أسئلة يجيب عليها سماحة العلامة فضل الله

س: لا يوجد علاقة زوجية خالية من الخلافات، كيف السبيل إلى حلّ المشاكل الأسرية بدون أن يؤثّر ذلك على الأولاد؟

ج: بما أن الخلاف الزوجي أمر طبيعي وشائع، فمن واجب الزوجين في حالة التنافر أن لا يتنازعا أمام الأولاد، بحيث لا يسيء الرجل إلى زوجته فيضربها أو يشتمها أو يعنّفها أمام الأولاد، ولا تسيء الزوجة إلى زوجها بأن تتمرد عليه أو تحقِّره أو ما إلى ذلك أمامهم، لأن ذلك سوف يترك تأثيراً سلبياً على الأولاد، فينشأون معقّدين تتنازعهم عواطف متناقضة بين الحب والكراهية تجاه والديهم اللّذَيْن يؤذي كل منهما الآخر، كما قد ينعكس ذلك على حياة الأولاد المستقبلية تنشأ البنت والصبي وفي ذهنيهما إدراك مشوّه لطبيعة العلاقة التي تربط الزوجين، بحيث يحاولان إسقاطها على حياتهما.

هذا ما شاهدناه في كثير من التجارب، التي تحوّل فيها الولد إلى شخص قاسٍ على زوجته، لأن أباه كان قاسياً على أمه، وكانت فيه البنت متمردة على زوجها لأن أمها كانت كذلك. فالبيت هو المدرسة التي تزرع في نفس الأولاد بذور المعرفة الأولى بالعالم، الأمر الذي يحوّل تجربة الآباء والأمهات إلى درس يتلقّاه أبناؤهم باكراً في مفهوم الزوجية أو في أي مفهوم إنساني أو اجتماعي..

[align=center]* * *[/align]

س: ما هي الحدود التي يجب على الأم الوقوف عندها في طريقة لبسها أمام أولادها والأخت أمام إخوانها ونحن نعرف أنهم من المحارم؟

ج: أمام الأطفال، ليس من الضرورة أن تتقيّد الأم أو الأخت بلباس خاص داخل البيت كي لا تخلق لديهم إحساساً بالعقدة تجاه ذلك، لأن مقداراً ما من الانكشاف يعدّ أمراً طبيعياً في البيت، وهو أمر ينشأ الأولاد على تقبّله، لكن هذا لا يعني الانكشاف الكلي أمام الولد، على الأم أن لا تظهر أمام أولادها بصورة تعتبر غير مألوفة بما قد يفتح غرائز الأولاد ويلفت انتباههم بشكل غير طبيعي.

في العنوان الأولي لم يحرم الإسلام شيئاً داخل الأسرة، حتى أنه أجاز للأخت أن تظهر بثيابها العادية ومن دون حجاب أمام أخيها أو الأم كذلك، ولكن قد نحتاج، في أجواء مشابهة لأجوائنا هذه الأيام، حيث يعمل الإعلام بكل وسائله على إثارة الغرائز حتى تجاه المحرّمات، إلى مقدار من الاحتشام حتى داخل البيت، بما لا يثير المراهقين أو المراهقات، ويحملهم على الانحراف الخطر باتجاه إنشاء علاقة مع المحارم.

وهذا ما نلاحظه في التقليد الإسلامي الذي يدعو إلى التفريق بين الأولاد في المضاجع في سن العشر سنوات، سواء كانوا من الذكور أو الإناث وهذا قبل الأجواء الإعلامية الحديثة، باعتبار أن التماس الجسدي بينهم في هذه السن الحرجة قد يؤدي إلى نتائج سلبية، حيث تبدأ أحاسيس الولد بجسده بالتفتح الذي قد يجذب أحد الطرفين للآخر، لا سيما إذا توفرت الأجواء الملائمة. نحن بحاجة للالتزام بمثل هذه التعاليم حماية للأولاد في هذه الأجواء غير الطبيعية التي نعيشها.

قد يتصوّر بعض الناس أن التقيّد باللباس المحتشم والحركات غير الموحية في البيت، تفرض التزامات قد تعقّد الولد الذكر أو الأنثى، ولكننا نقول إنه في الحالات التي أشرنا إليها، أي الحالات الانحرافية الطارئة التي تسود المجتمع بحيث تخلق الإثارة في نفس البنت أو الصبي تجاه المحارم من أخوة وأخوات وأهل أو ما إلى ذلك بشكل عادي جداً، في مثل هذه الحالة يصبح جوّ البيت المتساهل خطراً على أخلاقية الأولاد، الأمر الذي يستدعي الالتزام بالحشمة داخله مع ما يحمله ذلك من احتمالات التعقيد لصالح تجاوز الخطر الأكبر الذي يحمله التساهل. في كل الحالات من الأفضل الاحتشام "النسبي" الذي لا يخلق الإثارة..

[align=center]* * *[/align]

س: ورد في الحديث: "من كان عنده صبي فليتصاب له"، ألا يؤثّر ذلك التصابي على جعل الولد يفقد اللياقة الاجتماعية مع والديه؟
ج: لعلّ المقصود من التصابي للولد هو أن يتقمّص شخصية الطفل وذهنيته ومشاعره ولغته، بحيث يشعر بأن هناك طفلاً يكلّم طفلاً في مستواه الطفولي، فلا يثقله بأسلوب الكبار وذهنيتهم في الحديث، مما قد لا يستطيع فهمه، وليس المقصود أن يفقد الأب أو الأم اتزانهما بما يبعد عن اللياقة الاجتماعية التي قد تضرّ الولد، ومن الواضح أن الإسلام يريد للإنسان أن يخطّط في أيّ شأن أخلاقي على أساس التوازن بين قيمة وقيمة، فلا تسقط إحداها بالتأكيد على الأخرى، فإذا كان الله سبحانه يريد للأب أو للأم أو يقدما التنازل للولد في أسلوب التعامل معه ليقتربا منه، فإنه يريد لكلّ منهما أن يحافظ على ما يحفظ للأبوة أو الأمومة معناهما في ذهنية الطفل على مستوى احترامهما الذي يترك أثراً إيجابياً على مسألة التربية.

[align=center]* * *[/align]

س: مع انتشار ظاهرة الاستخدام، في المنازل ارتفعت بعض الأصوات الرافضة لوجود الخادمات في المنازل ونحن نعرف أن وجود الخادمات وحتى المرضعات ليس بالأمر الجديد. ماذا تقولون في هذا؟

ج: هناك فرق بين أن نعهد بالطفل إلى مرضعة، كما كان يحصل سابقاً أو إلى خادمة كما يحصل اليوم، ففي السابق كان الاعتقاد السائد: أن للرضاع واللبن ـ كما هو وارد عندنا في بعض الأحاديث ـ دوراً في التكوين الجسدي والروحي في نفس الرضيع. لهذا كانت تُسْتَرْضَع المرأة الجميلة والهادئة، لأن للبنها تأثيراً في بناء شخصية الطفل، فالمرضعة لم تكن تدخل البيت، بل كان يعهد بالطفل إليها، بغياب الأم أصلاً، وكانت تختار وفق مواصفات معينة يراد نقلها إلى الطفل.

كما يُعهد بأي طفل لأي مربية تقوم مقام الأم في حال فقدانها. أما ما تعارف عليه الناس اليوم من الاستعانة بالخادمات أو المربيات.. فالغرض منه حلّ مشكلة الأم العاملة وحلّ مشكلة الأب القاصر عن تلبية متطلبات منزله، وليس المراد منه حل مشكلة الولد.

إن انشغال الأم عن الطفل وتسليمه للخادمات اللاتي لا علم للأسرة بهن من أين تينَ، وما هي طبيعة تربيتهن، وما هي أخلاقهن وعقيدتهن؟.. قد يمثل خطراً على الطفل، لأن الخادمة سوف تزرع في نفسه الكثير من السلبيات التي تحملها، في الوقت نفسه الذي يُحْرَم فيه من حنان أمه وعاطفتها، لأن التربية ليست مجرد تعليمات تصدر إلى الطفل، بل هي عاطفة يستشعرها في حضن أمه مما يحيطه بفيض عاطفي وروحي يضفي عليه لوناً من الأمن النفسي، فيجعله مستعداً لقبول ما يُطرح عليه.

إن الاستعانة بالخادمات اليوم لا يرتبط بأي مصلحة تربوية للطفل، بل يرتبط بظروف الأم الصحية أو الاجتماعية التي تحملها على ذلك.

في حالات خاصة جداً قد تحتاج الأم إلى مربية تؤازرها في تربية الطفل، عندما يكون الولد بحاجة إلى رعاية لا تملك الأم تأمينها له، وهكذا فإن الاستعانة بالمربية قد تكون مبررة، فقط في ظروف الحاجة الملحة، كفقدان الأم مثلاً بحيث تكون المربية أماً بديلة للطفل أو في حال كان وضع الأم الصحي صعباً إلى درجة تشلها عن رعاية الطفل عملياً، أو عندما يبلغ الطفل مرحلة الحاجة إلى التعلّم وكانت إمكانات الأم لا تكفي في تحقيق ذلك.