النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي المثقف الشيعي في عين العاصفة





    صدر عن المركز الإسلامي للتنمية الثقافية كتاب المفكر الإسلامي غالب حسن الشابندر بعنوان:
    "المثقف الشيعي في عين العاصفة" وينشر موقع أفكار نص الكتاب كاملا:

    جذور الألم

    نقصد بالمثقف منتج الأفكار، الذي يخلق ويؤسّس لرؤى وتصورات، المفكر، والفنان، والشاعر، والمخرج، والقاص، والسياسي الجاد، والناقد، والباحث، والصحفي، ولأننا لا نتقيد بتعريف جامد، ولأننا بفعل المنظور الحيوي للإسلام تجاه الحياة، نتعامل مع الواقع بمساحته العريضة، ولأننا جزء من هذا الكيان (البشري ـ العقدي) الذي أصطبغ بدم مباح على مدى زمن يستوعب مئات الأجيال لا لسبب منطقي، ولأننا جزء من كيان تشرَّب بروح محمّد (ص) المشرقة بجمال الإنسان، وبروح علي عليه السلام المفتونة بالعدل، وبروح السجاد المشتعلة بنور التسامح، وبروح الحسين المتألقة بمعاني التضحية من أجل القيم... لأننا جزء من كيان (بشري ـ عقدي) تمخّض عن معاناة علمية ودموية وفكرية وسياسية وأخلاقية... ولأن منطق العلم الاجتماعي يتجاوز التعريف المحدود، التعريف الجامد... بسبب كل هذه المقتربات نمدّ بمصطلح المثقف الشيعي ليشمل كل شيعي يحمل رؤية، شريطة عدم اصطدامها بثوابت الدين الحنيف، وعدم انطوائها على نزعة تكفيرية عدوانية، فإننا جزء من التاريخ العام للإنسانية، لا ندعي أسبقية على أحد، كما هي فلسفة التكفيريين، الذين حصروا حق الحياة بآحاد من البشر. ولا نكتم حقيقة نفتخر بها، ذلك أن المسلم الشيعي تميّز بالإبداع، قراءة للواقع الفكري والثقافي والفني في العراق ولبنان وسوريا والبحرين والكويت تبدي هذه الحقيقة ساطعة.
    المثقف الشيعي ينتمي إلى هذا الكيان (البشري ـ العقدي) بشكل عام، ملتحم بالعالم في ضوء قيم السماء كما هي منظومة في أسفارنا المقدسة ـ القرآن وسنة أهل البيت ـ، يتعامل مع الآخر بميزان الأخوة في الدين أو النظارة في الخلق كما ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام.
    هذا المثقف ـ وبلا تفصيل ـ عانى من القمع، عانى من التهميش، عانى من الرفض، ليس لسبب منطقي سوى هذا الانتماء، سوى هذا التاريخ الموروث الذي نعتبره رحمة، هذا القمع ليس بدعا في زمن الحكومات الوطنية، بل هو وريث تاريخ معقد، تاريخ ممتّد، يبدأ منذ لحظة الوجد على فراق الرسول الكريم وحتى هذه اللحظة، وذلك كجزء من عملية حذف مستمرة، لن تقف لحظة واحدة، أما بالقوة أو بالفعل، مختمر في المخفي من ذات الآخر (الأخ العَقَدِي)، يظهر ويشتد في أي مفارقة زمنية تخالف المألوف عبر هذا التاريخ الذي يسمونه تاريخ الإسلام.
    هذا المثقف الشيعي يعيش مستويات مخيفة من الغربة، من الاستلاب، من العزلة الداخلية، من القهر الخفي... كان وما زال غريبا عن السلطة، يخافها، يخشى سطوتها، يخشى شرطها، أوراقها، دروبها، ينتمي إليها وفي داخله هاجس الطرد، هاجس القتل، هاجس المراقبة، فهو شيعي.
    هذا المثقف الشيعي عانى غربة قاسية في ظل فهم خاطئ لمعنى الدين الحنيف، بسببه أهمل، وضيِّع، وغيِّب، لأنّه يقول شعراً وهو ممِّا يُلْهي، ولأنّه يحمل في يده فرشاة يخطِّط بها على الخامات الميتة تقاسيم الأحياء وذاك مشكل، ولأنّه يخرج على المسرح يلوِّح بشخصية (منسوخة) وتلك كذبة، ولأنه يمارس الدعوة إلى الحرية وتلك لعبة شيطانية لا ندري مصيرها... فكان المثقف الشيعي نهبا لذاك اليسار وذاك اليمين.
    هذا المثقف الشيعي ـ بشكل عام ـ مجموعة نقاط تفصل بينها مسافات من التردد والقلق والحيرة والتمزّق والتشرذم، فإمَّا يضحِّي بالحياة الساخنة بالحضور الحي، الحضور ذي الفاعلية في توجيه التاريخ، يركن إلى النسيان، نسيان التاريخ، وإمَّا ينتمي إلى دوائر التضحية الصارخة، التضحية من أجل التضحية، وإمّا ينساق مع تيار الحياة الكسولة، وإمّا يتحول إلى مثقف سلطة تنتقم من أهله وطائفته قبل أن تنتقم من أعدائها في الشرق أو الغرب إن كان لها عدو هنا وهناك.
    ويبقى انتماؤه لطائفته مجرد عنوان، رغم أنّ هذا العنوان هو سبب المأساة.
    تتميّز غربة المثقف الشيعي بطابع التغطية الشمولية لكل أبعاد قدره الوجودي، من علاقته بذاته المنكسرة بين يدي مصادرة سابقة محكوم عليها بالثبات مهما كانت الأدلة المضادة قوية دامغة، ومن علاقته بتاريخ حاقد مشوّه مكذوب يقرأه رغماً عنه، ومن علاقته بسلطة نافية قاهرة، ومن علاقته ببعض رموزه الروحية التي نسته وتجاهلته عن قصد أو عن جهل.



    إنّها مجرّد بداية

    وفي هذه الأيام حيث تهاوت الحدود بين الثقافات، وحيث يستعر المشهد الإنساني بالخبر من أقصى المعمورة إلى أقصاها، وحيث تجتاح ثقافة الفرد العالم، وحيث تضج الحناجر البشرية بأنشودة الديمقراطية، وحيث تتناوب الأفكار لتكسح بلادة دكتاتورية الأفكار والحكم والتسيُّد الموروث، وحيث تنتشر ثقافة السوق الحر... في هذه الأيام ينتبه المثقف الشيعي إلى ذاته، ينتبه إلى حقه بالحياة، وحقه بالصوت الذي يعبر عن هذه الذات. وللحقيقة والتاريخ، وبالتفاعل مع هذه الحركة الكونية الهائلة، كان لعلمائنا الكبار دور رائد في تحفيز هذه الذات الجريحة، لكي تدخل ساحة التاريخ بوعي وبصيرة.
    فإن الدعوة إلى التحرر والحرية، وتكريس مبدأ الانتخابات، والتوكيد على وحدة الأوطان، وتأسيس مبدأ الأخوة الدينية، والوقوف في وجه الطغيان المادي، ونشر ثقافة التسامح، ورفض الحكم الفردي المتسلِّط... إن هذه الثقافة العريضة التي تبناها علماؤنا الكبار، خاصة في العراق في ظل هذا التحول الكبير... هذه الثقافة بالتفاعل مع حصيلة التطورات العالمية على صعيد السياسة والفكر والفن كان لها أثر كبير على تحفيز هذه الذات الكسيرة، نقصد المثقف الشيعي، لتنخرط في ساحات الموقف الأصيل، الموقف الذي لا يفرط بالذات، ولا يفرط بالتاريخ، ولا يفرط بالانتماء الروحي.
    بدأ يفكر بذاته، ذاته الموضوعية، بدأ يراجع محنته، بدأ يتساءل عن سبب محنته، عن سبب معاملته مواطنا من الدرجة الثانية، بدأ يجول بنظره في حزام البؤس في مدينة بيروت، في تلك ألأكواخ البائسة في جنوب لبنان، بدأ يجول بنظره في أحياء مدينة الصدر (الثورة) في بغداد، بدأ يقرأ أحياءه الطينية في البحرين، بدأ يتساءل عن سبب فقره المدقع في السعودية وهو إبن المنطقة النفطية.
    بداية...
    ولكن ليس كل بداية موفقة حتى وإن سطعت، حتى وإن شرعت تفرض نفسها بقوة، فإن حركة التاريخ ليست عشوائية، وبدون رعاية للبدايات الواعدة تٌقتل في مهدها.



    إستراتيجيَّة التسميات النافية

    بداية.. بداية تشتعل بالوعد، وبدون هذا الكسر يبقى المثقف الشيعي في عزلة من داخله وخارجه، لقد كان لهذا الاغتراب ثمنه الباهظ.
    لم يكن يعاني من الاغتراب لأنَّه لا يملك شيئا، فقد يملك أشياء، قد يكون من أغنياء الخليج وأثرياء باكستان. لم يكن يعاني من الاغتراب لأنه أنتزع من ملكه عنوة، قد يكون مالك عقار ودثار من الدرجة الأولى، يتصرف بماله وثراءه وغناه كما يريد. لم يكن هذا الاغتراب بسبب افتقاده للحرية الشخصية، فقد يكون حرا، يمرح ويسرح، يأكل كما يريد، ويلبس ما يحلو له كما هو الآخر، وربما يفكر كما يعتقد ويرى، ولم يكن يعاني من الاغتراب لاعتبارات تتصل بمنحى العالم المادي وتقنياته التي راحت تبتلع البشر...
    اغتراب المثقف الشيعي يأتي من إخضاعه لإستراتيجية من التسميات المُختارة بعناية، هذه التسميات مُختارة بدقة، هناك صياغة لهذه التسميات مستلة من تقدير لقيمة التاريخ، ودراسة دقيقة لقيمة الحضارة، وأهمية الانتماء، ودور الزمن، تسميات تتواصل وشائجها مع أعز شي على الإنسان، تلك هي عقيدته، وتلك هي وطنيته، وتلك هي شرفه، وتلك هي دوره في صناعة الواقع الحي، الواقع المشرق...
    هذه التسميات رُسم لها مسار يتعدى المحسوس في أهدافه، في غاياته البعيدة، يهدف إلى إلغاء المُسمَّى من الجذور، من الأصل، تسنُّ قانون استباحته القصوى، في نفسه، وفي عياله، وفي ماله، وفي حريته، وأخيرا في مدى صلاحيته للوجود.
    تُرى ما الذي يكمن وراء هذه التسمية المخيفة؟.
    نقصد الرافضة...
    يظهر للوهلة الأولى أن هذه التسمية لا تتعدى رفض خلافة الشيخين، أو لا تتعدَّى الموقف السلبي من هذه الخلافة، في حين أن التسمية تتعدّى ذلك بكثير، ذلك أن خلافة الشيخين بتصور أصحاب التسمية تجسِّد الإسلام بكل تفاصيله، تجسد الدين بكل صفائه، هي مرحلة النموذج، مرحلة الإحالة، وبهذا فإن الموقف الرافض لهذه الخلافة يعني نفي الإسلام، نفي التجربة الأمينة على التطبيق، وبذلك فإن هؤلاء (الرافضة) يجب حذفهم للحفاظ على الإسلام، للحفاظ على التاريخ (المقدس)، فالشيعة (رافضة) من هذه الجهة، وبسببها يجب (رفضهم)، يجب إلغاؤهم تماما.
    هذه هي الخلفية البعيدة لهذه التسمية، وهي تسمية تحريضية، تهدف لغايات سياسية بعيدة، ليست عقدية، عقدية في الظاهر، سياسية في الباطن، فليس غريبا أن تتسلط السيوف على رقاب الشيعة بحجة الرافضة، لان الرفض يستبطن رفضا آخر، رفض مدروس بعناية.
    تُرى ما ذا يكمن خلف التسمية الأخرى؟.
    أحفاد ابن العلقمي...
    لقد اتَّسع نطاق هذه التسمية في الأيام الأخيرة، كان صدام حسين حريصا على إشاعتها في أدبياته وهو يمضي مجازره بالشيعة المسالمين، بدون رحمة، بدون شفقة، وقد تم تصعيدها في الأيام الأخيرة بسبب التغيير الكبير الذي حصل في العراق، وقد تحوَّلت هذه التسمية في الأيام الأخيرة إلى مصطلح يُراد من ورائه تشويه طائفة معينة، هم الشيعة. ولكن السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو الهدف البعيد من التسمية، ما هو المقصود الخفي؟ ما هو الغاطس من وراء هذه التسمية؟ لم تعد التسميات مجرّد عناوين عريضة، هي بناء داخلي أكثر من كونه صياغة خارجية عابرة، ويجب على الشيعة تفكيك هذه التسميات الدقيقة.
    التسمية تهدف إلى التخوين الوطني الدائم، فنحن لسنا وطنيين، خونة التراب الذي أُنبتنا فيه، خونة الهواء الذي نتنسم نسماته، خونة الماء الذي يروي عطشنا... وبالتالي، نستحق النفي الدائم، نستحق الموت، نستحق الطرد، لا يليق بنا وطن، ولا نليق بوطن، هناك غاية خفية، غاية سياسية كبيرة، تتجسد بتشريع قتلنا، كلنا، بلا استثناء، بلا علامة فارقة، لان علامتنا الفارقة هي الخيانة الوطنية، نتوارثها أبا عن جد، وبالتالي، نحن محكوم علينا بالقتل والطرد قبل أن نأتي إلى الدنيا.
    هذه التسمية التي ينقضها التاريخ بوضوح، التي تخالف حقائق التاريخ، هذه التسمية مكملة للتسمية السابقة، السابقة تنطلق من نقطة دينية، تنطلق من مقياس ديني، من مقياس طهوري مقدس، يتصل بالسماء، فيما التسمية الجديدة تتصل بالأرض، تنطلق من مقياس مادي، من هم يومي، يتصل بهموم الشعوب، بمصير الشعوب، وإذا كانت التسمية الأولى تبيح الذبح عقديا فأن الثانية تبيحه سياسيا.
    نحن أحفاد العلقمي، فماذا ننتظر إذن؟ ننتظر أحكام الإعدام والطرد والتشريد والسجون والعزلة والبراءة، لأن الخيانة الوطنية لا يعادلها جزاء إلا ّ الموت.
    هذه التسمية الباطلة لم يشفع برفعها من قاموس الشيعة تضحيات الشيعة لمئات السنين! فلم يجر عليها قلم المساءلة فضلا عن قلم النفي رغم أننا نحن الذين حاربنا الانكليز، ونحن الذين اقترحنا مشروع الملك العربي الهاشمي للعراق، ونحن الذين حررنا جنوب لبنان، ونحن الذين حاربنا صدام حسين.
    فهي إذن تسمية مُصاغة للحكم على الزمن من دون اعتبار لكل حقيقة، حتى لو كانت بحجم ما قدمنا من دم، وبحجم ما خدمنا الأمة و الدين الحنيف الذي هو عزنا وشرفنا.
    هل انتهت إلى الآن مخططات التسمية النافية؟
    لا.
    إنَّهم الشيعة... أولاد المتعة.
    المتعة حرام في فقه الأخوة السنة، ليست زواجا، لقد نسخت وحرِّمت وعدّت من الأحكام المنسوخة التي لا تتفق وأغراض الشريعة السمحة.
    هذه التسمية تطعن أعز ما يملكه الإنسان، ذلك هو الشرف ! المتعة (زنا !)، ولكي نجلِّي عمق التسمية ينبغي أن نذكر أن المتعة زواج شرعي عند الشيعة، وهي حالة نادرة بطبيعة الحال، لا نريد هنا محاكمة هذا اللون من الزواج في ضوء الاستدلال الشرعي، فلذلك مجاله، وقد أُشبع بحثا، بل نريد تسليط الضوء على جوهر التسمية، المخفي في داخل شبكتها الدقيقة، فإنَّ وضع هذه التسمية على نحو العموم، وبلغة العنوان التعريفي... هذه العملية تنم عن اتجاه عدواني، استفزازي، تنم عن مشروع خطير، يهدف التشويه، والتحفيز المضاد، يهدف العزل، الطرد المعنوي... عمل يهدف تبرئة الدم الطاهر من الجسد الشيعي، الجسد الشيعي هجين، الجسد الشيعي مشوب، جسد لعين، جسد ملوث، لا ينفع معه دواء، يجب أن يخرج من دائرة الجسد المسلم.
    إذن هناك تسمية نافية على أكثر من مستوى، مستويات تتكامل مع بعضها لتشكل حالة من النفي الشامل لهذا الشيعي، نفي عقدي، نفي وطني، نفي أخلاقي...
    هذا النفي المعنوي الشامل يجد له استحقاقات ملموسة على الصعيد العملي، فالصلاة خلف الشيعي لا تجوز، ولا تجوز الصلاة عليه، لأن الصلاة أمانة، والشيعي غير جدير بهذه الأمانة، ولا يستحق تكريم السماء، الصلاة رمز المسلم، رمز الانتماء، هي الفاصل بين الإيمان و الكفر، هذا نفي قاس، نفي مدروس، نفي عملي ملموس.
    ومن ثم تسمية أخرى لا تقل قسوة وجرحاً في الأعماق والشعور والانتماء، ذلك نحن (سبأية)، أتباع ذلك اليهودي الخرافي اللعين، نحن صناعة يهودية قديمة، امتداد لمؤامرة قذرة هدفت تهديم الإسلام، لا تشفع لنا صلاتنا، ولا صيامنا، ولا شهادتنا الإسلامية. وكلنا يعرف مدى الاستحقاقات التي تترتب على هذه التسمية، وهي تسمية مسجَّلة في كتب الأخ (النظير)، الكتب التاريخية، والكتب المذهبية، والكتب الأدبية، والكتب السجالية، فكيف تصح صلاته ورائي؟ وكيف يحق لي أن أتزوج من نظيري في الدين والتاريخ؟ تلك مشكلة فقهية بل عقدية!
    الجذور اليهودية للتشيع في زعم هؤلاء المفترين تمتد إلى بداية التاريخ (الإسلامي)، هناك، لم يكن حديثا، فالخلل في الجسم المسلم كان قديما، كان من البدايات الأولى مخترقاً، أخترقه اليهود، وكنا أداة الاختراق، فأي كارثة هذه حلّت في الإسلام والمسلمين.
    هذه التسمية ما تزال حديث المنابر والمجالس الخفية والعلنية، تدخل في الحوار على صعيد النشأة، وعلى صعيد الفقه، وعلى صعيد مجريات التاريخ، وعلى صعيد بنية العقيدة.
    بل هذه الكتلة البشرية الكبيرة من المسلمين أتعس من اليهود والنصارى، فهؤلاء لم يبدلوا دينهم في حين نحن بدلنا ديننا!.
    شيعة العراق غرباء ليس على الوطن فحسب في سياق كونهم أحفاد إبن العلقمي (تلك الخرافة التاريخية المزعومة لأغراض سياسية)، بل غرباء على الأرض، غرباء على الجغرافية، ألم نكن سوقة الفتوحات الإسلامية من الهند والسند؟ ألم نكن وافدين من بلاد فارس؟ ألم نكن شتات من هنا وهناك؟.
    هذه التسمية الخرافية التي جئ بها للتغطية على الأصول غير العربية لقطاعات واسعة من الأخوة في الدين والعقيدة، هذه التسمية تهدف إلى طردنا، حرماننا من تراب العراق الذي رويناه بدمائنا، الذي قاتلنا في سبيل تحريره من دنس الانكليز، من دنس المحتل، يوم كان الآخرون يقتاتون على موائده الدسمة.
    نحن (متاولة)!
    مصطلح غريب النشأة وغريب النحت، لم نجد مادّته في القاموس العربي، صنع لأجل غايات سياسية بغيضة.
    هذه ا لتسميات:
    1 : الرافضة، الذين يرفضون بيعة الشيخين، يرفضون زمنهما المقدس، زمنهما المسجِّل في السماء كـ (مثل) أعلى للحياة والسلوك والأمل.
    2 : السبأية، أتباع المخرب اليهودي الكبير عبد الله بن سبأ، بل من مختلقاته وإبداعه اليهودي التخريبي القاصد، نحن نتوء في جسم أمة المصطفى سلام الله عليه.
    3 : أحفاد إبن العلقمي، ذلك الذي خان الوطن، الذي باع العراق للمغول!.
    4 : نسل زواج المتعة، ذلك الزواج الباطل شرعا.
    هي تسميات تهميش، بل تسميات طرد من حومة الدين، بل هي إخراج في بعض معانيها ومضامينها من دائرة الحس الأخلاقي النبيل. هي تسميات مرسومة، تسميات مختارة للتربية، ومختارة لرسم موقف نهائي من الشيعة، لا تمحو عارها صلاة ولا صوم، لا يمحو عارها جهاد ولا تضحية، لا يمحو عارها عطاء ودفاع عن الدين بالمال والنفس والعلم.
    أليست هي إذن عملية نفي أبدي؟.
    يستكمل النفي هذا دائرته بتحريم ذبيحة الشيعي، تحريم أكلها، ذلك أن اللحم يبني الجسم، يشدُّ العظم، وليس من الصحيح أن يدخل اللحم المذبوح على يد المسلم الشيعي داخل الجسد السني كي لا يلوث الدم الطاهر، لا يدنس الجسد الطاهر.
    القاضي عبد القاهر البغدادي في كتابه السيئ الصيت (الفرق بين الفرق) يحرم زواج السني من شيعية، وزواج شيعي من سنية.
    أليست هي عملية نفي كاملة؟.
    عمليات الذبح الجماعي في شيعة آل محمد مستمرة منذ مجزرة الحسين حتى هذه اللحظة، لم تقف يوما، لم تسترح أبدا، في عهد بني أمية، في عهد بني العباس، في العهد العثماني، في العهد المملوكي، في زمن ما يسمى الحكومات الوطنية.
    لم تكن مجازر طالبان في شيعة شمال أفغانستان مستحدثة، كان لها تاريخ، ولم تكن مجازر صدام في شيعة الجنوب العراقي مستحدثة، بل هي امتداد لمجازر الشيعة على يد الحجاج، ولم تكن مجازر الشيعة في بلاد الشام مستحدثة، ليست صنيعة تلك الفتوى الرهيبة (ومن لم يحكم بكفرهم فهو كافر)، بل هي خلاصة على طريق تاريخ أسود، ينبع من فلسفة النفي المطلق لهذه الكتلة البشرية المسلمة، هي عملية تنفيذ عملي لتلكم التسميات الخبيثة القاسية النافية، عملية وفاء لتلك التسميات المنحوتة في متن (العقيدة).
    المثقف الشيعي نصيبه أوفر من هذا النفي، أوفر من غيره من الشيعة، لأنه ينتج أفكار، لأنه يصدر في لوحته من نزعة شيعية متغلغلة في الأعماق، يصدر في قصيدته من خزين شيعي مترسِّب في قاعه اللاشعوري، يصدر من تمثيله على المسرح من إيحاء هذه التجربة الغنية بالفكر والدم المباح والعطاء والبذل، يصدر من معماره الرائع من وحي كربلاء، من وحي تلك القباب الذهبية الساطعة بالحضور الأبدي، يصدر من سياسته من تلك المسيرة المتكاملة، سيرة أفذاذ يكمل بعضهم بعضا... هناك تعمل تجربة علي، غليان نهج البلاغة، هناك تعمل جماليات الصحيفة السجادية، هناك يعمل نداء زيد بن علي، هناك تعمل أخلاق الأمام الكاظم، هناك يعمل الموقف الرائع لشيعة علي يوم قرروا حقن دماء المسلمين من غول المغول، فكان المغول فيما بعد فاتحين إسلاميين، ينشرون رسالة محمد في الأصقاع الصعبة، هناك يعمل صدى ثورة العشرين، هناك يعمل إصرار الإمام الحسين.
    المثقف الشيعي نصيبه من هذه التسميات على صعيد تطبيقي أكبر من الباقين، لان تجربة التشيع الرائدة تعمل في أعماقه أ كثر من غيره، فكان نصيبه من الإعدامات والفقر والطرد والتهميش ما لا تستوعبه مجلّدات... نعم مجلّدات.
    أليس هناك مقاتل الطالبيين؟.
    وهو مجرّد لمحات.
    مجرد لمحات...
    ما هو الموقف المطلوب من عملية النفي هذه؟.
    هل نمارس الضد النوعي؟.
    هل نمارس عملية النفي ذاتها بالاتجاه المعاكس؟.
    هل تسمح لنا بذلك هوية التشيع الجميل؟.
    إن الموقف الجوهري لا يتجسّد باستهجان هذه التسميات، بتسخيفها، ولا نكتفي بالرد عليها وتفنيدها، بل بخلق ثقافة جديدة، ثقافة واعية، يتحمل مسؤوليتها المثقف الشيعي بمباركة العلماء الأعلام.
    ترى ما هي معالم هذه الثقافة؟.



    ثقافة الحقوق

    بصرف النظر عن التعريفات الدارجة فيما يخص هذا المصطلح، فإن الثقافة بما تعنيه من فكر، وتقاليد، وعادات، وأنسقة تفكير، تشكل الحقيقة الباطنية للجماعات، والأحزاب، والشعوب، والحركات، بل هي باطن التاريخ. ومن هنا، فإن تشخيص المشاكل وطرح الحلول بالنسبة للمجتمعات، والطوائف، والأفراد، والأحزاب، إنّما تبدأ من تحليل ونقد وتفكيك النظام الثقافي، ونقد الثقافة.
    الثقافة الإسلامية الشيعية ثقافة عقيدة بالدرجة الأولى، تركّز على النسق العقدي الخاص بأهلها، وقد كيّفت المنطق والتاريخ لخدمة هذه العقيدة السامية الشفافة، متواصلة بطبيعة الحال مع الإيمان، الإيمان العميق، وقد كان للخوف دوره في هذا التوجه، وهو خوف مشروع، لأن عقيدة الإنسان أثمن ما يملكه في هذه الحياة، والاضطهاد كان له دوره هو الآخر في هذا الحصر الثقافي إلى حد ملموس، فالمضطهد قد ينكب على الثقافة العقدية أكثر مما ينكب على الثقافة السياسية، أو على الثقافة الحقوقية، يلوذ بالعقيدة ، يلتف حولها، يحميها وتحميه.
    هذا الموقف صائب، بل هو ضروري سواء كان هناك خوف أو أمان، سواء كان هناك اضطهاد أو لم يكن، لأن عمر الإنسان عقيدته، ولكن ليس على نحو المطلق. فإن ثقافة العقيدة مطلب جوهري ، وهو حق، شرط أن لا ينسينا ثقافة الحقوق، ولماذا نفصل بين ثقافة العقيدة وثقافة الحقوق؟.
    لقد عاش الشيعة عبر التاريخ نوعين من المأساة بشكل عام، المأساة الأولى، مأساة الحذف العقدي، فنحن من أتباع ذلك اليهودي المتآمر، لا يحق لنا ممارسة عقائدنا بحرية، نخاف الصلاة كما نريد، كما ثبتت لنا في شرع الله عزّ وجل.. والمأساة الثانية هي مأساة الحذف الوجودي، تجسّد بأنهار الدم في العصر الأموي والعباسي والعثماني والمملوكي و(الوطني)، فضلا عن حرمان المسلم الشيعي من الوظائف المهمة، ودرجه في خانة الإنسان الهامشي، الذي يجب أن يكون مواطنا من الدرجة الثانية. ونحن نعرف، والتاريخ يشهد، بأن ليس هناك ارتباطا دائماً ومصيرياً بين النوعين من المأساة، فيما حصل ذلك بالنسبة لنا نحن الشيعة على يد أخونا (النظير)، فإن الحذف العقدي الذي يرجع إلى مئات السنين تحول إلى حذف وجودي بامتياز، لقد تحول الجزئي إلى كلي، من العقل إلى الوجود.
    إنّ الحذف العقدي كان بداية، ثم تحول إلى حذف وجودي، رغم عدم العلاقة الضرورية بينهما على صعيد المنطق المجرّد، ولم نلتفت إلى هذه النقطة المهمة، وانصبت الجهود على حماية العقيدة، فهل كان هناك شعور داخلي بأن حماية العقيدة يعني حماية حملتها من القتل والإبادة والتهميش؟.
    على أن هناك نقطة جديرة بالانتباه، العقيدة تصمم المجتمعات والطوائف والأحزاب من الداخل، لأنها البعد (الجواني) من هذه الكيانات والكتل البشرية، وكان من المفروض أن يتحوٍّل التنزيه الإلهي في ثقافتنا (صفات الله عين ذاته، عصمة الرسول والأئمة الهداة، العدالة المهدوية المنتظرة...)، أن تتحول إلى عينات حقوقية في الخارج، أي أن تكون عبارة عن حركة مادية على صعيد الحقوق، حقوقنا نحن، فضلا عن حقوق الإنسان بشكل عام، ولكنَّها للأسف الشديد تخلَّفت عن أداء هذا الدور على الأرض، فيما نجد أن خطب الأمير سلام الله عليه تتميز بإبراز ثقافة الحقوق (وصية الأشتر)، ولماذا ننسى وتلك هي وصايا الإمام علي بن الحسين السجاد تجسد روحها بمشروع الحقوق قبل أي شي آخر، حق الله، وحق النفس، وحق الراعي والرعية، وحق الآخر...
    تلك هي ترشحات العقيدة على لسان أهلها الأولين.
    أعتقد أن هذا التخلف بين ثقافة العقيدة من جهة وثقافة الحقوق من جهة أُخرى رغم شبه العلاقة العضوية أو المنطقية بينهما بالنسبة لنا نحن الشيعة إنما كان بسبب عدم تبحرنا في فهم تلكم العقيدة التنزيهية الرائعة، لم نعكس ذلك على الصعيد المادي، كانت ثقافة حوارية مع العقل، حوار مع المفاهيم، فيما تحولت عقيدة (التجسيم) لدى الأخ النظير إلى فعل (تجسيمي) حقوقي على الأرض، فهم لا يطالبون بحقوقهم بل هم الجديرون بحق الوجود، فيما الباقي هباء، بل الباقي عالة على الوجود، أليس هم الفرقة الناجية والباقي بوار؟.
    نعم لقد كانت هناك ثورات شيعية، ولكنها ثورات عاطفية في أغلب الأحيان، ولم تصدر عن ثقافة الحقوق المبرمجة في نسق فكري متغلغل في ضمائرنا، كانت عاطفة وليس ثورة، كانت رد فعل على الظلم و الطغيان، وليس ثورات ذات نسقية فكرية تتقوَّم بثقافة الحقوق.
    كان بإمكان التنزيه الشيعي أن يتحول إلى ثورة مادية على الأرض، ثورة حقوق، تماما كما تحول التوحيد في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، بل كما هو التوحيد كما يطرحه القرآن الكريم، فهو فكر تنزيهي بالدرجة الأولى، ولكن تحول إلى طاقة حقوقية عارمة على الأرض. وكان ذلك من أهم العوامل التي شيَّدت الحضارة الإسلامية و أمدّدتها بالقوة والمنعة والاستمرار.
    إن الدفاع عن الحقوق على الأرض لا يتم بالدفاع عن العقيدة، كلاهما له مجاله وأساليبه، والذي غرقنا به هو الدفاع العقدي، فما كان من الآخر إلاّ أن يستغل هذا الجدب على صعيد الدفاع الحقوقي.
    ثقافتنا نحن المسلمين الشيعة يجب أن تتخطى ثقافة العقيدة بعد إحكامها، لتتواصل مع ثقافة الحقوق، حقوق اجتماعية واقتصادية وسياسية، ليست ثقافة تشقيق وتفصيل عقائديين وحسب، بل ثقافة حقوق طبيعية أولا، وثقافة حقوق مهضومة ثانيا، ثقافة مطالبة بهذه الحقوق ثالثا، نريد حقنا من النفط، حقنا في صنع القرار السياسي، حقنا في المجالات الخدمية، حقنا في مجالات التعليم والبعثات الخارجية،حقنا في نظم وجودنا، حقنا في حماية ملكيتنا...
    من نافلة القول أن ثقافة الحقوق هذه هي في سياق منظومة الحقوق على صعيد كونها مطلباً عالمياً، عقيدة أو أشبه بالعقيدة الكونية، واليوم تحتل منظومة حقوق الإنسان واجهة الشعار الإنساني الكبير، لا ندعو إلى حقوق شيعية صرفة بطبيعة الحال، ولكن نركز على حقوقنا كشيعة لاعتبارات تتصل بحرماننا من هذه الحقوق بسبب هذا الانتماء، فنحن حُرِمنا من المشاركة بصناعة القرار السياسي، وحرمنا من الوظائف المهمة، وحرمنا من تأدية طقوسنا وعبادتانا بحرية كاملة، لأننا شيعة، وبالتالي،نطالب بحقوقنا كشيعة. لقد خُطَّت تلك التسميات بسبب هذا الانتماء، وترتب على تلك التسميات حرمان عريض، حرمان قاسي، صاحبه دم مسفوك بلا سبب منطقي، ومن هنا يشخص عملنا في سبيل هذه الحقوق، يشخص بعنوان واضح، حقوقنا كشيعة، ولا نجد هناك تناقض بين العمل من اجل هذه الحقوق من جهة والأيمان بحقوق الإنسان والعمل من أجلها من جهة ثانية.



    تفكيك الثقافة النافية
    التسميات التي لصقت بشيعة آل محمد ذات أبعاد داخلية خطيرة، ليست هوية عقدية صرفة، ليست تسميات تاريخية مضى عليها الزمن، ليست تسميات صدفية، تسميات وقتية، بل هي تسميات موقف، لم تكن مجزرة الشيعة الألفية في بلاد الشام زمن الخليفة العثماني كانت جزافيه، لم تكن ذوقية، وإلا أين نضع تلك الفتوى (الشرعية) الرهيبة، فمن لم يحكم بكفرهم فهو كافر.
    لقد كان النفي تدريجيا، بدا عقدي، ثم حرمان من الحقوق الطبيعية، ثم سمل العيون وقطع الأيدي، ثم قتل فردي هنا وهناك، ثم تصفيات جماعية، لا تجوز الصلاة خلف الرافضي، فنحن غير مؤمَّنين على الروح، نحن لسنا جديرين بهذه الأمانة، ولسنا أمينين على طهارة البدن، التي هي طهارة روح بالتحليل الأخير، إن فتوى ذلك الخليفة العثماني سليلة هذا التسلسل من النفي التدريجي، ومجزرة الشيعة الأفغان في هرات وفي قندهار هي الأخرى نتيجة لهذا التسلسل المدهش، واليوم لما يقرر الزرقاوي قتلنا أين ما كنا، إنما على هذه الوتيرة التي تجسَّمت على شكل موقف لا نقاش فيه.
    كسر الاستغراب الشيعي يتطلب ثقافة ليست حقوقية وحسب، بل ثقافة تفكيك، تفكيك ثقافة النفي هذه، يجب أن نبحث في جذورها، هل هي نتيجة هذا التجسيم العقدي؟أم هي من صناعة مطامع سياسية في الدرجة الأولى؟ أم هي نتيجة تلك الثقافة البدوية الصحراوية؟ أم هي حصيلة فكر التكفير؟ أم هي نتاج ظروف أعقد وأعمق...
    إن ثقافة التفكيك هي مطلب جوهري ينبغي أن تأخذ طريقها إلى ثقافتنا نحن الشيعة، نحن المنفيون، نحلل جسدها بدقة، ونحقِّب في منظومتها المعنوية والمادية، من أجل الرد عليها، ومن أجل تفهمها والتصدي لها، ليس من منطلق الثأر، ولا من منطلق التكفير، فليس في فكرنا تكفير، ولا ثأر، بل من أجل ترتيب مصيرنا، وترتيب مستقبلنا، كي نعرف كيفية التعامل مع الأخ النظير الذي حكم علينا بالنفي من حيث يشر أو من حيث لا يشعر.
    ليس سراً أن ثقافة من هذا النوع تحتاج إلى جهود علمية جبارة، تحتاج إلى نقاد يتميزون بقدرة كبيرة على تحليل النص، وعلى تتبع جذوره، والمثقف الشيعي مدعو تحت إرشاد حملة الأمانة الروحية إلى الاضطلاع بهذه المهمة الجبارة.
    إن المثقف الشيعي مدعو إلى مراجعة هذه المنظومة من تسميات النفي الرهيبة، يعاينها من الداخل، ويشارف تخومها التاريخية واللغوية و الفقهية والاجتماعية، سوف نعرف لماذا يفاجئنا الأخ النظير بموقف ناف بشكل مطلق مجرد أن ينعطف التاريخ بزاوية بسيطة! لماذا ننتصر له ضد الحكام، نستنكر قتله، ونبرق محتجين على إعدام مفكريه، فيما هو يدفع الحكام لقتلنا، لتصفيتنا، سوف نكتشف ولو مقاربة لماذا يعاملنا من الدرجة الثانية...
    تفكيك النص النافي عملية من صلب مهمات المثقف الشيعي، فإن مثل هذه النصوص تختزن الكثير من المخفي، رغم فداحتها علنا، في سرها أخطر ممّا هي في علنها، العلن مجرد شكل، مجرد قشرة خارجية، لا يكفي أن نتألم لخطوطها النافية المسماة بشكل صلف وصريح، يجب أن نمارس عملية تشقيق للمضمون، وسوف نكتشف الهول، وهل تسمية التشيع بـ (الآفة) إلاّ نموذج من نماذج الاندماج بذلك الإطار من التسميات النافية؟ نعم، فالراوي الشيعي الثقة بنقله، الموثوق بحفظه، إنّما آفته تشيعه، وبذلك يكون هو أشبه بالحيوان القارض، يقرض الجسد الإسلامي، يقرض حصانة الإسلام، يقرض بنية الدين الحنيف...
    زرارة بن أعين ثقة موثوق، ولكن آفته تشيعه، وبالتالي هو قارض، يقرض، حيوان مُهلك، حيوان مضر، ثقته ضاعت، توارت، والتعامل معها يكون على حذر عال!. هذه هي الخطاطة العامة لفكرة ثقافة التفكيك التي ندعو المثقف الشيعي إلى التعاطي معها في المجال المذكور.
    ولكن هناك مجال آخر، لا يقل أهمية عن سابقه، نقصد الوضع الشيعي من الداخل، تفكيك عناصره التأسيسية الأولى، الرئيسية، وتشخيص نقاط القوة والضعف في داخل هذا الكيان، في داخل هذا الوجود (البشري ـ العقدي)، ويجب ملاحقة هذه العملية باستمرار، مع مرور الأيام والأحداث، نحلل المواقف المضادة، نضع الخطط في مواجهة الظروف الطارئة، نضع المعادلات الكفيلة باستيعاب طروءات الزمن التي باتت لا ترحم.
    تفكيك الكيان من الداخل، أي تحليله ومحاولة تركيبه من جديد بما يتناسب مع الجديد والمُستحدث والطارئ، وذلك من فكر، ومن وضع سياسي، ومن تغيرات عالمية وإقليمية، تركيبه من جديد لكي يواكب الزمن، ولكي لا نُبتلًع، ولكي يستمر حضورنا قويا، نافذا، لكي نتجنب المقابر الجماعية، لكي نتجنب سياسة وضع البيض في سلة واحدة، لكي نتجنب التورط بالمشاريع المستعجلة، هذا يدخل في مهمة المثقف المسلم الشيعي من خلال ثقافة التفكيك التي نوهنا عن بعض خصائصها.
    الخارج والداخل بعدان متكاملان، يفعل أحدهما في الآخر، هناك عملية تفاعل حي بين الأفقين، تفاعل متبادل، يجب مراعاة هذه الحقيقة، ولا توجد عملية تحليل لأي بعد من هذين البعدين يحوز على رضا الفكر الحصيف من دون القيام بتحليل دقيق للبعد الآخر، هل بإمكاننا أن نعزل بين هذا الغياب لنظم شيعي داخلي مما يحصل لشيعة العراق من الخارج؟.. هل يمكن أن ندرس ظاهرة الذبح بالشيعة العراقيين بمعزل عن تلك هذه الفوضى الداخلية لشيعة العالم؟ هل يمكن أن ندرس ما يتعرض له شيعة باكستان كل سنة على يد القتلة، على يد بعض العصابات المستهترة بقيم الدين والأخلاق بمعزل عن هذه الهشاشة في العلاقات بين شيعة هذا البلد وذاك؟ لا يمكن التجزئة بين الداخل والخارج، هناك تكامل بطبيعة الحال، لعله أرقى من التكامل بين الشكل والمضمون، وبالتالي، هو تكامل بنيوي، تكامل متداخل، يستدعي التفكيك الزوجي، تحليل كل بعد على حدة في نطاق وحدتهما العميقة. فعلى المثقف المسلم الشيعي أن يحسن هذه القراءة، قراءة الداخل و الخارج، قراءة الواقع بكل تضاعيفه، بكل تفاصيله، ويقدم لنا تحليلاً تفكيكيا للحالة كلها، للوضع برمّته، وهكذا يعمل مفكرو الطوائف المتقدمة، والتجمعات الدينية المتطورة، التي تؤمن بقيمة الحاضر و المستقبل. ولنا كل الأمل أن المثقف الشيعي بأن يلتفت إلى هذه الحقيقة الكبيرة.
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    الثقافة المُسمَّاة

    نحتاج إلى ثقافة عينية، ثقافة تضع النقاط على الحروف، تتعرض بالعناوين و الأسماء الصريحة، لا يلغي هذا ثقافة التجريد بطيعة الحال، ولكن نحتاج إلى ثقافة الإشارة بالكلمة الصريحة إلى مدينة (الصدر / بغداد)، إلى حي (السلم / بيروت)، إلى مدينة (الإحساء / السعودية)، إلى مدينة (هرات / أفغانستان)، إلى مدينة (كويتة / باكستان).
    التسمية الصريحة المباشرة هي لحمة جوهرية في كيان الثقافة هنا، نتحدث صراحة عن قبورنا الجماعية، صراحة عن قتل علمائنا الطيبين، نتحدث صراحة عن تهجير ملايين الشيعة من العراق، ومن افغانستان، نتحدث صراحة عن الفقر المدقع المنتشر الذي يعاني منه الشيعة في أي مكان من العالم الإسلامي.
    إن ثقافة الرمز هنا لا تفي، لا تهز، لا تخلق تياراً شيعياً جماهيرياً يتعامل مع قضاياه بحرقة وألم، بمسؤولية فذة، تتخطى أسلوب التأفف، تتجاوز لغة الحسرات، تهجر نسق الحلم، لغة المباشرة، لغة التماس المباشر، لغة التعاطي الحي، لم يعد، بل لا تصلح لغة (ألف ليلة وليلة) هنا، لا نريد أن نشكي همومنا على لسان طائر مكسور الجناح، ولا نريد أن نرمز لحرماننا من الوظائف المتقدمة... من الوظائف ذات المساس بمصير الدولة... لا نريد أن نترجم هذا على لسان شاعر رمزي. ينبغي أن نتعامل صراحة مع الأشياء في هذا المجال، ثقافة أرقام مصفوفة إلى جنب أسماء عينية، أسماء صريحة، أسماء مكشوفة، تصرخ بالحقيقة، تصرخ بالشاهد، تصرخ بالرقم، تصرخ بالمظالم التي مورست بحقها.
    هذه هي الثروة النفطية، متجمعة في جنوب العراق، ولكن كم هي حصة هؤلاء الجنوبيين من هذه الثروة العملاقة؟.
    هذه هي الثورة النفطية متجمعة في جنوب السعودية، ولكن كم هي حصة الشيعة هناك من هذه الثورة الرائعة؟.
    هذه هي لغة الثقافة التي نريد للمثقف الشيعي أن يمارسها، يمارسها على مستوى الاكتشاف، ومستوى التأسيس، ومستوى الممارسة، ومستوى التبشير، ومستوى التربية عليها والتغذية على زادها الحار الساخن.
    الثقافة العينية جوهر متألق في معركتنا اليوم، في الدفاع عن مصيرنا، في تكريس وجودنا، في تأصيل حقوقنا في متن الواقع، في متن الممارسة الحية. لسنا في معرض تأسيس نظريات، بل في معرض توثيق الحقوق المسلوبة، والدفاع عنها، نريد مواجهة صريحة، وليس مواجهة فنية رمزية، تخشى الإعلان عن الحقيقة.
    تظهير الدم الشيعي مسألة في غاية الأهمية اليوم في هذه الثقافة العينية، إلى الآن لم نملك صورة واضحة عن سفك الدم الشيعي مجانا، نعم، هناك كلام عن هذا الدم بلغة المقدس، وبلغة الشهادة، وبلغة التصدي والصمود، ولكن لم نستعرض تاريخ هذا الدم بلغة المظلوم، بلغة الذبح الطائفي، بلغة الانتقام بسبب الانتماء، الدم الشيعي يُعرَض وكأنه مهدور مسبقا. تظهير الدم الشيعي غاية في حد ذاتها، ووسيلة للكشف عن تلك التسميات الحاذفة بشكل عملي، بهذا التظهير نكتشف تلك التسميات وكيف تحولت إلى تاريخ عيني، كيف نزلت من سماء النظرية إلى أرض التطبيق.


    الثقافة السياسية

    الثقافة السياسية ثقافة عريضة تتسع لمفاهيم ومعادلات ومواضيع كثيرة عميقة، تعالج نشأة الدولة، ومفاصلها، وتشمل نشأة الأحزاب ودورها وأنظمتها، وتتعرّض لمعادلات الصراع الدولي والعناصر التي تحدده... ولكن الثقافة السياسية التي نتحدَّث عنها هنا ليس لها علاقة بهذه الموضوعات الأكاديمية المعقّدة إلاّ من بعيد، نتحدث عن ثقافة سياسية تتصل بمصالح ومستقبل وحقوق وواجبات ومسيرة الكيان (البشري ـ العقدي) الذي ينتمي إليه هذا المثقف، أقصد بذلك المثقف الشيعي.
    يقرأ الفواعل والقوى والعناصر التي تحرك وتصمم الأحداث التي تتصل بمصيرنا، بحقوقنا، بواجباتنا، بمستقبلنا، يعمل على تحليل مواقف الآخرين منا، وموقفنا من الآخر في سياق هذا الحراك الضخم، في سياق هذا التفاعل النشط، في سياق الحراك الداخلي من أجل السلطة والقوة والمصلحة... من أجل اكبر قدر ممكن من مقاعد البرلمان في سياق المستحقات العادلة، وليس في سياق الغلبة والتمحور على المصلحة الاحتكارية، المسلم الشيعي يكره الاحتكار، لقد بذل دمه في سبيل المثل، في سبيل الغير، في سبيل الآخر، بل من أجل أكبر قدر ممكن من الحقوق في نطاق الحسابات الموضوعية لوجودنا، وعددنا، ودورنا في التاريخ، وما أعطينا من دم ضد الظلم والديكتاتورية...
    هذه هي الثقافة السياسية التي نتكلم عنها، هي ثقافة عمل للكيان الذي ننتمي إليه، وعلينا أن لا نخاف الاتهام بالطائفية، تلك أحبولة عرفناها، فقهنا القوى التي تكمن وراءها، هذه تهمة تنطلي على حيلة سياسية عميقة، لم نكن يوما طائفيين، نحن الذين رشحنا ملكا عربيا من سلالة بني هاشم... كان ذلك في العراق.
    نحن الذين رفضنا الدولة المستقلة وارتضينا أن نكون جزء من شبه الجزيرة العربية بقناعة وإيمان وتقديس لمذهب الوحدة الإسلامية... كان ذلك في الجزيرة العربية.
    نحن الذين شيدنا صرح جمعية التقارب بين المذاهب، كان ذلك بفضل جهود علماء شيعة أفذاذ.
    نحن الذين أبرقنا برقيات استنكار بسبب إعدام سيد قطب.
    نحن الذين رفضنا تجزئة العراق اليوم حيث لعبت المرجعية الدينية الدور الأكبر في ذلك.
    نحن الذين دعونا إلى الانتخابات في العراق كي يختار الشعب ممثليه.
    نحن الذين أفتينا بدعم الكفاح الفلسطيني.
    ونحن الذين حملنا الماء والطعام والملابس والدثار إلى الفلسطينين المبعدين إلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث كان هناك أحد الشخصيات الفلسطينية الذي نصب خيمة باسم إبن تيمية بجانب الخيمة الشيعية في مكة المكرمة نكالاً بالشيعة.
    ونحن الذين وقفنا مع الفلسطينين ضد أمل ـ وفي ذلك نقاش مع أصحاب هذا الموقف ـ وفي إيران شوارع باسم سيد قطب، وحسن البنا، والإسلامبولي، وغيرهم... لم نكن يوما طائفيين.
    الثقافة السياسية التي نريد من مثقفينا أن يؤسسوا لها، وأن يعملوا من أجلها، هي الثقافة التي تسلح المسلم الشيعي بحقوقه، وبكيفية العمل من أجل هذه الحقوق، بالعدل، وبالحق، وفي ضوء القيم العلمية والأخلاقية.
    نريد ثقافة المرحلة، نريد ثقافة الصراع من أجل القوة والمصلحة، في نطاق الثوابت التي أمن بها الشيعة، الدين، والوطن، والتحرر، والعدل، والحرية...



    علامات هادية

    1 : هي ثقافة تيار وليس نخبة، ثقافة الحوزوي... الجامعي... الحرفي... التاجر... الطالب... العامل... الرجل... المرأة... الطفل... الشاب... الكهل... الملتزم... غير الملتزم... المواطن... المهاجر... وبالتالي،لغتها شعبية، بسيطة، وأدلتها وجدانية، نصيّة، رقمية، استشهادية بالغير، ولكن لا ننسى مستوى من العقلانية... مستوى من المنطق.
    2 : إنها ثقافة من وضع أهل الاختصاص بإشراف العلماء الأعلام والمرجعية الدينية، ليست ثقافة متروكة لأهواء المغامرين، ولا متروكة لاجتهادات عابرة، ولا متروكة لاجتهادات فردية، بل هي تحت إشراف مركَز، هناك طرح مدروس، يضطلع به حملة العلم والفكر المشهود لهم.
    3 : إنَّها ثقافة لتأسيس الأفكار، فكل طرح يجب أن يتحول إلى مجال للاشتقاق الفكري على بساطته، فإن الثقافة التاريخية ـ مثلا ـ يجب أن لا تعتمد على العرض وحسب، بل ينبغي أن تتحوًّل إلى تيار من المساءلة، لماذا نحن مضطهدون، لماذا لم يقف الأخ العقدي معنا في محننا، وفي المطالبة بحقوقنا؟ لماذا لم نواجه الاضطهاد بالعمل الكياني المنظم؟ أين رموزنا عن هذه ا لظاهرة؟ ما العمل اليوم؟ وهل عملنا ما فيه الكفاية؟ بل هل فكرنا بالعمل أصلا؟
    4 : هي ثقافة بنائية، تمكِّن المسلم الشيعي من الاهتداء بها، يحملها كـ (دفتر إرشاد)، تمكنه من اتخاذ الموقف المناسب، ثقافة توعية، ليست ثقافة ذكريات، ولا أمجاد، ولا ابتهال، بل تستبطن عملية نقد لهذه الثقافة بالذات.
    5 : ثقافة يجد الفرد من خلالها أنه جزء من كل، مصيره مرتبط بهذا الكل، والعلاقة بينه وبين هذا الكل علاقة جدلية متحركة، هو للكل والكل له.



    مثقف الحرية

    الحرية مكسب عظيم في مخطط كسر هذه التسميات النافية، لأن الحرية تتعارض مع منطق الاستبداد، والتسميات التي مرت علينا هي لون من ألوان الاستبداد، الاستبداد الفكري والروحي والاقتصادي والإنساني، لا أتحدث عن المفهوم المباشر لهذه التسميات النافية ، بل أتحدث عن المعرفة باعتبارها سلطة خفية، لا أتحدث عن المفهوم بصراحته السمجة ، بل عن المفهوم كعطاء خارجي، كموقف، ونتيجة، ومستحقات، فالحرية شأن جوهري في فكر المثقف الشيعي، ليس لقيمتها الجوهرية في حد ذاتها وحسب، بل لما تخلقه من فرص استعادة الذات، والدفاع عن الحقيقة، الحرية ضد التغييب، والتسميات النافية التي هي مخطط تغييب، وإعدام، وحذف لطائفة من البشر، مارسها وما يزال يمارسها بحقها طائفة أخرى، بشكل وأخر، ولذلك لابد من الكفاح في سبيل الحرية حتى تتوفر فرص تزييف وتعطيب هذه التسميات التي تتعارض مع الحس الإنساني بكل معانية الطيبة.
    ونعتقد أن المثقف الشيعي إذا ولج عالم الحرية على مستوى التأسيس والتبني والممارسة والتبشير سوف يبدع أيَّما إبداع، لأن مساحة كبيرة من مذهبه تتواصل مع هذه القيمة الرائعة، فالعدل الإلهي وضرورة تحكيم الحاكم العادل، وحرمة التعاون مع الظلمة... كل هذه المقتربات وغيرها تفتح مجال تفجر فكري وإبداع نظري من خلال التعاطي مع الحرية، أضف لذلك، كانت هناك أنهار من الدم الشيعي سُفِكت على دروب الحرية، وبالتالي، يملك رصيدا من تجربة التعاطي مع الحرية كهدف، وقبل ذلك كأساس عقدي، ومن ثم لا ننسى، أن عقيدة الاختيار الرائعة تنسجم مع جوهر الحرية، بما في ذلك حرية الواقع، وليس حرية الذات وحسب، يعني حرية التصرف الخارجي، حرية الخلق الخارجي، وليس حرية الـتأمل النظري.
    الدعوة إلى الحرية تستلزم الدعوة إلى أمرين في الوقت نفسه، أمرين ملازمين لجوهر الحرية، هما بالضبط، العقلانية و التثوير ! هما صنوا الحرية.
    العقلانية دعوة إنسانية لاحترام الحياة والأشياء، ومداخلتها بهدوء ورصانة، وعدم التسرع في الأحكام، محاكمة الأمور بموضوعية.
    المثقف الشيعي مدعو إلى عدم التمسك الحرفي بالماضي، بل بالإفادة منه، والإفادة منه حتمية، وهذا من معاني العقلانية، ولا ننسى أن الدعوة إلى العقلانية تتعارض مع الاستبداد، تتعارض مع كل تسميات الحذف، حذف الآخر.
    العقلانية ضد استهبال الآخر، ضد تسميته من منطلق التحقير، من منطلق الإنفراد بالوجود والحقيقة، والتشيع يمتلك نصا مشرقاً في هذا المجال، فأي إبن أنثى إما أخ لي في الدين أو نظير لي في الخلق، بل كتاب الله شاهد على هذا المنحى الأخلاقي العقلاني الشفاف، فالأنبياء علاقتهم مع أقوامهم علاقة أخوة.
    ألم نقرأ (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أن أنتم إلا تفترون).
    ألم نقرأ قوله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...).
    وهذه هي العقلانية اليوم ترفض كل دعوى لاحتكار الحقيقة، حتى في المذهب الواحد.
    التثوير نعني به تجاوز الحاضر لغد مشرق، تجاوز الذات، العطاء الذي من شأنه السمو بصاحبه الذي أعطى، لا حرية بلا قدرة على تجاوز معادلة الحاضر، ولا حرية بلا عقلانية شفافة.
    هذا المثلث المقدس (الحرية، العقلانية، الثورية) يسلحنا بقوة هائلة لكسر الاغتراب، الاغتراب الذي خطه على بساط روحنا تاريخ من الظلم، تاريخ من الإهمال، تاريخ من العنف، تاريخ من الحرمان، تاريخ من التشويه، تاريخ من الحذف، الحذف المستمر.
    الحقيقة أن العمل من أجل الحرية بذاته يحررنا من كل محاولة حذف، يمرِّننا على مقاومة تلك التسميات التي يريدون إنزالها من قيم النظر إلى قيم الواقع، ونحن مادتها، ونحن وعائها التطبيقي، وقد مارسوها، وما زالوا يمارسونها.
    الآن وفي ظل هذه الحرب المستعرة على شيعة العراق، وشيعة أفغانستان، وشيعة البحرين، الآن ينبغي لمثقفي الشيعة أن يكتلوا جهودهم لوضع خطاطة لموضوعة الحرية، ليس تعريفها وماهيتها وخصائصها، ذاك ما لا ينفع، بل خطاطة تتعلق بكونها حق،حق يجب أن يجد تطبيقه العملي، يجب أن يكون من معالم المجتمع المسلم، في أي مكان، في أي زمان.
    الآن ينبغي أن يكثف شيعة العراق فكرهم وجهدهم للدفاع عن الحرية، فقد استغل بعضهم غياب الحرية ليخططوا على روحنا التسميات الحاذفة، يخططوها عنوة، وقد كان لاستفرادهم بالقوة سبب مهم في ذلك، وكان لغياب الحرية سبب في ذلك، وكان لطمس العقلانية سبب في ذلك، وكان لجمود المجتمع على نمطية ميتة سبب في ذلك.



    الحضور في العمق

    أين تكمن قاعدة حضور المثقف الشيعي؟.
    بداهة أن الساحة الأهم هي ساحته، ساحته القريبة عليه، التي تشاركه في الانتماء، تشاركه في التاريخ، تشاركه في معانات خاصة، الساحة التي فرضت عليها تسميات منحوتة لغرض النفي، لغرض الحذف، وهو جزء من هذه الساحة، أصابه ما أصابها، ويتطلع إلى ما تتطلع إليه.
    هذه هي ساحته الأولى، يحضر في عمقها، يشارك في أحزانها وأفراحها، يتقصى أخبارها، يمسح أوضاعها، يلتقط نقاط القوة والضعف في بنيتها الداخلية.
    رسالته الأولى تبدأ من هناك، هناك يبدأ قراءة بيانه الأول، يوظف طاقاته الفكرية لتعزيز مفهوم الحرية، يحفز فيهم ثورة الوعي، الوعي على تلك التسميات النافية، تلك التسميات القاتلة، يشرح لهم ماهيتها، وسببها، ومستحقاتها، يبصرّهم بالتاريخ الذي مر عليهم، تاريخ الدم المباح، تاريخ الحقوق المهضومة. هناك يعمل على كسر هذا الاغتراب الذي يريدون فرضه على روحنا، وعلى انتمائنا الوطني، والديني.
    إن الساحة الأولى بالنسبة لهذا المثقف هي ساحته القريبة، فلاحيها، عمالها، تجارها، طلابها، علمائها، مثقفيها، نسائها، رجالها، أطفالها...
    المثقف الشيعي وهو يحضر في عمق ساحته يجب أن يمارس مهمة المثقف الموضوعي، أي المثقف المنتمي إلى التشيع، ولكن يهمه كل أبناء هذه الدائرة، ومن هنا نرى خطورة انتمائه لحزب، تأتي الخطورة من ضياع هذه المهمة الكلية البريئة، هذه المهمة الرسولية، الإنقاذية، هذه المهمة التي تعلو على كل تحيز، تحيز طبقي، تحيز حزبي، تحيز قومي، تحيز لوني، تحيز لغوي... هناك رسالة شيعية عامة بالنسبة لهذا المثقف، هي تزييف وتعطيل وتعطيب هذه التسميات القذرة، و زج الشيعي في بوتقة العمل من أجل الحقوق، تعليم الطريق له صوب هذه الأهداف، صوب هذه الغايات المعنوية والمادية، تحفيز الروح السؤولة عن معنى هذا التاريخ المعذب، معنى هذه الجغرافية المباحة، معنى هذه التسميات النافية.
    المثقف الشيعي غائص في بحر هذا الكيان (البشري ـ العقدي)، غائص في مشاكله وهمومه، غائص في أماله وأمنياته، غائص في حركته وسكناته، ينقد الخطأ، ويعمق الصحيح، وذلك من المواقف والأفكار والطموحات والتصورات، يقود المظاهرات السلمية، ويدبج المطالب، وينادي بالحقوق، ويرد على محاولات التهميش والتذويب والطرد...
    المثقف الشيعي مثقف موضوعي في وسط ساحته، لا ينتمي إلى حزب معين، ولا إلى طبقة معينة، موجود في الكل، هو مع العامل، و التاجر، والفلاح، والمعلم، وذلك في نطاق الانتماء العام، يعمل لكيان وليس لقطاع في داخل الكيان، يعمل لأمة وليس لفرد في داخل هذه الأمة، يعمل للتاريخ وليس ليوم بعينه، يعمل للمستقبل الكلي وليس لمستقبل هذا أو ذاك على إنفراد.
    إن أخطر ما يهدد عضوية هذا المثقف كصفة ونعت ورسالة وعمل وأثار هي الحزبية، الحزبية تضيق فكره، تجره إلى الجزئيات، فيما هو يجب أن يعمل للكيان بكله، برمته، هناك عنوان عام مظلوم، عنوان عام مستلب، هناك عنوان عام محذوف، والعمل يجب أن يكون باتجاه هذه المقاربة، فيما الحزبية تزجه في كثير من الأحيان في دائرة ضيقة، تزجه في صراع داخل الكيان، فيما هو يجب أن يقود صراع الكيان مع الذين يحاولون قتله، حذفه.
    المثقف الشيعي ليس عضوا في حزب، بل نجم يتألق، هنا وهناك، يتحرك بحرية، بكامل حريته، لا يرتبط بموعد حزبي، لا يدخل في استحقاقات حزبية داخلية، لا يتورط بموقف سياسي حزبي، لا يتقيد بموعد حزبي لاستخلاص الموقف من الحزب الفلاني الذي هو من ذات الانتماء أو من غير انتماء.
    الحزب مهما كان شفافاً يحمل نكهة طبقية معينة، برجوازية قد تكون، أو عمالية قد تكون، أو تكنوقرطية قد تكون، أو طلابية قد تكون ، ليس على نحو المطلق،بل على نحو الغلبة، وانخراط المثقف الشيعي في حزب سوف يجيره لهذه الطبقة أو تلك، من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر.
    ليكن للحزب مثقفه، ولكن للشيعة مثقفها، مثقفها العام، الذي ينظر للكيان كله، الذي يتعامل مع الكلي، وليس مع الجزئي، يتعاطف مع الجميع ، يهوى الجميع، ينظر المصلحة النهائية، لا يزج نفسه في معركة المصالح الحزبية داخل الكيان الكبير، أي داخل الجسم الشيعي الكبير.
    هذه هي قصة حضوره، حضور هذا المثقف، حضور في العمق، حضور متميز، لا نستطيع تشظيته، تجزئته، لا نستطيع تجييره باتجاه قطاع معين من كتلة الكيان الكلية.
    مقولة المثقف الموضوعي يجب أن تكون صفة المثقف الشيعي بدرجة متميزة، وهي الحصانة الوحيدة لهذا المثقف من أن يتحول إلى رقم منحاز.

    وتبقى أسئلة بريئة أو مقصودة
    ولكن أين نضع قضايا الأمة الكبيرة؟.
    أين نضع مسألة الصراع مع الاستعمار والصهيونية؟.
    أين نضع صراع الفقراء من أجل قوت يومهم وكرامتهم الإنسانية؟.
    أين نضع قضية الديمقراطية التي صارت مطلباً عالمياً؟.
    أين نضع قضايا التحرير والتحرر العالميين؟
    أين موقف هذا المثقف الشيعي من كل هذه القضايا المصيرية التي تخص كل الأمة، تخص العرب والمسلمين وكل من يحمل هماً إنساني خير؟
    هذه الأسئلة وغيرها ليست بعيدة عن هموم المثقف الشيعي، وكيف تكون بعيدة عن هم هذا المثقف في حين هو الذي قاد عملية النضال ضد الاستعمار والتبعية والتخلف في العراق وفي البحرين وفي لبنان؟ وكيف ينسى أو يتناسى هذه الأسئلة المصيرية وهو المثقف الذي عرف بخلْقه لفكر المواجهة، ومراجعة بسيطة لرموز العمل السياسي المقاوم في العالم العربي تكفي للتدليل على هذه الحقيقة.
    هذه القضايا بالنسبة للمثقف الشيعي بديهيات، لا تحتاج إلى مساءلة، لا تحتاج إلى فكر، ولكن المثقف الشيعي يرى حالة شاذة، حالة مزعجة، تكشف عن فكر قمعي قاتل، يهدف إلى تمزيق الأمة، ويصب في تمزيق الأوطان. المثقف الشيعي أدرك أن هناك خطراً داخلياً هو أولى بالمعالجة من أي خطر أ خر، ذلك هو العمل على حذف الآخر، وفي مقدمة هذا الآخر هم الشيعة. وهذه حقيقة لا يمكن تغافلها، وللأسف الشديد قد يكون بعض المثقفين متورطين في هذه المأساة، وليس سرا أن الموقف من شيعة العراق كشف عن مثل هذه المفارقة المؤلمة، وهل ننسى نداءات بعض المثقفين أو أدعياء الثقافة تضج بالعفن الطائفي البغيض؟.
    إن المثقف الشيعي عندما يحمل هموم طائفته إنما كجزء من عملية ثورة إنسانية عالمية على كل ما هو ليس إنساني، جزء من عملية أخلاقية تهدف إلى تعطيب هذه القوى التي تسعى إلى الإنفراد بحق الحياة وبحق الوجود.
    هذا المشروع النافي يهدد كل إنجازات الأمة، يهددها من الداخل، وبذلك يكون المثقف الشيعي قد أدرك نقطة حساسة، نقطة بالصميم، وهو يكون بذلك قد سبق الآخرين في تحليل الواقع، وتشريح المرحلة، أي إمكانية لتحرير هذه الأمة من الهيمنة والاستغلال العالمي والاستعمار وهناك عملية حذف لقطاعات كبيرة من هذه الأمة، قتلها، إنهائها، ثقافياً سواء كان ذلك أو وظيفياً أو وجوديا، من هنا أنتبه المثقف الشيعي لهذه المفارقة الخطيرة.
    فإذن المثقف الشيعي العراقي يتعامل مع القضية من منطلق التكاملية بين الكلي و الجزئي، بين العام والخاص، لم يعد هلاميا، لم يعد خياليا، لقد كان دقيقاً في موقفه.
    قضايا الأمة الكبيرة مثل الاستعمار والتخلف والإرهاب والطائفية وغيرها هي في صميم مهمات هذه المثقف، ولكن ليس بمعزل عن القضايا الداخلية التي تهم وحدة الأمة، ووحدة المجتمع، ومن المعلوم أن قرار حذف الإنسان الشيعي قضية خطيرة تهدد الواقع برمته، أصلا تهدد المستقبل، مستقبلنا جميعا، ومن هنا كان اهتمامه بقضايا طائفته الكريمة في غاية الأهمية، وفي غاية الدقة، ليس هناك تناقض أبدا، خاصة أن المثقف الشيعي كان هدف الحذف بشكل مركزي، كان هدف التذويب والتمييع والتجيير خلاف القناعات وخلاف الانتماء الطوعي.
    لقد أثبتت التجربة أن معالجة القضايا الداخلية التي تعرِّض الأمة للتصدع، وتهدد الواقع بالتسيّب والتخلخل... هذه القضايا يجب تقديمها على معالجة القضايا الكبيرة، أو لتكون المعالجة متزامنة، متوازية. من هنا نشخص دقة هذا الطرح من قبل المثقف المسلم الشيعي، كان سبَّاقا لذلك، وهو بهذا لا ينطلق من مقتربات طائفية، بل من تقدير علمي للواقع، من تقدير علمي للقضية المصيرية التي تهم المسلمين في كل مكان.
    وهناك سؤال آخر، ترى هل يستطيع المثقف المسلم الشيعي تجاوز انتماءه الطبقي ـ مثلا ـ ليكون في صالح كل الشيعة، ليكون في صالح كل الكيان؟ وبعبارة أكثر صراحة...
    هل يمكن للمثقف الشيعي أن يكون مثقفاً موضوعيا؟
    يجب أن لا نكون خيالين في الجواب على هذا السؤال الكبير، ذلك إن الإنسان صنيع بيئته، كذلك النصوص التي يقرأها ويتعامل معها، كذلك طبقته التي ينتمي إليها من الناحية الاجتماعية، كذلك تجربته السياسية، و مهنته، و وظيفته، وحزبه السابق، وعائلته.
    ولكن رغم ذلك يمكن لهذا المثقف أن يلتحم بعموم الكيان، من خلال الالتحام بقضاياه العامة، بمشاكله الكبيرة، هذا التوجه هو الجدير بتوظيفه للكيان كله، للشيعة بكل أطيافهم وفئاتهم الاجتماعية، هناك قضية تهم الطائفة ككل، ولعل التسميات الخطيرة التي مرّ عملية تشريحها، وتحليلها لا تخص الفقير الشيعي دون الغني الشيعي، الملتزم الشيعي دون غير الملتزم، الموظف الشيعي دون المهني، وبالتالي، فإن مثل هذا الالتحام الكلي سوف يطعم ذوق هذا المثقف بروح الكلية، بروح الكيانية العامة، لا ننسى أن الممارسة من شانها تغيير القناعات، تغيير التوجّهات، تغيير القناعات، تغيير المهمات، تغيير الآليات، المهم البداية، كما أن هناك الفكر ودوره العملاق، فإن عمق الفكرة، وحساسياتها.
    كل هذه المقتربات من شأنها المساعدة على بلورة فكرة المثقف الشيعي الموضوعي، ثم لا ننسى أن هناك المرجعية الدينية الرائعة، خاصة المرجعية في العراق العظيم، فهي مرجعية أثبتت جدارتها الكبيرة على الجمع بين العام والخاص، بين الكلي والجزئي، وللمرجعية موقعها الكبير من فكر المثقف الشيعي، وبالتالي يمكن أن تحقيق فكرة المثقف الشيعي الموضوعي، على أن هناك حقيقة أكبر، حقيقة موضوعية ملحة، ذلك هو الواقع، حقيقة ماثلة، حقيقة راسخة للأسف الشديد رغم فداحتها، رغم مأساويتها، رغم دمويتها ، فإن هناك تجاه صارخ لتصفية الشيعة هنا أو هناك، تصفية مادية أو معنوية، بلغت حد الصراحة، الصراحة بالاسم وبالمُسمَّى، بدون خوف، وبدون وجل، صدرت من جهات رسمية وجهات غير رسمية، من جهات حزبية ومن جهات غير حزبية من علماء دينين وغير دينين ، وفي مثل هذه الحالة المؤسفة سوف يتبلور واقع المثقف الشيعي الموضوعي، بل هو خرج إلى حيز الفعل.
    المثقف الموضوعي الشيعي ليس مستحيلا، ليس خارج نطاق الممكن، نعم، هو صعب، ولكن ممكن، والسياسة هي عمل الممكن، قد يكون صعباً ولكن ليس من المستحيل، وكما قلت أن حصيلة الظروف والمستجدات قرَّبت هذا الممكن، بل هو يمارس دوره الآن في حدود لا بأس بها، نأمل أن تأخذ طريقها إلى التعمق، وهو حاجة ملحة، حقا أنها ملحة، حاجة في الصميم، غيابها قد يضر كثيرا، بل يعرِّض شيعتنا لانتكاسة كبيرة.المثقف الشيعي الموضوعي اليوم ليس صمام أمان، بل هو مادة قوام، مادة إنقاذ، مادة استمرار.
    أن خطاطة مهمة يجب أن نطرحها نحن الشيعة بهذه القضية، خطاطة للتداول، وأن كانت بدايتها قد خطَّت عمليا، خطاطة يطرحها المفكرون والمثقفون الشيعة بالتفاهم مع الرموز الدينية الكبيرة.



    ثروة يجب استثمارها
    المثقف الشيعي الموضوعي ينطلق من ثروة رائعة، هي ثروة التشيع، و ثروة التراث البشري،وثروة التجربة الشيعية عبر أكثر من ألف سنة... لا ينطلق من الفراغ أبداً، وهذه قضية منطقية، ولكن يجب على هذا المثقف الموضوعي أن يستوعب هذا التراث، يقرأه بعمق، وشمولية، لأن من هنا نشتق الآليات، ومن هنا نشتق الوسيلة، ومن هنا نشتق الطريقة.
    التجربة الأولى هي تجربة القيادة الشيعية الطاهرة، تلك القيادة التي أفرزت هذا الكيان الفكري البشري بجدارة خارقة، فقد كانت تجربة فكرية، و تجربة سياسية، وتجربة نظمية، ولحد هذه اللحظة لم نقم بدراسة معمقة لهذه التجربة، يجب معالجتها في ضوء حاجاتنا اليوم، في ضوء الفواعل التي تحرك التاريخ اليوم، هذه مهمة عاجلة، ثم لماذا لا ندرس تجربة الشيعة في عصر الغيبة الصغرى؟. كذلك تجربة الشيعة على مستوى العلاقة مع الأنظمة؟ على مستوى العلاقة مع الأخ النظير؟ على مستوى العلاقة بين عناصر الوجود الشيعي؟ وهل تجربة الدولة الصفوية لا تحتاج إلى حفر وتفكيك كي نستلهم العبر والدروس؟ وهل تجربة ثورة العشرين أصبحت قيمة ميتة؟ وهل دراسة الأنسقة النظمية للأحزاب والجمعيات الدينية والاديولجية غير مفيدة؟.
    وفي تصوري أن المثقفين الشيعة الموضوعيون سوف يسيرون في طريق القوة، سوف تكون لهم كلمة قوية، وسوف يكون لهم تأثير قوي، خاصة وإن المرجعية الدينية تقدر هذه الطاقة الحيوية الفاعلة، سوف يحوزون على احترام الوسط الذي ينتمون إليه أكثر من غيرهم، وربما تتوزّعهم مواقف وتصورات ومنا حي فكرية متعددة، ولكن ليست متباعدة، ربما سوف يتحركون في إطار النزعة المتوازنة في مواجهة النزعة المتطرفة، في إطار النزعة التعددية في مقابل النزعة الفردية، في إطار النزعة الإنسانية في مواجهة نزعة الاستهلاك والاستغلال، في إطار النزعة الحوارية في مواجهة النزعة الحاذفة.
    المثقف الشيعي الموضوعي في مشروعه يتحرك وعدته الكلمة في الدرجة الأولى، الكلمة القوية الشفافة، المدعومة بالرقم، الكلمة التي تجمع بين معلمين أساسيين ، هما القوة والشفافية، القوة في الحجة، و الشفافية بالأسلوب، يتحرك باللوحة الفنية المحتشمة، بالقصيدة الهادفة، بالرواية المبدعة، بالشعار الهادئ، بالحوار الموضوعي، باللقاءات الرصينة، ولكن تبقى الكلمة هي عماد كل هذه المقتربات، أسوة في النبوة المحمدية الكريمة،حيث كانت الكلمة هي المقترب المهم والخطير و المؤثر في دعوتها وانتصارها الحاسم.
    المثقف الشيعي الموضوعي حضاري ليس على مستوى المضمون و الهدف فحسب، بل على مستوى الطريقة، الآلية، لا يركن إلى التزوير والتشويه والتحريض، وأسوته في ذلك التجربة الكبيرة التي سطرها عبر التاريخ خيرة البشر من أهل البيت عليهم السلام، يؤمن بقدرة العقل على تفهم الخطاب المقابل، فيما إذا أحسن الأداء، وأحسن الطرح.

    والحمد لله رب العالمين.
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني