بغداد ـ عدنان شيرخان:
مثلما لاتذكر كرة القدم في العراق بدون ذكر شيخ المدربين عموبابا، فأن الملاكمة لا تذكر بدون سعيد عبدالحسين شيخ وعميد المدربين ، الذي أفنى حياته في هذه اللعبة لاعبا ومدربا . وخلال مسيرته الطويلة مع الملاكمة التي أمتدت لأكثر من نصف قرن تخرج العشرات من خيرة ملاكمي العراق من مدرسته ، وترك بصمات واضحة على هذه اللعبة. ألتقته (الصباح) في حديث أبتدأ بالتركيز على أهم المحطات في مسيرته الطويلة، وأنتهى بواقع اللعبة اليوم ، ورأيه بأنجح السبل لأستعادة بريق الملاكمة العراقية التي تسيدت لعقود عربيا وأقليميا .

لماذا الملاكمة دون غيرها ؟
عن بداية تعلقه بالملاكمة يقول سعيد عبدالحسين (66 عاما) : حدث ذلك بطريق الصدفة ، في العام 1953 كنت طالبا في الصف الخامس الابتدائي، لفتت نظري أعلانات في الشوارع عن نزالات بين نادي ( التاج الايراني) الزائر ونادي الهواة في باب المعظم، وكانت مشاهدتني لتلك النزالات بداية تعلقي وحبي الكبير بالملاكمة الى هذه اللحظة، وقد فاز النادي الايراني بمعظم الاوزان بأستثناء فوز حقي أسماعيل والمرحوم خالد حسن الكرخي ، وقد استطعت في العام 1975 من قيادة نادي الزوراء للفوز على النادي الأيراني بنتيجة مقاربة للنتيجة التي فازوا علينا قبل أكثر من عشرين عاما . ويشرح أسباب تعلقه بلعبة الملاكمة بقوله : وأنا في تلك السن الصغيرة كنت أنظر الى الملاكمة كلعبة رجولية، أستطيع من خلالها الدفاع عن نفسي بأسلوب رياضي ، شدتني هذه اللعبة لدرجة الهوس وبقيت أنتظر الفرصة للأنضمام الى (نادي الهواة)، وجائتني الفرصة في العام 1956 وبمساعدة شقيقي الأكبر ناصر، عندما ذهبنا للقاء مدرب النادي أحمد حسن الكرخي، الذي ضمني الى ناشئة النادي ، وكان تلك لحظات فرح لا توصف وتحقيق حلم كبير، وأستمريت في التدريب في النادي ، ولكن الامور لم تكن دائما تسير على ما يرام ، لأن الطريقة القديمة قي التدريب كانت تعتمد على أعطاء اللاعب الجديد(علقات ساخنة يومية) على يد ملاكمين أقدم منه لكي يقوى عوده ، وكان شعار التدريب المزيد من الملاكمة والمزيد من الضرب . ويتابع قائلا : حاولت أن أتقدم خطوة الى الامام في التدريب ومعرفة كل شئ عن الملاكمة ، ووقع في يدي كتابان( دروس في الملاكمة) و(تعبئة الملاكمة) ترجمهما عن الانكليزية رائد الملاكمة في العراق المرحوم (حفظي عزيز) . كنت أقرأ كل يوم عدد من الصفحات، وأحاول أن أطبق ما قرأته مع زملائي ( منذر النقشبندي وغازي عبدالصمد وفرات راضي جلو)، وبدأنا التركيز على المبادئ الاساسية وأستخدام أساليب الصد والمشاغلة باليسار المستقيم التي تعتبر العمود الفقري لتعلم مبادئ الملاكمة.
محطات في مسيرة حافلة
المحطة المهمة الاولى في حياة الملاكم الشاب سعيد عبدالحسين كانت مشاركته في تقديم نزال أستعراضي بث حيا على الهواء في أفتتاح تلفزيون بغداد التي أهدت (شركة باي) البريطانية أجهزته ليكون أول تلفزيون عربي ، يقول : كانت المرة الاولى أصعد الى الحلبة وامام الكاميرا، كان موقفا صعبا بل مرعبا، وقد لعبت مع ملاكم متمكن وبطل للعراق هو الاخ ناطق نصيف الملا، الذي ساعدني كثيرا لأكمل معه ثلاثة جولات ، وكان بأمكانه أن يسقطني أرضا في اللحظات الاولى ، وكان أرتباكي دافعا لأن أضربه بكل قوتي ، وقد تحمل الضرب المبرح من ملاكم ناشئ وبروح رياضية عالية . وكانت مكافئتنا في المشاركة بأفتتاح التلفزيون العراقي هي فصلنا من نادي الهواة ، بسبب أعتراض النادي على تخصيص مكافأة المشاركة للملاكمين وليس للنادي . ولكن تلك المشاركة على الهواء ومتابعة الناس لنا كانت محطة مهمة ودافعا كبيرا للتدريب ، وكنا نتدرب في الصباح وفي المساء وحتى خلال الفرص المدرسية بين الدروس كنا نقوم ببعض التمارين أملا بالوصول الى لياقة بدنية عالية ، ووصلت الامور لحد أن أصحو من النوم في الليل لأصعد وأنزل درج البيت عشرات المرات. الفرصة الكبيرة لم تتحقق وهي المشاركة في الدورة العربية الثانية في بيروت عام 1957، ويقول : شاركت بأول بطولة للعراق في ذلك العام وكانت كأستعداد وتصفيات للمشاركة في الدورة العربية، وأثر فوزي رشحت لتلك الدورة لأمثل العراق، ولكن وباء الانفلونزا الذي ضرب العراق في تلك السنة أصابني وأبعدني عن تلك المشاركة . وبعد شفائي بفترة لعبت ضد أحد أشهر أبطال العراق يومها ملاكم نادي فيصل في كرادة مريم ( قهرمان باقر) ، وكان فوزي على ذلك البطل حديث الناس ، بعدها تحديت أكبر ملاكم في زمانه المرحوم (شمخي جبر) وفزت عليه في نزال مشهود.
وكان للقدر رأي آخر !!
لعب القدر دورا كبيرا في حياة الملاكم الشاب سعيد عبدالحسين(19 عاما) ، عندما تعرض لحادث سيارة مرعب وهو في قمة عطاءه، يقول عن تلك الحادثة : بعد ثورة تموز 1958 وأثناء ذهابي لمشاهدة حريق الكيلاني المشهور، صدمتني سيارة مسرعة ، أدت الى كسر ساقي ثم حدثت مضاعفات في الكسر والجرح أدت الى بترها، بعدها سافرت الى بريطانيا بمساعدة المرحومين الدكتور كاظم شبر وحفظي عزيز ، لتركيب ساق أصطناعية والعلاج الطبيعي ، وأعطاني حفظي عزيز الذي كان طيار الملك غازي رسالة الى أحد مدربي الملاكمة المعروفين وهو (جاك سلمون) الذي أصبح فيما بعد مدير أعمال اشهر ملاكم بريطاني ( هنري كوبر) ، وعمل الرجل ما بوسعه لمساعدتي على التكيف على وضعي الجديد ، وكان عندي أصرار كبير لتحدي هذا العوق، ولكني كنت من جانب آخر واقعيا في تفكيري، وبدا أن حظوظي للعودة الى الملاكمة مع العوق الذي أصبت به ضئيلة ، ودفعني حبي الكبير للملاكمة للتفكير بالتدريب اذا لم أستطع من العودة الى الحلبة، وتمكنت خلال تلك الفترة التي قضيتها في بريطانيا من التأهل كمدرب وحصلت على أجازة لتدريب الملاكمة للناشئين.
تحدي بطولي من طراز فريد
لعل هذ المحطة التي سيتحدث عنها سعيد عبدالحسين من أغرب وأعظم محطات حياته، كيف يمكن لملاكم بساق أصطناعية أن يهزم هذا العوق أولا ، ويهزم الملاكم الذي أمامه ويحصل على بطولة العراق ؟ يقول بعد عودتي من بريطانيا ، لم أترك الملاكمة بدأت بالتدريب الخفيف وكنت ألبس (تراكسوتا) طويلا ، وطلبت من المدرب المرحوم (عبدالسلام نيازي) أن يسمح لي باللعب، وبعد حوالي الخمسة أشهر قدمت عرضا فنيا أستعراضيا لما تعملته في بريطانيا مع (عزت عباس) وهو أحد رواد الملاكمة في الشرطة ، الامر الذي شجعني للتقدم للأشتراك في بطولة العراق ، ولكن اتحاد الملاكمة طلب مني تقريرا طبيا يسمح لي بالمشاركة ، وقد ساعدني الدكتور كاظم شبر ورئيس الاتحاد المرحوم ( عبدالجبار الصالحي) في تنفيذ رغبيتي بالمشاركة ، التي ترجمتها الى فوز ببطولة العراق لعام 1959 . ولكن الامر توقف عند تلك البطولة ، بعد أن تدخلت مديرية الالعاب الرياضية في اللجنة الاولمبية العراقية في موضوع مشاركتي ، وكتبوا للأتحاد الدولي للملاكمة : هل يجوز لشخص بمثل هذا العوق أن يستمر في الملاكمة ؟ وكان جواب الاتحاد الدولي بمنعي من الملاكمة !!
ويكمل : مع جواب الاتحاد الدولي بمنعي من الملاكمة أنتهت سريعا رحلتي كملاكم وكان عمري 20 عاما ، وأنتهت معها أحلامي وآمالي بان أكون ملاكما عظيما ، ولكني لم أستسلم ولم يدب اليأس في قلبي لحظة واحدة ، وحبي الكبير للملاكمة دفعني بكل قوة وثقل الى التدريب ، حيث عملت مساعدا لأعظم ملاكم عراقي المرحوم ( عادل كامل) الذي كان مدربا لنادي السكك ، ثم مدربا للنادي عام ( 1965) بعد خروجه من النادي لخلافه مع أدارته ، ورفضت تسلم المنصب أحتراما ووفاء وتقديرا لهذا الملاكم الفذ والمدرب الكبير ، الا بعد أن أستلم عادل مهمة تدريب نادي الشرطة . أستمريت في تدريب نادي السكك وحصلنا على بطولة العراق لخمسة سنوات ، بعدها تحول اسم النادي الى (المواصلات والنقل) عام 1968 ثم الى اسمه الحالي ( الزوراء ) عام 1972 . رحلة التدريب رحلة طويلة ، ولكني أستطيع أن اوجزها بأرقام لها دلالات كبيرة ، فقد فاز نادي الزواء ( نادي المواصلات والنقل) الذي دربت فريق الملاكمة فيه بـ 35 مرة ببطولة المتقدمين ، وبـ 30 مرة ببطولة الشباب والناشئين ، وعصر نادي الزوراء الذهبي كان موسم 75 و76 ، وألمع فوز كان له في بريطانيا عام 1975 في بطولة مجلس السكك العالمي ، واحرز الزوراء المركز الاول متقدما على 13 دولة متقدمة في الملاكمة ، وقد أشادت الصحافة البريطانية بالملاكمين العراقيين لفوزهم في ثمانية أوزان . الفريق الوطني الذي تشرفت بتدريبه عقود طويلة فاز بستة مرات كبطل للعرب ، وأستطعنا تأهيل ثلاثة ملاكمين ( المرحوم فراس ناجي ، أحمد غانم وأسماعيل خليل) في بطولة أسيا في الفلبين للدورة الاولمبية في برشلونة عام 1992 ، وفوز البطل اسماعيل خليل ببطولة آسيا لثلاثة مرات . وتحدث بتواضع عما قدمه للملاكمة كمدرب (برغم أنه يحمل اكثر من 20 شهادة دولية في التدريب) قال : أبتداء أود أن اقول أنني من المؤمنين بالعلم والتطور في التدريب ، وقد شاركت وحرصت كثيرا على المشاركة في العديد من الدورات الدولية ، عملت على تغيير واقع التدريب من كسر الانوف وتحطيم الاسنان الى تكتيكات فنية ، أبعدنا الخطورة عن التدريب، كنت أول من أدخل نظام الملاكمة المقصورة أو المقيدة ( وهي سر نجاح الملاكمة في العالم) ، وأدخلت دروع الملاكمة (كفوف المدرب) الى العراق ، نوعنا أساليب التدريب خاصة فيما يتعلق باللياقة البدنية ، وكما يعلم الجميع فأن الملاكمة تحتاج الى لياقة بدنية عالية للغاية ، تحتاج الى القوة والسرعة والمطاولة والمرونة ، ولاتأتي هذه الامور الا بالتدريب الشاق المكثف.
عقد الملاكمة العراقية الذهبي
وقصد به سبعينات القرن الماضي ، وقال ملاكمو تلك الفترة هم الاحسن، وشكلوا مجموعة متجانسة عملت بجد وحماسة ، وأثمرت جهودهم بأعظم الانجازات عام 1980 بالفوز ببطولة العرب وبطولة العالم العسكرية في الملاكمة ، وكانت تلك المرة الاولى أن تخسر أمريكا بالترتيب الفرقي ، وأستطيع الان القول أن البداية الجيدة لذلك الجيل الرائع من الملاكمين كان في عام 1974 في الدورة الآسيوية التي أقيمت في طهران وتكون الفريق يومها من ( وزن 48 كغم طه البيضاني ، وزن 51 كغم عبدالزهرة جواد ، وزن 54 كغم أسماعيل أبراهيم ، وزن 57 كغم كاظم محمد علي ، وزن 60 كغم زبرج سبتي، وزن 63 كغم فاروق جنجون، وزن 67 كغم شاكر شنيشل ، وزن 71 كغم علي عبدالامير، وزن 75 كغم سالم صبري ) . وأصبح العديد من هؤلاء الملاكمين وغيرهم من جيل السبعينات أبطالا للعرب والعالم العسكري ، وأنا فخور جدا بهم ، والذي يحز في قلبي كثيرا أن مسيرة الملاكمة لو استمرت على وتيرة ما حققه هذا الجيل لأصبح العراق من أرفع الدول في الملاكمة ، ولكن الظروف الصعبة التي مر بها العراق أبتداء من العام 1980 والتي تمثلت في حربه مع أيران ثم الكويت والحصار الاقتصادي دمرت الملاكمة ، ومعها كل اللعب الفردية ، ومع هذا فيمكن مثلا الاشارة الى مشاركات خارجية ، في بطولة تونس الدولية عام 1983 فاز العراق بذهبتين ، وأنجازات عظيمة في الدورة العربية في المغرب عام 1984 ( ذهبية لكل من أسماعيل خليل ونصير خالد وأربعة فضة ) ، ولكن مع أستمرار الحرب بدأت قاعدة الملاكمة تضيق ، بعد أن جند المجتمع كل طاقاته في ( سبيل المعركة).
واقع الملاكمة
حول موقع ومكانة الملاكمة العراقية ، يقول سعيد عبدالحسين بنبرة الخبير الواثق من نفسه : كان بالامكان الوصول الى مقام أحسن الدول بالملاكمة لو كان هناك تخطيط صحيح ومدروس لواقع الرياضة بصورة عامة والملاكمة بصورة خاصة ، ولو حظيت الملاكمة بجزء من الاهتمام والدعم الذي حظيت به كرة القدم لأصبح عندنا ملاكمين أبطال قارة ودورات أولمبية ، مشكلتنا في الرياضة ومنذ عقود هو التمييز والتركيز والتحييز السافر لصالح كرة القدم ، ولم يكن هناك من يستطيع أن يجاهر بأهمية اللعبات الفردية وما يمكن أن تقدمه للبلد من أنجازات كبيرة ، أستطعنا تغيير خارطة الملاكمة في العالم العربي لصالح العراق لسنوات ، وكان يحسب للملاكم العراقي ألف حساب، ولكننا لم نستطع الاستمرار بسبب ظروف البلد ، ويخطأ من يتصور أن الألعاب الفردية يمكن أن تمارس داخل قاعات مغلقة وبعيدا عن الدعم والاحتكاك ، وأن بالأمكان أعداد عمالقة وأبطال في اللعبة وأنت منزوي في قاعة متخلفة لنادي فقير ، الظرف السائد في البلد لم يخدمنا ، وعانت الرياضة من مشاكل أرضاء المسؤولين وأمزجتهم ومن القلق النفسي الكبير الذي ساد أيام الحرب العراقية الايرانية وسنوات الحصار، وكانت الرياضة أحدى الوسائل لأنقاذ أرواح الشباب من الموت في جبهات القتال ، وتمثلت أمنية كل رياضي في أن يسحب الى الالعاب عندما يتم استدعاءه الى الخدمة العسكرية أو الاحتياط ، وهذه عوامل ضغط رهيبة لاتخدم واقع اللعبة ، فأستمرينا ولكن المستوى العام كان في أنحدار ، وأنحسرت قاعدة اللعبة بعد توجه كل طاقات المجتمع لمد جبهات القتال بالمقاتلين.
حلــول
يدافع عن الملاكمة وبقية الألعاب بقوله : للملاكمة جمهور كبير في العراق الى جانب ألعاب أخرى كالعاب الساحة والميدان وكرة السلة والمصارعة ورفع الاثقال ، وكان هذا الامر واضحا في فترة الخمسينات والستينات وحتى السبعينات، وكان جمهور كبير يحرص على حضور نزالات الملاكمة ، لم يكن هناك تحييز أو توجه مقصود لصالح لعبة معينة ، مع تواجد صحافة رياضية وكتاب ونقاد متخصصين يحللون مباريات كل لعبة بشكل علمي دقيق . اذا اردنا أن نعيد الاعتبار لكل الالعاب لابد أولا أزالة التمييز بينها جميعا ، وننظر الى واقع النوادي المؤلم ، تجتمع قيادات البلد الرياضية وتقرر شيئا بشأن هذه النوادي التي تعاني جميعا من الافلاس نتيجة ضعف أو أنعدام الموارد ، وأمامهم عدة حلول ، أما أرجاعها كما كانت أندية مؤسسات تابعة للوزارات قبل أن تضم جميعا الى وزارة الشباب واللجنة الاولمبية ، أو جعلها شركات خاصة كما هو معمول به في مصر وتونس وبقية الدول العربية ودول المنطقة . واقع النوادي اليوم أكثر من مؤلم بسبب الظروف التي يمر بها العراق ، وكل النوادي تقريبا بدون أيرادات حقيقية ، الملعب التي تقام عليه مباراة كرة القدم لايأتي بأكثر من 200 ألف دينار ، وموارد الدعاية والاعلانات لاتغطي جزء صغير من رواتب ومخصصات اللاعبين ، كرة القدم ( تأكل) أكثر من 95 بالمئة من ميزانية النوادي ، وتبقى الخمسة بالمئة تشترك بها كل الألعاب الباقية . ويعود للحديث عن الملاكمة ، قائلا : في كل الالعاب يجب أن نولي أكبر الاهتمام والرعاية للقاعدة التي تزود اللعبة بالناشئة الذين يصبحون فيما بعد أبطالا ، أحد أهم الاشياء التي ينبغي أن نولي لها اهتماما عند التخطيط الصحيح لرفع مستوى الملاكمة هو أعادتها الى المدراس ، وكانت ألعاب المدراس في الملاكمة قبل عقود أول المحطات المهمة والمميزة في حياة أبطال اللعبة ، واقترح أنشاء مراكز تدريبية متخصصة في العاصمة بغداد بواقع مركزين في كل الكرخ والرصافة وبقية المحافظات ، وأمداد هذه المراكز بخيرة المدربين ، وأبدى العديد من الملاحظات المهمة حول واقع التدريب والمدربين ، قائلا اذا تحدثنا عن التدريب بشكل علمي ، فهناك حقيقة تقول ليس بالأمكان تحول أي بطل الى مدرب بعد أعتزاله ، لأن التدريب شئ واللعب شئ آخر ، فكيف اذا جئت بملاكمين فاشلين أو من لم يمارس اللعبة وتريد أن تجعل منه مدربا ناجحا ومثمرا، واقع التدريب يقول أن العديد من المدربين لايحملون أبسط الشهادات الدراسية ، وعيوب الدورات التدربيبة الرئيس كان نجاح كل المشتركين فيها وبأمتحانات شكلية أو بدون أمتحانات ، وسبق لي أن اقترحت قبل عقود بضرورة أقامة دورات تدريبية تنافسية جادة ، وأدخال التخصص ( حسب الألعاب) في كليات التربية الرياضية . وحول الفريق الوطني للملاكمة ، أشار الى ضرورة لم شمله بصورة شبه دائمية ، بدلا من فترات قصيرة تسبق المنافسات ، وأكد على ضرورة دخوله معسكرات تدربيبة داخل وخارج البلد ، وقال الاحتكاك واللعب مع ملاكمين دوليين وحده القادر على صقل المواهب الحقيقية . وحول أدخال الاحتراف الى الملاكمة لرفع مستواها ، قال هذا موضوع خارج عن أرادتنا ، ويحتاج الى عوامل عديدة لأنجاحه ، وأشار الى أن الخيط الرفيع الذي يفصل بين الهواية والاحتراف يكاد يتلاشى ، ولكن بدون فوائد الاحتراف المادية الهائلة ، وأوضح للذين لم يدركوا بغداد خمسينات القرن الماضي أن الملاكمة العراقية شهدت في تلك الفترة نزالات أحترافية ، وقال جرت في قاعة ( ملهى الامباسي) في الكرادة العديد من النزالات الكبيرة وتحت رعاية متعهده البريطاني ( كاري كور) ، وكان يدفع للفائز مبلغ ( 80 أو 90 دينارا) وهو مبلغ كبير للغاية بحساب ذلك الزمن ، واذكر هنا نزال الملاكم عبدالمغني السماوي ضد شمعون يوسف ، ونزال الملاكم العملاق عادل كامل مع حميد البدري ، ونزال المرحوم نافع منعم الذي كان يلقب بجو لويس العراق مع محمد سلبي ، وكانت تلك النزلات تدار بروح الاحتراف التنافسية ، وتعمل لها دعاية كبيرة من منشورات في الشوارع والصحف.
أستدراك
وحول أحتمال أتهامه بالتحامل على كرة القدم ، قال : أرجو أن لايفهم من كلامي أنني ضد كرة القدم وجمهورها ، وضد تطورها ، ولايمنع ابدا وهذا كان واقع الحال قبل عقود أن يشكل جزء كبير من جمهور كرة القدم جمهور الملاكمة أو الساحة والميدان أو المصارعة أو كرة السلة وغيرها ، وأود أن اذكر الاخوة الذين عاصروا تلك الفترات واسألهم عن ازدهار ألعاب الساحة والميدان وكرة السلة والمصارعة والملاكمة ، وعن ملعب الكشافة عندما كانت تقام ألعاب الساحة والميدان ، أين ذهبت كل تلك الالعاب، تدهورت وأضمحلت بسبب التخطيط الفاسد والتحييز المزاجي لكرة القدم ، وحتى واقع كرة القدم لم يتقدم نتيجة الضغوط الهائلة التي كانت تقع على المدربين واللاعبين نتيجة التركيز والتحييز وأشتراط الفوز مسبقا . فلذلك أدعو الى التنوع وتوزيع الاهتمام على كافة اللعب، وكما هو واضح في بقية الدول ، خذ مثلا تطور كرة اليد والملاكمة وألعاب الساحة والميدان (خاصة المسافات المتوسطة) في دول المغرب العربي الى جانب كرة القدم مثل.ا
السؤال الصعب
طلبنا أخيرا من شيخ المدربين أن يحدد لنا اسماء أحسن عشرة ملاكمين دربهم خلال مسيرته الطويلة ، رفض الالتزام برقم وظل يعدد قائمة طويلة : وقف على رأسها الملاكم الكبير أسماعيل خليل، وملاكم البصرة الفذ زبرج سبتي، علي عبدالامير، سامي سلمان ، سمير عبدالحسين، خليل شياع ، كاظم محمد علي ، مجيد عبدالحسين، المرحوم خالد شاكر، فاروق جنجون، المرحوم فراس ناجي، رحمن داود، سعدي جبار ، سالم صبري، حسين هادي ، جبارخير الله، شاكر شنيشل ، أحمد غانم، رعد الخيال ، عماد محمود، رعد علي ، جاسم مشالي، زهير خضير، عباس كلف، ،عبدالزهرة جواد، قاسم عبد ترف، علي تكليف، ناجي عباس، ضرغام ناجي، سراقة صبيح ، عماد سعيد ، أرشد جمال ، المرحوم حسن نوري ، ، مصطفى مهدي ، عاذر خضر، أسامه ضرار ، وقدم أعتذاره المسبق لمن فات ذكره . وطلب منا أخيرا أن نفسح له المجال لتقديم شكره وأمتنانه الى الذين وقفوا معه وساندوه وآزروه خلال رحلته الطويلة المرحوم حفظي عزيز (رائد الملاكمة في العراق) ، مدربه المرحوم عبدالسلام نيازي الذي وصفه بالأب والأخ والقلب الكبير، والمرحوم عادل كامل الذي وصفه لعدة مرات بالملاكم الاحسن في تأريخ العراق ، ولحميد البازي وفائق الجقماقجي (مدير ألعاب السكك) ، وصفاء محمد علي رئيس أتحاد الملاكمة في حقبة السبعينيات.