بغداد : رحاب الهندي :
في حكاية الفتى صهيب كثير من الالم والحيرة والعذاب والتساؤل؟ ما الذي دفع بهذا الصبي ذي الخمسة عشر عاما الى السرقة رغم ان والده مهندس ووالدته معلمة.. يقول صهيب: كل زملائي يملكون الكثير .. المصروف اليومي اضافة الى كثير من اللعب والحاجيات..

لم لا املك مثلهم.. أ لأن ابي بخيل!.. نعم ابي بخيل رغم ان لديه وظيفة جيدة لكنه لا يعطينا ما نحتاج انا واخي واختي... نشعر بالحرمان حيث انه يرفض ان يعطينا حتى مصروف المدرسة ويقول لنا.. اصبحتم شبابا وانا بمثل عمركم كنت اعمل وادرس وكنت متفوقا نحن لا نقتنع بكلامه فلا يوجد احد من اقراننا يعمل ويدرس ثم ماذا نعمل.. نعم لقد سرقت بعض المال وبعض الالعاب حين زرت احد معارفي وادخلني غرفته الخاصة.. كان في نفس العمر لكن خزانته مليئة بالملابس الحلوة.. وفي درج مكتبه كثير من النقود.. لديه جهاز حاسوب خاص به لديه العاب اليكترونية كثيرة.. حين خرج من الغرفة وضعت في جيبي بعض المال وخرجت وفي المدرسة صرفت النقود.. اشتريت كما زملائي الطلبة كنت سعيدا بما اشتري.. وتكررت زياراتي له.. كنت دائما اجد نقودا في درج مكتبه فاضع جزءا منها في جيبي وفي بعض زياراتي لهم وجدت على المدخل الرئيس في البيت ساعة ذهب وضعتها في جيبي وبعتها وصرفت النقود علي وعلى زملائي في المدرسة الى ان اتى يوم وجدت هذا الصديق ووالده في بيتنا يخبرون ابي عن مفقوداتهم وشكهم بي وحين رفض والدي تصديق حكايتهم.. جعلوا من زملائي شهودا علي فجن جنون ابي وضربني ضربا مبرحا لكن اقولها بصراحة أبي دفعني للسرقة.. * لكنك لم تسرق من اموال ابيك..
ابي حريص على ما يملك فهو يعرف كل فلس في جيبه اضافة الى انه يملك خزانة خاصة بها مفاتيح يضع فيها النقود فسرقته صعبة للغاية.. لقد سرقت ما كان متاحا امامي.
الفقر ومعاملة الاهل
وان كانت الفتاة مريم التي يتأرجح عمرها بين الطفولة والصبا اتخذت منهجا اخر للانحراف وهو الكذب الا ان الفقر ايضا ومعاملة الاهل هي سبب رئيس في اتجاهها لهذا الانحراف فمريم تؤلف قصصا غريبة كان تدعي لزملايتها بانها مريضة في القلب، وانها في عطلة نصف السنة الدارسية ستسافر لالمانيا لتخضع لعملية كبرى في القلب وان خالها في باريس يرسل لها احدث صرعات الموضة من الثياب والمكياج استفزتهن مثل هذه الفتاة.. وتعرفت عليها.. يا الهي انها تبدو طفلة لم تتجاوز العشر سنوات من عمرها مع ان عمرها الحقيقي خمسة عشرة.. تبدو للناظر من اول وهلة هادئة تماما لا تتحدث.. بسيطة الثياب لدرجة يكاد يجزم من يراها انها من ثياب( اللنجات) المستعملة.. وحين سالتها عن العملية اخبرنني انها اجرتها في المانيا في اثناء عطلة منتصف السنة.. وحيت ضحكت سألتني ببلاهة لماذا تضحكين؟ فاجبتها بمرح لاني ايضا اجريت لي عملية في القلب وزارتني امك هناك الا تعرفين انني وماما اصدقاء تخوفت وصمتت وتاكدت انها تحاول ان تغير الموضوغ لكني واجهتها برفق مريم … لماذا تكذبين..
وبسرعة انهارت وبكت وهي تقول انا لا اكذب والله.. هدأتها وانا اقول لها.. دعي الحلفان جانبا وتعالي نتحدث بصراحة وسرك سيكون في بير عميق.. تحدثت وقالت: بصراحة.. نحن عائلة فقيرة نوعا ما حتى اننا لا نملك بيتا جميلا كباقي زميلاتي وصديقاتي.. البيت الذي نسكنه ملك لخالي وزوجته تثير المشاكل دوما تريد ان تؤجر البيت وتستفيد من الايجار.. اضافة الى ان ابي يعمل بوظيفة بسيطة (لم تقبل ان تحدثنا عن وظيفة ابيها) وامي ربة بيت... وانا هنا في المدرسة كما ترين اتعامل مع فتيات يصرفن احيانا ويوميا مدخول عائلتي في اسبوع.. احيانا اشعر بالقهر والاحباط.. لم لا يكون والدي مثل والد احداهن يملك مالا يتحدثن عن حفلات نادي الصيد والعلوية والجادرية وعن الثياب والسيارات والمطاعم الفخمة.. فيسيح خيالي معهن واتخيل نفسي اعيش مثلهن فاضطر للكذب ولانني هنا في العراق لم ازر هذه الاماكن التي تعرفها صديقاتي اتحدث عن زياراتي للاردن ولالمانيا ولمصر لانهن لا يعرفن هذه الاماكن حيث لدينا احد الاقارب زار هذه الاماكن وشاهدنا صوره فحفظت بعض الاسماء والاسواق والمطاعم.. وسردت قصص زياراتي لهن.
* هل تعتقدين انهن لم يكتشفن مدى كذبك؟
لا اعرف.. لكن بعد عودتي المزعومة من المانيا واجراء العملية تجمعن لزيارتي في البيت فكان بالنسبة لي مطبا يجب ان اخرج منه فسالت اخي عن مطعم جيد في العرصات فاخبرني عن اسمه وادعيت انني سوف ادعوهن لهذا المطعم لنحتفل بالمناسبة.
* وهل ذهبت ؟
بالطبع كلا لكنهن ذهبن جميعا وانتظرنني ولم احضر..
* وكيف اعتذرت لهن.. ثم الا يعرفن بيتك؟
في اليوم التالي اعتذرت وادعيت انني اصبت بوعكة صحية وعموما بيت خالي الذي نسكنه مرتب نوعا ما لكن الغالبية لا يعرفن اين اسكن.
* هل تعدين بعدم الكذب على صحتك وعلى صديقاتك؟
همست اعدك.. وتركتني وكانها تهرب مني وتاكدت ان كذبها مكشوف لزميلاتها حيث علقت احداهن ترى ماذا كانت تكذب مريم على هذه السيدة؟؟
وان كانت مريم تعيش مازق الفقر والمظاهر فان نور تعيش مازق الكبت والقهر.. فهي ايضا تصول وتجول في عالم الكذب وان كان عالمها يحمل الخطورة والمشاكل ليس لشخصها كما في حالة مريم بل لمن حولها...
نور.. ايضا
نور وحيدة والديها فهي مدللة جدا لكن اشقاءها الصبيان الخمسة يتحكمون بتصرفاتها خاصة وانها نضجت قبل الاوان فمن يراها يتخيل انها انثى كاملة النضج فجسدها ممشوق وهي جميلة جدا ووصلت مرحلة الكذب عندها الى اثارة المشاكل لزميلاتها وصديقاتها وبدأن جميعا ينسجن شبكة الاتهامات لبعضهن وصممت على رؤيتها...
فعلا نور فتاة جميلة تبدو هادئة لكن عينيها الملونتين او هكذا بدا لي للوهلة الاولى( اذا اكتشفت انها ترتدي عدسات ملونة) تخفي شقاوة ومكرا انثويا سابقا لاوانه حين جلسنا سويا سالتها: لم يانور .. وكيف نجحت باثارة كل هذا الكذب وهذه المشاكل وانت محاصرة بخمس اشقاء ووالدك..
ابتسمت قائلة : لا تنسي والدتي ..
صحيح انا مدللة في البيت هكذا يظنون .. ولكن محرومة من ابسط الاشياء من زيارة صديقاتي من التلفون من الخروج من اللبس من كل شيء أقرأ نزار قباني بالسر طبعا لان اي كتاب خارجي ممنوع عني.. كتب الدراسة فقط تلاحقني نظرات ابناء الجيران.. او الشباب الذين ينتظرون امام المدرسة ولانني محاصرة لا استطيع ان يكون لي قصة مع احدهم اؤلف قصص حب بين اي واحد من هؤلاء واقنع صديقاتي بانه يريدها هي ويحبها وهي تصدق وتكون سعيدة.. احد الشباب ظل يلاحقني طويلا فصممت على رؤيته واقنعت احدى صديقاتي انه ينتظرها هي فسعدت بذلك وخرجنا انا وهي في يوم من المدرسة لنلتقيه ودعانا الى مقهى صغير.. وحين اكتشفت كذبي عليها جن جنونها واتهمتني بالكذب لنكتشف في اليوم الثاني ان المراقبة السرية في المدرسة قد اخبرت المديرة والمديرة اتصلت بالبيت واخبرت امي..
* وماذا كان موقفك .
الجميع لا يفهمنا الكبار يضطرونا للكذب .. امي وابي واشقائي يتهمونني دائما بما ليس بي.. اذن لم لا يكون اتهامهم صحيحا.
منطق غريب كيف كان عقابك .
أمي كانت ترتعد خوفا من ان يعرف أبي القصة واخبرت المديرة انه قد يقتلني بلا رحمة فاخذت المديرة منى عهدا الا اكرر المحاولة.
*وصديقاتك..
بعضهن ابتعد عني وكانني جرثومة ..والاخريات تعاملن معى بحذر لكن لي صديقة واحدة وبختنى عما فعلت.
*هل انت نادمة
هزت راسها قائلة ..بصراحة لا..
تركتها وانا اهمس من داخلي ..طوفان التربية الخاطئ هل يغرقنا وابناؤنا دون ان نعرف ويوجههم للانحراف دون ان نضع امامه حواجز وسواتر للصراحة والاقناع من منا يحتاج العقاب الحقيقي نحن ام ابناؤنا الذين يحملون في دواخلهم علامات الطفولة ..لكن ينشغلون بالرجولة والانوثة ليقعوا على وجوهم فيثيروا حولهم وحولنا العذاب والالم.