جذور الإستبداد
في الفكر السياسي الوهابي

قراءة تحليلية


بقلم : أحمد الكاتب

www.alkatib.co.uk
المحتويات


المقدمة: ماهي الوهابية ؟ ومن هم الوهابيون؟

الفصل الأول: نظرية التوحيد الوهابية

تكفير عامة المسلمين

عدم العذر بالجهل و شرط الولاء السياسي

غربة الاسلام والمسلمين

محاولة نفي تهمة التكفير



الفصل الثاني: ولادة الدولة السعودية الأولى

الهجرة والقتال و الخروج

الولادة السلمية



الفصل الثالث: ملامح التجربة السياسية الوهابية الأولى

1 – الاستبداد و سياسة القهر و الغلبة

الجذور التاريخية لنظرية القهر و الغلبة

نظرية ابن تيمية السياسية

الدعوة الى طاعة الامام و تحريم الخروج عليه

2 - العنف و الإرهاب

دوامة العنف

مجزرة كربلاء

دعوة أهالي مكة الى الإسلام

إعلان تكفير الدولة العثمانية



3 - التذبذب بين المعارضة والولاء للدولة العثمانية

4 - الصراع الداخلي



الفصل الرابع: الدولة السعودية الثالثة و الشورى

علاقة ابن سعود مع (الاخوان)

قبول ابن سعود للحماية البريطانية

علاقة الوهابية مع المسلمين

علاقة الوهابيين الداخلية

الهيمنة على الحركة الوهابية

انقلاب ابن سعود على الوهابية

علاقة ابن سعود برجال الدين

علاقة ابن سعود بالشعب

الشورى لأهل الحجاز

وعود ديموقراطية عقيمة

مجلس لأهل الحل و العقد

الأنظمة الثلاثة و الحكم المطلق



الفصل الخامس : المؤسسة الدينية الوهابية و الشورى

تشكيل المؤسسة الدينية الوهابية

التبعية للسلطة السياسية

الاعتزال السياسي

التصدي للديموقراطية

الدفاع عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله

إغلاق نافذة الثورة



الفصل السادس : المعارضة الوهابية و الشورى

1 - المعارضة الاصلاحية الموالية

2 - المعارضة الخارجية الرافضة

3 - المعارضة الثورية المسلحة ( التكفيرية)

تكفير النظام و المؤسسة الدينية الوهابية



الفصل السابع: من الوهابية الى الديموقراطية

الانفتاح على الديموقراطية

المسعري ثورة على الوهابية

المالكي يرفض التكفير

عبد الرحمن عبد الخالق والمشاركة البرلمانية



الخاتمة: التكفير أزمة الفكر السياسي الوهابي



ان الظاهرة الديكتاتورية موجودة في كل زمان ومكان ، ولكنها تتمتع بخصوصية بارزة في التجربة السعودية ، وترتبط بعلاقة وثيقة بالتفسير الوهابي للدين ، بما يمكننا من القول بوجود ظاهرة خاصة في التجربة الوهابية تتجاوز حدود الديكتاتورية المعروفة في جميع أنحاء العالم ، والتي تتمثل في استبداد الحاكم بالسلطة المطلقة وإقصاء مختلف طبقات الشعب وفئاته وأحزابه ، إذ انها تبدأ هنا مع تكفير الحركة للمجتمع ومحاربته واستباحة دمائه وأمواله وإنكار أية حقوق انسانية أولية له . واذا كان النظام السعودي الحديث قد خفف من غلواء الفكر الوهابي القديم ، وتخلى عن الكثير من تطرفه ، الا انه لم يستطع التحرر تماما من التركة النفسية المرعبة للروح الوهابية المتشددة ، ولا يزال يتداخل معها ويتأثر بها ويدعمها ويستند الى الكثير من النظريات والمؤسسات والمدارس الوهابية المتطرفة.

ومع ان النظام السعودي عانى ويعاني من تطرف التفسيرات الوهابية وأحكامها المتشددة ضده ، الا انه يخشى ان ينفصل عنها تماما ، خوفا من فقدان القاعدة الاجتماعية والعصبية الحزبية التي تحتضن النظام . وقد استطاع ان يتجنب غضب القاعدة الوهابية عبر ضمان ولاء القيادات الدينية التقليدية (من آل الشيخ خصوصا) والتظاهر ببعض الشعائر الاسلامية وتطبيق بعض الحدود الشرعية ، واستغلال الفكر السياسي الوهابي الذي ينص على وجوب الطاعة للأمراء والخضوع لهم.

وفي الوقت الذي كان النظام السعودي يستفيد من الفكر الوهابي في تدجين المعارضة الوهابية ، كان يستخدم الحركة الوهابية كبعبع في مواجهة الحركات الشعبية المطالبة بالديموقراطية ، وذلك بالإيحاء اليها بامكانية سيطرة الحركة الوهابية على المجتمع ، وإمكانية فوزها في أية عملية انتخابية، واطلاق يدها في التعامل بشدة مع التيارات المختلفة العلمانية والطائفية والحزبية التي تعتبرها الوهابية كافرة ومرتدة ، وحث المعارضة الديموقراطية على القبول بالنظام السعودي واستبداده خوفا مما هو أعظم.

و ان موقف الحركة الراديكالية (التكفيرية) السلبي من الشورى والديموقراطية ، هو الذي دفعها لاختيار الطريق العسكري في عملية التغيير السياسي ، كطريق لا تجد دونه سبيلا ، ولما كانت منظمة (القاعدة) التي يقودها أسامة بن لادن ، والتي تنتقد التعاون العسكري بين الرياض و واشنطن ، أو ما تسميه بالاحتلال العسكري الأمريكي لبلاد الحرمين ، لا تملك اسلوبا ديموقراطيا لفرض موقفها على الحكومة السعودية ودفعها الى طرد القوات الأمريكية بشكل سلمي ، وذلك لغياب النظام الديموقراطي في السعودية ، وبما أنها لم تكن ترغب في إشعال حرب داخلية مع النظام السعودي ، فانها فضلت توجيه ضرباتها الى تلك القوات الأمريكية ، وأعلن ابن لادن ، كما رأينا في رسالته الشهيرة التي أصدرها عام 1997 ، أنه في حل من المعاهدات الحكومية وطالب الشعب السعودي بتوجيه أقسى الضربات للأمريكيين في داخل السعودية وخارجها لإجبارهم على الانسحاب من الجزيرة العربية. وبكلمة أخرى.. إن توجه ابن لادن ومنظمة (القاعدة) للاشتباك مع أمريكا هو نتيجة غياب الديموقراطية في النظام السعودي ، وفي فكر المعارضة الوهابية الراديكالية التي لا تؤمن بالديموقراطية. ولو كان ثمة أي نافذة ديموقراطية للتغيير والحل السياسي والمشاركة الشعبية في السلطة لما وجد ابن لادن نفسه مضطرا لحمل السلاح نيابة عن الحكومة ومطالبة أمريكا مباشرة بالخروج من الجزيرة العربية.

إذن فان الحركات الوهابية الموالية للنظام السعودي والمعارضة له ، تشترك في بنية فكرية سياسية واحدة ، وتتخذ موقفا متشابها تجاه الشورى والانتخابات والمشاركة الشعبية في الحكم . ولئن كانت تلك الحركات المعارضة تنتقد النظام السعودي أو بعض ممارسات الحاكم وتدعو لإصلاحه أو تغييره ، فانها لا تدعو الى تغيير العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، أو استبدال النظام بصورة جذرية. واذا كان بعضها قد أعلن كفر النظام ، وأعلن أو قد يعلن تبعا لذلك الحرب على النظام ، فانه في نفس الوقت لا يجد أسلوبا للحكم غير الأسلوب الاستبدادي المطلق ، ولا يفكر باللجوء الى الشورى والانتخاب ، أو قبول مبدأ تبادل السلطة بشكل سلمي ديموقراطي مع الأحزاب الاخرى.

ولئن كانت الوهابية الرسمية وغير الرسمية قد خففت من "وهابيتها" وخاصة فيما يتعلق بالتكفير والقتال ، فانها لا تزال تعتقد أنها هي فقط "الفئة الناجية" من بين "الضالين والمنحرفين". اذا لم تكن تعتقد أنها وحدها تمثل "المسلمين والموحدين" في محيط "الكفار والمشركين". ولا تزال تنظر بسلبية الى طوائف عديدة وعامة من المسلمين كالشيعة والصوفية والأشاعرة والمعتزلة وحتى الإخوان المسلمين ، فضلاً عن دعاة الديموقراطية والعلمانية في العالم الاسلامي . ومن هنا فقد أصبح من العسير على الوهابيين القبول بوجود أي حزب آخر يختلف عنهم ويعارضهم وينافسهم على السلطة ، أو الاحتكام الى الرأي العام الذي يتهمونه دائما بالتخلف عن الشرع.. وغابت الشورى حتى عن شبكة علاقاتهم الداخلية و فيما بينهم وبين رجال الدين ، وبين هؤلاء وبين الحكام ، وبين هذين الطرفين وبين القواعد الوهابية. وقامت العلاقة بدلا من ذلك على أساس القوة والقهر والغلبة. كما قامت العلاقة بينهم وبين الآخرين، أحزابا وطوائف وتيارات ، على اساس الدعوة والجهاد وفرض الرأي بالقوة.