ضرورة لانجاز دراسة شاملة للأئمة ككل اذ لا بد لنا أولاً أن ندرس الأئمة بصورة مجزأة ونستوعب الى أوسع مدى ممكن حياة كل إمام بكل ما تزخر به من ملامح وأهداف ونشاط حتى نتمكن بعد هذا أن ندرسهم ككل ونستخلص الدور المشترك للأئمة جميعاً - من كراس دور الائمة في الحياة الاسلامية للشهيد الصدر ص 8 ) . فأين النعي لمنهج الدراسة التجزيئية الذي يدعيه الكاتب ويكتفي به دليلاً على ضعف مشروع الشهيد الصدر ؟ ولا أظن أن الكاتب أخفق في فهم الدلالة اللفظية لكلمة "نعى" وما تؤديه من معنى .! وها هو يرى نعي دليله .

    يواصل صاحب المقدمة استهجانه من نظرية السيد الصدر حول تعدد أدوار الأئمة ووحدة هدفهم , فيسوق بعض الملاحظات التي ترد نفسها بنفسها ويتناقض معناها مع ما أراده الكاتب منها . فتراه مثلاً يستنكر أن مجموعة من الأئمة عملوا على بناء الكتلة الواعية من أتباعهم ويرفض أن عملهم لتثيبت الاسلام كدين في الامة ويرفض قاطعا على أن الائمة عملوا لإقامة الحكم الاسلامي ! مستقرباً في الوقت نفسه أن الأمام الكاظم كان أقرب الى الثورة على الرشيد من الرضا على المأمون بقوله : ( أن الناظر في سيرة الإمام الكاظم عليه السلام يجد أنه أقرب الى الثورة على هارون الرشيد من الإمام الرضا عليه السلام على الرشيد أو المأمون ؟! ) . وفي الوقت نفسه يرى أن الأئمة بعد الامام الكاظم لا يعملون من أجل اقامة الحكومة الاسلامية في الارض مُحتجاً : ( أنهم عليهم السلام أخبروا مراراً بأن دولتهم آخر الدول ، في آخر الزمان ، وأن أحداً منهم لن يحكم غير الإمام المهدي عليه السلام ؟! ) .

    وعلى هذه الشاكلة تسير ملاحظات الكاتب على السيد الصدر في نظريته حول أدوار الأئمة عليهم السلام وهدفهم حيث قسمهم رضوان الله تعالى عليه من حيث الأدوار والفترة الزمنية الى ثلاثة أدوار .. ولا أدري هل يريد صاحب المقدمة أن ينفي هدف الأئمة عليهم السلام في العمل من أجل حكومة الله مطلقاً ؟ أم يختلف مع الصدر في التقسيم أو في هذا الإمام أو ذاك ؟ وهل يرى الشيخ الكوراني بناءً على كلامه أعلاه أن الأئمة من الرضا حتى العسكري لم يعملوا من أجل ذلك الهدف بل لم يفكروا به ذلك لأنهم أخبروا بأن دولتهم لم تقوم الا في عصر الامام الحجة ! مما يعني أن ثورية الامام الكاظم التي استقربها هو لا محل لها من الاعراب اذ يُفترض أن يكون الامام الكاظم عليه السلام أعرف وأدرى بأن أحداً منهم لن يحكم غير الامام المهدي عليه السلام , وبناء على نظرية الكاتب هذه تكون حكومة الامام علي عليه السلام خارجة بالدليل أو أنها ليست في اطار دولتهم فيقع التناقض ! . ومع هذا وذاك كان ينبغي على الكاتب أن يميز – على فرض صحة الحديث – أن يميز بين العمل من أجل قيام حكومة الله وبين الوصول الى الحكم فاستبعاد اقامة الحكم لا يُسقط التكليف بالعمل . كيف يُفسر الكاتب ما واجهه الأئمة – حتى المتأخرين منهم – من قتل وتشريد ونفي وسجن على يد الحكومات المنحرفة ؟ قد يحلو للبعض أن يفسرها بالخلاف العشائري بين بني أموية وبني هاشم , وبالرغم من سماجة هذا التفسير الا أنه لو فرضنا صحته جدلاً , فإن ما تعرضت له الاغلبية الغالبة من الأئمة على يد ابناء عمومتهم بني العباس وليس آل أمية ؟! فلا تفسير اذاً سوى التحرك والنشاط والدور الفاعل للأئمة عليهم السلام في بناء القواعد الشعبية وإقامة حكم الله في الارض وزلزلتها تحت أقدام الحكومات المنحرفة .

    وهناك فهم آخر من نظرية الكاتب حول انزواء الأئمة لعلمهم بعدم وصولهم الى الحكم غير الامام الغائب وهو أن أية دولة تقوم قبل الامام الحجة عجل الله فرجه وأية راية تُرفع قبله ما هي الا راية ضلال !! . وبالتالي علينا أن نعطل كل العمل من أجل اقامة الحكم الاسلامي في عصر الغيبة بل من عصر الامام الرضا حتى ظهور الامام المهدي , بل وأكثر من ذلك علينا أن نقاوم أي حكومة اسلامية أو دعوة لاقامة حكومة اسلامية لأنها راية ضلال !! أيُعقل هذا يا سماحة الشيخ ؟ وهل يمكنك اثبات هذا المدعى أم هكذا تُساق الأدلة سوق الكلام على عواهنه .. تقول عن كلام السيد الصدر في تحليله لأدوار وهدف الائمة ( لا يُعقل في حق معصوم واحد ...) ! وهل يُعقل كلامك في المقابل ! وهو نفس الرأي في الامام الكاظم حيث استظهرت أنه أقرب للثورة على هارون الرشيد , أم أننا تعلمنا دائما أن باءنا تجر وباءُ غيرنا لا تجر .

    يتبع
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي

    محطات من سيرة الأئمة الجهادية والسياسية

    عارض الأمام علي عليه السلام الخلفاء في عهده ولظروف الدولة الاسلامية الفتية الخاصة آثر الصبر وابتعد عن الكفاح المسلح ولما رأى أن الاسلام في خطر داهم لما آل اليه أمر القبائل من ارتداد تقدم خطوة وبايع الحكام . وفي خروجه لتوديع ومؤازرة أبو ذر الغفاري حين نفاه عثمان الى الربذة نوع معارضة معلنة لعثمان , وأكثر من ذلك فقد أصبح قادة الثورة على عثمان أنفسهم قادة جيش الإمام علي وولاته أمثال مالك الاشتر ! وما إنَّ بايعته الأمة بعد أن ثارت على عثمان حتى استل سيفه لمقارعة الناكثين والمارقين والقاسطين ولم يرتض أي شكل من أشكال أنصاف الحلول .

    ولقد نهج الامام الحسن عليه السلام المنهج ذاته وصالح لظروف اضطرته , وفق شروط أولها أن الخلافة له أو لأخيه الامام الحسين بعد معاوية بعد صراع وجهاد مرير قاده بنفسه على رأس جيشه .

    وفي موقف الامام الحسين عليه السلام تقف كل التأويلات والفتاوى المجيزة أو المانعة من الثورة ضد الحكام وبهذا يكون قد مزق كل النظريات المظللة وبقي صوت الثورة هو الصوت الذي يجب أن يعلو على كل الاصوات . وعند محطة كربلاء تجف كل الأقلام !

    أما في عهد الامام علي بن الحسين عليه السلام فقد كان الثوار يستأذنونه وكان يبارك لهم ويترحم ويُثني على قواد الثورات - المختار نموذجاً - ومن الثورات التي قامت في عهده ثورة المدينة وثورة مكة وثورة المختار وثورة التوابين .

    وقد استدعى الحاكم الاموي هشام بن عبد الملك الامام محمد الباقر عليه السلام من المدينة الى الشام لاستجوابه ومن ثم حبسه في الشام وأضطر مرغما لاطلاق سراحه واعادته الى المدينة بعد أن واصل دوره التوعوي والعلمي والجهادي والسياسي داخل أروقة سجن الطغاة . وقد كان الامام الباقر عليه السلام داعماً مؤيداً لأخيه زيد بن علي في تحركه الثوري ضد الحاكم .

    وجاء بعده دور الامام الصادق عليه السلام , وما يغلب في أذهاننا أن الامام الصادق إكتفى بالأمور العلمية وارساء قواعد المذهب أو – المعارضة المطلبية - وهذه ليست الحقيقة كلها بل كان الامام عليه السلام يتابع الأمور السياسية والجهادية ويوصل موقفه من الحكام . وكانت ثورة زيد في عهده وهو من أشد المؤيدين لها حتى يكشف التاريخ أنه كان مفجوعاً باستشهاد زيد بن علي . في بحار الانوار جزء 47 طبعة 3 ص 325 عن فضيل الرسان قال ( دخلت على أبي عبد الله بعدما قُتل زيد بن علي فاُدخلتُ بيتاً جوف بيت فقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد ؟ قلت جعلت فداك , قال : رحمه الله , أما انه كان مؤمناً وكان عارفا وكان عالما وكان صدوقا , أما انه لو ظفر لوفى , أما انه لو ملك لعرف أين يضعها ) .

    وفي جواب الامام الصادق عليه السلام للمنصور رداً على طلبه بصحبة الحاكم واستنصاحه أجابه (ع) : ( من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك ) ليُسجل موقفاً شرعيا من الحاكم الظالم .

    ويأتي دور الكاظم عليه السلام في الثورة , وفي اغتياله سجينا بعد عقدٍ ونصف ما يكفي وقد كان سبب سجنه واغتياله هو تحركه الثوري ودعمه لثورة الحسين بن علي صاحب ثورة فخ المعروفة وسجل التاريخ خطاب الامام الكاظم لقائد ثورة فخ قبيل انطلاقة الثورة قائلاً : ( إنك مقتول فأحدَّ الضراب , فإن القوم فساق يظهرون ايماناً ويضمرون نفاقا وشركا , فانا لله وانا اليه راجعون , وعند الله أحتسبكم من عصبة – مقاتل الطالبيين ص 447 ) . وبعد الثورة قرر الحاكم العباسي تصفية الامام الكاظم . ينقل المجلسي في بحاره قول الحاكم العباسي ( والله ما خرج حسين – يقصد صاحب فخ – الا عن أمره ولا اتبع الا محبته ... قتلني الله ان أبقيت عليه).

    ويأتي دور الامام الرضا عليه السلام وكل حصيف يستطيع أن يقرر مدى تأثير الامام الرضا الجهادي والسياسي والحركي في أوساط الأمة , الأمر الذي جعل من الحاكم العباسي مرغماً لانتهاج خطة ولاية العهد لاحتواء الأزمة وامتصاص ثورة عارمة مقبلة ووضع الامام أمام أعين البلاط . وقبول الامام ولاية العهد مشترطا عدم التدخل في شؤون السلطة دليلاً على اعلانه عدم شرعية الحكم القائم , حتى انتهى شهيداً مسموما على يد المأمون . ولا أدري كيف قلل الشيخ الكوراني من ثورية الامام الرضا مقارنة بموقف أبيه الكاظم عليهما السلام ؟! .

    ويأتي دور الامام الجواد عليه السلام والتاريخ يُسجل استدعائه أكثر من مرة الى بغداد ليكون تحت رقابة الحكومة وقُتل مسموما في منفاه – بغداد – وهو القائل عليه السلام : ( لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ ) كما في البحار ج48 ص 165 . مما يعطي الشرعية التي لا لبس فيها للثورة والثوار على سلاطين الجور وتأكيداً لانتهاج الأئمة مبدأ الثورة والعمل من أجل اقامة دولة الاسلام . حتى وإن كانت الثورة بقيادة غير المعصوم كما هو ظاهر من كلام الامام عليه السلام .

    ويأتي أيضا دور الامام الهادي عليه السلام منسجماً تماماً مع هدف آبائه الطاهرين . فقد تعرض للاغتيال والسجن من قبل المتوكل العباسي لا لشيء الا لدوره في العمل وسط أمته واستقطاب الرأي العام ضد المتوكل وانتهى به المطاف شهيداً مسموماً في سامراء .

    وأخيراً دور الامام الحسن العسكري وما لاقى من سجن وتعذيب في أقبية سجون العباسيين في سامراء ودوره الفاعل في التغيير الذي طال حتى السجانين القساة ! .

    هذا لمحات سريعة جداً لمواقف الأئمة عليهم السلام سياسياً وجهاديا ذكرتها رداً على الشيخ الكوراني الذي ينكر بل ويستهجن رأي السيد الشهيد الذي يرى فيه أن دور الأئمة الاربعة من الرضا الى العسكري كان العمل نحو اقامة دولة الاسلام . وقد ذهب كاتب مقدمة الحق المبين الى عدم امكانية تعقل هذا الرأي ! . وأقول : هل من المصادفة أن تكون قبور الأئمة الاربعة من الرضا الى العسكري عليهم السلام وسط معاقل معاصريهم من حكام الجور وفي عواصمهم من خراسان مرورا ببغداد وانتهاءً بسر مَنْ رأى !! فضلاً عن السجن ودس السم لهم جميعاً . أم هل يمكن أن نتعقل رأياً غير رأي السيد الشهيد في هذه المسألة بالذات يا سماحة الشيخ بدليل الوجدان القائم من مشاهدهم وسط عواصم الحكومات التي عارضوها علماً إن اقامتهم جميعاً عليهم السلام هي مدينة جدهم المنورة .

    اساءة كاتب المقدمة الى الأئمة عليهم السلام
    يستنكر الشيخ الكوراني على السيد الشهيد نظريته وتحليله لأدوار الأئمة ووحدة هدفهم ويصل به الاستنتاج الى أن رأي السيد الشهيد لا يُعقل في هذا المضمار ولا يستسيغ أن الأئمة الأربعة من الرضا الى العسكري عليهم السلام عملوا على إقامة حكومة الاسلام مستدلاً بأنهم أخبروا مراراً أن لا تقوم لهم دولة الا حين ظهور غائبهم المهدي عجل الله فرجه الشريف ومن هنا يقع الكاتب في التناقض الظاهر والاساءة الى أهل البيت عليهم السلام .

    في الحديث المشهور المروي عن الرسول الاعظم : ( من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ) يظهر الهدف العام من هذا الحديث وأمر الرسول بتعبئة الفرد المسلم وايقاد شعلة المسؤولية في نفسه للوقوف بوجه الحاكم الظالم ومنازلته وحماية الأمة من جوره واستبداده . ولا شك أن الحكام الذين عاصروا آخر أربعة من الأئمة هم حكام جور وبالتالي فإن حديث الرسول ينطبق عليهم وعلى الأمة في عصرهم وخطاب الرسول يشمل كل فرد مسلم والأئمة الأربعة جزء من الأمة ومما هو معلوم أن الجزء يشمله حكم الكل , وهم طليعة الأمة وقادتها فكيف يتخلفون عن هذا الخطاب النبوي وبالتالي كان حقاً على الله أن يدخلهم مدخلهم !! هذا من جانب ومن جانب آخر كون الأئمة عليهم السلام هم خلفاء رسول الله وممثليه أولاً وأن علمهم علمه وحديثهم حديثه وقولهم قول الرسول , فكيف يمكننا أن نتصور رؤية الكاتب فيهم ! فإن قبلنا رؤية الكاتب حصلت أكبر اساءة لهم بانطباق قول الله تعالى عليهم ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) !! وحاشاهم الا أن الكاتب أبى الا أن تكون نتيجة رأيه هكذا .

    الاساس الفقهي لمشروع السيد الشهيد والمشروع البديل عند كاتب المقدمة :

    ويناقش صاحب المقدمة في ملاحظة أخرى الاساس الفقهي لمشروع السيد الصدر , والحقيقة أنه لا يناقشه بل يدعي عدم وجود مستند وأساس فقهي لمشروع الصدر وهو مشروع اقامة دولة اسلامية في عصر الغيبة , وهذه دعوى عفا عليها الزمن وقد تحققت على أرض الواقع في أرض ايران فكفانا مؤونة الجواب , رغم أن كاتب المقدمة لا يعترف بكون ثورة الامام الخميني ودولته اسلامية – كما سيأتي لاحقا - . ومع هذا فنقول أن السيد الصدر فقيه ومرجع وأعلمهم في عصره وفي العصر الحاضر فلا يصح ممن لا يبلغ رتبة الاجتهاد أن يناقش المرجع الأعلم في أمور ليس من اختصاصه الا أن يسوق دليلاً قطعيا على ذلك , هذا فضلاً عن أن السيد الصدر كتب الأسس في ذلك والكاتب يعترف بأنها أعجبته كثيرا ! وفي هذه الملاحظة يُظهر الكاتب رأيه في التنظيم والعمل الاسلامي ويوحي للقاريء بأنه لا أساس فقهي له ! وكان يمكن أن يُقبل منه رأيه لو لم يكن رائد ومؤسس هذا العمل وهذا المشروع هو أعلم مراجع الامة كالسيد الصدر سيما وإن اشكالات الكاتب في فترة كان الصدر يرعى العمل والمشروع بنفسه وفكره فتنتفي دعوى الاساس الفقهي ! . هذا فضلاً عن دلالة الآية القرآنية القاطعة بمشروعية بل وجوب الدعوة للاسلام اذ قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) .
    ويخلص الكاتب الى نتيجة يريد لها أن تكون مشروعاً بديلاً لمشروع السيد الصدر فيقول :

    ( وقد كان خيراً لنا من خوض هذه المغامرة المأساة أن نحافظ على الفهم التقليدي للمذهب والأئمة عليهم السلام ، وأن نسير في خط المعارضة المطلبية ، الذي انتهجه مراجعنا الذين كانوا أعمق منا فقهياً ، بل فكرياً ، رحم الله الجميع ! )) انتهى
    يصف كاتب المقدمة مشروع السيد الصدر في التصدي للعمل الاسلامي والتصدي للمد الشيوعي الذي غزا الحوزة وأبناء المراجع أنفسهم يصفه الشيخ الكوراني بانه مغامرة مأساوية ! ويرى أن الخير في عدم خوض ذلك الصراع مع الموجات المنحرفة ومع النظام الجائر في العراق بل الخير في أن نبقى على الفهم التقليدي لمذهب أهل البيت ! . وهذا اعتراف من الكاتب أن هناك فهماً تقليدي وآخر غير تقليدي لمذهب أهل البيت كما هو واضح من مفهوم الكلام ! وبالتالي ليسمح لنا أن نسأله : متى كان الخير في فهم الأمور بشكلها التقليدي وعلى كافة الأصعدة ؟ وهل هي دعوى في قبال الفهم التجديدي , وماهي المعارضة المطلبية التي تدعونا اليها كمشروع بديل لمشروع السيد الصدر ؟ وماهو المقصود تحديداً من "مطلبية" ؟ هل هي قولة عبد المطلب الشهيرة "ان للبيت رب يحميه" فتُسقطها أنت لتقول "للاسلام ومذهب أهل البيت رب يحميه" وما علينا الا أن نعتزل ؟ أم أن علينا أن نطالب بحقوقنا !! وكيف تنسجم هذه مع استنكارك للمشروع ؟!
    أما الملاحظة الاخرى حول الوحدة الاسلامية فالكاتب يعترف بأن ( هذا كله صحيح ) الا أنه يستدرك فيقول ( لكنه لا يجيز لنا بحال أن ننسب الى هؤلاء المعصومين الطاهرين المطهرين عليهم السلام أنهم أقروا مسار الأمة المنحرف ) والجواب لا أحد يقول أن الائمة أقروا مسار الأمة المنحرف بل على العكس تماماً فنظرية السيد الشهيد هي في صلب هذه القضية حيث أن الائمة عملوا على تثيبت الاسلام كدين في الأمة كما أوردتها أنت . المشكلة أن مشروع الصدر رحب واسع ينبذ الطائفية وهو ما لا تهفو له نفوس الكثير ممن تشربت بالطائفية !
    وملاحظة اخرى أيضا , كالعادة تُساق لغاية في نفس يعقوب , وهو الكلام حول أمجاد الأمة الاسلامية والحضارة الاسلامية فيخلص الكاتب الى القول : ( أنا عندما ننظر الى أمجاد الإسلام العظيمة ، علينا أن نرى أيضاً ما قابلها من جرائم عظيمة ، أدت الى تبخير كل ذلك الكيان ، وجعله حكايةً في خبر كان! فعندما نتحدث عن أزهى عصور الإسلام وقوة دولته في عصر هارون الرشيد، علينا أن نعرف أيَّ سفاح كان هذا الخليفة ، الذي رأى كرامات الإمام الكاظم عليه السلام ومعجزاته وشاهد آيات الله على يديه ، فازداد قلبه قسوة ولم يقنع بسجنه الطويل ، حتى قتله ! هذا الشخص(الخليفة الرشيد) الذي ظل يتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الناس الى أشلاء ، الى آخر دقيقة من حياته كما يرويه محبوه وليس مبغضوه ! ) .
    وواضح هنا كلام الكاتب وكيفية توجيهه فهو قد قرر أن هذا المشروع والتيار الصدري انما هو اتجاه التقاطي في فهم التشيع وأهل البيت وبالتالي نرى كلامه موجه بشكل واضح الى من لا يؤمن بأهل البيت وكأنه يعظنا ويذكرنا بجرائم هارون الرشيد وكأننا أتباع هارون الرشيد ولسنا أتباع الامام الكاظم ! إنه الاسقاط بعينه والقحط في اتساع الرؤية , وإلا كيف يتصور مثل هذه الأمور فهل عثر على نص معين ليكتشف هذا الاكتشاف العظيم ! .

    ووقفة قصيرة مع قول الشيخ الكوراني الآتي : ( ولو لم يكن منها إلا الحكم الديكتاتوري ومصادرة حريات الأمة ، وتشريع بيعة الحاكم بالتهديد بالسيف ، من يوم السقيفة الى يومنا هذا.. لكفى !) .
    العبارة تشير بوضوح الى أن صاحب المقدمة لا يؤمن بقيام حكومة اسلامية في عصر الغيبة كما مر سابقا ويظهر من هذه العبارة – وكما سيأتي لاحقاً ايضا , وله في هذا رأيه ولا شك الا أنه مطالب بالدليل – ففي عبارته أعلاه ينكر كون الدولة الاسلامية التي قادها السيد الخميني رحمه الله دولة اسلامية من خلال قوله ( من يوم السقيفة الى يومنا هذا ) !! . وربما يقول الكاتب أنني كنت في معرض التحدث عن مخلفات الحضارة الاسلامية وسلبياتها وهذا يقع في الجانب الآخر لا الجانب الشيعي . وأقول ربما , لكن في السودان أيضا نظام اسلامي , ولا يمكنك أن تُشكل بأن الحرب الأهلية في السودان جرت الويلات على المسلمين مثلاً للطعن بصدقية كونها اسلامية . وأقول أيضا : هذا صحيح لكن في مقام النقض بهذه الطريقة لم تكن لدينا دولة اسلامية حتى في زمن الامام علي عليه السلام ذلك لان سني حكمه انتهت بين الجمل وصفين والنهروان ! وهذا ما لم يقل به أحد اللهم الا الكاتب نفسه , وبالمناسبة فإن عبارة ( من يوم السقيفة حتى يومنا هذا ) تشمل بعمومها فترة حكم الامام علي والامام الحسن عليهما السلام مع أنه استثناهما في عدم إجبار الامة على بيعتهما . بالرغم أن الكلام في البيعة للإمام المعصوم فيه ما فيه وبشكل خاص على مبنى صاحب المقدمة ! .
    يمكن للقارئ الفطن أن يستشف بوضوح ماهية الفكرة التي يريد أن يوصلها الكاتب من خلال مقدمته , تلك هي القيمومة على الأفكار والعقائد والبقاء على الفهم التقليدي وإحياء محاكم تفتيش جديدة في حلة شيعية ! مع العلم إن فكرة الاتجاه الالتقاطي لم تكن من بنات أفكار صاحب المقدمة الشيخ الكوراني بل تجدها بالنص في كتاب عبقات ولائية وهي نفس المحاضرات التي ترجمها صاحب هذه المقدمة كان قد ترجمها عباس النخي في سنة 1996 ومنذ ذلك الوقت ذكر عباس النخي نص التعبير "الالتقاطي" ! .
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي

    النتائج التي رتبها الكاتب :

    رتب الكاتب بناء على مقدمته مجموعة من النتائج على أثر فهم ما أسماه بالاتجاه الالتقاطي وأولها :

    الخلل في فهمنا للتشيع :

    وباعتبار أن فهمنا للأئمة كان سلبياً والتقاطيا واسقاطيا فالنتائج تابعة للمقدمات ! . في النتيجة الأولى يرَّكز الكاتب على نقطتين أساسيتين عنده:
    الأولى : المذهبية والطائفية
    الثانية : الموقف من السلطان الجائر
    في الأولى يُريد الكاتب أن نعمل ونتعامل على ضوء ان التشيع هو منهج متكامل في فهم الاسلام وأنه ليس مذهب عادي كبقية المذاهب . وفي هذه لا يختلف معه أحد , وهي الرؤية الصائبة في هذا المضمار الا أن الكاتب سرعان ما يعود ليناقض نفسه ويكشف عن المذهبية والطائفية ليقرر المذهبية أقوى تقرير وليثبت بنفسه أن التشيع مذهب من المذاهب ذلك لأنه يعيب على من لا يريد اشغال الامة بالامور المذهبية الطائفية فتراه يقول : ( ولهذا السبب كانت نظرتنا الى البحث العلمي المذهبي سلبية , لأنها في تصورنا إشغال للأمة ببعضها (

    وهنا يا سماحة الشيخ عليك أن تقرر وتثبت على رأي , هل أنت ترى التشيع هو الاسلام بعينه ؟ وبالتالي فيكون عملنا للاسلام كما هو وكما نفهمه وهو منهج أهل البيت , وهنا لا يجوز لك أن تعيب ذلك على منهج السيد الشهيد الصدر .. أو أنك ترى المذهبية والبحث المذهبي وذلك من خلال قولك : ( وبذلك لم تقتصر خسارتنا على فقداننا الكثير من ثقافتنا المذهبية اللازمة .) . ان كان التشيع هو الاسلام الأصيل كما جاء به الرسول ووصلنا عن طريق أقرب الناس اليه وهم أهل بيته الأطهار – وهو الرأي الصحيح – فلا حاجة لنا أن نتخوف أو أن نقول أن هناك ثقافة مذهبية لازمة اذ أن التشيع هو الاسلام والاسلام هو التشيع ! . ففي الاسطر الأولى من هذه النتيجة تقول أن التشيع هو منهج متكامل في فهم الاسلام – مع أن كلمة منهج تعني أو تقترب من معنى المذهب – وتعيب في تلك الأسطر النظر الى كون التشيع مذهب من المذاهب . وهذا كما ترى رأي مخالف تماماً لما تقوله في الاسطر الاخيرة من النتيجة نفسها اذ أنك تنعى فقدان الكثير من الثقافة المذهبية اللازمة !! معللاً بالابتعاد عن التعاطي بالاعمال المذهبية بما فيها النقاشات العقيدية , فأيهما تريد تقريره : كون التشيع منهج متكامل في فهم الاسلام أم التشيع مذهب من المذاهب ؟ إن أردت الأول فلمَ تعيب على غيرك ما تريده لنفسك ؟ وان كان الثاني , فالابتعاد عن الولوغ في القضايا المذهبية الخلافية أمر لا عيب فيه خاصة عند من يريد أن يتصدى لقضايا أكبر بكثير من حلقات دروس الحوزة وبعض مؤسسات التحقيق التي تطارد الواردة والشاردة من خلافيات فرعية واستلالها من بين طيات قرون مضت لإحيائها من جديد لأجل لتقطيع أمر أبناء هذه الأمة زُبراً ! .
    وأما النقطة الثانية في هذه النتيجة وهي : الموقف من السلطان والحاكم . وهنا يقول الشيخ الكوراني : ( فلم نبحث يوماً موقف الأئمة عليهم السلام من الخروج على الحاكم ، بل لعل طلبة العلم منا لم يقرؤوا رواياته المانعة والمجيزة ، ولا فتاوى الفقهاء في المسألة ! فقد اعتبرنا أن الثورة بالاسلام فريضةٌ متفقٌ عليها، وأن الذين لا يرونها فريضةً موالون للسلطات، أو خائفون لا يملكون الشجاعة ، أو من الخط المجمِّد للطاقات ، كما كان يعبر عنهم أستاذنا الشهيد الصدر قدس سره ) انتهى
    ولسنا بحاجة الى تشريح للعبارة كي نتوصل الى أن صاحب المقدمة يدعو من خلال مقدمته بمجملها الى العمل مع السلطان والحاكم من خلال ما ورد سابقا ومن خلال العبارة أعلاه أو على أقل التقادير – للإنصاف – أنه يعيب الثورة في الاسلام ! ويعيب على السيد الصدر تعبيره ( الخط المجمد للطاقات ) ولا أدري ماذا يقول عن الشهيد الصدر الثاني في وصفه الحوزة بـ(الساكتة) ! واصفاً ذلك الخط الذي لا يهتم بأمور المسلمين ! وتناسى صاحب المقدمة قول الرسول : من أصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم , ولا أدري ربما يعتبر الاهتمام بأمور المسلمين هو الدرس والنقاش المذهبي والتطبير والتركيز على ما شذ من الروايات الخلافية ! وآلاف المسلمين يموتون يوميا على أيدي حكام الجور ولا يُحرك الخط المجمد للطاقات ساكنا ! . لا شك ولا ريب أنه خط مجمد للطاقات – كما عبر عنه السيد الشهيد – وقد أصاب رضوان الله تعالى عليه كبد الحقيقة , ولو لم يكن كذلك لما وصلت الأمة الى ما وصلت اليه الآن , ولم تجن الأمة ثمار التجميد اليوم بامتلاك أمريكا لكل زمام المبادرة في العراق وغيره من العالم الاسلامي , ونحن نُهلل فرحا وطرباً ما زال النقاش المذهبي بخير ! وما زالت فتاوى التكفير والتضليل والتفسيق قائمة على قدم وساق ! لقد آن الأوان للتفكير بصوتٍ عالٍ : أنه خط مجمد للطاقات الا من تقبيل الأيادي والانحناءات التي تقصم الظهر ! .
    إن صاحب المقدمة الذي يعيب على السيد الشهيد نقده لتجميد الطاقات من تيار الحوزة الساكتة انما أولى به أن يعيب على القرآن قوله : ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) .. وهذه مسلمة من المسلمات ونص قرآني لا مجال للاجتهاد فيه كي تدعو لمعرفة فتاوى الفقهاء في المسألة ! بالوقت الذي ترى فيه أن من لا يركز على ظلامة من ظلامات أهل البيت والمختلف فيها تاريخيا انما هو منحرف عن خط أهل البيت ! . فأين هذه من تلك ؟ ولا أدري للمرة الألف لماذا لا تضع لنا الأدلة من منهج أهل البيت عليهم السلام التي تدعو لعدم الثورة على السلطان ! وهل أبقى الامام الحسين عليه السلام مجالاً في هذا لأدنى شك كي ننتظر فتوى من فقيه , اللهم الا فتوى شريح القائلة بخروج الامام على إمام زمانه !! ثم أين الكاتب من دعوى الالتقاط , وهل هذه الا التقاطية في مجال التصالح مع الحكام والسلاطين حيث تدعو لمعرفة الفتاوى المانعة والمجيزة ثم التقاط ما وافق رؤاك منها .
    لم يبق من النتيجة الأولى التي ساقها الكاتب شيئاً بحاجة الى تعليق سوى العبارة التالية المُحيرة فعلاً , يقول : ( وبما أننا لا نستطيع منع حملات الأعداء والخصوم على مذهب أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وتعمدنا أن نترك مقاومتها ، فقد اتجهنا عن قصد وغير قصد، الى مقاومة الدفاعات المتواضعة من علماء الشيعة وكتَّابهم ، ومنها كتاب فدك الذي كان ألفه الأستاذ الشهيد قدس سره في مطلع شبابه (قبل مرحلة الوعي) ! ) انتهى
    هذه الاشارة من الكاتب الى كتاب ( فدك في التاريخ ) للسيد الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه ليقرر أن الكتاب دفاع "متواضع" عن أهل البيت !! والأدهى من ذلك كله أنه يمهد لإنكار كون السيد الصدر من العلماء فتراه يقول من "علماء الشيعة وكتابهم" ويذكر كتاب السيد الصدر باعتباره كاتباً لا عالماً بقرينة قوله ان السيد الصدر ألفه في مطلع شبابه وللتأكيد على ذلك يقول (قبل مرحلة الوعي) !! . وفي مقولته (قبل مرحلة الوعي) أحد احتمالين لا ثالث لهما :
    الأول : يقصد أنه فعلاً لم يبلغ الوعي وبالتالي فلا مجال لمن يدافع عن السيد الصدر أن يحتج بكتاب فدك في التاريخ فأسقطه عن الحجية والدفاع !!
    الثاني : أنه سخرية مقصودة ملمعة كون أن السيد الصدر في تبنيه لمشروعه الاسلامي الكبير لم يكن أيام فدك في التاريخ بل في المراحل اللاحقة من حياته , مراحل النضج الفكري للسيد الشهيد المتسمة بالفكر الاسلامي الشمولي الوحدوي العامل على اعادة حضارة الاسلام المبتعد عن الطائفية والمذهبية السلبية المركزة على مواطن الخلاف للخلاف بالذات ! .
    وعلى كلا الاحتمالين يكون المورد مورد اساءة للسيد الصدر ولا يسع المرء أن يجد محملاً حسناً يمكن الحمل عليه !

    إنَّ الكاتب في قوله ( قبل مرحلة الوعي ) يريد المعنى الحقيقي اذ يعتبر ان الشهيد كتب فدك وهو فعلاً لم يبلغ مرحلة الوعي بقرينة ما سبق العبارة من وصف " في مطلع شبابه" وكأن الوعي في عرف كاتب المقدمة هو العمر المديد والرأس المشيب ! وغاب عنه أن الركن الاساس في الوعي هو عقل الانسان ومستواه الذهني ومدى قدرته على الاستيعاب والتحليل والمحاكمة والاستنتاج .. نعم لقد كتب السيد الشهيد "فدك في التاريخ" وعمره انذاك سبع عشرة سنة ! وهو لعمري ما يمثل عمق في التحليل ودقة في التحقيق قل نظيره بل عجزت عنه أقلام مَن ( تخرج على يده المئات وربما الالوف من الطلبة وفيهم من هو بمستوى المرجعية ) ! . في مباحث الاصول ج1 ق 2 : ( وما يزيدك اعجابا بهذا الكتاب انه جاء فيه ببعض المناسبة بعض المناقشات الفقهية الدقيقة لما جاء في كلمات أكابر الفقهاء , وهذا ما لا يصدر عادة الا من العلماء المحققين الكبار في سنين متاخرة من اعمارهم ) .

    هذا يعني ان "كتاب فدك في التاريخ" دلالة قاطعة على اجتهاد السيد الشهيد بل وعلميته وهو في مطلع شبابه ولعل كاتب مقدمة الحق المبين لا يعلم ان السيد الصدر لم يقلد احداً في يوم من الايام , يقول الشيخ محمد رضا النعماني في "سنوات المحنة وايام الحصار ص 48" : ( وما يذكر من نبوغ وذكاء السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه في تلك الفترة والمكانة التي وصل اليها وهو في سن مبكرة انه لما توفي الشيخ ال ياسين سنة 1370 هـ علق المرحوم اية الله الشيخ عباس الرميثي على رسالة ال ياسين المسماة بـ"بلغة الراغبين" ولشدة اعتقاده بذكاء ونبوغ السيد الشهيد طلب منه حضور المجلس الخاص بكتابة التعليقة ليشارك هو ايضا بعملية الاستنباط . وكان الشيخ الرميثي يقول له في ذلك التاريخ "ان التقليد عليك حرام" . وهذا يدل على ان السيد الشهيد كان قد بلغ مرتبة الاجتهاد وهو في سن مبكرة جداً , وقد سمعت السيد الشهيد يقول : اني لم اقلد احدا عند بلوغي سن الرشد . وكان السيد الشهيد في تلك الفترة قد كتب أيضا تعليقة على رسالة المرحوم الشيخ ال ياسين المسماة بـ"بلغة الراغبين") انتهى .

    أين هو الكاتب من هذا ليقول عن السيد الشهيد ( انه كتب فدك ولم يبلغ مرحلة الوعي ) !! ولعل علامات التعجب هذه تزول اذا عرفنا موقف كاتب المقدمة من السيد الشهيد في حياته بل وفي احلك الظروف واعصبها وهو يعيش الحجز والحصار من حكومة البعث في العراق , في تلك الظروف يبعث اليه برسالة مضمونها ما يلي : " اننا نعلم ان الحجز مسرحية دبرها لك البعثيون وانت تمثل دور البطل فيها والغرض منها اعطاؤك حجما كبيرا في اوساط الامة اننا نعلم انك عميل لامريكا ولن تنفعك هذه المسرحية – انظر ص 108 – 109 الشهيد الصدر سنوات المحنة وايام الحصار " .

    ان الجلد ليقشعر والله من لهجة هكذا رسالة من تلميذ تجاه استاذه علما ان الرسالة في فترة الحجز على السيد الشهيد أي في اواخر ايام حياته وليس قبل بلوغه مرحلة الوعي !‍ . لقد كتب الشيخ النعماني مذكراته مع السيد الشهيد نائيا عن ذكر أسماء بعض المواقف المشينة التي طعنت الشهيد الصدر في الصميم اثناء حياته , ولقد جاءت المقدمة سببا لمعرفة بعض أولئك البعض فرُبَ ضارة نافعة ! . ومن هذه الحادثة يتبين السبب الحقيقي وراء عدم اهتمام بعض تلامذة السيد الشهيد بالرد على صاحب المقدمة فهم يعلمون ( البير وغطاه ) وان هذه المقدمة ماهي الا انعكاس لتلك الايام بعد مضي أكثر من عقدين من الزمان على استشهاد السيد الصدر . يقول الشيخ النعماني في كتابه : ( لقد رأيت السيد الشهيد قابضا على لحيته الكريمة – بعد أن قرأ الرسالة – وقد سالت دمعة ساخنة من عينه وهو يقول : لقد شابت هذه من أجل الاسلام , أفؤتهم بالعمالة لأمريكا وأنا في هذا الموقع ؟! ) . وكأني بالسيد الشهيد وقد قرأ مقدمة الحق المبين وعلت محياه ابتسامة على ما يمتاز به البعض من حقد وغل دفينين قابضاً شيبته قائلاً بفخر : " لقد حُرقت هذه من أجل الاسلام وأهل البيت وبإيعاز أمريكي , أفؤتهم بالانحراف والالتقاط والتغرب والخلل في فهم التشيع وعدم بلوغ الوعي والاسقاط وأنا في هذا الموقع مع رسول الله وعلي بن أبي طالب والأئمة الأطهار والشهداء والصديقين وحُسن أولئك رفيقا" ؟! .

    محاولة خجولة :

    في النتيجة الثانية التي رتبها الكاتب تحت عنوان "تكبير مشكلة الغلو وتصغير مشكلة التقصير"

    يُبدي محاولات خجولة لتحليل شخصية المعصوم ولنزع صفة البشرية عن النبي والامام ونجده يلوح بتلقي الوحي من قبل النبي والانفتاح على الغيب من قبل الامام كدليل على وجود جانب آخر عند المعصوم غير الجانب البشري فيقول : ( أخذوا الجزء الأدنى من وصف الآية للنبي , بشر مثلكم , وتركوا جزءه الأعلى : يوحى الي ! ) ويقول في الجنبة الاخرى : ( هي أن له القدرة على تلقي الوحي من رب العالمين سبحانه وهل هي حقيقة بسيطة أن يكون انسان مثلنا فيه القدرة على تلقي العلم من خالق السماوات والارضين ؟! ) . نراه يحاول بصعوبة شاقة تجزئة المعصوم الى جنبتين في الأولى يتلقى الوحي وفي الثانية بشر مثل بقية الناس ليهديهم وهذا تكلف صارخ , فبالنسبة لتلقي الوحي لا يكفي دليلاً لاخراج النبي عن صفة البشرية لأن ذلك يخالف أمر الله تعالى للناس باتخاذ النبي قدوة وأسوة لهم , اذ كيف لنا نحن البشر أن نقتدي بمن هو فوق البشر بما للبشر من طاقة , فمن الثابت عقلاً استحالة التكليف بما لا يُطاق ونحن مكلفون ومأمورون باتخاذ النبي قدوة وأسوة ! ومن هنا فليس من الصحيح ما جاء به صاحب المقدمة من تجزئة لشخص المعصوم لما هو بشري وآخرغير بشري وليس من مؤهلات البشر وهو تلقي الوحي والانفتاح على الغيب , وهذا الرأي بحد ذاته هو التقصير المتعمد في حق الانبياء والأئمة عليهم السلام اذ أنك استكثرت عليهم الكمال البشري والذي جعل منهم محل استقطاب اللطف والفيض الالهي دون غيرهم فكانوا محل اختيار الله تعالى اصطفاهم أمناء على رسالته . إنَّ التقصير بحقهم لا يتمثل باضفاء البشرية على شخصياتهم عليهم السلام فقد نص القرآن على ذلك بالعديد من الآيات وحاشا القرآن من التقصير ! . نعم التقصير الحقيقي أن نحاول إثبات نزول الوحي على الأئمة دون جدوى ونشغل الأمة بجدل عقيم ليس له أدنى ثمرة عملية , إنما الثمرة العملية هي اتباع منهجهم وخطهم كما أوصونا ( أحيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا ) والقدر المتيقن من أمرهم هو الاسلام وإعلاء كلمة لا اله الا الله في الارض وبالتالي الأمن والعدالة والاستقرار والسعادة في الدارين , تلك الكلمة التي بذل الأئمة من أجل إعلائها حياتهم قتلاً وسجناً وتشريداً . فالسائر على هذا النهج سار على هدي أهل بيت النبوة والعكس بالعكس , ولا شك ولا ريب أن الشهيد الصدر قائد ركب إحياء الاسلام في عصر الغيبة , وللصدر خطه وللصدر رؤاه وفكره فمن تبع رؤى الصدر ينبغي أن نأخذ بيده ونعضده لا أن نوصمه بالخلل في فهم التشيع والتقصير بحق الأئمة .

    إنَّ من الوصايا الأخرى لأئمتنا عليهم السلام : ( كونوا دعاة لنا – لأنفسكم – بغير ألسنتكم ) مما يعني أن جنبة الفعل والتطبيق هي التي يجب أن تطغى على جنبة التنظير فيما يمكن أن نسميه بـ "الترف العقيدي" الذي لا ينفع الفرد ولا المجتمع ومن أمثال ذلك الترف , نزول الوحي على الأئمة – غير وحي النبوة – وطهارة دم الامام وخلقهم عليهم السلام قبل خلق آدم الخ , وأن التركيز ينبغي أن يكون على دراسة حياتهم عليهم السلام كي يمكن اتباعهم والاقتداء بهم واقتفاء أثرهم عبر الوسائل والأساليب التي مارسوها على اختلاف ظروفهم التي أحاطت بهم كلٌ على انفراد واستخلاص نموذجهم الأمثل لهداية البشرية .. هذا هو الحب وهذه هي الطاعة وتلك هي المودة , ودون ذلك هو التقصير بعينه بل هو الخلل في فهم التشيع وخط أهل البيت عليهم السلام .

    إنَّ التقصير ذاته هو القول بوجود جنبة أخرى غير جنبة البشر عند المعصوم – كما يرى كاتب المقدمة – ولاثبات التقصير في نظرية الكاتب هذه أقول : الجانب غير البشري فيهم إما أن يكون الهيا أو ملائكيا . والأول باطل لأنه يؤدي الى الغلو الموجب للشرك . والثاني "الملائكي" أيضا باطل الا أنه لا يقود الى الشرك , ووجه البطلان يكمن في أن البشرية أعلى مقاماً من الملائكية بوجهين , الأول : إنَّ الملائكة سجدوا للبشر "آدم عليه السلام" بأمر من الله تعالى . والوجه الثاني أن المخلوقات جميعها أبت أن تحمل الأمانة التي عرضها الله بما فيهم الملائكة وحملها الانسان وأصبح خليفة الله في أرضه , فالبشر هم خلفاء الله في أرضه وليس الملائكة , ومهما كان سواء الملائكة أفضل أم البشر فالمعصوم أو النبي كما يقول أحد كبار العلماء رحمهم الله " مجازاً " هو ( بشر الملائكة وملك البشر ) فهو بشرُ رسول السماء ولا نص في ذلك بل محض كمال لمن فكَّر وتدبر. ومن هنا يتبين فداحة التقصير في نظرية الكاتب القائلة – باستحياء – بوجود جنبة أخرى غير جنبة البشرية عند المعصوم ! . وتبين في نفس الوقت مدى العمق في النظرة لمقام النبي والائمة عند من يسميهم الكاتب بالاتجاه الالتقاطي التركيبي في فهم التشيع .

    مقام المعصوم عند كاتب المقدمة :

    بعد الخلل والتقصير يأتي دور التنقيص من مقام المعصوم والذي اعتبره الكاتب نتيجة ثالثة مترتبة من خلال فهم الشهيد الصدر للتشيع . وقد وضع الكاتب نصاً أدبيا وقطعة نثرية رائعة البيان وزرع من خلالها مفهوما مؤداه أن دراسة حياة الأئمة عليهم السلام لا تصح قبل مسألتي مقام الامام المعصوم والعلاقة الجدلية بين الأئمة وبين خلافة أبي بكر وعمر خاصة . ولو سألت الكاتب ماهو مقام المعصوم عندك يُجيب : ( أن فهم مقام المعصوم يعني فهم برنامج عمله الرباني ) , ولو سألته ماهي آليات ومفردات هذا البرنامج الرباني للمعصوم ؟ يُجيب أيضا في نفس الصفحة : ( إن فهم موقف الامام المعصوم من نظام حكم أبي بكر وعمر , يعني مفردات تطبيقه لبرنامج عمله الرباني ) ! . ثم يتوصل الكاتب الى ذروة النقد لمشروع الشهيد الصدر في الدعوة للاسلام ويشترط أن يكون المشروع منسجما مع مشروع الله تعالى في المعصومين ويتجلى مثل هكذا انسجام عند الشيخ الكوراني بوجود فقرة في ثقافة مشروع الشهيد الصدر ونظامه الداخلي تنص على مقام المعصوم وبالتالي يرتفع الاشكال ! . لاحظ قوله في ص42 من المقدمة ( ومشروعنا في الدعوة للاسلام لابد أن يكون منسجما مع المشروع الالهي للاسلام الذي نعتقده في المعصومين من العترة عليهم السلام وأن مشروعاً ممهداً لخاتمهم الموعود صلوات الله عليه . ومن أول شروط الانسجام أن ينص المشروع على مقام المعصوم عليه السلام في ثقافته .انتهى ) .

    وبعملية حسابية بسيطة وبناءً على رأي الشيخ الكوراني نجد أن :

    1 – فهم مقام المعصوم = فهم برنامج عمله الرباني .

    2 – فهم موقف المعصوم من نظام حكم أبي بكر وعمر = مفردات تطبيقه لبرنامج عمله الرباني .

    3 – مشروعية أي مشروع دعوتي للاسلام تتوقف على انسجامه مع المشروع الالهي للمعصومين بالنص على مقام المعصوم في ثقافته .

    ومن هذه المقدمات ينتج أن أي مشروع دعوتي للاسلام لابد أن ينص على موقف المعصوم من نظام حكم أبي بكر وعمر !! كشرط أول لانسجامه مع مشروع أهل البيت ! . وبالتالي لا يوجد أي مشروع اسلامي في التاريخ الشيعي سليم ومنسجم مع منهج أهل البيت بما في ذلك مشروع الامام الخميني والجمهورية الاسلامية في ايران اذ لا نجد في دستور الدولة ولا في ثقافتها ما ينص على موقف المعصوم من نظام حكم أبي بكر وعمر ! . وهذه أغرب نظرية ينفرد بها الكاتب في هذا المضمار ولا يخفى على الاعمى والاصم والابكم والمعتوه ما فيها من أشد صور الطائفية ! . ماهو برنامج عمل المعصوم الرباني الذي يدعيه الكاتب وخاصة تجاه خلافة أبي بكر وعمر ؟ هلا يدل الأمة عليه كي يتسنى لها تصحيح مسار مشاريعها وفقا لرؤاه ؟! هل أن برنامجهم عليهم السلام يبدأ بلعن الأول ولا ينتهي بآخر ؟! لقد نهونا عليهم السلام عن هذا المنهج قولاً وعملاً . ولماذا هذا التخصيص من قبل الكاتب والاقتصار على نظام حكم أبي بكر وعمر دون غيرهم من بني أمية وبني العباس ؟ . إنَّ الامام المعصوم الذي يمكن أن ندرس موقفه من خلافة أبي بكر وعمر هو الامام علي عليه السلام وصاحب الحق في الخلافة حسب المرسوم الالهي النازل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومع حق الامام هذا الا أننا سنرى موقفه ممن اغتصب حقه لنصل الى أن وحدة المسلمين وحفظ الاسلام أهم عند الامام من حقه الالهي واذا تزاحمت مصلحة الاسلام العليا مع مقام المعصوم وحقه فإن المعصوم يُقدم مصلحة الاسلام ليحفظ كيان الأمة . فقد امتنع عليه السلام عن البيعة للخليفة الأول محتجاً لمدة ستة شهور معتزلاً في بيته موبخاً وطارداً لأبي سفيان حين جاءه مستثمراً عكرة المياه للتصيد فيها . وقد سالم الإمام ما سلمت أمور المسلمين لأنه يعلم أن المتربصين بالدولة الاسلامية الفتية من الفرس والروم والقبائل من مسلمة الفتح ستجهز على الاسلام كله لو حصل اقتتال داخلي وانشقاق في جدار البيت الاسلامي , فسكت عن حقه ومنصبه وما لبث أن بايع الخليفة بعد أن ظهرت صيحات عديدة يدعي أصحابها النبوة وقد سجل رؤيته تلك قائلاً : ( فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام , يدعون الى محق دين محمد "ص", فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً , تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي انما هي متاع أيام قلائل , يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب , فنهضت في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق , واطمأن الدين وتنهنه .. راجع نهج البلاغة من كتاب له الى أهل مصر ) .

    ولم يبخل الامام علي عليه السلام بنصح وتوجيه وارشاد ونقد لنظام حكم أبي بكر وعمر بل وشارك في الشورى المخططة التي وضعها عمر لمن يحكم بعده . والتاريخ زاخر بمواقف الامام علي عليه السلام في هذا المضمار مما يدل على أن حفظ كيان الاسلام العام ووحدة الأمة أهم عنده من حقه ومقامه الخاص . لقد أحسن الامام عليه السلام النصح والمشورة لأبي بكر وعمر وكان لتوجيهاته دورا فاعلاً وسبباً بارزاً في الفتوحات التي حصلت أثناء حكم أبي بكر وعمر سيما فتح بلاد فارس وبلاد الروم في عصر الخليفتين .

    فكر أبو بكر بغزو الروم فأخذ رأي مجموعة من الصحابة ولم يقفوا عند رأي فاستشار الامام عليه السلام فيما هو عازم عليه فقال له عليه السلام : ( إن فعلت ظفرت ) فأجابه أبو بكر ( بشرت بخير ) وفعل .

    وبعد فتح الشام أراد المسلمون التوجه لفتح بيت المقدس أو قيسارية فكتب قائد الجيش الى الخليفة عمر ليعملوا برأيه فاستشار عمر المسلمين وبينهم الامام علي فقال عليه السلام لعمر : ( مُرْ صاحبك ينزل بجيوش المسلمين الى بيت المقدس , فاذا فتح الله بيت المقدس , صرف وجهه الى قيسارية , فانها تقتح بعدها ان شاء الله تعالى , كذا أخبرنا رسول الله "ص" ) فقال عمر صدق رسول الله وصدقت أنت يا أبا الحسن وعمل برأي الامام - راجع علي والخلفاء-.

    فمن خطل الرأي وشطط القول أن تذهب بنا المذاهب الى نكران دور علي عليه السلام في بناء حضارة الاسلام .

    هذا هو موقف المعصوم من نظام حكم أبي بكر وعمر مع تأكيده في كل مناسبة على حقه الشرعي في الخلافة وكيف تقمصوها وهم يعلمون أن محله منها محل القطب من الرحا ! الا أنه مع ذلك رأى أن الصبر والسكوت لمصلحة كيان الاسلام العام أحجى , فتنزل من عليائه الى غيطانهم , وآثر أن يسدل ثوبه ويطوي كشحه على أن يصول بيدٍ جذَّاء , فإن مثل تلك الصولة لو وقعت لذهب الاسلام كله بما فيه المعصوم ! لذهب في مهب الريح تتقاسمه القوى العظمى من فرس وروم ولأكلت نار المجوس شجرة الاسلام وثمرتها "المعصوم" ! ولعادت العرب الى جاهليتها ونصبت أوثانها من جديد على سطح الكعبة لُتعبد من دون الله ! فالوحدة أهم ومصلحة الاسلام أولى من التراث المنهوب ولقد فقأ الامام عليه السلام عين الفتنة وأجَّل نص الله فيه لمدة 25 عاما لمصلحة وحدة المسلمين . هذا هو المعصوم وهذا موقفه وهو لا يُصحح بحال من الأحوال اغتصاب الخلافة بقدر ما يعطي درساً بليغاً في الحفاظ على خيمة الاسلام وحمايتها من التمزق وخير دليل على ذلك قوله سلام الله عليه من خطبة له بالمدينة أول أيام إمارته : ( وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه ) . وقال عليه السلام في خطبته حين مسره الى البصرة : ( إنَّ الله لما قبض نبيه , استأثرت علينا قريش بالأمر , ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة. فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ) .
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي

    التجني على الشهيد الصدر :

    في النتيجة الرابعة التي رتبها الشيخ الكوراني من جراء فهم ما أسماه بالاتجاه الالتقاطي للتشيع وأهل البيت نجد هجوماً عنيفاً على السيد الشهيد بعد اقتباس نص من كتاب "بحث حول الولاية" ص 59 , والذي فهم منه صاحب المقدمة أن السيد الشهيد يعطي حق الامامة والقيمومة للأمة ولجيل الصحابة والمهاجرين , بل يذهب في فهمه الى أكثر من ذلك اذ يرى الشيخ أن مذهب السيد الشهيد هو مذهب حسن البنا وسيد قطب – رحمهما الله – وأن السيد الصدر يقول بشرعية السقيفة فبعد إيراد نص من كتاب الشهيد الصدر يقول صاحب المقدمة معلقاً : ( وهذا نفس مذهب حسن البنا وسيد قطب وهو يعني على الأقل إعطاء نوع من الشرعية للسقيفة ودولة أبي بكر وعمر ) ! .

    وقبل البدء في توضيح أكبر عملية تجني قام بها الكاتب على الشهيد الصدر لابد من الاشارة الى ما أعلنه بعد أن أحدثت مقدمته ضجة في مختلف الأوساط اذ قال : ( يعلم الله إني لم أكن أقصد من بحثي في مقدمة كتاب الحق المبين الاساءة الى استاذنا الشهيد الصدر قدس سره بل مناقشة بعض أفكاره كما عودنا على مناقشة آرائه وآراء كبار العلماء .. وما نسبه اليه من الانحراف والالتقاط اشتباه مني في التعبير لم أكن أقصده به ..الخ ) انتهى . وجميل هذا الاعتراف بالاساءة للسيد الشهيد واتهامه بالانحراف والالتقاط وهو أمر صريح وظاهر في المقدمة كما هو ظاهر نسبة عدم الوعي للسيد الشهيد وعدم العلم والشذوذ في الرأي والفكر والاسقاط في المنهج وما شابه . جميل كل هذا ولو اُلحقه باعتذار لكان أجمل , لكنه القفز على حبل آخر ومحاولة التبرير بأن ( ما وقع لم يُقصد ) وإنما هو اشتباه في التعبير لا يعدو كونه محاولة فاشلة أمام وثيقة التجني الصريحة هذه . فهل يصح – مثلاً – أن أقول : الصدر منحرف والتقاطي واسقاطي ومتسنن وغربي وأنه يعطي نوعا من الشرعية للسقيفة ..الخ . ثم أتبع ذلك – تحت الضغط – وأقول إني لم أقصد الصدر في هذا وما حصل اشتباه في التعبير ! متى وفي عُرف يُعقل مثل هذا الكلام .

    وأما عملية التجني الكبرى وكون السيد الشهيد يعطي نوعا من الشرعية للسقيفة لأنه يرى أن الامامة والقيمومة للأمة بعد وفاة الرسول والاستدلال عليه من خلال النص المنقول من كتاب "بحث حول الولاية ص59" , فهو في الحقيقة تجن مركب ! , فمن جانب أن السيد الشهيد لا يرى القيمومة للأمة بما هي ككل يتغلغل في صفوفها المنافقون والمندسون والمؤلفة قلوبهم , بل القيمومة إنما تصح هنا بوجود القيادة الرشيدة وهي قيادة المعصوم ويرى السيد الشهيد أن إمامة الامة والقيمومة على الدعوة بعد وفاة الرسول لا تصح حتى وإن امتلك زمامها أولئك الذين مثلوا النمط الرفيع رسالياً من جيل الصحابة أمثال أبي ذر وعمار لأن تجاربهم تحتمل الخطأ والصواب وأن الاسلام رسالة السماء لا بد لزعامتها من استيعاب لكل تفاصيل وأحكام ومفاهيم السماء بشكل لا يُحتمل معه وقوع الخطأ .. ولنقرأ رأي السيد الشهيد في هذا المضمار من بحثه حول الولاية ص 56 – 58 : ( غير أن هذا لا يعني بحال من الاحوال أنها – الأمة – مهيأة لكي تتسلم هذه الزعامة وتقود بنفسها التجربة الجديدة لأن هذه التهيئة تتطلب درجة أكبر من الانصهار الروحي والايماني بالرسالة واحاطة أوسع كثيرا بأحكامها ومفاهيمها ووجهات نظرها المختلفة عن الحياة وتطهيرا اشمل لصفوفها من المنافقين والمندسين والمؤلفة قلوبهم الذين كانوا لا يشكلون جزءاً من ذلك الجيل له أهميته العددية ومواقعه التاريخية كما أن له آثاره السلبية بدليل حجم ما تحدث به القرآن عن المنافقين ومكائدهم ومواقفهم , وتواجد أفراد في ذلك الجيل قد استطاعت التجربة أن تبنيهم بناءً رسالياً رفيعاً , وتصهرهم في بوتقتها كسلمان وأبي ذر وعمار وغيرهم . أقول – والكلام لا يزال للشهيد الصدر – أن تواجد هؤلاء الافراد ضمن ذلك الجيل الواسع لا يبرهن على أن ذلك الجيل ككل بلغ الى الدرجة التي تبرر اسناد مهمة التجربة اليه من أساس الشورى . وحتى أولئك الافراد الذين مثلوا النمط الرفيع رسالياً من ذلك الجيل لا يوجد في أكثرهم ما يبرر افتراض كفائهتم الرسالية لزعامة التجربة من الناحية الفكرية والثقافية على الرغم من شدة اخلاصهم وعمق ولائهم لأن الاسلام ليس نظرية بشرية لكي يتحدد فكريا من خلال الممارسة والتطبيق وتتبلور مفاهيمه عبر التجربة المخلصة , وانما هو رسالة الله التي حددت فيها الافكار والمفاهيم وزُودت ربانيا بكل التشريعات العامة التي تتطلبها التجربة , فلا بد لزعامة هذه التجربة من استيعاب للرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي على احكامها ومفاهيمها والا اضطرت الى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القبلية وأدى ذلك الى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة اذا لاحظنا ان الاسلام كان هو الرسالة الخاتمة من رسالات السماء التي يجب أن تمتد مع الزمن وتتعدى كل الحدود الوقتية والاقليمية والقومية , الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته التي تشكل الاساس لكل ذلك الامتداد تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الاخطاء عبر فترة من الزمن حتى تُشكل ثغرة تهدد التجربة بالسقوط والانهيار . وكل ما تقدم يدل على أن التوعية التي مارسها النبي "ص" على المستوى العام في المهاجرين والانصار لم تكن بالدرجة التي يتطلبها اعداد القيادة الواعية الفكرية والسياسية لمستقبل الدعوة وعملية التغيير , وانما كانت توعية بالدرجة التي تبني القاعدة الشعبية الواعية التي تلتف حول قيادة الدعوة في الحاضر والمستقبل . ) انتهى .

    هكذا بكل وضوح للرؤية , لا يرى السيد الشهيد صحة زعامة أبي وعمار وغيرهم من أصحاب النمط الرفيع رسالياً , فكيف ومن أين توصل الشيخ الكوراني الى أن الشهيد الصدر يعطي نوعا من الشرعية للسقيفة ؟ وأين هي دعوى الكاتب من أن الشهيد الصدر يعطي القيمومة والامامة على الدعوة للأمة وجيل الصحابة ؟! إنَّ السيد الشهيد يرى أن القيمومة للأمة انما تصح بطريقة غير مباشرة بمعنى أن تمارس قيمومتها على الدعوة في ظل وجود قيادة ربانية لها , وأن الأمة غير ( مؤهلة للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤوليات الدعوة ومواصلة عملية التغيير بدون قائد .) وما يوجد للأمة من قيمومة وإمامة على الدعوة إنما على مستوى القيادة الشعبية والميدانية لا الامامة الفكرية والسياسية . اليك هذا النص الجلي الذي يعطي فيه السيد الشهيد رأيه في المسألة بكل وضوح : ( وأي افتراض يتجه الى القول بأن النبي "ص" كان يخطط لاسناد قيادة التجربة والقيمومة على الدعوة بعده مباشرة الى جيل المهاجرين والأنصار , يحتوي ضمنا اتهام أكبر وأبصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية , بعدم القدرة على التمييز بين الوعي المطلوب على مستوى القاعدة الشعبية للدعوة والوعي المطلوب على مستوى قيادة الدعوة وامامتها الفكرية والسياسية . انتهى – بحث حول الولاية ص58).

    لقد تجاهل صاحب المقدمة هذا النص وغيره وأتى بالنص الذي يليه مباشرة دون أدنى فاصل ! فاقتطعه من سياقه , وأي سياق ؟ أنه السياق والموضع الذي يعطي فيه السيد الشهيد رأيه في الفرضية ! فأي تجني أكبر من هذا ممكن أن يقع وأي إساءة لم يقصدها الكاتب ! .

    أما الجانب الآخر من التجني – المركب – هو أن السيد الشهيد في بحثه حول الولاية انما كان في صدد مناقشة أن النبي "ص" كانت أمامه ثلاثة طرق لانتهاجها تجاه مستقبل الدعوة – اذا غضضنا الطرف عن الاتصال الغيبي والرعاية الالهية للرسالة عن طريق الوحي جدلاً – والطرق الثلاثة هي :

    الطريق الاول : أن يترك النبي مستقبل الدعوة للظروف والصدف وقد أثبت السيد الشهيد خطأ هذا الافتراض " بحث حول الولاية ص 17 – 25 " .

    الطريق الثاني : أن يجعل النبي "ص" القيمومة على الدعوة وقيادة التجربة للأمة في جيلها الذي يضم الانصار والمهاجرين . وقد ناقش السيد الشهيد هذا الرأي ودحضه وكما رأينا أنه يعتبر هذا الافتراض في النبي إنما هو اتهام لأكبر وأبصر قائد بعدم التمييز ! . بحث حول الولاية ص 27 – 61 .

    الطريق الثالث : أن يختار النبي "ص" بأمر من الله تعالى شخصاً مُعد إعدادا خاصاً للمرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة , ويثبت السيد الشهيد هذا الرأي الثالث قائلاً : ( وهو الطريق الوحيد الذي بقي منسجماً مع طبيعة الاشياء .. وهكذا نجد بأن هذا هو الطريق الوحيد الذي كان بالامكان أن يضمن سلامة الدعوة وصيانة التجربة من الانحراف في خط نموها , وهكذا كان . ويثبت ذلك أيضا من خلال ما تواتر من رواة السنة والشيعة ) راجع بحث حول الولاية ص 63 – 69 .

    هذا هو لُباب بحث حول الولاية للسيد الشهيد فقد أبطل الطريقين الأول والثاني وأثبت الثالث . ومن هنا يكون البحث بكماله وتمامه لاثبات خطأ ما حصل في السقيفة ومع ذلك يأتي الشيخ الكوراني ليختزل بحثاً قوامه قرابة المائة صفحة بسطر واحد فقط يذكره السيد الشهيد على المستوى النظري استقراباً وتماشياً مع البحث وهو قوله : ( بل أن منطق الرسالات العقائدية يفرض أن تمر الأمة بوصاية عقائدية فترة أطول من الزمن , تهيؤها للارتفاع الى مستوى تلك القيمومة ) . فأي اختزال للرأي هذا ! وأية مصادرة جهنمية للأفكار هذه ؟!

    يقول الشيخ الكوراني في مقدمته : ( وإنما أسمح لنفسي أن أناقش كلامه لأن الأمر يتعلق بالائمة المعصومين...) ثم يعلق بعد ايراد جملة للسيد الشهيد اقتطعها من سياقها بذكاء منقطع النظير , يعلق شاحذاً همم القارئ قائلاً : ( ما أدري كيف ينسجم هذا القول مع أس أساس المذهب .. ) .

    أقول : لا أدري كيف ينسجم قولك أيها الشيخ مع أس أساس البحث العلمي والمناقشة الموضوعية ؟ ألم تقرأ قول السيد الشهيد في ص 69 : ( الشواهد على اعلان الرسول القائد على تخطيطه هذا واسناد زعامة الدعوة الفكرية والسياسية رسميا الى الامام علي عليه السلام لا تقل عنها كثرة كما نلاحظ ذلك في حديث الدار وحديث المنزلة وحديث الثقلين وحديث الغدير وعشرات النصوص النبوية الاخرى ) . فأين هو التناقض وعدم الانسجام مع اُس أساس المذهب ! وهل بعد هذا التجني الجلي يمكن لأحد أن يدعي النقد وشيئاً من الموضوعية في هذه المقدمة المفترى جُل أو قل – كل – ما فيها ! أما آن لماكنة تقطيع السياق أن تكبح فراملها قبل أن تُكمل مهمتها المرسومة لها لاهلاك الحرث والنسل الفكري وقتل الابداع والتجديد تحت ذريعة مقام أهل البيت عليهم السلام , ذلك المقام المحفوظ المصان في فكر الشهيد الصدر , والمتهرئ عند أصحاب النمط التقليدي في التفكير . بل أما آن لرافعي "قميص الولاية" و "مجرمي القلم" و "المقتاتين على مظلومية أهل البيت" أن يفهموا ويدركوا أن تلك وسيلة محرمة شرعاً لا يجوز استخدامها لتحقيق أهداف وغايات شخصية مرجعية مالية ومآرب أخرى لا يعلمها الا الله والراكسون في الفتن !!.

    الاتهام الخامس
    ويتألق كاتب المقدمة سماحة الشيخ الكوراني في النتيجة الخامسة التي رتبها من جراء الاتجاه الصدري لفهم التشيع ويعتبر أن "النقص الذريع في التعمق في مصادر المذهب" هي من الآثار الخطيرة لاتجاه الصدر على ثقافة أتباعه . ويدعي الكاتب أن أتباع هذا الاتجاه هم من المثقفين – أعم من كونهم طلبة أو غيرهم – ويكثرون من القراءة والمطالعة لأنواع الكتابات الا أنهم أنصرفوا عن مطالعة مصادر التشيع وأصبحوا مغرمين بأجواء ثقافية خارجة عن ثقافة التشيع , لاحظ قوله : ( مع أن بعضهم كثير القراءة والمطالعة لأنواع الكتب , لكنه منصرف عن دراسة مصادرنا وقراءتها , ومغرم بأجواء ثقافية مشبعة بالمفاهيم السنية والغربية! ) . هذا بعض من أتباع الاتجاه الصدري في فهم التشيع أما البعض الآخر فيعزو الكاتب سبب فقرهم الاستيعابي للتشيع ناشئ من تأثير محيطي بيئي أسري اذ تفتقر هذه الأسر وهذا المحيط الى ذلك الاستيعاب للتشيع والعقيدة في الأئمة المعصومين , لاحظ قول الكاتب : ( وبعضهم مشكلته شخصية فهو في صغره لم يستوعب من أسرته ومحيطه مذهب التشيع وعقيدته في الأئمة المعصومين عليهم السلام وعندما كبر لم يتدبر أن التدين والمذهب يوجب عليه أن يبذل جهداً لاستيعابه من مصادره وعلمائه , فاختار تركيبة متضادة , والتقاطية متناقضة ! ) . ويعتبر كاتب المقدمة أن هذا النقص الذريع متمثل بشكل خاص في التفسير والكلام والحديث وفاته أن رائد هذا الاتجاه وهو الشهيد الصدر قد وضع اُسساً لمدرسة منفردة في التفسير ذلك هو "التفسير الموضوعي" لتكون طفرة في هذا المضمار الذي اعتاد المفسرون فيه الطريقة التجزيئية . وإن أراد أحد أن يتحدث عن المنطق والكلام والفلسفة فمن المكابرة بمكان إن لم يضع عطاء الشهيد الصدر في هذه العلوم في القمة منها فـ"الاسس المنطقية للاستقراء" ورأيه في نظرية المعرفة قد تجاوز العمق الى أعمق منه وقد ( عجرت القاهرة بما تزخر به من علم ومعرفة عن ترجمة كتاب الأسس المنطقية للاستقراء !) . ولعل من أهم المفارقات في هذه المقدمة أن يُتهم الصدر وأتباع منهجه بالاشباع بالمفاهيم الغربية و "فلسفتنا" و "اقتصادنا" معالم شامخة في زمن الخنوع الفكري , ومما يُضحك الثكلى أن يُوصم الصدر بالالتقاط الفكري وهو الفيلسوف الأوحد الذي تعدى دائرة المسلمين فضلاً عن الشيعة والذي دحض اُسس الفكر الغربي المادي بشقيه الماركسي والرأسمالي وفند كل مزاعم ومباني الحضارة المادية المعاصرة , فكان رضوان الله تعالى عليه مدرسة خاصة فريدة في الشمول والاحاطة والتجديد والابداع والأصالة .

    لقد ركز الكاتب كثيراً على معرفة مقام أهل البيت وذكر فضائلهم وحبهم واستيعاب فكرهم من مصادر التشيع ..الخ . وفاته أن الحب والمعرفة وحتى الايمان والتدين وحده لا يكفي ولا يؤدي الغرض المطلوب ولا يحقق الهدف النهائي الذي جاء به الاسلام وأهل البيت , إنما الملاك هو العمل , ونظرة تأمل في آيات القرآن الكريم كافية لإثبات ملاكية العمل وأن الحب والمودة والايمان الحقيقي هو ذلك المقترن بالعمل وبالدافع المحرك لا ذلك المجرد الفارغ الطافي فوق السطح سرعان ما يذهب جفاءً , وعلى سبيل المثال لا الحصر قوله سبحانه وتعالى :

    ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نِعمَ أجر العاملين )

    ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنُكفّرنَّ عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن ما كانوا يعملون)

    ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب )

    ( واُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها .. )

    ( من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن مات كانوا يعملون )

    ( إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوَم ويُبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجراً كبيرا )

    ( إنَّ الانسان لفي خُسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. )

    ( قل عسى ربكم أن يُهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون )

    ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما )

    ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون )

    ( الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنان النعيم )

    ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم )

    ( حتى اذا جاء أحدهم الموت قال ربِ ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ..)

    ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما اُنزل على محمد وهو الحق من ربهم كفَّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم )

    ( فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره )

    ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم )

    وغير هذه الآيات أضعافاً مضاعفة والتي تؤكد على أن الملاك الأهم هو العمل الصالح مما يزخر به القرآن الكريم . والآية الاخيرة مما أوردته هنا جاءت بصيغة الأمر الى الرسل ليعملوا صالحاً ! مع أن الرسل لا مجال لأن يكونوا ممن يعانون من النقص الذريع في فهم العقيدة ! . وما يُدهش في الآيتين 50 – 51 من سورة المؤمنون هو أن الأمر جاء للرسل بالعمل الصالح ثم جاءت الآية التالية لتؤكد وحدة الأمة حيث قرنها الله بالعمل الصالح والتقوى فلنتأمل قليلاً في قوله تعالى : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم * وإنَّ هذه أمتكم أمةً واحدة وأناْ ربكم فاتقون ) . لنجد أن العمل من أجل وحدة الأمة المسلمة ونبذ الطائفية في صلب العمل الصالح والتقوى بل ومن صلب عمل الأنبياء ! . ولا شك أن الخطاب القرآني موجه لنا وليس للرسل بالدرجة الأولى من باب "إياك أعني واسمعي يا جارة" .

    الثواب جزاء والجزاء ثمن مقابل العمل النافع الصالح الذي يصب في تحقيق الأهداف التي جاءت بها رسالة السماء وأفنى الأئمة الأطهار لأجلها أعمارهم . ومن هنا نجد أن من لبوا نداء الشهيد الصدر وانخرطوا في صفوف الدعوة للاسلام ومنهم ومن قضى نحبه ومنهم من ينتظر , إنما استوعبوا الاسلام وفكر أهل البيت أعمق استيعاب لا كما يدعي الكاتب عدم استيعابهم للتشيع بل واتهامهم بعدم التدين كقوله : ( ومن الواضح أن درجة استيعاب أي مذهب ومنه التشيع تتبع المستوى العلمي للشخص وتدينه ومعايشته الفكرية والروحية للمعصومين عليهم السلام ) . فهاهو الكاتب يطعن حتى في تدين هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فضلاً عن عدم استيعابهم للتشيع هم وأسرهم ومحيطهم – ولنترك المحيط فالشهيد الصدر لجميع المسلمين وليس للعراقيين وحدهم مع أن فيها ما فيها الا أن الترك واجب درءً للعصبية والقبيلة النتنة - . والله لا أدري كيف توصل الشيخ الكوراني الى الطعن بايمان وتدين شريحة كاملة وتيار كبير في الأمة على مختلف مذاهبها يُسميه هو "اتجاه" , كيف توصل الى ذلك وهو يقرأ من القرآن الكريم الآية التالية : ( ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا ) ؟!! . فهل يسمح الشيخ للآخر أن يتهمه بالنقص الذريع في استيعاب القرآن الكريم مثلاً , طبعاً لا يسمح وكاتب هذه الكلمات لا يسمح لنفسه أيضا أن يدعي هذا اذ ما هكذا تورد الابل إنما أوردها من باب النقض لتقريب الفكرة ليس الا .

    الحب والمودة والولاء لأهل البيت أسلوب وليس هدف ووسيلة وليس غاية وطريق يربط الانسان المسلم بالنبي وأهل بيته عليهم السلام لأجل الاقتداء بهم واقتفاء عملهم والانتهال من منهل الاسلام المتمثل به وفي غير هذا لم يكن في المودة والحب والولاء قيمة تُذكر . فالولاء يُراد منه أن يكون باعثاً محركاً مستنفراً للطاقات لا سلبياً مخدراً مجمداً لها ! و ( هل تُجزَون الا ما كنتم تعملون ) . وفي كلماتهم أوضح الدلالة على أن الايمان والولاء والحب انما ثمرته تكون في العمل والمحركية نحو الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , واليك قبساً منها :

    الامام علي عليه السلام يقول في أحد خطب نهج البلاغة ج1 خ 87: ( عباد الله إن من أحب عباد الله اليه عبداً أعانه الله على نفسه .. قد أخلص لله فاستخلصه , فهو من معادن دينه , وأوتاد أرضه , قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه , يصف الحق ويعمل به , لا يدع للخير غاية الا أمَّها ولا مظنَّة الا قصدها ) .

    ويقول عليه السلام في خطبة أخرى : ( العمل العمل , ثم النهاية النهاية , والاستقامة الاستقامة , ثم الصبر الصبر , الورع الورع , إنَّ لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم وان لكم علما فاهتدوا بعلمكم , وإنَّ للاسلام غاية فانتهوا الى غايته ) .

    وعن الامام علي بن الحسين عليه السلام في بحار الانوار ج25 ص 286 قال : ( كان علي عليه السلام والله عبدأ لله صالحاً أخو رسول الله ما نال الكرامة من الله الا بطاعته لله ولرسوله , وما نال رسول الله الكرامة من الله الا بطاعة الله ) .

    وفي ص 289 رواية عن الامام الصادق عليه السلام : ( ما نحن الا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع وان رحمنا برحمته وان عذبنا فبذنوبنا , والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة , وانا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ) .

    وعن الامام الباقر عليه السلام : ( ما شيعتنا الا من أتقى الله وأطاعه , وما كانوا يعرفون الا بالتواضع والتخشع وأداء الامانة وكثرة ذكر الله ... ) .

    ويروى – كما في بحار الانوار ج 75 – أن قوما من بني هاشم وغيرهم اجتمعوا عنده فقال عليه السلام : ( اتقوا الله شيعة آل محمد وكونوا النمرقة الوسطى يرجع اليكم الغالي ويلحق بكم التالي , قالوا له : وما الغالي ؟ قال : الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا , قالوا : فما التالي : قال التالي الذي يطلب الخير فيزيد به خيراً , والله ما بيننا وبين الله قرابة , ولا لنا على الله من حجة ولا يُتقرب اليه الا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله , يعمل بطاعته , نفعته ولايتنا أهل البيت ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا , ويْحَكم لا تغتروا – قالها ثلاثا – ) .

    وهكذا نجد أن المدار هو العمل الصالح والطاعة والحركة وليس الجمود والتترس وراء الحب والولاء , فإن ولاية أهل البيت – حسب أحاديثهم – لا تنفع مجردة عن العمل الصالح . وقد تقول أن هذا نوع انتقاء للأحاديث ومنهج اسقاطي فأنت تنتقي ما يتفق ورؤاك من احاديثهم لتسقطها على المنهج الذي تريد . أقول سميه ما شئت وليكن انتقائيا ما دام يوافق كتاب الله والعقل فكما قرأنا الآيات القرانية كيف تقرن الايمان بالعمل الصالح جاءت هذه الأحاديث لتؤكد الحقيقة القرآنية وقد أمرونا عليهم السلام بأن نعرض ما وردنا عنهم عليهم السلام – عن طريق الرواة – نعرضه على القرآن فما وافق فهو والا فـ"زخرف" .

    وختامها مسك !
    يختتم الشيخ مقدمته بأسطر سبعة وهي النتيجة الاخيرة من نتائج الاتجاه الالتقاطي للصدر وأتباعه – السيئة على التشيع على حد تعبيره - . وأظن "وظن الألمعي يقين" أن هذه الأسطر الاخيرة في مقدمته هو المحرك الرئيس من وراء كل المقدمة ذلك لأن الشيخ ومنذ ما يُقارب الخمس سنوات مشمراً عن ساعديه مرتاداً لمنتديات الانترنت الحوارية المتخصصة بالنقاشات المذهبية بين السنة والشيعة مسخراً كل ما يملك من ثقافة وقلم وما يدير من مؤسسات تحقيقية كبيرة تُصرف عليها أموال طائلة من حقوق الشيعة متخصصة في هذا المجال . ومع كل هذه الامكانيات الهائلة نجده يكاد يعترف هنا أنه يعجز أمام السنة بما يوردون عليه من آراء علماء الشيعة ككاشف الغطاء والصدر وشمس الدين ومحسن الأمين وغيرهم من الاحياء والاموات المتقدمين والمتأخرين , ولهذا لجأ في هذه النتيجة الاخيرة الى إخراج هؤلاء من العلم والفقه والمرجعية ووصمهم بالعوام وعدم العلم والشذوذ بالرأي , فإن أسقط هؤلاء وغيرهم واقتصر على ما يوافق متبنياته التي يحاجج بها أهل السنة خلت له ساحة النقاش معهم . كثيراً ما يقع الشيخ في الاحراج في مثل هذه المحاججات فخذ مثلاً قول الشيخ كاشف الغطاء وهو من علماء الشيعة الأفذاذ في عمر : ( هذا الخليفة عمر بن الخطاب توضع بين يديه كنوز كسرى وتاجه وأساوره من الذهب المرصع بالجواهر واليواقيت التي تخطف الابصار فيأخذه العجب ويقول : ان قوما يأتون بمثل هذا كاملا لا يخونون فيه لقوم أمناء فقالوا له : لما كنت أميناً صرنا أمناء ولو خنت خُنا , فقسم المال على الجيش والمهاجرين والانصار ولم يبق لنفسه منه شيئاً وما اكتفى بهذا ومثله في الامانة والعفة حتى رأى ذات يوم عند احدى بناته أو زوجاته قلادة محلاة بمثقال أو مثقالين من الذهب فقال هذا مال زائد عن الحاجة فأخذه منها ووضعه في بيت المال .. من كراس المثل العليا في الاسلام لا بحمدون ص 73 ) انتهى . أو رأي الشيخ كاشف الغطاء في حادثة ضرب السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وقول الشيخ المفيد في عدد أبناء الامام علي عليه السلام أو آراء كل من السيد فضل الله والسيد الخامنئ والمطهري ومحسن الأمين في التطبير والشعائر الدخيلة المشوهة للمذهب المختزلة ثورة كربلاء العظمى بـ ( قامة وزنجيل ومشعل وشبيه ) ! أو كتابة الشهيد الصدر والشيخ شمس الدين لفظة (رض) لاحقة بعد اسم الخليفة الأول أو الثاني وهكذا دواليك . وجد الشيخ طريقاً سهلاً في آخر المطاف فأخرجهم ومن يتبعهم من ربقة التشيع والتدين والعلم والفقه بل وضعهم في خانة خصوم أهل البيت عليهم السلام فلاحظ قوله : ( ومن نتائج هذا الاتجاه السيئة على التشيع أن بعض السنيين والسلفيين وخصوم مذهب أهل البيت عليهم السلام وأتباعه , أخذوا آراء أصحابه على أنها تمثل مذهب علماء الشيعة ! وهاجموا بها التشيع والشيعة وآثاروا بها الشبهات ! مع أنهم يعرفون أن الملاك في آراء المذهب ليس فهم عوامه ولا الشاذ من أتباعه , بل الميزان ما دوَّنه مراجع المذهب وفقهاؤه المعترف بعلمهم ومرجعيتهم , وماهو ثابت من سيرة المتشرعين من أتباعه جيلا فجيلاً وصولاً الى جيل الرواة والفقهاء من تلاميذ الائمة عليهم السلام ) . وهكذا يكون الشهيد الصدر وغيره ممن هم على منهجه غير معترف بعلمهم وفقاهتهم !! لا لشيء الا ليتخلص صاحب المقدمة من الشبهات التي يطرحها عليه السنيَّون في النقاش المذهبي ! مع أنه ملزم بردها بالحجة والدليل ومع أنها آراء ووجهات نظر مختلفة توصل اليها أصحابها حسب أدلتهم وغير ملزمة للجميع ومع أن جميع من اتهمهم صاحب المقدمة يؤمنون بعصمة أهل البيت ويعتقدون الولاية والامامة لأهل البيت عليهم السلام وأن الخلافة اُغتصبت منهم غصباً الا أن ذلك لا يكفي عنده مالم تعط الموقف من ( نظام حكم أبي بكر وعمر ) وتقر رأيه بكفرهم والبراءة منهم ولا أدري كيف بايع علي عليه السلام الكافرين ؟!!.

    وأنقل مشهداً واحداً يذكره الشيخ النعماني في كتابه الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار ذلك أن السيد الخوئي رحمه الله بعظمته العلمية غيَّر عشر مسائل من مسائل الحج خلال ساعة واحد ناقشها معه السيد الشهيد الصدر ! فهل يكون فهم الصدر فهم العوام من أتباع المذهب أم يُراد للتشيع والمذهب أن ( يُلبس لبس الفرو مقلوباً ) ؟! .

    وأخيراً :

    لم يكن ما ورد مني في مقام الدفاع عن السيد الشهيد الصدر , وهو من هو ؟ ذلك العملاق الفكري الذي تهاوت على قدميه عمالقة الفكر الشرقي والغربي حتى قال قائلهم ( لقد أتعبتني يا شيخ ) !هو جبل شامخ لا تهزه الرياح والأعاصير , هو الصخرة العلمية التي تتحطم عليها أعتى الأمواج ! هو الشمس وحاشا للشمس أن يحجبها غربال . هو حادي ركب الطليعة المؤمنة ومنار طريقهم المفروش بالأشواك !. هو من طلب الحق فأصابه .. هو من قال فيه الامام الخميني ( كان من مفاخر الحوزات العلمية ) . هو من قال فيه السيد الخامنئ ( نابغة فريد وكوكب ساطع من الناحية العلمية فقد جمع الشمول والعمق والشجاعة العلمية .. درة علم وبحث كنز انساني لا نفاد له , ولو بقي ولم تمتد اليد الاثيمة لتخطفه لشهد المجتمع الشيعي خاصة والاسلام عامة في المستقبل القريب تحليقاً آخر في سماء المرجعية والزعامة العلمية والدينية ) .

    هو ملحمة في العشق للانسانية والاسلام والتشيع والعراق . هو الصدر وهل بغير الصدر يُفتخَر ؟! . فالصدر حصين والحصين غير مفتقر للدفاع , إنما ندافع في الصدر ولا ندافع عنه , فسلامٌ على الصدر في الخالدين يوم ولد ويوم اُستشهد ويوم يُبعث حيا ويوم تُبعث أفكاره في عراقه وعراق آبائه الطاهرين وتشرق أرض الرافدين بنور صدرها .



    ( أبا الفكر مّنْ أردوك ما كان همهم
    شـفـاءَ غليل لأنـتهى لشـفاءِ

    ولا هــو محضُ الانتقام من الذي
    تحداهُم في عـزمةٍ ومضـاء

    ولا عطشٌ للـدم فالقــوم أشبعوا
    ثرى الوطن المنكوب بحرَ دماء

    فهم من فصيل تستوي في حسابه
    دما عبقريٌ أو هزيلةُ شاء

    ولـكنهم ألـفــوكَ نسـراً بوسـعه
    بأن يرتقي في نزعة لسماءِ

    وخـافـوا لـواءً راحَ يخـفـقُ ظلّه
    على أمةٍ في حاجة للـواء

    أبا الفكر عمر الورد حتى لو انتهى
    سريعا يظل العطر غير نهاءِ

    وعـطـر دمــاء الواهبـيـنَ ملاحم
    مضمخة ماهـنَّ محض شذاءِ

    ومن مرضو بالذل ان دواءهم
    كؤوس المنايا فهي خير دواءِ

    أبا الفكر يُربي محنة الفكر لو غدت
    تحكم فيه قبضة الجهلاءِ

    ستبقى ولا يبقى سوى من تجردوا
    ومن أخلصوا لله من حنفاءِ

    وللجرح في وعي الشعوب مكانةٌ
    وللجرح عند الله خير جزاءِ )

    الأبيات منتقاة من قصيدة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي يؤبن بها السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه .

    والحمدُ لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين .
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    824

    Lightbulb

    الاخ الفاضل الخزاعي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اهلا بعودتك اتمنى لك التوفيق
    ان امكن تقسيم الموضوع كحلقات قصيرة لسهولة الاطلاع والمتابعة

    اخوك
    ابن العراق

    _:-

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    104

    افتراضي

    أفضل ما قرأت من ردود في هذه المسألة
    وعلى حد علمي لا يوجد الى الأن رد غير هذا الرد الذي تناول اتهامات الكوراني للصدر
    اقترح على الاخ الخزاعي طبعه ونشره على شكل كراس وجزاك الله عن الشهيد الصدر خير الجزاء

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,609

    افتراضي

    أحسنتم وجزاكم الله خير الجزاء على الرد المحكم الذي أتعبني جداً لقرائته ولكن الذي يهون الأمر هو الاسلوب الشيق والسلس
    فلك التحيات أخي العزيز
    صيهود لن يوقع ....

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    الدولة
    زيورخ
    المشاركات
    105

    افتراضي

    وأنا ابحث في المواضيع السابقة وجدت هذا الموضوع وقرأت جزء منه فرأيت ان ارفعه لفائدته مع الشكر لصاحبه

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    المشاركات
    93

    افتراضي

    ذكر الشيخ نبيل شعبان في محفل عام انه زار الشيخ علي الكوراني في لبنان سنة 1975 والشيخ يسب ويشتم بالسيد محمد باقر الصدر ويقول ان الصدر هو ابن الدعوة العاق .
    حملة الشيخ الكوراني على الصدر تعود لشهادة للصدر بحقه فقد قال عنه المعمم المنحرف

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    المشاركات
    132

    افتراضي

    أخي الخزاعي السلام عليكم مع التحية

    بحثك جميل ومن الواضح -وهذا مما لا ينكر- أن الكثير من الجهد بذل في سبيل كتابته

    لست هنا -ولا هناك أنا أو غيري- لهدم البحث والقول بأنه غير صالح -أو ما شابه ذلك- بسبب جزئية مختلف عليها فقد تفضلت -مشكورا- بالقول ((...الولاية التكوينية مفادها ونتيجتها أن الأئمة يتحكمون بالكون والعالم بما شاءوا وكيفما شاءوا وبالتالي فهو القول بالتفويض شئنا أم أبينا كما يرى ذلك علماء لهم باع في الحوزة العلمية ولا زالوا وهم من القائلين بالولاية التشريعية لا التكوينية للأئمة عليهم السلام)) ومحور الإختلاف -أو تحرير محل النزاع- قولك ((أن الأئمة يتحكمون بالكون والعالم بما شاءوا وكيفما شاءوا وبالتالي فهو القول بالتفويض))

    قد يكون ناشئا -والله العالم- من وجود أحادية في فهم معنى التفويض ولا مدخلية هنا لأقوال العلماء -سواء كان لهم باع أو عدمه- ولا غيرهم؛ بل الأمر واضح من أحاديث الأئمة الذين صرحوا بأن لهم كل شيء بمشيئة الله وعونه ليفعلوا به ما يريدون بناء على تصرفهم بأمر الله -لا غير- وهذا لا تفويض فيه إلا عند تقسيمه إلى نوعين -المددي الصحيح والإستقلالي والباطل-

    فحديثك -في هذه النقطة- فيه تعميم قاتل -لهذا المحور؛ وأعيد -مرة أخرى- أن هذه النقطة -مع كونها ذات أهمية- لا تضعف البحث ككل فهي أشبه بنقطة ضعف -أو قوة من وجهة أخرى- في بناء متكامل

    ومرة أخرى --للتأكيد- لا حجية لأقوال العلماء مهما كانت أعدادهم -مع أن الأغلبية مع الولاية التكوينية المطلقة- لأن الأمر واضح من خلال عدة أحاديث -على كون القول بالولاية التكوينية المطلقة بأمر الله ومشيئته في كل شيء من دون سلب الاختيار- بأنه تفويض مع المدد -ولا صحة للقول بأن التفويض نوع واحد-

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الخزاعي ،

    كان ينبغي لك أن تورد نص المقدمة أولاً ،

    حتى لايصير نقدك لنص مغيب !

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    1,216

    افتراضي

    هذا جزء من قصيدة كتبتها عن العراق

    فليت الصدر حيا كي يراهم *** و يعجب من غريب الافتراء

    ليعلم حالة العضد المفدى *** و يدري كيف حلم الأنبياء

    فهذا صادق الصدر عميل *** و سيدنا الحكيم هو الفدائي

    و فضل الله منحرف خبيث *** و كوراني زعيم الأتقياء

    و هذا الصدر منهجه التقاط *** و كوراني على نهج الصفاء
    السلام عليك يا ابا عبدالله

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965
    أشكر الاخوة الاعزاء جميعا على مشاركاتهم ..

    الاخ العزيز يقظان : شكرا على الاقتراح وقد أخذت به وأستفيد كثيرا من ملاحظات الاخوة قبل تحويله الى كتابة على الورق .. مع أنه لم ترد الى الآن ملاحظة ذات تأثير جوهري في أصل الرد .

    الاخ العزيز الكويتي : تحيتي لك على هذا النقد البناء .. بالنسبة للولاية بما هي كأصل لا خلاف على ذلك ولا تأثير لأقوال العلماء هذا مما ريب فيه .. أما في مسألة هل الولاية تكوينية أم تشريعية , فهنا حصل اختلاف وللعلماء رأي في هذا .. أما قولكم بأن لا مجال لأقوال العلماء لأن هناك عدة أحاديث من الأئمة تقرر ذلك .. فهو أمر يعود لدراسة هذه الاحاديث وصحتها أولاً وعدم وجود أحاديث معارضة لها ثانيا .. فإن حصل التواتر أو حصل القطع بصدور أحاديث صحيحة من الأئمة عليهم السلام ولا معارض لذلك من نفس المصدر , هنا يأتي كلامكم لا مجال لأقوال العلماء بينما الأمر في واقع الحال هو غير ذلك . طبعاً أنا لا أقصد من أختلاف العلماء أو أقوالهم هو القول بالتقليد لأن العقائد لا تقليد فيها فهي تعود للمكلف عليه أن يجتهد ويصل اليها .
    فرق كبير بين القول بالتفويض وأن الله فوض لهم الأمر يفعلوا ما يشاؤون وبين ما تفضلتم به من المدد أو بمشيئة الله فهذا ما لا نختلف عليه ..
    أخيراً أشكر لك هذه الالتفاتة الجميلة فعلاً وهي بحد ذاتها بحث طويل جداً ولا مجال له في مثل هكذا ردود خاصة وأن هذه النقطة تقع على هامش الرد على المقدمة .. لك احترامي وتقديري .

    الاخ الشيخ العاملي :
    أحييك هنا في شبكة العراق الثقافية وأسعدني وجودك فكما تعلم الفرق كبير بين هذا المكان وبين شبكة هجر من حيث الحرية المطلقة مع توفير الاحترام المتبادل رغم وجود الحدة في بعض النقاشات التي لا تخرج عن أطوار الحوار .. من هذه الحيثية لا من الحيثيات الاخرى .

    لكن شيخنا جميل أنك قلت "ينبغي" ولم تقل "يجب" .. لأنني بصراحة لم أنقد نصاً مغيباً أبداً .. لأنني وضعت كلامكم بين أقواس لكن لا تطلب مني أن كل المقدمة .. اذ المهم هو النص المُراد نقده والذي له علاقة بالرد .. اضف الى ذلك فإني لم أر مقالاً أو كتاباً نقديا لأي مقال أو كتاب آخر وقد جاء بالنص الكامل الذي المراد نقده !! .. فليس من المعقول شيخنا أن أنقل نص المقدمة التي تقارب ال 50 صفحة من القطع المتوسط ! ..
    أضف الى ذلك .. أن مقدمتكم نفسها نقدت نصاً مغيباً فأنت تنقد نصاً تقتبسه من كتاب السيد الشهيد "بحث حول الولاية" أو من "الائمة .. تعدد أدوار ووحدة هدف" ولم تنقل النص كاملاً كما تريد مني خاصة أن كراس بحث حول الولاية لا يفوق أوراق مقدمة الحق المبين ! .
    أضف الى ذلك ايضا مرة أخرى فإني لم أغيب النص وهذا الرد أمامك , وعلينا أن لا ننسى أن هذا الرد في مواقع انترنت وأنت من نشر المقدمة قبل ردي في موقع النهرين ! ونشرها الاخ رحمة العاملي في شبكة الحجاز الثقافية , وتناولتها مواقع أخرى وبالتالي فقد جاء ردي على نص مقروء ومنشور وصار أشهر من نار على علم ..
    وهنا أود أن اُذكر الاخوة أن هذا الرد على مقدمتكم الطبعة الأولى لا الطبعة الثانية التي أراك أنزلتها هنا .. فسأحاول أن أقارن بين الطبعتين وأرى موارد الاختلاف فيها وبالتالي يمكنني إضافة ملحق للرد ينسجم مع ما يرد من اختلاف في الطبعة الثانية وعلي أن أشير الى ذلك .
    أتقبل بكل رحابة صدر أي ملاحظة منكم على الرد فإني سأدرسها فعلاً وإن وجدت عدم صحتها عندي فلن أكون مجانباً للحق ان شاء الله .

    أملي أن تكون قرأت الرد كاملاً حتى تكون الملاحظات مدروسة .

    بصراحة كاملة قرأت المقدمة كاملة وهي عندي مطبوعة كما وردت في أصل الكتاب قبل سحبه من الاسواق وقرأتها أكثر من مرة , ووضعتها أمام آراء السيد الشهيد فرأيت إجحافا كبيراً بحق استاذكم الشهيد الصدر .. قد تقول أنه نقد ولا رأي مقدس ومعصوم , أقول نعم النقد العلمي لا إشكال فيه ومن المعقول أن تكون آراء السيد الشهيد قابلة للنقد وقابلة للتطور وقابلة لاكتشاف خطئها ولا إشكال في هذا , إنما الاشكال في اسلوب الطرح أولاً وعدم النقد بقدر ماهو توجيه اتهامات وتحامل واضح بل وإدانات .. والأدهى والأمر من ذلك كله أن فيه افتراء على السيد الشهيد فراجع الرد شيخنا .
    ومع هذا وذاك وكما أن آراء السيد الشهيد حالها حال كل الآراء توضع تحت طاولة النقد ( النقد لا التجريح وغيره ) فآراء غيره وخاصة ممن لم يتوصل الى مقامه العلمي والفكري وبينهما بون شاسع في هذا وبشكل أخص جداً الآراء التي تُطرح في معرض الرد على آراء الشهيد الصدر , من باب أولى أن تكون عرضة للنقد وأن تتوجس الأقلام الناقدة للردود خيفة مما ورائها لأن القرائن والتاريخ وأمور أخرى تلعب دوراً في هذا المضمار .

    الاخ البهبهاني : شكرا لك



    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    المشاركات
    132

    افتراضي

    الأخ الخزاعي
    السلام عليكم مع التحية

    ما عنيته -طلبا للوضوح- هو أن التفويض له أكثر من معنى -في الأحاديث- وهما المددي والاستقلالي

    وإنما الأمر -محل النواع- مرتبط -بصورة أو بأخرى- أن التفويض المددي يكون في حالة تصرف المعصوم بمشيئة الله بالكون وما فيه -((من الدرة إلى الذرة وأكثر)) كما يقال- والتفويض الاستقلالي -وهو الكفر بعينه- القول بأن لهم سيطرة -قليلة أو كثيرة- من دون الله -حتى ولو كانت برفع الإصبع-

    ومعك -مصافقة- في كون رأي العالم حجة في حال التعارض لكن -في هذه الحالة- لا يوجد تعارض أصلا لأن اللفظ -أو المصطلح- مشترك -في العموم- ومفترق -عند التخصيص- ونصوص الروايات في ((الكافي)) و((التوحيد)) وكتب الزيارات واضحة

    مع احترامي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني