يوم الثامن من نيسان ، يوم انتصار الدم على السيف
لقد شاءت القدرة الالهية أن يتفجر دم الشهيد الصدر واخته الفاضلة بنت الهدى ليبزغ فجر الحرية في العراق في التاسع من نيسان بسقوط نظام القمع ، لتتزامن الذكرى مع ذكرى الشهيدين السعيدين يوما بعد يوم من كل عام ليشهد التاريخ ويقرّ العالم ، صدق المعادلة الربانية بظهور الحق وزهوق الباطل وانتصار المظلوم على الظالم .
إن الشهيد الصدر حضارة لا ولن تنمحي عن وجه التاريخ . والشهيدة بنت الهدى ظاهرة لن تغيب عن ذاكرة العالم لانهما شخصيتان انطوتا على العديد من الابعاد المتميزة. إبداع وعبقرية. ريادة وتجديد . اخلاص وتضحية .
فالشهيد الصدر مدرسة ممتدّة تميّزت بالشمولية والعمق والاستيعاب ، فكما هو رجل الفكر واستاذ الحوزة ، هو رائد التحرك ومرجع المسلمين . وهو القائد الذي اعطى كل شئ لامته حتى حياته الشريفة .
لقد قام الشهيد الصدر بمشروعه المعرفي المتكامل، متجاوزا الاطر القديمة التي سارت عليها الحوزات والاهتمامات التقليدية لاغلب العلماء المسلمين ، مادّاً ناظريه لمواكبة العصر والافادة من معطيات العلوم الحديثة ، متصديا لتحديات أزمة العصر مضطلعا لصياغة مشروعه الفكري بدءاً من الاحاطة بالمذاهب المادية ودراستها ونقضها وانتهاءً الى تشييد الاسس والمقومات لفلسفة اسلامية معاصرة .
فاحدث العطاء الفكري للشهيد الصدر، نمطا جديدا من الوعي بالاسلام . وتغلب على عقبة تجمّد عندها التفكير الإسلامي فترة طويلة لم يحقق فيها مكاسباً منسجمة مع متطلبات العصر .
فكان الشهيد الصدر رائدا من رواد الفكر الانساني ، واجه الفكر المادي بروح علمية لا تعرف الانحياز وعلى قدر كبير من الدقة والموضوعية . فدخل التاريخ الاسلامي منعطفا جديدا يستطيع خلاله الباحث الاسلامي أن يستلهم روح الابداع والابتكار لتقديم حلول جذرية للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات البشرية .
اما الشهيدة بنت الهدى فقد احدثت نمطا جديدا من تعامل المراة مع الواقع . فاعادت الثقة الى المسلمات وبعثت فيهن عناصر الحياة من جديد لمواجهة المجتمع الذي ينظر الى المرأة كانثى لا كانسانة . فقد صعّدت حالة الوعي وكانت نشاطاتها في محاور عديدة ، وصبت جهودها في تثقيف النساء وارشادهن الى خط الاسلام . وإن الشهيدة جسدت الاسلام بمعناه الكبير ، وقد تحملت اعباء الرسالة إلى حد التضحية بالنفس . وهي صانعة الجيل النسوي ولذلك فهي حية لن تموت .
وما علينا في ذكرى استشهاد الشهيدين ، الا أن نعتبرها محطة انطلاق لاستنفار الطاقات البناءة في حركة العطاء ، والدعوة للعودة الى المبادئ للحفاظ على أصالة هويتنا الاسلامية وممارسة دورنا الرسالي بكل صدق واخلاص .