النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    افتراضي كيف نقرأ الشهيد الصدر؟ (للسيد عبدالله الغريفي)

    من خطب سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي - البحرين


    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى وآله الطاهرين .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    لكي نفهم أيّ شخصية لابد أن نقرأها ، ولكي يكون الفهم صحيحاً لهذه الشخصية يجب أن تكون القراءة صحيحة .

    أن تقرأ أيّ إنسان قراءة خاطئة ، أو قراءة مبتورة ، فإنّ هذا ينتج فهماً خاطئاً وفهماً مبتوراً لذلك الإنسان .

    في البداية أودّ أن أنبه أنني لا أتناول في هذه القراءة ( السيرة الذاتية ) للشهيد الصدر ، هذه المسألة في حاجة إلى قراءة مستقلة .

    هناك صيغتان لقراءة الشهيد الصدر ( الصيغتان ضمن القراءة الصحيحة طبقاً ) .

    الصيغة الأولى : القراءة التجزيئية :
    أن نقرأ الشهيد الصدر فقيهاً ، أن نقرأه مفسراً ، أن نقراه أخلاقياً ، أن نقراه أصولياً ، أن نقراه فيلسوفاً ، أن نقراه اقتصاديا ، أن نقراه سياسياً ، أن نقراه باحثاً اجتماعيا ، أن نقراه مفكراً ، أن نقراه كاتباً، في هذه الصيغة تحاول القراءة أن تطل على بعد من أبعاد تكوّن وتشكّل الشهيد الصدر .

    الصيغة الثانية : القراءة الشمولية :
    أن نقرأ الشهيد مشروعاً شاملاً ، يحتضن مجموعة مكوّنات متكاملة ، في هذه الصيغة تحاول القراءة أن تتجاوز الأبعاد الجزئية إلى المضمون الشمولي الذي تتلاحم في داخله تلك الأجزاء .

    لا شك أنّ فهم الشهيد الصدر يفرض الحاجة إلى كل من القراءتين .

    فالقراءة التجزيئية تضعنا أمام المكوّنات التفصيلية لشخصية الصدر ، ولا يمكن أن نتوفر على القراءة الشمولية ما لم تتكون لدينا رؤية واضحة عن الأبعاد والمكوّنات .

    والقراءة الشمولية هي الأخرى ضرورية جداً ؛ كونها تعطي المضمون الأوسع والأشمل في فهم شخصية الشهيد الصدر .

    وإنَّ غياب هذه القراءة يضعنا أمام رؤية تجزيئية غير قادرة على إستيعاب الصورة الكاملة لشخصية الشهيد الصدر .

    وإذا حاولنا أن نلقي نظرة تقويمية على ما تمَّ إنجازه من قراءات ودراسات حول شخصية الصدر ، فإننا سوف نجد أن الإتجاه التجزيئي هو الطاغي على هذه القراءات والدراسات ، رغم أنّها لا زالت لا تناسب كماً ونوعاً مع الحجم الكبير لهذه الشخصية ، ولست هنا في صدد التقويم والنقد لهذه الدراسات ، وأتمنى لو نتوفر على قراءة تقويمية ونقدية لما صدر من كتابات ودراسات تناولت شخصية الشهيد الصدر .

    ما أحاول أن أتناوله في هذا اللقاء المبارك والذي يعبّر عن مساهمة صادقة في الوفاء للشهيد الصدر ، وكم هي الأمة مدينةً لهذا الإنسان الكبير الذي أعطي كل وجوده من أجل الإسلام ، ومن أجل هذه الأمة المنتمية إلى الإسلام ، فمن الوفاء أن تجدد الأمة ذكرى الشهيد الصدر ، ومن الوفاء أن نعطي للشهيد الصدر حضوره في كل واقعنا الروحي والثقافي والاجتماعي والسّياسي ، فقد كان الحاضر في كل قضايا الأمة وفي كل همومها وفي كل طموحاتها .

    أقول ما أحاول أن أتناوله هنا هو التأسيس لقراءة شمولية تفهم الشهيد الصدر مشروعاً تغييرياً كبيراً .

    فكيف نؤسس لهذه القراءة الشمولية ؟ وكيف نحاول أن نكتشف مكوّنات هذا المشروع التغييري الكبير ؟

    إنّ الشهيد الصدر ومن خلال رؤية واعية بكل المتغيرات في واقع الأمة ، ومن خلال فهمٍ مستوعب لكل حيثيات المشروع المناهض للإسلام ، والذي استطاع النفوذ إلى أهم المفاصل في مجتمعات المسلمين ، وقد نجح هذا المشروع في تشكيل صياغاته التغريبية حيث هيمن على :


    1- الواقع السِّياسي .
    2- الواقع الثقافي .
    3- الواقع التعليمي .
    4- الواقع الاقتصادي .
    5- الواقع الإعلامي .

    وأصبحت أجيال المسلمين محكومة لهذه الصياغات التغريبية بكل إمتداراتها السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية ، وتكونت النخب السياسية والثقافية المتغربة ، وأخذت تمارس دور التأصيل والحماية للمشروع المناهض للإسلام .

    وقد تصدّى لهذا المشروع عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين ، وبأساليب متنوعة ومتعددة ، أخذت شكل المواجهات الفكرية على مستوى الكتابات التي تعرّف بالإسلام ، وترد على شبهات الغرب ضد الإسلام ، وشكل التنظيمات السياسية التي حاولت إعادة الواقع السّياسي للإسلام ، وشكل الجمعيات الثقافية التي تصدّت لمؤسسات التغريب ، وشكل المدارس الأهلية الدينية التي ساهمت في حماية أجيال المسلمين .

    ورغم هذا التنوع في أساليب التصدّي للمشروع التغريبي المناهض للإسلام ، الإّ أنّه لم يتأسس مشروع متكامل يعتمد الإسلام في مواجهة المشروع المضاد .

    من هنا كان الشهيد الصدر يفكر في صياغة هذا المشروع الإسلامي التغييري في مواجهة المشروع التغريبي المناهض للإسلام، وقد توفر الشهيد الصدر على مجموعة مكوّنات أهلّته أن يكون بمستوى التصدّي لصياغة هذا المشروع ولعل من أهم هذه المكوّنات :

    1) الأصالة الفكرية المتميزة التي تشكّل عقلية الشهيد الصدر في كل معالجاته وطروحاته ، وفي كل رؤاه وتصوراته ، كان الشهيد الصدر يتعاطى بعمق مع مصادر الفكر الإسلامي المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وسنة الأئمة من أهل البيت (ع) ، وكان يملك وعياً بتاريخ الرسالة وما يحتضنه هذا التاريخ من معطيات أساسية ، ولا شك أن تاريخ الرسالة ومعطياته تشكل رافداً هاماً من روافد الفكر ، يضاف إلى ذلك توفر الشهيد الصدر على رؤية ناضجة بكل التراث الفكري الذي أنتجه العقل الإسلامي في المراحل التاريخية المتعددة وهكذا تكونت ( الأصالة الفكرية ) عند الشهيد الصدر .

    2) القدرات العقلية والعلمية الفائقة عند الشهيد الصدر ، مما وفر له إمكانات غير عادية في فهم الإسلام ، وفي فهم كل المشروعات المناهضة للإسلام ، وفي التصدّي لصياغة المشروع الإسلامي التغييري بكل كفاءة وجدارة .

    3) الكفاءات النفسية الكبيرة التي أهلّت الشهيد الصدر على مستوى المشروع التغييري ، فقوة الشخصية ، وصلابة الإرادة ، والقدرة على الصبر وتحمل المعاناة ، والثقة بالنفس ، والأمل والطموح والتفاؤل ، والحركية ، والفاعلية ، والهادفية ، كلهّا عناصر ساهمت في التأهيل والإعداد عند الشهيد الصدر .

    4) الإمكانات التعبيرية المتميزة ، فالشهيد الصدر كاتب من الطراز الأول الأمر الذي أتاح له القدرة على صياغة مشروعه بكل دقةٍ ووضوح ولم يعتمد على تلامذته في كتابة المشروع .

    5) العقل المنهجي عند الشهيد الصدر ، تميز التفكير عند الشهيد الصدر بمنهجية واضحة، وقد تجسّدت هذه المنهجية في كل وطروحاته الفكرية ، وفي كل نتاجاته العلمية ، وفي كل معالجاته الإجتماعية ، وفي كل أبحاثه الفقهية والأصولية ، وفي كل محاضراته الأخلاقية والتاريخية والقرآنية ، وكان لهذا العقل المنهجي عند الشهيد الصدر دوره الكبير في إنتاج المشروع التغييري وصياغة مكوّناته .

    6) العقل التجديدي عند الشهيد الصدر ، على مستوى المنهج وعلى مستوى الأفكار والنظريات ، ومن الواضح أنّ الشهيد الصدر ومن خلال نتاجاته ، ومن خلال مشروعاته في داخل الحوزة وفي خارجها ، قد أعتمد التجديد والتطوير ، ولم يتجمد عند الموروثات المتحكمة في مسارات الواقع الثقافي والاجتماعي والحوزوي .

    7) وأخيراً يجب أن لا ننسى أنّ المكوّن الأقوى في شخصية الشهيد الصدر هو (الإخلاص المنقطع النظير لله تعالى ) ، فلم ينطلق في أيّ عمل من الأعمال بدوافع شخصية أو نفعيه ولذلك كان التسديد الرباني يلازمه دائماً .

    جاء في حديث للشهيد الصدر حول كتابه ( فلسفتنا ) :
    (( حينما طبعت الكتاب لم أكن أعرف أنّه سيكون له هذا الصيت العظيم في العالم والدوي الكبير في المجتمعات البشرية مما يؤدي إلى اشتهار من ينسب إليه الكتاب وكنت أفكر أحياناً فيما لو كنت مطلعاً على ذلك وعلى مدى تأثيره في إعلاء شأن مؤلفه لدى الناس فهل كنت مستعداً لطبعه باسم جماعة العلماء وليس باسمي كما كنت مستعداً لذلك أو لا ؟ وأكاد أبكي خشية أني لو كنت مطلعاً على ذلك لم أكن مستعداً لطبعه بغير أسمي )) .

    درس كبير أتمنى لو نستوعبه جميعاً ، ( إن العبد ليشر له من الثناء ما بين المشرق و المغرب و لا يساوي الله جناح بعوضه )

    وكان لهذا العقل التجديدي دوره الفاعل في صياغة المشروع التغييري الذي نهض به الشهيد الصدر .

    ما هي الملامح العامة لمشروع الشهيد الصدر التغييري ؟

    يمكن أن نتعرف على هذه الملامح من خلال العناصر التالية :

    العنصر الأول : التغييرية :
    * لماذا المشروع التغييري ؟
    لقد وجد الشهيد الصدر من خلال رؤيته لواقع المسلمين أنّ هناك مساحتين مختلفتين في هذا الواقع :

    المساحة الأول : الواقع الفردي للمسلمين
    وهذا الواقع ظل محكوماً - على نحو الإجمال - للإسلام ، فالمسلمون في واقعهم الفردي يتحركون من خلال تعاليم الإسلام ، لا يعني هذا عدم وجود انحرافات عن الإسلام في داخل سلوكات الأفراد ، وإنّما المقصود أنّ الإسلام بقي هو الموجه لهذا الواقع الفردي في حياة المسلمين .
    المساحة الثانية : الواقع النظامي للمسلمين
    ونعني بهذه المساحة واقع الأنظمة الّسياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية والثقافية التي تحكم المسلمين، وهذه المساحة من واقع المسلمين سقطت في قبضة هيمنة المشروع المناهض للإسلام ، وقد أصبح المسلمون مأسورين لهذه الهيمنة ، ما دامت الأنظمة الحاكمة في مجتمعات المسلمين هي أسيرة هذا المشروع .

    فمن خلال هذه الرؤية كان التغيير لواقع الأنظمة هو " الخيار " الذي إعتمده الشهيد الصدر ، من أجل إعادة الإسلام إلى موقعه في حاكمية المسلمين .

    وإن النهج الإصلاحي الترميمي لا ينفع لأعادة صياغة الواقع بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسّياسية ، ما دامت هذه المكونات في قبضة الأنظمة المنحرفة عن الإسلام ، فالتغيير - ومن خلال الإسلام - هو العنصر الأساس في هذا المشروع .

    فمرتكزات التغيير في مشروع الشهيد الصدر :

    المبدأ الصالح والمتمثل في الإسلام .
    القيادة الصالحة والمتمثلة في ( قيادة الفقهاء ) - نتناول هذا العنصر بعد قليل - .
    الأمة الصالحة المنتمية للمبدأ الصالح والخاضعة للقيادة الصالحة .


    العنصر الثاني : الشمولية :

    لم يكن المشروع التغييري الذي طرحه الشهيد الصدر مشروعاً يستهدف تغييراً جزئياً في واقع المسلمين ، إنّما هو مشروع شمولي يهدف إلى إعادة صياغة الواقع بكل إمتداداته ومكوّناته.

    واهم المفاصل التي ينظمها هذا المشروع هي :


    المفصل العقيدي .
    المفصل الفكري والثقافي .
    المفصل الروحي والأخلاقي .
    المفصل الإجتماعي .
    المفصل الإقتصادي .
    المفصل التربوي .
    المفصل السّياسي .

    وقد حاول الشهيد الصدر أن يعالج هذه المفاصل من خلال مجموعة دراساته وأبحاثه وطروحاته .


    العنصر الثالث : التأسيس الفقهي :

    لم يكن الشهيد الصدر ليطرح مشروعة التغييري دون أن يؤسس له فقهياً ، لذلك وجدنا الشهيد الصدر يصنف الفقه إلى مستويات :
    فقه الفرد .
    فقه المجتمع .
    فقه الدولة .

    وقد كتب الشهيد الصدر عدة أبحاث تناولت ضرورة تطوير الذهنية الاجتهادية ، وضرورة تطوير المنهج الاستنباطي عند الفقهاء بما يتناسب وضرورات الواقع الجديد بكل متغيراته وحاجاته .

    كما أكد على ضرورة صياغة الفقه صياغة جديدة مستوعبة لحاجات الفرد والمجتمع والدولة .


    العنصر الرابع : الأخلاقية والروحية :

    كان الشهيد الصدر يؤكد في أحاديثه ومحاضراته على المسألة الروحية والأخلاقية كعنوان كبير في المشروع التغييري ، وكان يدعو إلى ضرورة التزواج بين الروحانية والحركية ، فالتعامل مع المسألة الروحية والأخلاقية له ثلاث صيغ :

    الصيغة الأولى : فصل المسألة الروحية والأخلاقية عن حركة الواقع :
    وبعبارة أخرى التعاطي مع المسألة الروحية بعيداً عن الواقع ، هذه الصيغة تلغي الواقع" روحانية جامدة "، هذا النمط من التعاطي مع الحالة الروحية مرفوض في وعي الشهيد الصدر.
    الصيغة الثانية : إلغاء المسالة الروحية في حركة الواقع :
    وبعبارة أخرى عدم الاعتراف بالقضايا الروحية بدعوى أنّ القضايا الروحية تعطّل حركة الواقع هذه الصيغة يرفضها الشهيد الصدر ، كونها تحمل فهماً خاطئاً للمسألة الروحية ، وكونها تنتج أثاراً خطيرة في حركة الواقع ، فمن خلال هذه الصيغة ينشأ مثقفون بلا روحانية ، وينشأ سياسيون بلا روحانية ، وينشأ حركيون بلا روحانية .
    الصيغة الثالثة : الروحانية المتحركة :
    وهذه الصيغة تعطي للمسألة الروحية دورها الفاعل في حركة الواقع "الثقافي والاجتماعي والسيّاسي والجهادي"، وهنا ينشأ الروحانيون الحركيون ، وينشأ الحركيون الروحانيون ، هذه الصيغة هي التي يؤكد عليها مشروع الشهيد الصدر .

    وهناك بعد أخر أكدّ عليه هذا المشروع التغييري عند الشهيد الصدر ، وهو"حالة التزواج بين الفقه والأخلاق" ، فقد لاحظ الشهيد الصدر ظاهرة انفصال " المسالة الأخلاقية " عن "المضمون الفقهي" في تطبيقات الإنسان المسلم ، حيث أنّ المسائل الأخلاقية لا تملك قوة " الإلزام الفقهي" فلا حرج في التخلي عنها .

    ومما كرّس هذا الفهم عند الفرد المسلم هو الافتراق بين الفقه والأخلاق في" الرسائل العملية" للفقهاء ، وفي" الكتب الخلاقية" .

    * فهنا اتجاهان خاطئان - وفق منظور الشهيد الصدر - .
    الإتجاه الأول : التعاطي مع المسألة الفقهية بعيداً عن المضمون الأخلاقي .
    الإتجاه الثاني : التعاطي مع المسألة الأخلاقية بعيداً عن المضمون الفقهي.

    وفي ضوء هذا الرفض لهذين الإتجاهين يؤكد الشهيد الصدر على ضرورة ( التزاوج بين المضمون الفقهي والمضمون الخلاقي ) ، وهذا التزاوج : يعطي للالتزامية الفقهية مضموناً أخلاقياً ، ويعطي للممارسة الأخلاقية الزامية فقهية .


    العنصر الخامس : ضرورة صياغة وعي الأمة :

    الشهيد الصدر في مشروعه التغييري يعتمد أساساً على تشكّل " الوعي" عند الأمة .

    فما لم يتشكل هذا الوعي عند الأمة فإنّ حركة المشروع التغييري سوف لن تتفعل ، من هنا كان تأكيده على ضرورة صياغة وعي الأمة كشرط أساس لنجاح المشروع التغييري ، ومن الواضح جداً في طروحات الشهيد الصدر مسألة الإهتمام بوعي الأمة ، وكما ذكرنا في موقع سابق من هذا الحديث أنّ (الأمة الصالحة) هي أحد مكوّنات التغيير في مشروع الشهيد الصدر ، فصياغة الوعي التغييري عند الأمة ضرورة لنجاح هذا المشروع ، والوعي التغييري المطلوب يتشكل من :
    الوعي بمفاهيم الإسلام ومبادئه وقيمه .
    الوعي بضرورة التغيير على أساس الإسلام .
    الوعي بضرورة وجود المشروع المؤهل لانجاز مهمة التغيير .
    الوعي بكل العوامل التي تساهم في نجاح هذا المشروع .
    الوعي بكل المعوقان التي تعرقل حركة المشروع .


    العنصر السادس : المرجعية الصالحة الكفوءة :

    من أساسيات المشروع التغييري عند الشهيد الصدر هو التفكير في شأن المرجعية الفقهائية باعتبارها القيادة المؤهلة ، وقد صاغ الشهيد الصدر أطروحته في تطوير (( اسلوب العمل المرجعي )) ، وتهدف هذه الأطروحة ، وحسب ما جاء في النص المكتوب من قبل السيد الصدر نفسه :


    أولاً : إيجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي للمرجعية يقوم على أساس الكفاءة والتخصص وتقسيم العمل ، وإستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرشيد في ضوء الأهداف المحددة ، ويقوم هذا الجهاز بدلاً عن الحاشية التي تعبر عن جهاز عفوي مرتجل يتكون من أشخاص جمعتهم الصدفة والظروف الطبيعية لتغطية الحاجات الآنيّة بذهنية تجزيئية وبدون أهداف واضحة محددة .

    ويشتمل هذا الجهاز - أي جهاز المرجعية الصالحة المطلوب توفيره - على لجان متعددة تتكامل وتنمو بالتدريج إلى أن تستوعب كل إمكانات العمل المرجعي .
    وذكر الشهيد الصدد اللجان التالية :
    لجنة أو لجان لتسيير الوضع الدراسي في الحوزة العلمية .
    لجنة الإنتاج العلمي .
    لجنة أو لجان مسؤولة عن شؤون علماء المناطق المرتبطة بالمرجعية .
    لجنة الاتصالات .
    لجنة رعاية العمل الإسلامي .
    اللجنة المالية .
    وقد حدد الشهيد الصدر صلاحيات ووظائف هذه اللجان .


    ثانياً : إيجاد إمتداد أفقي حقيقي للمرجعية يجعل منها محوراً قوياً تنصب فيه كل قوى ممثلي المرجعية والمنتسبين اليها في العالم، لأن المرجعية حينما نتبنى أهدافاً كبيرة وتمارس عملاً تغييرياً وواعياً في الأمة لابد أن تستقطب اكبر قدر ممكن من النفوذ لتستعين به في ذلك .

    ويحاول الشهيد من خلال هذه الصيغة تطوير شكل الممارسة للعمل المرجعي ، فبدلاً من أن تكون الممارسة فردية - وفق الصيغة التقليدية - فإن المرجع - وفق الصيغة الجديدة - يمارس عمله من مجلس يضم علماء الشيعة والقوى الممثلة له دينياً ، وربط المرجع نفسه بهذا المجلس . وبهذا يكون العمل المرجعي موضوعياً ، إن كانت المرجعية نفسها بوصفها ينابة عن الإمام قائمة بشخص المرجع .


    ثالثاً : إيجاد امتداد زمني للمرجعية الصالحة لا تتسع له حياة الفرد الواحد ، فلابد من ضمان نسبي لتسلسل المرجعية في الإنسان الصالح المؤمن بأهداف المرجعية الصالحة ، لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية إلى من لا يؤمن بأهدافها الواعية ولابد أيضاً من أن يهيأ المجال للمرجع الجديد ليبدأ ممارسة مسؤولياته من حيث انتهى المرجع السابق بدلاً من أن يبدأ من الصفر ، ويتحمل مشاق هذه البداية وما تتطلبه من جهود جابنيه ، وبهذا يتاح للمرجعية الاحتفاظ بهذه الجهود للأهداف وممارسة ألوان من التخطيط الطويل المدى ويتم ذلك عن طريق شكل المرجعية الموضوعية إذ في إطار المرجعية الموضوعية لا يوجد المرجع فقط بل يوجد المرجع كذات ويوجد الموضوع وهو المجلس بما يضم من جهاز يمارس العمل المرجعي الرشيد ، وشخص المرجع هو العنصر الذي يموت ، وأما الموضوع فهو ثابت ، ويكون ضماناً نسبياً إلى درجه معقولة بترشيح المرجع الصالح في حال خلو المركز ، وللجهاز - بحكم ممارسته للعمل المرجعي، ونفوذه ، وصلاته ، وثقة الأمة به - دائماً على إسناد مرشحه وكسب ثقة الأمة إلى جانبه .
    العراق حبّ لا تحده حدود العراق

  2. #2

    افتراضي

    في ذكرى الشهيد الصدر 1 (الأخيرة).

    تاريخ: 2003-04-18 م

    سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي:

    بسم اللّه الرحمن الرحيم

    الحمد للّه ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وآله الهداة المعصومين..


    تمر بنا هذه الأيام ذكرى استشهاد العالم الرباني الكبير السيّد محمد باقر الصدر رضوان اللّه عليه..
    وقد شاءت إرادة اللّه وحكمته أن تكون الأيام شهدت دم الشهيد الصدر هي نفسها الأيام التي تشهد سقوط نظام الطاغية صدام الذي مارس بيده الملوثة جريمة قتل الإمام الصدر.

    وإنه لدرس كبير يجب أن تستوعبه كل الأنظمة الظالمة، فمهما طال عمر الظلم والجور والاستبداد فإنَّ دماء الشهداء لن تهدأ حتى تسقط الأنظمة وتنتهي عذابات الشعوب..

    حديثنا عن الشهيد الصدر يتناول مجموعة نقاط:
    ٭ ولادته ونشأته.
    ٭ شريكته في الجهاد الشهيدة بنت الهدى
    ٭ محطة الشهادة
    ٭ رؤيته حول الثقافة الروحية

    ولادته ونشاته:

    شهيدنا الصدر ولد في مدينة الكاظمية، وفي كنف جده الإمام موسى بن جعفر، وكانت ولادته في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 3531 هجرية المصادفة لسنة 4391 ميلادية..
    نشأ السيّد الصدر يتيماً، فقد مات والده السيّد حيدر الصدر وهو في السنوات الأولى من عمره، وهكذا شابه جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حياة اليتم والفقر وضنك العيش..
    احتضنت رعايته والدته العابدة التقية بنت آية اللّه الشيخ عبد الحسين آل ياسين وهم من أعاظم الفقهاء، وقد عرف عن والدة الشهيد الصدر أنها مثالاً عالياً للتقوى والورع، كانت شديدة الحب للّه تعالى ولرسوله ولأهل بيته (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، كانت لا تفارق القرآن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكانت دائمة الذكر لله تعالى لا يفتر لسانها عن التسبيح والتحميد والإستغفار وقد تحملت الكثير الكثير من المعاناة حيث عاشت مع الشهيد الصدر أيام المحنة الصعبة وأيام الحصار الأخير، وكانت صابرة محتسبة..
    في هذا الكنف الطاهر المبارك ترعرع ونشأ السيّد الصدر، ويجب أن لا ننسى دور أخيه الأكبر آية اللّه السيّد اسماعيل الصدر فقد أولاه الكثير من الرعاية والاهتمام مما خفف عنه آلام اليتم وقسوة الحياة..
    خلّف الشهيد الصدر ولداً واحداً هو السيّد محمد جعفر الصدر يشتغل الآن بالدراسة الحوزوية في قم المقدسة، كما خلّف الشهيد الصدر خمس بنات طاهرات نقيات..
    ولا أريد أن أسترسل في السيرة الذاتية للشهيد الصدر، وإن كانت هذه السيرة جديرة بأن نقف عندها كثيراً فهي غنية بالعطاء والدروس الكبيرة، ولكني أحاول أن أقف عند محطة الشهادة في حياة السيّد الصدر «رضوان اللّه عليه»، كما أحاول أن أعالج باختصار رؤية الشهيد الصدر حول «الثقافة الروحية».

    شريكته في الجهاد:

    وقبل ذلك لا يسعنا أبداً أن نغفل الحديث عن شريكة الشهيد الصدر في الجهاد أخته الشهيدة بنت الهدى (رضوان اللّه عليه)، هذه المرأة العظيمة التي أعطت كلَّ وجودها للإسلام، كانت عالمة، مفكرة مثقفة، أديبة، وقد برهنت كتاباتها ونتاجاتها على هذا المستوى الكبير من العلم والفكر والثقافة والأدب، والذي وظفته في خدمة الإسلام، والدفاع عن مبادئ الدين وقيم القرآن..
    وكانت رضوان اللّه عليها المربية الكبيرة التي استطاعت أن تنتج جيلاً مؤمناً واعياً من بنات الإسلام، فالجيل الطليعي من بنات العراق ومن نساء العراق، هذا الجيل الذي برهن على كفاءته الإيمانية، وعلى قدراته الرسالية، وعلى دوره الفاعل في العمل للإسلام والجهاد من أجل الدين، هذا الجيل النسوي الطليعي كان من صنع الشهيدة بنت الهدى (رضوان اللّه عليها)..
    ولم يقتصر جهاد السيّدة آمنة الصدر بنت الهدى على العمل الثقافي والتربوي والتبليغي بل أمتد ليشمل العمل السياسي فكانت شريكة أخيها السيّد الصدر في الإنطلاق بالإسلام ليواجه كلَّ تحديات العصر، وفي الإنطلاق بالإسلام ليواجه كل الواقع الثقافي والاجتماعي والسَّياسي، وفي الإنطلاق بالإسلام ليواجه نظام الظلم والقهر والاستبداد في العراق وكانت النتيجة أن سقط السيّد الصدر شهيداً في هذا الطريق وسقطت السيّدة آمنة الصدر شهيدة في هذا الطريق..

    محطة الشهادة:

    ولنا وقفة مع محطة الشهادة في حياة السيّد الصدر وفي حياة السيّدة بنت الهدى....
    الشيخ محمد رضا النعماني - آخر من بقي مع الشهيد الصدر في الحصار الأخير - يحدثنا عن استشهاد الصدر رضوان اللّه عليه...
    يقول الشيخ النعماني في كتابه (شهيد الأمة وشاهدها) - وما أذكره هنا من كلامه فيه شيء من التصرف والايجاز - في اليوم الخامس من شهر نيسان الأسود (أبريل) عام 0891 ميلادية وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر جاء جلاوزة الأمن لاعتقال السيّد الصدر...
    قالوا له: إنَّ المسؤولين يودون لقاءك في بغداد
    قال لهم: إذا أمروكم باعتقالي فاذهب معكم
    قالوا: نعم هو اعتقال...
    قال السيّد الصدر: انتظروني دقائق حتى أودع أهلي
    قالوا: لا حاجة لذلك ففي نفس هذا اليوم أو غدٍ سنعود
    قال السيّد: وهل يضركم أن أودع أطفالي وأهلي
    قالوا: لا، ولكن لا حاجة لذلك ومع ذلك فافعل ما تشاء ودّع الشهيد الصدر أهله وأطفاله...
    وأخذه الجلاوزة إلى بغداد وهو مستبشر حيث تنتظره الشهادة، فطالما تمنى الشهادة، كان آخر خطاب له وجهه إلى أبناء الشعب:
    (أنا أعلن لكم يا أبنائي أني صممت على الشهادة، ولعل هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنَّ أبواب الجنان قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب اللّه لكم النصر، وما ألذَّ الشهادة التي قال عنها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنّها حسنة لا تضّر معها سيئة، والشهيد بشهادته يغسلُ كل ذنوبه مهما بلغت).
    وفي اليوم الثاني جاء الجلاوزة الى دار الشهيد الصدر لاعتقال السيّدة بنت الهدى
    قالوا لها: إنّ السيّد طلب حضورك الى بغداد...
    قالت وهي الشامخة الصامدة: نعم سمعاً وطاعةً لأخي إن كان قد طلبني، ولا تظنوا أنيّ خائفة من الإعدام، واللّه اني سعيدة بذلك، إنّ هذا طريق آبائي وأجدادي...
    ثم استأذنتهم ودخلت الى داخل الدار لتقول كلمتها الأخيرة الى الشيخ النعماني:
    «أخي أبا علي لقد أدّى أخي ما عليه، وأنا ذاهبة لكي أؤدّي ما عليّ، ان عاقبتنا على خير أوصيك بأمي وأولاد أخي، لم يبقَ لهم أحد غيرك إن جزاءك على أمي فاطمة الزهراء والسلام عليك»(قال لها الشيخ النعماني: لا تذهبي معهم قالت: لا واللّهِ حتى أشارك أخي في كل شي حتى الشهادة.... أخذوها الى بغداد....

    وفي مساء اليوم التاسع من نيسان (أبريل) عام 0891 ميلادية وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف.....
    وفي ظلام الليل الدامس، تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار الحجة السيّد محمد صادق الصدر - والد الشهيد الصدر الثاني - طرقوا الباب، خرج السيّد لهم، ماذا تريدون؟ «تفضل معنا إلى بناية المحافظة» خرج معهم بشيخوخته وآلامه، وما ان وصلوا به إلى مبنى المحافظة حتى فاجأه المجرم مدير أمن النجف قائلاً: هذه جنازة الصدر وأخته قد تم إعدامهما، والمطلوب منك أن تذهب معنا لدفنهما...
    قال السيّد: لابدَّ لي من تغسيلهما...
    قالوا له: قد تمَّ تغسيلهما وتكفينهما...
    قال السيّد: لابدَّ من الصلاة عليهما...
    قالوا له: نعم صلِّ عليهما...
    وبعد ان انتهى من الصلاة قالوا له: هل تحب أن تراهما...
    قال السيّد: نعم.. فأمر الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد الشهيد الصدر «رضوان اللّه عليه» مضرجاً بدمائه، وآثار التعذيب على كل مكان من وجهه وكذلك شاهد الشهيدة بنت الهدى «رضوان اللّه عليها» مضرّجة بدمائها، وآثار التعذيب واضحة على كل مكان من وجهها...
    ثم قالوا له: لك أن تخبر عن إعدام السيّد الصدر، ولكن إياك أن تخبر عن إعدام بنت الهدى، إن جزاءك سيكون الإعدام...

    كم كان هذا قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل، وهو يشاهد هذه المأساة، وهو يشاهد الشهيد الصدر جسداً هامداً عبثت به أيدي الجريمة وغيّرت ملامحه جراحات والتعذيب، وصبغت لحيته الشريفة دماء الشهادة...
    كم كان قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل ان تقع عينه على الشهيدة بنت الهدى جسداً هامداً عبثت به ايدي الجريمة، وغيّرت ملامحها جراحات التعذيب وصبغتها دماء الشهادة...

    والأشد قسوة على قلبه أنه لا يملك القدرة ان يتحدث عن إعدام الشهيدة بنت الهدى، ولذلك بقى خبر أستشهادها مخفياً...
    وشاعت أخبار - في وقتها - تشكك في إعدام السيّدة بنت الهدى، إلاّ أنّ السيّد محمد صادق الصدر لما حانت منه الوفاة أخبر عن شهادة السيّدة بنت الهدى (رضوان اللّه عليها)...

    وهكذا أعطى الشهيد الصدر دمه في مواجهة نظام الظلم والقهر والاستبداد ومن أجل أن ينتصر شعب العراق المظلوم وهكذا أعطت الشهيدة بنت الهدى دمها في هذا الطريق...
    كان ذلك في الاسبوع الثاني من نيسان «أبريل» عام 0891م، وفي الاسبوع الثاني من نيسان «ابريل» عام 3002 ميلادية سقط نظام الطاغية صدَّام في بغداد...

    فهل يعتبر الطغاة المجرمون؟
    وهل يعتبر سفاكو الدماء؟
    وهل يعتبر العابثون بمقدرات الشعوب؟
    وهل يعتبر طواغيت الأرض؟
    وإذا كان دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض طيلة حكم الطاغية صدام فسوف يبقى دم الشهيد الصّدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ العراق، هذه المرحلة التي تحاول أمريكا أن ترسم كلّ معالمها، وكلّ مكوناتها الثقافية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والأمنية والعسكرية..

    سيبقى دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى يستنهض إرادته الأمة لتواجه مشروعات الهيمنة والمصادرة والإلغاء..
    فإذا كان الشعب العراقي وفياً لهذا الدم الطاهر، فيجب أن تتوحد إراته من أجل إنهاء الاحتلال الأمريكي البريطاني الكافر، ويجب أن تتوحد إرادته من أجل صياغة حاضر العراق ومستقبل العراق بعيداً عن كلِّ الشعارات الزائفة التي تحاول أن تصادر هوية هذا البلد وأصالته وتاريخه...

    وإذا كانت الأمة في كل مكان وفيةً لدم الشهيد الصدر ولدم الشهيدة بنت الهدى فيجب أن تؤكد ولاءها وانتماءها إلى خط الإيمان والأصالة لتواجه مشروعات العبث بثقافة الأمة، وبأخلاق الأمة، وبقيم الأمة، وبعبارة أكثر وضوحاً العبث بدين الأمة، وبإسلام الأمة...

    فإذا كنا الأوفياء لشهيدنا الصدر، فمسؤوليتنا أن نبقي الشهيد حاضراً في ذاكرتنا، وان نبقي الصدر حاضراً في عواطفنا، وان نبقي الشهيد الصدر حاضراً في سلوكنا، وان نبقي الشهيد الصدر حاضراً في كلِّ واقعنا الثقافي والروحي والأخلاقي والاجتماعي والسّياسي...

    نتابع الحديث حول الشهيد الصدر في الاسبوع القادم إن شاء اللّه تعالى...
    وفي ختام حديثنا نتضرع إلى الباري عز وجل أن يحفظ اخوتنا في فلسطين واخوتنا في العراق من كيد الصهاينة والأمريكان... كما نسأله تعالى ان يعين شعبنا المسلم في العراق كي يتجاوز هذه المرحلة الصعبة بكلِّ تداعياتِها الخطيرة، واوضاعها القلقة، وتحدياتها القاسية، وأن يقرر هذا الشعب مصيره بنفسه في إختيار غط الحكم والسلطة بعيداً عن الوصاية الامريكية التي تحاول ان تصوغ الوضع في العراق وفق مصالح أمريكا وإسرائيل...
    إنَّ وعي شعب العراق وبصيرته، ووحدته وتلاحمه هو السبيل للوقوف في وجه كل الاطماع والمؤامرات والمخططات...

    وفي السياق نود أن نعبّر عن قلقنا الشديد تجاه ما يدور في مدينة النجف الأشرف مما يهدد شأن الحوزة العلمية وشأن المرجعية الدينية، إننا نشجب بقوة أيَّ مساس بهذا الشأن الحوزوي والمرجعي، كون ذلك يعني المس بمشاعر ملايين المسلمين، في شتى أنحاء العالم، ونخشى ان يترتب على ذلك توترات وإرباكات خطيرة تعقّد الاوضاع وتأزم حالات الاستقرار...
    نسأل اللّه تعالى أن يحمي حوزاتِنا وأن يحمي مراجعنا من كيد العابثين والظالمين والكافرين، إنــّه تعالى هو القادر الذي لا تقهر إرادته، ولا تنهزم قوته...

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
    العراق حبّ لا تحده حدود العراق

  3. #3

    افتراضي

    خطبته أيضاً، في إحدى ذكريات استشهاد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره):

    ونحن نقترب من ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) لا بد لنا من كلمة:

    لا يجوز أن يغيب عن ذاكرة الأجيال هذا الإنسان العظيم الذي أعطى كلّ حياته، وكل وجوده وأعطى كل قطرة من دمه من أجل الإسلام، ومن أجل أن تبقى لهذه الأمة أصالتها، ودينها، وقيمها، وأن يبقى لهذه الأمة عنفوانها وشموخها وصمودها وإرادتها.

    تتزامن ذكرى الشهيد الصدر هذه السنة مع أحداث دامية في العراق، عراق الشهيد الصدر، تمر الذكرى والقوى الصليبية الحاقدة تدمر العراق وشعب العراق، أمريكا بغطرستها وجنونها تقتل أطفال العراق، ونساء العراق وشباب العراق، وأبناء العراق الطائرات والدبابات والمدرعات والصواريخ والقذائف تحرق وتدمر وتقصف وتزرع الرعب والخوف، والعالم كله آذان صماء، الدول، الهيئات الدولية، منظمة الأمم، مجالس الأمن، الأنظمة العربية والإسلامية، الأحزاب، المؤسسات، صمت كامل أمام الغطرسة الأمريكية، صمت كامل ودماء الشعوب تنزف في العراق، هل حقاً أن أمريكا جاءت إلى العراق من أجل أن تنقذ شعب العراق، وأن تحرر إرادة الشعب العراقي، وأن تؤسس لديمقراطية عصرية في العراق، هذه أوهام زائفة، ودعاوى كاذبة، ما يحدث في العراق في ظل الهيمنة الأمريكية شيئ آخر، مصادرة للحريات، عبث لكلّ الأوضاع، إرهاب وعنف ودماء.

    الفوضى المجنونة في كل مكان، لا صرامة مع العابثين والمخربين والمفسدين، لقد دمرّ طاغية العراق صدّام كلّ شيء في العراق وجاءت أمريكا لتواصل مشوار الدمار جاءت أمريكا لتفرض مشروعها في الهيمنة والسيطرة هذا هو هدف المشروع الأمريكي في كل المنطقة وليس في العراق فقط، نعم تمر ذكرى الشهيد الصدر والعراق يئن من جراحاته النازفة، وشعب العراق يعيش إمتحاناً قاسياً صعباً، نسأل الله تعالى بحق دم الشهيد الصدر وبحق دم العلوية الطاهرة بنت الهدى وبحق كلّ الدماء المسفوكة ظلماً على أرض العراق، أن يخلص هذا الشعب، وأن ينقذ هذا الشعب، وأن يحمي مقدرات العراق، ومقدسات العراق، وحاضر العراق ومستقبل العراق.
    وما أحوج شعبنا في العراق إلى مزيد من التلاحم ونبذ الخلافات والصراعات، وإلى التمسك بقيم الإسلام وأخلاق الدين، وإلى الالتفاف حول المرجعية الدينية والقيادات النظيفة، وإلى التشاور وتداول الأمور بوعي وبصيرة وحكمة، وإلى الحذر من كلّ الدسائس والمؤامرات والفتن الطائفية والمذهبية، وبهذه المناسبة ونحن نعيش ذكرى الشهيد الصدر أود أن أطرح هذا المشروع، وكلّ أملي أن يتجاوب جميع المؤمنين مع هذا المشروع، وإنه جزء من الدين الذي في أعناقنا جميعاً للشهيد الصدر رضوان الله عليه.

    إنكم تعلمون أيهّا المؤمنون أنّ قبر الشهيد الصدر بقى مخفياً ومجهولاً ومنسياً تاريخاً طويلاً، فمنذ أن وقعت الجريمة النكراء في إعدام السيد الصدر على يد مجرم العراق صدام حسين، جاء جلاوزته بالجثمان الطاهر إلى النجف الأشرف، وحسب ما جاء في كتاب (شهيد الأمة وشاهدها) للشيخ محمد رضا النعماني أنه «في مساء التاسع من نيسان 0891م، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف، وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله)، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف، وكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن النجف فقال له: هذه جنازة الصدر وأخته قد تم إعدامهما وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما فقال المرحوم السيد محمد صادق الصدر: لابد لي من تغسيلهما.
    فقال له مدير الأمن قد تم تغسيلهما وتكفينهما، فقال: لابد من الصلاة عليهما، فقال مدير الأمن: نعم صلِ عليهما وبعد أن انتهى من الصلاة قال له مدير الأمن: هل تحب أن تراهما؟ فقال: نعم فأمر الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد السيد الصدر (رضوان الله عليه) مضرجاً بدمائه وآثار التعذيب على كلّ مكان من وجهه، وكذلك كان حال الشهيدة بنت الهدى (رحمهما الله) ثم قال له: لك أن تخبر عن إعدام السيد الصدر، ولكن إياك أن تخبر عن إعدام بنت الهدى، إن جزاءك سيكون الإعدام».

    ولما حانت وفاة المرحوم السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) أخبر عن شهادة بنت الهدى. وقد دفن السيد الصدر في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف وإلى جانبه أخته الطاهرة بنت الهدى في مكان أعرفه على نحو الإجمال.
    هذا نص ماذكره النعماني في كتابه وهو آخر من بقى مع الشهيد الصدر في فترة الحصار.

    المساهمة في مشروع بناء ضريح الشهيد الصدر:
    وهكذا دفن الشهيد الصدر في مقبرة الغري في حالة من التعتيم والخفاء والإرهاب، وبقي مكان القبر مجهولاً إلا عند قلة قليلة من الناس لا تجرأ أن تتحدث بذلك، وكان أحد المؤمنين ممن شارك في دفن الشهيد الصدر قد قام بخطوة جريئة جداً فبعد الدفن مباشرة جاء في الخفاء ونقل الجثمان إلى مكان آخر خوفاً عليه من عبث البعثيين.

    وهذا الإنسان هو الذي أخبر بمكان القبر بعد سقوط النظام وقد تم نقل الجثمان مرة ثانية إلى حيث الموضع الحالي في أطراف مقبرة السلام في الاتجاه المؤدي إلى كربلاء، وآن الوقت أن يكون للشهيد الصدر قبره المعروف وضريحه المشهور، بما يتناسب ومكانة هذا الإنسان العظيم، وهذا العالم الكبير، وهذا الرباني المقدّس، وإذا كان لا بد أن يكون للشهيد الصدر قبره وضريحه ومقامه المتميز، فليس من حق شخص واحد أو جماعة معينة أو أبناء العراق فقط أن يكون لهم شرف المساهمة في تشييد هذا المقام المبارك، وهذا الضريح المشرف، إن من حق الأمة كل الأمة في كل مكان أن يكون لها شرف المساهمة وثواب المساهمة في بناء قبر الشهيد الصدر، وفي تشييد ضريح الشهيد الصدر ومقام الشهيد الصدر، فأنتم أيها المؤمنون مدعوون جميعاً رجالاً ونساءً شباباً وشابات، كباراً وصغاراً أن تساهموا في هذا المشروع، كل حسب إمكاناته وقدراته،وكما قلت لكم أن بإمكان تاجر واحد، أو عدد محدود من التجار أن يقوم بهذا المشروع ولهم الشرف الكبير في ذلك إلا أن الشهيد الصدر كان لكل الأمة، ومن حق كل الأمة أن تساهم في بناء وتشييد مقامه وقبره المعظم، فالشرف كلّ الشرف لمن يحظى بهذه المساهمة وهذه المشاركة والثواب المذخور عند الله سبحانه كبير وكبير.
    سوف يحدّد لاحقاً الطريق لجمع المساهمات والمشاركات وفّق الله الجميع لهذا الشرف العظيم ولهذا الثواب الكبير.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
    العراق حبّ لا تحده حدود العراق

  4. #4

    افتراضي

    دروس وعبر من حياة الشهيد الصدر (للسيد عبدالله الغريفي)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

    نستميح نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) ونحن نعيش ذكرى وفاته (صلى الله عليه وآله) أن نواصل الحديث عن شهيدنا الكبير السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، ولا شك أنّ الإحياء الحقيقي لذكرى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو أن ننفتح على رموزنا الكبيرة التي جسّدت خط الرسالة التي جاء بها سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القيادة الأولى في حركة الرسالة، والأئمة المعصومين من أهل بيته (صلوات الله عليهم) هم الإمتداد الطبيعي لهذه القيادة الربانية، وفقهاء الأمة العدول السائرون على نهج الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هم النواب الشرعيون عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)...
    فالحديث عن الفقهاء الأخيار العاملين المجاهدين هو حديث عن خط الرسالة، وخط الإمامة وخط القيادة الربانية.

    فنحن حينما نتحدث عن رمز كبير وفقيه عظيم كالشهيد الصدر رضوان الله عليه، لا نجد أنفسنا نتحدث بعيدا عن ذكرى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا نجد أنفسنا نتحدث بعيداً عن ذكريات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وكلما تأصل حضور هذه الرموز العلمائية المجاهدة في ذاكرة الأجيال، وفي وجدان الأجيال وفي حركة الأجيال، كان ذلك تأصيلاً حقيقياً لحضور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وتأصيلاً حقيقياً لحضور الأئمة (عليهم السلام).

    ٭ منْ الذي أعطى لأجيال الأمة إنتماءها الواعي إلى خط الرسالة وإلى خط الإمامة؟
    ٭ ومنْ الذي أعطى لأجيال الأمة صلابتها وصمودها في مواجهة كل التحديات؟
    ٭ ومنْ الذي أعطى لأجيال الأمة وجودها الفاعل، وحركتها المنتجة؟

    أليس هم الرموز من القادة الربانيين أمثال الشهيد السعيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه فمن الجناية على الرسول والرسالة، ومن الجناية على الإمام والإمامة، ومن الجناية على خط الإسلام والدين والقرآن، ومن الجناية على الشريعة والفقه والأحكام، ومن الجناية على المثل والقيم والأخلاق أن نسمح لأنفسنا بالتنازل عن الرموز القيادية الإيمانية التي أعطت كل وجودها وكل حياتها من أجل أن تبقى أصالتنا وهويتنا، ومن أجل أن يبقى وعينا وانتماؤنا.

    إذاً فلنواصل الحديث عن الشهيد الصدر رضوان الله عليه، فهذه هي الحلقة الثالثة من حلقات الحديث عن شهيدنا الصدر.

    نتناول في هذه الحلقة لقطات من حياة الشهيد الصدر، بما تحمله هذه اللقطات من دروس وعبر، يجب أن نستوعبها بوعي وبصيرة وصدق وإيمان.
    فحياتنا بما يكتنفها من جفاف روحي، ونضوب إيماني وخواء فكري، في حاجة إلى المزيد من التواصل مع الشهيد الصدر ومع كل الرموز القادرة أن تغذّي وجودنا إيمانياً وروحياً وثقافياً وعملياً.
    نحاول هنا أن ننفتح على بعض اللقطات من حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه.

    اللقطة الأولى: خشوعه وانقطاعه إلى الله تعالى في العبادة:

    يحدثنا الشيخ النعماني وهو من المرافقين للشهيد الصدر رضوان الله عن هذه الظاهرة فيقول:
    (فكان - يعني السيد الصدر - في أحيان كثيرة يجلس في مصلاه فكنت أجلس خلفه، وقد دخل وقت الصلاة، بل قد يمضي على دخول وقتها أكثر من نصف ساعة والسيد جالس مطرق برأسه يفكّر، ثم فجأة ينهض فيؤدي الصلاة، هذه الأمور وغيرها دفعتني في يوم من الأيام للاستفسار منه عن سبب هذه الظاهرة...

    فقال رضوان الله عليه: إنّي آليت على نفسي منذ الصغر أن لا أصلّي إلا بحضور قلب وانقطاع، فاضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني حتى تحصل لي حالة الصفاء والانقطاع وعندما أقوم للصلاة).

    هكذا كانت حالة الشهيد الصدر في صلاته وفي دعائه وفي تلاوته للقرآن إنقطاع تام إلى الله تعالى، وذوبان وانصهار وخشوع وتضرع، إنّه التجسيد الحي لقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)، القرآن، يتحدث عن نمطين من الصلاة:
    1- صلاة الخاشعين. 2- صلاة الكسالى.
    يقول الشيخ النعماني: (ولم تكن هذه الحالة خاصة بالصلاة فقط بل كانت تمتد إلى كل أشكال وصور العبادة الأخرى ولقد سمعته خلال فترة الحجز - ولم أسمعه قبل ذلك - يقرأ القرآن في أيام وليالي شهر رمضان بصوت حزين وشجي، ودموع جارية، يخشع القلب لسماعه، وتسمو النفس لألحانه، وهو في حالة عجيبة من الانقطاع والذوبان مع معاني القرآن، إنه مشهد عجيب يعجز القلم عن وصفه، وما فيه من معنويات كبيرة...).

    ويحدثنا الشيخ النعماني عن حالة الإنقطاع عند الشهيد الصدر في أثناء طوافه حول الكعبة المشرفة فيقول: (فقد كان رضوان الله عليه يذهب إلى المسجد الحرام يصلي الظهر والعصر، ثم يعود إلى الفندق لتناول وجبة الغذاء، ثم يعود مرة أخرى في حدود الثانية ظهراً إلى المسجد حيث يقل الزحام بسبب شدة الحر وكانت أرض المسجد مغطاة بالمرمر الطبيعي - وهو غير المرمر الموجود حالياً - فكان لا يتمكن أحد من شدة الحر من الطواف في تلك الفترة، فكان رحمه الله يذهب في ذلك الوقت إلى المسجد حافي القدمين، وكنت أطوف معه فو اللّه ما تمكنت من إكمال شوط واحد حتى قطعت طوافي وذهبت مسرعاً إلى الظل، فقد شعرت أن باطن قدمي قد التهب من شدة الحر، وما طفت في تلك الساعة إلا متنـّـعلاً... فكنت أعجب من حال السيد الشهيد رحمه الله وهو يطوف ويصلي وكأنه في الجو الطبيعي الملائم، فسألته يوماً بعد عودتنا من المسجد الحرام عن هذه القدرة العجيبة من التحمل فقال: ما دمت في المسجد الحرام لا أشعر بالحرارة، نعم بعد أن أعود إلى الفندق أحس بألم في قدمي)، إنّه الإنقطاع والذوبان مع الله تعالى والعروج إلى عالم الملكوت، ولقد حدثتنا كتب السيرة عن عبادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن خشوعه وإنقطاعه وذوبانه مع الله تعالى، إلى درجة الإنفصال التام عن كل ما حوله، وإلى درجة الإنفصال عن جسده المادي... روي أنّه وقع نصل في رجله (عليه السلام) فلم يمكّن أحداً من إخراجه، فقالت فاطمة (عليها السلام): أخرجوه في حال صلاته فإنّه لا يحسّ حينئذ ما يجري عليه، فأخرج وهو في صلاته فلم يحس به أصلاً... وتحدثنا بعض الروايات عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان في صلاته فشب حريق في الدار فتصايح الناس، والإمام مشغول بصلاته حتى أوشكت النار أن تصل إليه وهو يواصل صلاته، فلما فرغ علم بوجود النار، فسألوه عن ذلك فقال: شغلتني نار الآخرة...

    فليس غريباً أيهّا الأحبة أن يكون الشهيد الصدر رضوان الله عليه وهو تلميذ هذه المدرسة المباركة مدرسة الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، أن يتعلم من أجداده الطاهرين المعصومين، أن يتعلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد المرسلين وأن يتعلم من علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن يتعلم من السجاد زين العابدين (عليه السلام) كيف يعيش الإنقطاع إلى الله تعالى وكيف يعيش الخشوع والإنصهار والذوبان في صلاته وفي دعائه وفي تلاوته وفي كل حالات عبادته وحالات حياته...

    اللقطة الثانية:عطفه على أعدائه:

    كان الشهيد الصدر رضوان الله عليه يحمل بين جنبيه قلباً كبيراً ينبض بالرحمة والعطف حتى على أعدائه...
    يقول الشيخ النعماني: (في ظهر أحد أيام الإحتجاز كنت دائماً في غرفة المكتبة فاستيقظت على صوت السيد الشهيد (رضوان الله عليه) وهو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وظننت أن حدثاً ما قد وقع فسألته: هل حدث شيء؟
    فقال: كلا، بل كنت انظر إلى هؤلاء - ويقصد قوات الأمن - من خلال فتحة في الكسر الصغير في زجاجة النافذة فرأيتهم عطاشى يتصبب العرق من وجوههم في هذا اليوم من أيام الصيف الحار...
    فقلت: سيدي أليس هؤلاء هم الذين يطوقـوّن منزلكم، ويعتقلون المؤمنين الأطهار من محبيكم وأنصاركم هؤلاء هم الذين روّعوا أطفالكم وحرموهم من أبسط ما يتمتع به الأطفال ممن هم في أعمارهم؟
    فقال: ولدي صحيح ما تقول، ولكن يجب أن نعطف على هؤلاء، أن هؤلاء إنما انحرفوا لأنهم لم يعيشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم تتوفر لهم الأجواء المناسبة للتربية الإيمانية، وكم من أمثال هؤلاء شملهم الله تعالى بهدايته ورحمته، فصلحوا وأصبحوا من المؤمنين... ثمّ نزل إلى الطابق الأرضي وأيقظ خادمه الحاج عباس وأمره أن يسقيهم الماء...
    وهذا الموقف يذكرنا بموقف الإمام الحسين (عليه السلام) حينما سقى الحر بن يزيد الرياحي وعسكره في طريق كربلاء، ويذكرنا بموقفه (عليه السلام) في يوم عاشوراء حينما جلس يبكي وهو ينظر إلى الألوف المحتشدة التي جاءت لحربه، فيسأل: مم بكاؤك يا ابن رسول الله فيجيب: أبكي لهؤلاء الذين يدخلون النار بسببي...

    هكذا تمتلئ قلوب أولياء الله رحمةً وعطفاً حتى بالنسبة لأعدائهم والساعين لإمتصاص دمائهم، وشهيدنا الصدر هو إمتداد لشجرة النبوة والإمامة فلا عجب أن ينبض قلبه بهذا العطف وبهذه الرحمة وكان لهذه المشاعر النابضة أثرها الكبير فقد أثبتت الأيام - كما يحدّث الشيخ النعماني - أنّ أحد ضباط الأمن وكان يرأس القوات التي طوّقت منزل السيد الصدر قد أدركته الهداية الربانية متأثراً بالعواطف الحانية التي مارسها الشهيد الصدر معهم، وقد قام هذا الضابط بخدمات جليلة خلال فترة الحجز، كان السيد الصدر يذكرها له، وشاء الله أن يكرم هذا الرجل بالشهادة مع مجموعة تعاونت معه، تمّ إعدامهم على يد جلاوزة النظام، ولمّا بلغ السيد الصدر خبر إعدامه مع بعض المتعاونين معه قال مخاطباً الشيخ النعماني: (انظر كيف اهتدى هؤلاء يجب أن تتسع قلوبنا حتى لهؤلاء).

    اللقطة الثالثة: أخلاقه وعلاقته مع طلابه:

    كان نموذجاً رائعاً في أخلاقه وعلاقته مع طلاّبه وتلامذته، أحاطهم بحبه وعطفه ورعايته، وأفاض عليهم الكثير الكثير من توجيهاته الروحية والأخلاقية والتربوية، والكثير الكثير من إرشاداته العلمية والفكرية والثقافية، ما كان يريد لطلابه أن يكونوا طلاّب فقه وأصول فقط، رغم ما للفقه والأصول من قيمة كبيرة جداً، أراد لهم أن يكونوا حملة رسالة، ودعاة هداية، وصنــّاع أمه.

    وانطلاقاً من هذه الرؤية كان الشهيد الصدر رضوان الله عليه يؤكد لطلابه أنهم أبناؤه، وأنهم إمتداد له، ولكن ليس امتداداً شخصياً بل هو الإمتداد العلمي والفكري والروحي والأخلاقي والجهادي. ولكي نكتشف عمق العلاقة الأبوية والروحية والفكرية بين الشهيد الصدر وطلاّبه نقرأ هذا النموذج من رسائله إلى طلاّبه الذين هجّرهم النظام الحاكم في العراق إلى إيران... أورد هذا النموذج الشيخ النعماني في كتابه (شهيد الأمة وشاهدها)... ومما جاء في هذه الرسالة:

    (أولادي وأحبائي: أكتب هذه الكلمات أيّها الأحبة وقد مرّ على فراق أبيكم لكم سنة كاملة تقريباً ما كان أقساها من سنة على هذا الأب الذي جسّد فيكم آماله وبذل في سبيل تحقيق وجودكم الأفضل عصارة روحه وقلبه وعقله جميعاً، وعاش يترقب نموّ أولاده، واشتداد سواعدهم في العلم، وتساميهم في الروح، وتكاملهم المستمر في الخُلق والهدى والدين، وبدأ يحسّ أن هؤلاء الأولاد البررة سوف يحققون ظنونه فيهم، ويمثلون امتداده الروحي، إذ به يفاجأ في لحظة بقدر فرق بيته وبين أبنائه وهو أحوج ما يكون عاطفيا وروحياً ودينياً إلى قربهم... وبالرغم من مرور سنة كاملة على فراق الأب لأبنائه فلا أزال اليوم فارقتكم فيه شعوراً بالألم، وشعوراً بالأمل... - إلى آخر رسالته -).
    هكذا نقرأ عمق العلاقة بين الشهيد الصدر وطلاّبه وقد أنتجت مدرسته المباركة عدداً كبيراً من هؤلاء الطلاب ممن أغنوا الساحة علماً وعطاءً وجهاداً، ومدرسة الشهيد الصدر مدرسة للأمة بكاملها، فهو الأب الروحي والأخلاقي والعلمي والثقافي والجهادي لكل الأمة، فهل تكون الأمة بارة بهذا الأب الكبير الذي أعطى دمه من أجل أن تبقى الأمة في خط الإيمان، ومن أجل أن تبقى الأمة نقية الفكر، ونقية الروح، ونقية السلوك، ومن أجل أن تبقى الأمة صلبة الإرادة، قوية التحدّي، شامخة العزيمة.

    ويجب أن لا ننسى ونحن نعيش ذكرى الشهيد الصدر، أرض الشهيد الصدر في العراق، وشعب الشهيد الصدر في العراق، فلازال الوضع قلقاً ولازالت أمريكا تحاول أن تفرض هيمنتها على كل الواقع في العراق، ولازالت أميركا ماضية في تنفيذ مشروعها في العراق وفي المنطقة بكاملها، فأخوانكم المؤمنون في أرض المقدسات يعانون الكثير الكثير، يعانون من غطرسة القوات المحتلة ويعانون أزمات وأزمات الحياة، أزمة الأمن والإستقرار أزمة المعيشة، أزمة الأدوية، أزمة الماء، أزمة الغذاء أزمات وأزمات، كأن أمريكا تريد أن تبقى هذه الأزمات لتعطي لنفسها مبررات البقاء، ورغم هذه الأزمات فالشعب العراقي مصمم بكل إرادة وشموخ وعنفوان أن يتحدى كل هذا الواقع المأزوم وإنه لقادر إذا اتحدت قواه وتآزرت قدراته، وتجمعت إمكاناته، فالخطر كل الخطر أن تتصارع القوى، وتتشتت القدرات وتتناقض الإرادات، فدعاؤنا لإخواننا المؤمنين في العراق أن يجمع الله شملهم، وأن يوحد كلمتهم، وأن يرص صفوفهم، وأن، يجنبهم الفتن والأهواء وأن يحميهم من مكائد الشيطان، وأن ينصرهم على أعدائهم الكفار والمنافقين والعابثين... ونؤكد دعواتنا لكل المؤمنين أن يواصلوا التضامن مع شعب العراق، وأن يواصلوا الدعم والمساعدة والإغاثة والإسناد... إنها مسئوليتنا جميعاً... (فمن سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم)، (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)، (ومن كان عنده فضل ثواب وعلم أن مسلماً يحتاج إليه ولم يدفعه إليه أكبه الله على منخريه)، (ومن منع مؤمنا شيئا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، يقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار). فحذار حذار أيّها المؤمنون من التقصير في دعم إخوانكم المؤمنين في العراق، وإخوانكم في فلسطين...

    نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا، وأن يملأ قلوبنا بالرحمة والعطف لنكون مشمولين برحمته وعطفه يوم الحساب.

    وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين،
    العراق حبّ لا تحده حدود العراق

  5. #5

    افتراضي

    أجيالنا في حاجة ماسة وضرورية أن تنفتح على مشروع الشهيد الصدر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الهداة الميامين...

    أيّها الأحبة أتابع معكم الحديث عن شهيدنا العظيم السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه).
    فما أحوجنا في هذه المرحلة التي نواجه فيها أخطر التحديات أن نستحضر الشهيد الصدر وأن نستحضر مشروع الشهيد الصدر، وأن نستحضر الشهيد الصدر، وفكر الشهيد الصدر، وروحانية الشهيد الصدر، وجهاد الشهيد الصدر.

    الهيمنة الأمريكية على مقدرات المسلمين:
    إننا نعيش مرحلة صعبة، مرحلة الهيمنة الأمريكية التي تستهدف كل وجودنا الديني والحضاري وتستهدف كل واقعنا الروحي والأخلاقي والثقافي والإجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.
    المسألة ليست - كما تزعم أمريكا - مسألة إسقاط نظام الاستبداد في العراق من أجل عيون الشعب العراقي، والمسألة ليست مسألة إزالة أسلحة الدمار الشامل، والمسألة ليست مسألة مكافحة الإرهاب، المسألة - في أهداف أمريكا الحقيقية - نفط العراق ونفط المنطقة بكاملها، المسألة ثقافة العراق وثقافة المنطقة بكاملها، المسألة هوية العراق وهوية المنطقة بكاملها، المسألة إعادة صياغة خريطة المنطقة من جديد وفق المصالح الأمريكية ووفق المصالح الصهيونية.

    حاجة الأجيال إلى التحصين والتأصيل:
    وأمام هذا المشروع الإستعماري الخطير فانّ أجيالنا في حاجة إلى (تحصين وتأصيل)، كون هذه الأجيال مهددة بالمسخ والمصادرة والاستلاب روحياً وأخلاقياً وثقافياً وحضارياً.
    ومن أهم مكونات (التحصين والتأصيل) أن تنفتح أجيال الأمة على رموز الوعي والأصالة في تاريخ هذه الأمة، ومن أبرز رموز الوعي والأصالة في تاريخنا المعاصر شهيدنا الكبير السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) الذي أعطى كلّ وجوده، وكلّ حياته من أجل الإسلام، ومن أجل صياغة الوعي والأصالة في حركة الأجيال، من أجل التصدي والمواجهة لكل تيارات التغريب والعلمنة ولكل المبادئ والأفكار والنظريات والإيديولوجيات الضالة والمنحرفة والكافرة، ومن أجل حماية قيم الأمة وأخلاقياتها ومكوّناتها الأصيلة.

    فهل تملك أجيالنا ثقافة المعرفة بالشهيد الصدر؟
    سيرته، أخلاقه، مدرسته، عطاؤه، جهاده... أظن أن أغلب أبنائنا وبناتنا لا يملكون أيّ ثقافة معرفية عن الشهيد الصدر، اكثر من الإسم وبعض العناوين العامة.
    من المسؤول عن غياب الشهيد الصدر عن ثقافة الأجيال؟
    يتحمل هذه المسؤولية رجال الوعي والثقافة، وقادة المسيرة من علماء وخطباء ومفكرين، وأساتذة وتربويين وسياسيين، فهؤلاء جميعاً مسؤولون أن يضعوا بين يدي أجيالنا (التجربة الكبيرة) للشهيد الصدر رضوان الله عليه، تجربته العلمية والفكرية والثقافية، وتجربته الروحية والأخلاقية والتربوية، وتجربته في الدعوة والتبليغ، وتجربته في الحوزة والمرجعية، وتجربته في العمل الإجتماعي والسياسي والقيادي.
    أجيالنا في حاجة ماسة وضرورية أن تنفتح على هذه التجربة الغنية، وأن تتغذى من عطاءات هذه التجربة المباركة.

    حياة السيد الصدر كلّها عطاء، كل من اقترب من حياة هذا الإنسان العظيم يعلم كم كانت حياته كلّها خيراً وعطاء، كلماته عطاء، نظراته عطاء، حركاته عطاء هكذا كنا نشعر ونحن نقترب منه، ونلتقي معه، ونستمع إليه، فلا يضمنا مجلس له إلا ونخرج ونحن اكثر قربا إلى الله تعالى...
    فما أحوج أجيالنا أن يطًلعوا على حياة هذا الرجل الكبير والعالم الرباني الفذ.
    أعداؤنا وأعداء ثقافتنا وأعداء ديننا، وأعداء وعينا وأصالتنا يحاولون دائما أن يفصلوا بين الأجيال ورموز الإيمان والهوية والأصالة، يحاولون دائما أن تغيب الرموز عن ذاكرة الأجيال وفي المقابل يزرعون في وعي الأجيال أسماء دخيلة لا علاقة لها بهويتنا الإيمانية والروحية والثقافية، وهكذا يبدأ مشروع التغريب لأجيال الأمة، وهكذا تبدأ حركة الاستلاب الثقافي، مخترقة كل مكوّنات الثقافة والإعلام والتربية...

    أيها الأحبة يجب العمل الجاد من أجل أن تبقى رموزنا الإيمانية في ذاكرة أجيالنا من خلال:
    1- إحياء ذكريات الرموز.
    2- التعريف الدائم بهذه الرموز في كل المناسبات.
    3- إحياء ونشر تراثهم الفكري والثقافي والعلمي.
    4- إقامة المؤتمرات والمهرجانات التي تأصّل وجودهم.
    5- اعتماد أسمائهم وإطلاقها على المدارس والحوزات والمؤسسات والجمعيات والمكتبات والمساجد والحسينيات.
    6- اعتماد الملصقات والصور مما يكرّس حضورهم الدائم في الذاكرة.
    وإذا كنا نؤكد على حضور الرموز الإيمانية في ذاكرة الأجيال، فإننا نؤكد ثانيا على ضرورة حضور الرموز الإيمانية في وجدان الأجيال.

    وماذا يعني حضور الرموز في الوجدان؟
    أن نعيش الانصهار والذوبان الروحي والعاطفي مع الرموز، وبتعبير آخر أن تكون علاقتنا مع الرموز علاقة حب وعشق، فلا يكفي الحضور في الذاكرة ولا يكفي الحضور في العقل إذا لم ينفتح القلب والوجدان وإذا لم تنفتح الروح والعاطفة، ومن خلال هذا الانفتاح تتكون حرارة التواصل وحرارة الارتباط، وإلا كان التواصل بارداً، والارتباط فاترا، والعلاقة خاملة.
    ونؤكد ثالثا أن يكون للرموز حضور في السلوك والحركة والعمل، وأن يكون للرموز حضور في كل الواقع الروحي والثقافي والإجتماعي والسياسي، وتأسيساً على هذه التأكيدات الثلاثة يجب أن نعطي لشهيدنا السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) ولشهيدتنا السيدة بنت الهدى شقيقة السيد الصدر وشريكته في العطاء والجهاد والشهادة أن نعطي لهما حضورهما في ذاكرة الأجيال وفي وعي الأجيال، وحضورهما في وجدان الأجيال، وحضورهما في حركة الأجيال...

    إن ولاءنا لشهيدنا الصدر يفرض علينا أن نصر على العمل من أجل تأصيل هذا الحضور بكل مستوياته، إذا كنا الأوفياء الصادقين لهذا الإنسان العظيم الذي أعطى دمه الزكي ثمناً لكرامتنا وعزتنا وحياتنا ووجودنا، فمن الوفاء أن نقرأه، أن نتعرف على حياته، أن نستلهم سيرته، أن نتربى من خلال مدرسته، أن نتعلم منه كيف نكون حملة رسالة، وأصحاب مبدأ، وأنصار عقيدة، ودعاة قيم، وعشاق شهادة.

    المؤلفات التي كتبة عن حياة الشهيد الصدر
    ورغم ما صدر عن الشهيد من كتابات ودراسات إلاّ أنّ شخصية كما هي شخصية السيد الصدر لازالت في حاجة إلى الكثير الكثير من الدراسة والبحث، ولازالت في حاجة إلى الكثير الكثير من الاستكشاف والاستنطاق.
    وهنا أؤكد على الشباب والشابات أن يقرأوا الشهيد الصدر من خلال كتاباته ونتاجاته وهي كثيرة ومتنوعة، وذات مستويات متعددة، فليقرأ كل شهيدنا الصدر على حسب مستواه وثقافته، فكتابات الشهيد الصدر قادرة أن تغني كل المستويات.

    كما أؤكد على الشباب والشابات أن يقرأوا الشهيد الصدر من خلال كتابات الباحثين والدارسين الذين تناولوا العديد من جوانب شخصيته، وقد يتساءل شبابنا وشاباتنا عن بعض الكتابات التي تناولت حياة الشهيد الصدر، فأحاول هنا أن أضع نماذج لهذه الكتابات:
    1- الإمام الشهيد محمد باقر الصدر: دراسة في سيرته ومنهجه، المؤلف السيد محمد الحسيني.

    2- الشهيد الصدر: سنوات المحنة وأيام الحصار - عرض لسيرته الذاتية وسيرته السياسية والجهادية، المؤلف الشيخ محمد رضا النعماني.

    3- شهيد الأمة وشاهدها دراسة وثائقية لحياة وجهاد الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الكتاب يتألف من جزئين، الأول يتناول حياته الشخصية والعلمية، والثاني يتناول حياته السياسية والجهادية، المؤلف الشيخ محمد رضا النعماني (ولعلّ هذا الكتاب هو نفسه كتابه الأول مع إضافات).

    4- مدرسة الشهيد الصدر الأخلاقية أصولها وخصائصها، المؤلف الأستاذ عادل القاضي.

    5- فلسفة الصدر، دراسات في المدرسة الفكرية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر المؤلف الدكتور محمد عبداللاوي - جامعة وهران - الجزائر.

    6- مقدمة كتاب مباحث الأصول، تناولت هذه المقدمة دراسة تحليلية مستفيضة لحياة الشهيد الصدر، بقلم تلميذه سماحة أية الله السيد كاظم الحائري.

    7- هكذا قال الصدر (في المحنة وحب الدنيا) بقلم ميثم الجاسم.

    8- محمد باقر الصدر: دراسات في حياته وفكره، بأقلام نخبة من الباحثين.

    9 السيد محمد باقر الصدر: دراسة في المنهج، المؤلف نزيه الحسن.
    هذه إشارة إلى نماذج من بعض الكتابات التي تعرفنا جانبا من حياة الشهيد الصدر، هذا الرجل العظيم الذي قال عنه الإمام الخميني رضوان الله عليه في بيانه التاريخي حيث أعلن عن استشهاد الإمام السيد الصدر وأخته المظلومة بنت الهدى، أنه (من مفاخر الحوزات العلمية، ومن مراجع الدين، ومن مفكري المسلمين) كما قال عن الشهيدة بنت الهدى أنها (من أساتذة العلم والأخلاق ومفاخر العلم والأدب).

    وقال الإمام الخميني أنهما (قد نالا درجة الشهادة الرفيعة على أيدي النظام البعثي العراقي المنحط وذلك بصورة مفجعة).

    قراءة في كتاب الحق المبين:
    أيها الأحبة: ونحن في سياق الحديث عن الكتابات التي تناولت حياة الشهيد الصدر، أجد نفسي مضطراً أن أقف مع كتاب صدر مؤخراً في مدينة قم المقدسة، الكتاب بعنوان (الحق المبين في معرفة المعصومين) تصدّر الكتاب تمهيد تناول الاتجاهات المعاصرة في فهم النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، وقد أحدثت هذه المقدمة التمهيدية ردود فعل عنيفة على المستوى العلمائي وعلى المستوى الجماهيري وصدرت بيانات وتصريحات شاجبة ومستنكرة لما ورد في هذه المقدمة مما اعتبرته هذه البيانات والتصريحات اساءة كبيرة للشهيد الصدر، وإساءة إلى فكره وخطه ومدرسته بما تحمله من شبهات حول منهج السيد الصدر في دراسة الأئمة المعصومين، وبما تحمله من اتهامات لفهم السيد الصدر في قراءة النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين بأنه فهم إلتقاطي ومتأثر بالفكر السني وأحيانا بالفكر الغربي.

    وفور صدور المقدمة المذكورة أصدر سماحة آية الله السيد كاظم الحائري بيانا أعلن فيه الحداد بتعطيل الدراسة الحوزوية احتجاجا على نسبة التشيع الإلتقاطي إلى الشهيد الصدر تغمده الله برحمته، إلاّ أنّ سماحته ألغى إعلان الحداد على أثر صدور إعتذار من صاحب المقدمة بأنه ما كان يقصد الإساءة للشهيد الصدر، وإنّ نسبة الإنحراف والإلتقاط إلى السيد الصدر كان اشتباها منه في التعبير، كما أعلن سحب مقدمة الكتاب، ورغم صدور الاعتذار فإن البيانات والاحتجاجات استمرت على اختلاف في لغتها ولهجتها، اكتفى بعضها بالتأكيد على أصالة نهج الشهيد الصدر ونقاوة فكره، ومتانة برهانه، وصعد البعض الإستنكار والاحتجاج، وطالب آخرون بمحاكمة صاحب المقدمة...

    وكم تمنيننا أن لا تنزج ساحتنا في هذه المرحلة الصعبة، في هذه التوترات، وفي هذه المواجهات توفيرا للجهود والطاقات والقدرات، وكم تمنينا أن لا يصدر من شخص محسوب على مدرسة الشهيد الصدر كما هو أخونا الشيخ الكوراني ما يوجب هذه الإثارات والتوترات...

    لا نرفض مبدأ النقد والمناقشة للأفكار والنظريات والآراء، إلا أن لغة الإتهام والطعن غير مقبولة وخاصة لإنسان عظيم كالشهيد الصدر يعد من أعظم مراجع المسلمين، وأبرز المفكرين في هذا العصر.
    وأخيراً نتمنى أن لا يكون سماحة الشيخ الكوراني قاصدا الإساءة إلى الشهيد الصدر، وأن ما صدر منه من بعض الكلمات كان اشتباها في التعبير حسب ما جاء في اعتذاره.

    فما أحوجنا في هذه المرحلة أن نحافظ على رموزنا الكبيرة في مواجهة التحديات التي تهدد وجودنا الإيماني، وتهدد أصالتنا وهويتنا وإنتماءنا.
    نسأل الله تعالى أن يجنبنا الزيغ والزلل وأن يبصرنا طريق الهداية، وأن يوّحد كلمتنا ويجمع شملنا، وأن ينصرنا على أعداء الدين إنه سميع مجيب.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين،
    العراق حبّ لا تحده حدود العراق

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني