[align=center]بيان سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسيني الحائري "دام ظلّه" بمناسبة حلول الذكرى السنويّة الخامسة والعشرين لاستشهاد آية اللّه العظمى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) [/align]

[align=center][/align]


[align=justify]

[align=center]بـسم الله الـرحمن الـرحيم
الْحَمْد لله رَبّ العالمين وصلّى الله على مُحمّد وآله الطيّبين الطاهرين[/align]

قال اللّه تعالى:(ولَنُبْلُوَنَّكم حتّى نَعلم المجاهدين منكم وَالصابرين ونبلُوَ أَخباركم* إنَّ الذين كَفَروا وَ صَدُّوا عن سبيلِ اللّهِ و شاقّوا الرسول من بَعد ما تَبَيَّنَ لَهُم الهدى لَنْ يَضُرّوا اللّه شَيْئاً وسَيُحبط أَعمالهم* يا أَيُّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أَطيعوا الرسول وَ لا تبطلوا أعمالكم)(1) صدق اللّه العلي العظيم.

تطلُّ علينا ذكرى شهادة المفكّر العظيم والنابغة الفذّ استاذنا المبجّل آية اللّه العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)، ولم تزل أهدافه التي ضحّى من أجلها غير متحققة، وبقي مشروعه للاُمّة أماني وطموحات.

لقد أبّنت اُستاذي ورثيته خمسة وعشرين سنة، ولم تزل مرارة فراقه تنغّص علىّ مطعمي، ونار فقده يصطلي بها فؤادي، ولكنّ عزائي

هو: ((إنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من اللّه الشهادة))، (وَلَنَبْلُونَّكُم بِشَيء من الخوفِ وَالجُوعِ ونَقْص مِنَ الأموالِ والأَنفسِ وَالثَمراتِ وَبَشِّر الصابرينَ* الذين إذا أَصابَتْهُم مُصِيَْبةً قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعُون* أُولئك عليهم صلواتٌ مِن رَبِّهم وَرَحمَةٌ وأُولئك هُمُ المُهْتَدُون)(2)، (فَصَبرٌ جميلٌ وَاللّه المُسْتَعان).

قَلَّ واللّه عنك يا أبا جعفر صبري، ورقّ لفراقك تجلّدي...

أبنائي البررة كان الصدر الكبير آيةً بين أقرانه وتحفة الربِّ لعباده، لم تنجّسه كبريآء العلم بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها، عاش بالإسلام وله، لم يرَ نفسه إلّا من خلال إسلامه. شحذ ذهنه وامتشق قلمه، ونزل إلى حومة الميدان يوم برز الشرك كلّه لقتال الإسلام والإسلام وحيد، فأخذ الشهيد الصدر(قدس سره)يذبّ عن دينه وينصر إسلامه حتى نكّس رؤوس الماركسيّين وأذلّهم بفلسفتنا واقتصادنا، وفضح الرأسماليّة وأخزاها باقتصادنا، ودعم براهين إثبات الحقّ بفلسفتنا والاُسس المنطقيّة، وناقش أساطين علم الاُصول، وفنّد نظريّات فيه كانت تعدّ من معاجز الفكر، وأقام غيرها، وتحوّل علم الاُصول على يده، وأحدث فيه نَقلةً نوعيّةً.

ولم يُغفل جوانب المعرفة الاُخرى بل نبغ فيها وعلى عادته، فهذا التفسير الموضوعي وتلك أهداف وأدوار أهل البيت عليهم السلام وو...

وأعجب ما في الرجل العملاق أنّه لم يدع للضعف واليأس سبيلاً يتسرّب إلى قلبه من خلاله، كان قويّاً جادّاً متفائلاً، همّه أن يرى الإسلام معاشاً يخرج من سجنه في بطون الكتب وصدور العلمآء، فيُحيي به الناس وعليه يموتون، يَسعدون بتعاليم الإسلام، وينعمون بعدله، ويتقدّمون في ظلال حكومته ....

إنّ الشهيد الصدر(قدس سره) من أبرز مصاديق العالم باللّه ودينه; حيث علم علوم الدين، وبلغ الذروة منها، ونبغ فيها، ثمّ حمل روحه على كفّه يجود بها دفاعاً عن هذا المعنى الذي عرفه واعتقد به حتى بلغ به يقينه بعدالة قضيّته أن نهج منهج جدّه الحسين (عليه السلام)، ولم يرَ الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما، فأصدر قراره آنذاك وقال: ((إنّي صمّمت على الشهادة، ولعلّ هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنّ أبواب الجنّة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتّى يكتب اللّه لكم النصر...)).

ولقد فجعت الاُمّة الإسلاميّة باستشهاده إلّا أنّ الذي خفّف المصيبة شيئاً مّا هو أنّ اللّه تعالى قيّض لهذه الاُمّة واحداً من خيرة تلامذة الشهيد الصدر(قدس سره)، فتولّى أمرها، فبلّغ وعلّم وربّى وهذّب وأحدث في المجتمع ثورة ثقافيّة واجتماعيّة كادت تطيح بعرش الطاغية الصعلوك، ولولا أنّه عاجله بالشهادة لكانت الاُمور على غير ما هي عليه اليوم...

فرحم اللّه الشهيد الصدر الثاني وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير جزآء المحسنين، فلقد جاهد مخلصاً صابراً محتسباً وحيداً حتى بذل مهجته في سبيل اللّه تاركاً ثقلاً كبيراً ومسؤوليّةً عظيمةً تنوء بحملها الجبال...

ولكن ثقتنا بوعد اللّه بالنصر الموعود كبيرة، ونحن متفائلون بقربه بل كلّما كانت التضيحة أجسم وأعظم اقترب الوعد أكثر، واشتدّ العزم، وازداد المؤمن بصيرةً وإصراراً.

إنّ مصيبتنا باُستاذنا الشهيد الصدر (قدس سره) عظيمة فتّت في أعضادنا، وبنت لها بيتاً في قلوبنا، ونحن نعلم أنّ أفضل صورة لوفائنا له رحمه اللّه هي السير على نهجه، والسعي الحثيث لتحقيق أهدافه، ولهذا فإنّني اُوصي الاُمّة الإسلاميّة في العراق وعلى الخصوص التيّار الصدري باُمور:

أوّلاً: التئاخي الصادق والمحبّة في اللّه بل طموحنا أن يتحوّل الواحد من أبنائنا إلى قُدوة في الأخلاق الرفيعة السامية والمودّة الصافية حتى يصبح أخلاقاً متجسّدةً حتى يقول القائل: ((هكذا أدّب الصدريّون أبناءهم)) فيسرّني ذلك.

ثانياً: احترموا الناس وأشعروهم بحبّكم لهم حتى المخالف لكم والذي هو على غير رأيكم، ولا أستثني أحداً حتى الملحدين والخارجين عن الدين غير المحاربين، فتصبحوا زيناً لأبيكم وفخراً له.

ثالثاً: لا اُجيز لكم التعامل الخشن مع أىّ أحد من إخوانكم ومهما كانت الظروف، واُوصيكم بالصبر والتحمّل وسعة الصدر، واعلموا أنّكم بذلك تُرضون ربّكم، وتُغيضون عدوّكم، وتفرحون أباكم.

رابعاً: كونوا بارّين بآبائكم واُمّهاتكم، ولا تُغضبوهم بحجّة منعهم إيّاكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بأىّ حجج اُخرى.

خامساً: اُوصيكم بالجدّ والاجتهاد في دراستكم إن كنتم حوزويّين أو جامعيّين أو في المدارس، والإخلاص في عملكم أينما كان موقع عملكم; لتتميّزوا عن غير ذوي الأهداف بالجدّ والمثابرة وإتقان العمل، ولتبنى البلاد بعقولكم النيّرة وسواعدكم المخلصة.

سادساً: اشكروا قوى الأمن من الشرطة والحرس الوطني وغيرهم من القوى الشعبيّة الاُخرى، فلقد سرّني تفانيهم في السَهَر لبسط الأمن في زيارة الأربعين، وإنّي لأدعولهم; لأنّهم أبنائي وقد جعلوا أنفسهم درعاً لكم وكان قد أوغل الصدّاميّون والنواصب في دمائهم.

أملي أن يكونوا بنفس الاستعداد في كلّ وقت خصوصاً في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي ستكون في ذكرى رحيل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). وفّقهم اللّه لخدمة المؤمنين.

سابعاً: إنّ في زيارتكم لمولانا أمير المؤمنين في يوم رحيل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليهما وآلهما ـ معنيين عظيمين :

أوّلهما: أنّكم تقدّمون العزاء بين يديه.

والآخر: أنّكم تجددّون البيعة له، وتؤكّدون الثبات على ولايته، فأنتم تقومون بعبادة عظيمة، فانتبهوا إلى خلوص النيّة فيها، ولتكن خطوةً في سلّم كمال الإيمان لدى الواحد منكم.


وختاماً أقول: شاء اللّه أن يحقّق وعده في الطاغية صدّام; حيث أسقطه بيد أسياده في يوم شهادة الصدر العظيم(قدس سره)واُدخل جحرضبّ، وبقي الصدر صدراً يحتضن كلّ العراقيين وجميع الشيعة والمسلمين، وينتفع من بركات علمه ودمه الجميع.

فاللّه اللّه في هذا الدم الزكىّ الطاهر، لا يضيع بحضرتكم، فأقيموا للمناسبة ما يناسبها، ليبقى الصدر للعراق، والعراق للإسلام، والإسلام للّه.

اُستاذي المعظّم طبتَ وطابت الأرض التي فيها دفنت، والسلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[align=center]26 / صفر / 1426 هـ. ق
كـاظم الحسـيني الحـائري
[/align]

--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة محمد، الآية: 31 ـ 33.
(2) سورة البقرة، الآية: 155 ـ 157. [/align]