اعلموا ايها الاحبة ‏ أن الغضب شعلة من النار، وأن الإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال‏:‏ ‏{‏خلقتني من نار وخلقته من طين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 12‏]‏ فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، والحركة والاضطراب.


حقيقة الغضب‏:‏ وحقيقة الغضب هوغليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلى به دم القلب نتيجة افراز الادرينالين الزائد والهورمونات الاخرى فيزداد ضغط الانسان كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.
درجات الغضب :درجات الغضب ثلاث إفراط، وتفريط، واعتدال‏.‏فلا يحمد الإفراط فيها، لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار‏.‏والتفريط في هذه القوة أيضاً مذموم، لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة، ومن فقد الغضب بالكلية، عجز عن رياضة نفسه، إذ الرياضة إنما تتم بتسلط الغضب على الشهوة، فيغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، ففقد الغضب مذموم، فينبغي أن يطلب الوسط بين الطريقين‏.ومتى قويت نار الغضب والتهبت، أعمت صاحبها، وأصمته عن كل موعظة، لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ، فيغطى على معادن الفكر، وربما تعدى إلى معادن الحس، فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود الدنيا في وجهه، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار، فاسود جوه، وحمى مستقره، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلا يثبت فيه قدم، ولا تسمع فيه كلمة، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر على إطفاء النار، فكذلك يفعل بالقلب والدماغ، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه‏.‏ومن آثار الغضب في الظاهر، تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج لأفعال عن الترتيب، واستحالة الخلقة، وتعاطى فعل المجانين، ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لأنف نفسه من تلكالحال، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم‏.‏



أسباب المهيجة للغضب
قد عرفت أن علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها‏.‏فمن أسبابه‏:‏[blink] العجب، والمزاح، والمماراة، والمضادة، والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، [/blink]وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعاً، فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده، فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه‏.







[all1=FF6600]كيف نعالج الغضب:.[/all1]
الاول : كظم الغيظ، والعفو، والحلم، والاحتمال.‏{‏خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 199‏]‏
{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران .
فقد روي عن رسول الله (ص)‏"‏من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء‏"‏‏.‏‏"‏إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم‏"‏ ‏ وفي الحلم روي عن رسول الله (ص)(‏‏‏.‏‏"‏اطلبوا العلم، واطلبوا مع العلم السكينة والحلم، لينوا لمن تعلمون ولمن تعلمون منه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، فيغلب جهلكم عليكم‏"‏ ‏.‏(ص) لرجل من اصحابه يمتدحه ‏"‏إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله‏:‏ "الحلم والأناة"
والعفو عند المقدرة هو من مكارم الاخلاق ,والعفوا هو ان تستحق حقاً فتسقطه، وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة، وهو غير الحلم والكظم‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والعافين عن الناس‏}‏ ‏.‏‏[‏آل عمران‏:‏134‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فمن عفا وأصلح فأجره على الله‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 40‏]‏، وروي عنه (ص)‏:‏ ‏"‏ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله‏"‏‏‏‏‏.‏وروى أن منادياً ينادى يوم القيامة‏:‏ ليقم من وقع أجره على الله‏؟‏ فلا يقوم إلا من عفا عمن ظلمه‏.‏وعنرسول الله (ص) "‏ وإن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى عليه مالا يعطي على العنف.‏:‏ [blink]‏"‏إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله‏"[/blink]‏‏.‏وفى حديث آخر[blink] ‏"‏من يحرم الرفق يحرم الخير‏"[/blink]‏‏.‏




الثاني‏:‏ أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى، وهو أن يقول‏:‏ قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبى، لم آمن أن يمضى الله عز وجل غضبه على يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو‏.‏ وقد قال الله تعالى في بعض الكتب‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ اذكرني عند الغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق‏.‏



‏ الثالث‏:‏ أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فان الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة وهذا هو تسليط شهوة على غضب ولا ثواب عليه، لأنه تقديم لبعض الحظوظ على بعض، إلا أن يكون محذوره أن يتغير عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك‏.‏



الرابع‏:‏ أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب على ما تقدم، وأنه يشبه حينئذ الكلب الضارى، والسبع العادي، وانه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عادتهم، لتميل نفسه إلى الاقتداء بهم‏.‏



الخامس‏:‏ أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبة أن يقول له الشيطان‏:‏ إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه‏:‏ تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين‏.‏وينبغى أن يكظم غيظه، فذلك يعظمه عند الله تعالى، فماله وللناس‏؟‏ أفلا يجب أن يكون هو القائم يوم القيامة إذا نودي‏:‏ ليقم من وقع أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا، فهذا وأمثاله ينبغي أن يقرره على قلبه‏.‏
السادس‏:‏ أن يعلم أن غضبه إنما كان من شىء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب‏.‏


[all1=FFCC00] ومن وسائل معالجة الغضب[/all1] هو السكون، والتعوذ، وتغيير الحال، وإن كان قائماً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وقد أمرنا بالوضوء أيضاَ عند الغضب، فهذه الأمور وردت في الأحاديث‏.‏أما الحكمة في الوضوء عند الغضب، ‏"‏ إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‏"‏‏.‏وأما الجلوس والاضطجاع، فيمكن أن يكون إنما أمر بذلك ليقرب من الأرض التي منها خلق، فيذكر أصله فيذل، ويمكن أن يكون ليتواضع بذله، لأن الغضب ينشأ من الكبر،فقد روي عن رسول الله (ص)‏:"‏ من وجد شيئاً من ذلك، فليلصق خده بالأرض‏"‏ ‏‏‏.‏


[all1=33FFFF]من نتائج الغضب[/all1]


الحقد والحسد، ومما يدل على ذم الغضب قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له‏:‏ أوصني، قال‏:‏ ‏"‏لا تغضب‏"‏، فردد عليه مراراً، قال‏:‏ ‏"‏لا تغضب‏"‏‏.‏وفى حديث آخر أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا تغضب‏"‏‏.وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”‏.وقوله تعالى‏:‏‏{‏وسيداً وحصوراً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 39‏]‏ قال‏:‏ السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه‏.‏وروينا أن ذا القرنين لقي ملكاً من الملائكة فقال‏:‏ علمني علماً ازداد به إيماناً ويقيناً، قال‏:‏ لا تغضب، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة. ولابد من التاني والابتعاد عن العجلة فان العجله توريد الخطأ..فأن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل، والغضب عدو العقل‏. واذا سيطر الغضب واحتقن في داخل الانسان رجع الى البطن فتحول حقدا ، فالحقد ثمرة الغضب، والحسد من نتائج الحقد‏.‏وروي عن رسول الله (ص)‏ ‏"‏لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، كونوا عباد الله إخواناً‏"‏‏.‏وفى حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‏"‏ ‏.‏وجاء في الحديث القدسي‏:‏‏"‏الحاسد عدو نعمتى، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي بين عبادي‏"‏‏.‏ وقال احد الحكماء لا احسد احداعلى شئ من أمر الدنيا، لأنه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على شئ من أمر الدنيا، وهو يصير إلى الجنة، وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على شئ من أمر الدنيا، وهو يصير إلى النار‏.
وروي عن رسول الله(ص)‏:‏ ‏"‏ثلاث لا ينجو منهن أحد‏:‏ الظن، والطِّيرة، والحسد، وسأحدثكم ما المخرج من ذلك، إذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ‏"



اسباب الحسد:‏
أحدها‏:‏[blink] العداوة، والتكبر، والعجب، وحب الرياسة، وخبث النفس،وبخلها، وأشدها‏:‏ العداوة والبغضاء، [/blink]فإن من آذاه إنسان بسبب من الأسباب، وخالفه في غرضه، أبغضه قلبه، ورسخ في نفسه الحقد‏.‏ والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فمهما أصاب عدوه من البلاء فرح بذلك، وظنه مكافأة من الله تعالى له، ومهما أصابته نقمة ساءه ذلك، فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما، وإنما غاية التقى أن لا يبغي، وأن يكره ذلك من نفسه، فأما أن يبغض إنساناً فيستوي عنده مسرته ومساءته، فهذا غير ممكن‏.‏

[mark=FF0000]وأما الكبر، [/mark]فهو أن يصيب بعض نظرائه مالاً أو ولاية، فيخاف أن يتكبر عليه ولا يطيق تكبره، وأن يكون من أصاب ذلك دونه، فلا يحتمل ترفعه عليه أو مساواته‏.‏ وكان حسد الكفار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريباً من ذلك ‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 31‏]‏ وقال في حق المؤمنين‏:‏[glow1=FF6633] ‏{‏ أهؤلاء من الله عليهم من بيننا‏}‏ ‏[/glow1][‏ الأنعام‏:‏ 53‏]‏ وقال في آية أخرى ‏:‏ ‏{‏ما أنتم إلا بشر مثلنا‏}‏ ‏[‏يس ‏:‏ 15‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏ ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون‏}‏‏[‏ المؤمنون ‏:‏ 34‏]‏ فعجبوا وأنفوا من أن يفوز برتبة الرسالة بشر مثلهم فحسدوهم‏.‏


وأما حب الرياسة والجاه، فمثاله أن الرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون ، إذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح بما يمدح به، من أنه أوحد العصر، وفريد الدهر في فنه، إذا سمع بنظير له في أقصى العالم، ساءه ذلك وأحب موته، أو زوال النعمة التي بها يشاركه في علم ، أو شجاعة، أو عبادة، أو صناعة، أو ثروة، أو غير ذلك، وليس ذلك إلا لمحض الرياسة بدعوى الانفراد ‏.‏وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يؤمنون خوفاً من بطلان رئاستهم‏.
‏وأما خبث النفس وشحها على عباد الله، فإنك تجد من الناس من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر، وإذا وصف عند حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شق عليه ذلك، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته‏.‏

وقد قال احد الحكماء :‏ البخيل من يبخل بمال نفسه، والشحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعمى الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلا خبث النفس ورداءة الطبع، وهذا معالجته شديدة، لأنه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلة، فيعسر إزالته، فهذه أسباب الحسد‏.‏ ‏وحينما يكثر الحسد في وسط الاقوام يثور التنافر والتباغض‏.‏ولذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد، والعابد يحسد العابد دون العالم، والتاجر يحسد التاجر، والإسكاف يحسد الإسكاف، لأن مقصد كل واحد من هؤلاء غير مقصد الآخر‏.‏فأصل العداوة التزاحم على غرض واحد، والغرض الواحد لا يجمع متباعدين، إذ لا رابطة بين شخصين في بلدين، ولا يكون بينهما محاسدة إلا من اشتد حرصه على الجاه، فإنه يحسد كل من في العالم ممن يساهمه في الخصلة التي يفاخر بها‏.‏ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا , وحب الدنيا راس كل خطيئة ، فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين، وأما الآخرة، فلا ضيق فيها، فإن من احب معرفة الله تعالى، وملائكته، وأنبياءه، وملكوت أرضه وسماءه، لم يحسد غيره إذا عرف ذلك، لأن المعرفة لا تضيق على العارفين، بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف عالم، ويفرح بمعرفة غيره، فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة، لأن مقصودهم معرفة الله سبحانه، وهو بحر واسع لا ضيق فيه، وغرضهم المنزلة عند الله، ولا ضيق فيما عند الله، لأن أجل ما عند الله من النعيم لذة لقائه، وليس فيه ممانعة ولا مزاحمة‏.‏ولا يضيق بعض الناظرين على بعض، بل يزيد الأنس بكثرتهم، إلا أنه إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسدوا‏.‏ والفرق بين العلم والمال، أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن يد أخرى، والعلم مستقر في قلب العلم، ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل عن قلبه، ولا نهاية له، فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكه، وصار ذلك عنده ألذ من كل نعيم، لأنه لم يكن ممنوعاً عنه ولا مزاحماً فيه، فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق، لأن غيره لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته، فقد عرفت أنه لا حسد إلا في المتوارد على مقصود يضيق عن الوفاء بالكل‏.‏ولهذا لا ترى الناس يتزاحمون على النظر إلى زينة السماء، لأنها واسعة الأقطار، وافيه بجميع الأبصار، فعليك إن كنت شفيقاً على نفسك أن تطلب نعيماً لا زحمة فيه، ولذة لا تتكدر، ولا يوجد ذلك في الدنيا إلا في معرفة الله تعالى وعجائب ملكوته، ولا ينال ذلك في المعرفة أيضاً، فإن كنت لا تشتاق إلى معرفة الله سبحانه، ولم تجد لذتها، وضعفت فيها رغبتك دلالة ضعف الايمان وقساوة القلب ,لان المؤمن الحقيقي هو الذي يشتاق الى معرفة الله ,والشوق بعدالذوق، ومن لم يذق لم يعرف، ومن لم يعرف لم يشتق، ومن لم يشتق لم يطلب، ومن لم يطلب لم يدرك، ومن لم يدرك بقى من المحرومين‏.‏


[mark=FF6600]اعلموا ايها الاحبة:[/mark]‏ أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف حقيقة أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وأنه لا يضر المحسود في الدين ولا في الدنيا، بل ينتفع به، والنعمة لا تزول عن المحسود بحسدك، ولو لم تكن تؤمن بالبعث لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد، لما فيه من ألم القلب مع عدم النفع، فكيف وأنت تعلم ما فيه من العذاب في الآخرة‏.


علاج الحسد
يعالج الحسد تارة[blink] بالرضى بالقضاء، [/blink]وتارة [blink]بالزهد في الدنيا، [/blink][blink]وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، [/blink]فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً، ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته‏.‏فأما من يحسد نبياً على نبوته، فيجب أن لا يكون نبياً، أو عالماً على علمه، فيؤثر أن يرزق ذلك أو يزول عنه، فهذا لا عذر له، ولا تجبل عليه إلا النفوس الكافرة أو الشريرة، فأما إن أحب أن يسبق أقرانه، ويطلع على ما لم يدركوه، فإنه لا يأثم بذلك، فإنه لم يؤثر زوال ما عندهم عنهم، بل أحب الارتفاع عنهم ليزيد حظه عند ربه، كما لو استبق عبدان إلى خدمة مولاهما، فأحب أحدهما أن يستبق‏.‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وفى ذلك فليتنافس المتنافسون‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 26 . وروي عن رسول الله (ص)‏:‏ ‏"‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله عز وجل القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في الحق آناء الليل وآناء النهار‏"‏‏.‏





نسال الله تعالى ان يوفقنا لطاعته ولا ان نكون من اهل الغضب المذموم والحقد والحسد- والحمد لله رب العالمين

[all1=FF6600]بقلم: الدكتور ناصر الحق[/all1]