[align=center]من المهن النسائية الرابحة، والتي قد انقرضت في عصرنا هذا مهنة برم الحرير وغزل الصوف، وكانت خيوط الحرير الخام تباع بالوزن في (سوق البزازين) قرب جامع الخفافين وبأمتداد (سوق الجوخجية). وكان يستورد من سوريا، او من مدينة ليون بفرنسا مباشرة، او من الصين، وكان لونه ابيض.

وبعد ان تشتري المرأة حاجتها بما يكفي لعمل فوطة او فوطتين او (جرغد) او مناديل كبيرة، وبعد ان تكون قد مرت على بضعة دكاكين وقضت ساعات طويلة للحصول على اجود بضاعة وبأقل الاسعار. ثم تأخذه الى البيت وتبدأ ببرم الخيوط بواسطة المغزل وتلف الحرير الخام على خشبة صغيرة تسمى (لولة) او (نبوبة)، ومنها تأخذ الخيوط الحريرية وتدخلها في رأس المغزل وتبدأ بالبرم وتستمر به حتى يمتلئ المغزل المحصور بين القاعدة ورقبة المغزل، ثم يلف الحرير على السربس اليدوي ويتحول الى (وشيعة) إذ تباع هذه الوشائع، اما الى سوق الغزل مع الصوف المغزول او في سوق القزازين بالمصبغة، والذي اشترت منه الحرير الخام او تبيعه في الكاظمية مباشرة الى معامل النسيج اليدوية، او اية استعمالات اخرى.

اما الصوف فأن فيه تعبا وعناء اكثر من الحرير، كما ان له آلات خاصة، وابتداء تختار المرأة نوعية من الصوف ولونه ونظافته، فالصوف الجيد هو النظيف ذو التيلة الطويلة الخالي من العقد والعطب (والعطب هو نوع من الشوك يلصق بالصوف ويصعب استخراجه). مع ضرورة صفاء اللون ووحدته، ان كان ابيض او اسود او احمر او (حمرة غنم) وبعد ان تشتريه بكل عناية وتساوم على سعره بأطول نفس تأخذه الى البيت وتبدأ عملية التمشيط، اذ لابد للمرأة من مشط خاص للصوف ودولاب وسربس ومغازل، ومشط الصوف يتكون من لوحة من خشب الجوز او الجاوي طولها اكثر من نصف متر وعرضها عشرون سنتمترا تقريبا، وفي احد رأسيها صفان من الاسنان الحديدية بطول اثنى عشر او خمسة عشر سنتمتران وتأخذ قطعا من الصوف وتمرره بهذه الاسنان الحديدية مرات عدة الى ان تمتص اسنان المشط جميع الاوساخ العالقة وتجعله ناعما. ثم يتم برمه بشكل اسطواني طوله قدم واحد مدبب من الراسين ويسمى (عميتة) ثم تبدأ غزل هذه العمايت بالمغزل. ويلف الغزل بعدئذ ويسمى (وشيعة) ويتم بيع هذه الوشايع حسب الجودة واللون.

اما اذا كان الصوف غير معد للغزل فأنه يلف على الدولاب الموجود لديها، خصوصا اذا كان الغزل معدا للبيع وليس مخصصا لعباءة الزواج او الابن او الحبيب، ويلف الغزل بعدئذ ويباع اما اذا كان الغزل للزوج او للولد فأنه لا يباع بل يعطى الى الحائك ليحوك به العباءات في محلات الحياكة الموجودة في بغداد او في الكاظمية او باب الشيخ، وتحاك العباءة على قطعتين، فوقانية وتحتانية، وخياط العبي، هو الذي يجمع بين القطعتين ويخيطها ويدرز الكتف اما بالحرير، او بالكلبدون مع البلابل في صدر العباءة كما تخيط اسفل العباءة (زنجافة) لغرض تثبيتها، كما هو الحال في آخر رجل البنطلون. ولم يكن في سوق الغزل ولع شديد لبيع الطيور في تلك الايام مثل الولع الشديد الآن لبيع الطيور والحيوانات، وقد كان هواة الطيور في الدرجة الثانية من السلم الاجتماعية حينها، وكان الناس لا يحبون (المطيرجية) لدرجة ان كلمة (مطيرجي) كانت تعد سبا وشتما او انتقاص من الشخص، لانه معتاد على الصعود على السطوح والتطلع على عورات النساء من الجيران، كما يحرم الناس لذة النوم صباحا بصياحه (عاع ، عاع) وبيده العصا والخرقة الطويلة، وانه قاس القلب لا يعرف الرحمة إذ يقتل القطط والهررة بدم بارد، ولم تكن الكلاب تباع في هذا السوق، لانها نجسة وغير مقبولة عند الناس وهكذا كان نساؤنا يقضين وقت فراغهن بمهن نافعة لهن او لذويهن.
[/align]