شواهد من فكر الشهيد الصدر


ملامح من فكر الشهيد الصدر الأول: 1- الرؤية التغييرية: لقد وجد الشهيد الصدر من خلال نظرته إلى واقع المسلمين أن هناك مساحتين مختلفتين في هذا الواقع:

المساحة الأولى: الواقع الفردي للمسلمين: وهذا الواقع ظل محكوما - على نحو الإجمال - للإسلام، فغالبية المسلمين في واقعهم الفردي يتحركون بتوجيهات الإسلام، فهم يصلون ويصومون، ويحجون، ويؤدون الواجبات، ويتجنبون المحرمات... لا يعني هذا عدم وجود انحرافات لدى الأفراد، وفي المساحات الفردية هذه الانحرافات موجودة وبدرجات مختلفة بين فرد وآخر، وبين بيئة وأخرى... وإنما المقصود ان الإسلام بقي هو الوجه لهذا الواقع الفردي في حياة المسلمين...
المساحة الثانية: واقع الأنظمة التي تحكم المسلمين: ونعني بهذه المساحة واقع الأنظمة السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية والثقافية التي توجه المسار العام للمسلمين...
هذه المساحة من واقع المسلمين قد سقطت في قبضة وفي هيمنة المشروعات المناهضة للإسلام وقد أصبح المسلمون مأسورين لهذه الهيمنة التي فرضتها عليهم الأنظمة الحاكمة المأسورة للمشروعات المناهضة.
انظروا إلى أنظمة السياسة في غالبية مجتمعات المسلمين، وإلى أنظمة الاقتصاد، وإلى أنظمة الثقافة، وإلى أنظمة التعليم، وإلى أنظمة الإعلام، فستجدونها بعيدة كل البعد عن أحكام الإسلام...
فالإنسان المسلم في واقعه الفردي يحاول أن يكون ملتزما بأحكام الإسلام، إلا أنه في الواقع العام السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلام محكوم لأنظمة ولقوانين تحاول أن تبتعد به عن الإسلام. وهكذا يقع الإنسان المسلم في ازدواجية صعبة تضعه في مأزق حاد وربما دفع به ذلك إلى التخلي عن التزاماته الدينية حتى في واقعه الفردي.
فمن خلال هذه القراءة لواقع المسلمين كانت رؤية الشهيد الصدر تتجه إلى ضرورة العمل من أجل تغيير الأنظمة العامة التي تحكم واقع المسلمين، وبعبارة أخرى العمل من أجل إعادة الإسلام إلى موقعه في حاكمية المسلمين، وإن النهج "الترميمي" لا ينفع في إعادة صوغ الواقع بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والإعلامية والسياسية، مادامت هذه المكونات في قبضة المشروعات والأنظمة والقوانين المنحرفة عن الإسلام...
ويجب ألا يفهم من هذا أن الشهيد الصدر لا يرى ضرورة الاهتمام بواقع الأمة، وبالمساحات الفردية في هذا الواقع، إنه يرى أهمية ذلك بكل تأكيد، بل إن منطلق التغيير - عند الشهيد الصدر - هو الاهتمام بصوغ وعي الأمة وبتحريك الأمة في خط التغيير الثقافي والاقتصادي والسياسي... وألا يقتصر الأمر على صوغ "النخب" فقط.
إن نظرية الشهيد الصدر التي اقتنع بها أخيرا هي ضرورة الاتجاه إلى تعبئة الأمة وبنائها وتوعيتها، وضرورة إدخالها وإنزالها إلى ساحة العمل والصراع السياسي والاجتماعي، وبالتدريج تنضج الأمة وتنمو وتتكامل. بالإضافة إلى دور النخب المثقفة والعلماء في توجيه وتثقيف الأمة...
أنقل إليكم هذا المقطع من كتاب "الإمام محمد باقر الصدر معايشة من قريب" للسيدمحمد الحيدري "ص 77": "ففي أحد الاجتماعات التي عقدت في بيت السيدمحمود الهاشمي والذي مثل السيد الشهيد بها أعلن السيدالهاشمي نيابة عن السيدالصدر أن رؤيته وعمله السابق تجاه الأمة كانا خطأ، وقال: كنا نهتم بالنخب المثقفة ولا نعطي اهتمامنا للأمة، ولهذا كنا نعتبر تثبيت كتاب "الأسس المنطقية للاستقراء" مادة للتدريس في الحوزة العلمية فتحا ونصرا كبيرا؟!
بينما الطريقة الصحيحة هي منهجية الإمام الخميني الذي يوجه جل اهتماماته تجاه الأمة، يعبئها ويبنيها من خلال إنزالها إلى ساحة العمل السياسي والاجتماعي، وخلاصة رأي السيدالشهيد الصدر الجديد أن مهمة تربية الأمة وتوعيتها إنما تكون من خلال إدخالها وإنزالها إلى ساحة العمل والصراع السياسي والاجتماعي، وبالتدريج تنضج وتنمو وتتكامل...
بالإضافة إلى دور النخب المثقفة والعلماء في توجيه وتثقيف الأمة، وبعبارة أخرى إن العمليتين تجريان في وقت واحد ومتوازيتان.
ومن الواضح عند ما يراد دخول الأمة في القضايا السياسية والاجتماعية فإن ذلك يحتاج منها إلى معرفة المواقف والآراء، وبالتالي اختيار الرأي الصحيح من خلال ارتباطها بالقيادة الإسلامية، وهكذا تنمو وتتصاعد وتتكامل في مسيرتها وجهادها".
نخلص إلى النتيجة الآتية: إن مرتكزات التغيير عند الشهيد الصدر هي المبدأ الصالح والقيادة الصالحة والأمة الصالحة.