أسباب خارجة عن إرادة الفتيات

بغداد - عماد عبد الرحمن الامارة:
بالرغم من ان الانسة نسرين عبد الله محمد قد بلغت الاربعين ولكن لم تعد تأبه بما يقال عن انها عانس، ذلك انها هي التي رفضت الزواج لتبقى الى جانب امها المسنة، وترعاها وتؤدي لها واجب البنت الوفية النجيبة..غير ان هذا الاحساس العامر في قلبها، لم يمنع شعورا دفينا من القلق يتسرب الى نفسها ليحملها الى تفكير غريب.. ربما هو الشعور بالعنوسة كما تقول..

نسرين هي الاخت الكبرى لست بنات، تزوجن كلهن الواحدة تلو الاخرى، وتقول لم يكن هذا ليحرجني لانني مصّرة على رسالتي فلعلي اتزوج عندما يأخذ الله امانته في امي، ولكن ما دامت على قيد الحياة فلا بد من ان اكون الى جانبها..
وتضيف نسرين، انا جميلة وموظفة، ولاينقصني شيء، وتقدم لطلب يدي عدد كبير من الرجال، ارجو ان لا تنصرف اذهانكم الى شيء او تفسير اخر.. هذه هي الحقيقة..
كانت نسرين تريد التخلص من شكل العانس في اذهان وتقديرات الاخرين.. وتريد اثبات ان من تتأخر في الزواج ليس ضروريا ان تكون امرأة لاحظ لها مع الرجال.
قالت نسرين: لست انا المثال الوحيد، ففي الحي، والمدينة، والبلد اعداد كبيرة من الفتيات عبرت اعمارهن الثلاثين والاربعين، وهن يتوفر فيهن عناصر البنت الجيدة الجميلة الصالحة للزواج..
وقالت: ربما وجدتم نبرة آسى شفيف بكلامي الا انني ارتبط بمصير خاص...
ثم استدركت لتقول: اجل لو ماتت امي سأكون وحيدة في عالم ظالم.. وموحش.
ان امثال نسرين عدد كبير من النساء اللاتي يتأخرن في الزواج، لأسباب غالبا ما تكون خارجة عن ارادة الفتاة، لكن النتيجة هي ان المجتمع يؤلف في داخله قضية لايجوز النظر اليها بتبسيط، لاسيما اذا عرفنا ان نسبة النساء في العراق فاقت نسبة الرجال بسبب الحروب والاعداد الكبيرة من الشباب الذين لجأوا الى المنفى...

وتكاد تكون حالة الانسة برق هارون الفالح من هذا النوع فهي من مواليد ( 1963 ) وهي البنت الوحيد للعائلة الى جانب ثلاثة ذكور وهي مدللة ولم تتزوج، في الفترة الاولى من عمرها تقدم لها العديد من الخاطبين لكن والدها كان يرفض المتقدمين ويعتبرها صغيرة على الزواج، وعندما تقدم بها العمر توفيت والدتها واصبحت الانسة ( برق ) هي ربة البيت وتقوم بادارة منزلها بعد عودتها من الدوام لكونها موظفة، وقامت بتزويج اخويها الاول الذي يكبرها بسنة واحد والثاني الذي يصغرها بسنتين وبقيت عائلة برق مكونة من الوالد الأرمل والاخ الصغير والانسة غير المتزوجة.

توجد في المجتمع العراقي عادات معروفة منها ان العائلة لاتزوج البنت الصغيرة قبل الكبيرة وعائلة حسين المصطفى من بين تلك العوائل التي تتمسك بهذا العرف الاجتماعي، في العائلة بشان الاولى تغريد وهي من مواليد 1959 والثانية سحر وهي من مواليد 1963، كان المتقدمون للزواج والخاطبون يأتون الى الصغرى لوجود مواصفات جمالية فيها اكثر من البنت الكبرى، لكن عائلة حسين المصطفى ترفض المتقدمين بحجة عدم تزويج الصغرى قبل الكبرى ومرت السنين واذا بنا نرى بقاء البنتين من دون زواج، بسبب حجج لا تستند الى منطق سليم.
حدثتنا الباحثة الاجتماعية جنان فتاح محمد عن سبب تأخر زواج الفتيات فقالت: يكمن السبب في ضعف استعداد بعض الفتيات وتاهيلهن في المرحلةالجامعية لاتخاذ القرار وتحمل المسؤولية وبالاخص في مركز المدن، اذ تتغير افكارهن تجاه اهمية الزواج في حياتهن، كذلك يتأثرن بمواصفات الزوج المفضل لديهن، وفقا لدرجة اطلاعهن واختلاطهن، وقد يكون احد هذه المؤثرات البرامج الفضائية والمسلسلات ورغبة بعض الفتيات في اكمال الدراسات العليا ونهل العلم، بينما لايحبذ الرجال الارتباط بمن هن اكثر تعلما منهم، مما يجعلهن عرضة للبقاء دون زواج، ثم ان عمل الفتاة يتولد عنه مخاوف من تقدم الرجل لما يحمله بعض رجال المجتمع من اتجهات خاطئة تجاه المرأة العاملة، وبالذات في المناصب العليا واحيانا تكون لدى المرأة افكار ايجابية مثالية للزواج لكنها لاتحصل على فرصة اثبات ذلك.
مما يؤدي الى تغيير نظرتها الى ذاتها ونظرة المجتمع الى مشاركتها الاجتماعية والثقافية، وهذا الشيء يؤدي الى تاخر زواجها او بقائها في وضع بعيد عن السعادة.

الباحثة الاجتماعية لمى السعيد تحدثت عن هذا الموضوع قائلة، يجب ان نتوقف امام اهم المحطات التي تضع حدا للجدل الدائر بين الاراء النسائية والرجالية حول مفهوم ( العنوسة ) والتاثيرات المختلفة لتأخرسني الزواج عند الفتاة والرد على هذه التساؤلات بداية تقول ان هناك معايير اجتماعية تختلف من مجتمع الى اخر وفقا للمتغيرات التي تصاحب المجتمع ثقافيا واقتصاديا وتربويا ومنها المعايير البيولوجية، حيث يتفق العلماء على ان سن الزواج يقع بين ( 15 ) الى ( 35 ) سنة اقتزانا بسن الانجاب وهناك معايير تربوية منها ان الفتاة حينما تصل الى مستوى تعليمي معين يمكنها من التكيف والتوافق مع زوجها عندها يكون نجاح الزواج هو المحصلة لهذا المعيار التربوي وتؤكد الباحثة الاجتماعية ان خروج المرأة الى العمل غير كثيرا من مفهوم العنوسة، لان هذا المفهوم يختلف باختلاف اعداد الفتيات المنخرطات في التعليم او العمل، وهنا لابد من تشخيص موضوع العمل وجعله احد الاسباب الرئيسية في تاخر زواج الفتاة بسبب انغماس المرأة في العمل ورفضها العديد من المتقدمين لها لطلب الزواج، وهناك اسباب اخرى ترجع الى كثرة الاحلام والطموحات التي تؤمن بها الفتاة وتريدها من زوج المستقبل، والاعتقاد الخاطئ لدى بعض الفتيات او اولياء امورهن في ان الرجل لديه اطماع في الراتب لذلك يتم فرض شروط عدة من قبل الفتاة او ولي ارمرها بهدف ضمان استقلالها الاقتصادي.

وسألنا الباحث عبد القادر مدحت عبد الله عما اذا كانت الفتاة اكثر نضجا عندما يتقدم بها العمر؟ قال: في بعض النواحي نعم،لكن ليس في كل مجالات الحياة حيث يتاثر نضج الفتاة او الفتى بعدة عوامل منها المحيط او البيئة الاجتماعية والدينية والثقافية وايضا الخبرات التي يمر بها الفرد والعلاقة بين الوالدين والابناء وهناك تاثير الاعلام ووجود القدوة الاجتماعية وكذلك اجتياز مرحلة عمرية معينة وبالاخص فترة البلوغ فهذه كلها عوامل تؤثر في نضج الفرد بغض النظر على تقدم السن على ان لايكون السن اقل من(16) وهو متوسط فترة المراهقة والاستعداد بيولوجيا ونفسيا واجتماعيا للزواج.

اما الطبيبة سهى عبد القادر العاني فاجابت عن سؤالنا هل تكون الفتاة سعيدة ام تعيسة عندما يتاخر زواجها؟
قالت كل مايخالف فطرة الانسان يؤدي الى اختلال في ميزان حركته وتقدمه سواء اكان ذلك في اطار حياته الشخصية او الاجتماعية فالرضا عن الذات يرتبط بالنجاح في اختيار الدراسة والمهنة والزوج والامومة كلها ترتبط بالسعادة وبالتاكيد فان احدهما او عدم وجودها يؤدي الى الاحباط او احتراق الذات.
من خلال استقراء احاديث المختصين بشان الاجتماعي او احاديث المواطنين ترى ان هناك اسبابا متعددة لتاخر زواج الفتاة منها يعود الى عوامل اقتصادية او اجتماعية او الى ظروف خاصة بكل فتاة لكن الجانب العلمي وخاصة الاحصائي.
فمن خلال تعرفنا على اجابة الدكتور مهدي العلاق رئيس الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط يعطينا اجابة تفصيلية وبالارقام عن الفئات العمرية للفتيات والنسبة المئوية للعازبات من الفتيات وهي كالاتي:

الفئة العمرية عزباء
(15-19 سنة) 85%
(20-24 سنة) 57%
(25 -29 سنة) 34%
(30-34 سنة) 22%
(35-39سنة ) 14%
(40-44 سنة) 8%
(45-49 سنة ) 5%
(55-59 سنة ) 3%
(60-64 سنة ) 4%.
الملاحظ من الارقام والنسب المئوية للفتيات باعمار العقل الثاني والثالث تراها ومع الاسف مرتفعة وهذا يشكل ظاهرة سلبية وغير صحية في المجتمع العراقي.
جريدة الصباح