[rams]http://www.alghuraifi.org/sound/juma/1426/juma84.ram[/rams]

الشهيد الصدر وإصلاح المنبر

من اهتمامات الشهيد السيدالصدر البارزة التفكير الجاد في النهوض بأداء المنبر الحسيني... وفي هذا الاتجاه أكد الشهيد الصدر مجموعة محاور أساسية:
الارتقاء بمستوى أهداف ومسئوليات المنبر الحسيني كان الشهيد الصدر يؤكد في احاديثه مع الخطباء ضرورة أن يرتقي المنبر الحسيني بمستوى مسئولياته وأهدافه في ضوء المتغيرات والمستجدات والتطورات في حركة الحياة، وفي حركة الاجيال. وبمقدار ما يرتقي هذا المستوى يكون للمنبر الحسيني حضوره الفاعل، ويكون له دوره الكبير في التعاطي مع الواقع بكل مكوناته الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية، ان مستوى المسئوليات والأهداف هو الذي يحدد للمنبر الحسيني آفاق الحركة والانطلاق... فاذا كان دور المنبر الحسيني في مرحلة من المراحل هو استثارة الجانب المأسوي في واقعة كربلاء، واذا كان دوره العرض التاريخي لقضية الامام الحسين "ع"، واذا كان دوره ممارسة بعض الوعظ والارشاد، واذا كان دوره التعاطي المبسط مع جانب من أفكار الاسلام وعقائده، وجانب من ثقافة الدين وقيمه... اذا كان هذا دور المنبر الحسيني الى وقت قريب، فإن تطورات الزمان وحاجات العصر وتحديات الواقع تفرض على المنبر الحسيني أن يرتقي ويتجدد في مسئولياته الفكرية والثقافية، والتربوية والاجتماعية والسياسية، وبقية المسئوليات. هذا هو المحور الأول الذي أكده الشهيد الصدر في الكثير من أحاديثه والكثير من لقاءاته مع المتصدين للشأن الحسيني.

الارتقاء بمستوى خطباء المنبر

ان الارتقاء والتطور والتجدد في مستوى أهداف ومسئوليات المنبر الحسيني يفرض ضرورة الارتقاء والتطور والتجدد في مستوى مؤهلات وامكانات وكفاءات واستعدادات خطباء المنبر الحسيني، والا بقيت تلك الأهداف والمسئوليات معطلة ومجمدة وفاقدة للقدرة على الحركة والانطلاق، فالخطباء هم أدوات الحركة والانطلاق، فاذا لم تكن هذه الأدوات بمستوى الاهداف والمسئوليات أصيب المنبر الحسيني بشلل وركود وجمود وتخلف.
كان الشهيد الصدر يدفع بالخطباء في اتجاه الارتقاء بمستواهم العلمي والثقافي والروحي، وكان يرى في الخطيب "اللسان المعبر عن المرجعية الرشيدة، بل هو الوسيط الأمين بين المرجعية والأمة".
فاذا كانت للشهيد السيدالصدر رؤيته وأطروحته في تطوير "اسلوب العمل المرجعي" وفي تطوير "أهداف العمل المرجعي" وفي تطوير "الكفاءات الذاتية للمرجعية" كل ذلك انطلاقا من فهم اصيل لمسئوليات "القيادة الدينية"، وقراءة بصيرة لكل المستجدات والمتغيرات والضرورات والتحديات والازمات والاشكالات.
وما دام الخطيب - في منظور الشهيد الصدر - هو "اللسان المعبر عن المرجعية الرشيدة والوسيط الأمين بين المرجعية والأمة"، فيفترض في هذا "اللسان" وفي هذا "الوسيط" ان يكون على درجة عالية من الكفاءة تؤهله لأن يصبح "لسان المرجعية الرشيدة" في كل أهدافها وطموحاتها ومسئولياتها، كما حددتها أطروحة الشهيد السيد الصدر عن "المرجعية الصالحة" أو "المرجعية الموضوعية".
ولن يكون خطيب المنبر الحسيني في مستوى هذه المهمة الكبيرة وفي مستوى تحمل المسئوليات الخطيرة الا اذا ارتقى وتطور في مستوى مؤهلاته العلمية والثقافية، ومؤهلاته الروحية والأخلاقية، والسلوكية، ومؤهلاته الاجتماعية والسياسية، ومؤهلاته الفنية والخطابية.
مشروع المؤسسة المركزية للخطابة
وهنا نترك للشيخ الوائلي رضوان الله عليه ان يتحدث عن مشروع الشهيد السيدالصدر في تطوير المنبر الحسيني، يقول المرحوم الوائلي: "كنت أتردد على مجلس آية الله الشهيد الصدر السيد محمد باقر تغمده الله برحمته، وكان يطرح هموم الساحة من كل ابعادها، ومن الهموم التي شغلت باله قضية المنبر الحسيني، وكان يدعوني الى تحمل شيء من مسئولية المنبر ولو بعمل بسيط يتطور بعد ذلك، وبعد مداولات كثيرة انتهى الأمر الى ان قال: لك علي الامور الآتية:
1- ان أدمج خطباء المنبر بالحوزة العلمية حتى يحصلوا على ما يحصل عليه طالب العلم من مكاسب مادية وروحية وعلمية، وبذلك تزول كثير من المشكلات عن طريقهم.
2- أن أعمل على ايجاد صيغة تؤمن لهم ضمانا لأيام عجزهم حتى لا يتعرضوا لذل أو ضياع كما هو الوضع السائد.
3- ان تكون لهم مؤسسة مركزية يصدرون عنها في مناهج موحدة، وتوجيهات تصدر لهم في ذلك، كما تعمل هذه المؤسسة على التعريف بهم في داخل العراق وخارجه ما يعطيهم زخما ومكانة معترفا بها، وتكون المؤسسة تحت ظل المرجعية...".
هذه هي العناوين الرئيسية - كما يقول المرحوم الوائلي - وفيها تفاصيل وملاحق تستوعب جوانب الفكرة.
ويستطرد الشهيد الصدر مخاطبا الشيخ الوائلي "رحمه الله": "أما الذي عليك فهو ان تضع خبرتك في هذا الميدان تحت أيدي طلاب هذه المؤسسة، وتتعاون مع زملائك الذين تعرفهم بالكفاءة لسد الثغرات المحتملة، وتقوموا بأدوار تنويه عند هذه المؤسسة في المجتمعات ذات الشأن، وفي الوقت ذاته تستمروا في تطوير أنفسكم....". يقول الشيخ الوائلي: "هذه مجمل الخطوط العامة التي دار فيها الحديث مع الشهيد الصدر "قدس سره"".
ثم يضيف الشيخ الوائلي "رحمه الله": "وانتهينا الى أخذ فترة من الزمن للتوافر على دراسة أبعاد المسألة والعقبات المحتملة وطرق تذليلها، وأسلوب العمل الممكن الذي تسمح به الأوضاع وتهضمه، وقد دونت تفاصيل ذلك في وريقات تركتها في مكتبتي بالنجف ولا أعرف مصيرها...".
ويتابع الوائلي كلامه: "وتتابعت الحوادث بعد ذلك فاضطرتني إلى الخروج من العراق الى الكويت ثم الى الشام وصورة المشروع ماثلة في ذهني، والأمل والرغبة في زوال الغمة وامكان تجسيد الفكرة يملأ جوانحي ولكني فوجئت باعتقال الشهيد مع شقيقته الطاهرة ورجوت ان تكون سحابة عابرة، ولكن نزل علينا نبأ استشهاده نزول الصاعقة وشعرنا بفداحة الخطب وشراسة الهجمة، واختفت عنا جبهة تشع بالايمان، وفكر يفجر المعرفة، وخلق يملأ الحياة طهرا، ورفعنا دما طاهرا سال من اجل ان يعبد الله ولا تعبد الأوثان، ومن أجل ان يوحد المسلمون تحت لواء واحد، وتطرد عنهم أصنام العصبية، ورفعناه لنضعه الى جانب دماء آبائه التي سالت على الدرب نفسه، وسلكناه في قافلة تضم الانبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ولا حول ولا قوة الا بالله، فانطوى الأمل، وذهبت الفكرة واحتسبت مع حاملها عند الله، وهو خير وأبقى..."... ولنا مواصلة مع الشهيد الصدر إن شاء الله.

الفتنة الطائفية في العراق

ان جرائم العنف والقتل التي تمارس في العراق وآخرها جريمة المدائن الشنعاء، اذ ذبح عدد من الشيعة الابرياء بطريقة بشعة، قطعت رؤوسهم وألقيت جثثهم في نهر دجلة وفيهم الاطفال والنساء والشيوخ... هذه الجرائم وأمثالها يستنكرها كل من يحمل ذرة من دين وضمير وانسانية، ويستنكرها كل الغيارى وكل الشرفاء في العراق وفي خارج العراق.
والسؤال الذي يطرح دائما: ما الدوافع وراء هذه الأعمال الاجرامية؟ ومن أولئك الذين يقفون وراءها؟ لا شك ان هذا العبث بالأرواح والدماء يستهدف أمن العراق، واستقرار ووحدة ومصلحة العراق، وشعب العراق.
ولا شك ان هذه الممارسات الارهابية الشائنة يقف وراءها اعداء العراق ومن يريد الشر بالعراق وبأبناء العراق، يقف وراءها مجموعة قوى تشابكت مصالحها وأهدافها، وتلاقت مخططاتها للاضرار بالعراق وتدمير مقدراته... هذه القوى يهمها أن يبقى الوضع الأمني في العراق منفلتا، وان يبقى الوضع الاقتصادي متدهورا، وان يبقى الوضع السياسي مرتبكا... وتنتظم في داخل هذه المجموعات المتشابكة الاهداف والمصالح قوى النظام البائد، وقوى الشر والارهاب الموجه من الخارج، والقوى الطائفية الحاقدة، وتتحمل أميركا كل المسئولية فيما يحدث، وتتحمل العناصر المتسللة الى أجهزة الدولة من بقايا أزلام النظام الصدامي مسئولية كبيرة في ذلك.
والمسألة التي يهمنا التنبيه اليها هنا هي تلك المحاولات المشبوهة التي تتحرك لاستغلال هذه الاعمال الشائنة في استثارة الفتنة الطائفية في العراق، بتحميل سنة العراق مسئولية هذه الاعتداءات، واستثارة مشاعر الشيعة ضد اخوانهم السنة... الامر الذي ينذر بفتنة طائفية عمياء لو قدر لها - لا سمح الله - ان تتحرك فستأكل الأخضر واليابس، وستحرق الحرث والنسل، ولا يعلم مدى نتائجها المرعبة الا الله سبحانه.
الذين يمارسون هذه الجرائم لا يمثلون السنة في العراق، لقد عاش العراق تاريخا من الوئام والمحبة والصفاء بين السنة والشيعة، ولم تعرف مجتمعات العراق أي شكل من أشكال الصدام المذهبي، على رغم محاولات النظام البائد اعتماد النهج الطائفي. ان الضرب على وتر الطائفية نغم نشاز، فيجب على السنة والشيعة ان ينتبهوا الى خطره وآثاره المدمرة، وقد حذر مراجع الشيعة في العراق، وحذر علماء السنة المخلصون من أي موقف قد يؤدي الى اثارة الفتنة التي تسعى جهات مشبوهة الى اشعالها.
حذار حذار من الفتنة الطائفية في كل مكان... انها فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر، ويجب على أنظمة السياسة في بلداننا العربية والاسلامية الحذر كل الحذر من اللعب بأوراق الطائفية، وأوراق التمييز، لكي لا تكون شعوبنا هي الضحية.