النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401
    الهيمنة الرجولية بين البيولوجيا والسوسيولوجيا

    محمد عبد ربي
    لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة العنف ضد النساء، إذ أصبح الكثير من الكتب والمجلات يطفح بوصف مسهب لمظاهر هذا العنف وتجلياته على مختلف ميادين الحياة المجتمعية، كما ذهب العديد من الباحثين والدارسين إلى البحث عن تفسيرات علمية لهذه الظاهرة، وإذا كان يبدو جليا أن هذه الدراسات بينت أن النظام الاجتماعي والثقافي والوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي كلها عوامل تفسر هذه الظاهرة، فإن الملاحظ هو أن هذه الدراسات والأبحاث لم تضع موضع السؤال علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية، مما يجعل العنف ضد النساء يبدو كظاهرة عرضية وكمسألة طارئة في الزمان والمكان، كما يتجلى بكل وضوح في خطاب وسائل الإعلام.
    يظهر أن هناك علاقة معينة بين العنف وتشكل الهوية الرجولية، حيث أن هذه الأخيرة تتأسس على الهيمنة على النساء بوجه خاص وعلى تحكم الرجال في وسائل الإنتاج المادي واحتكارهم لوسائل العنف الفيزيقي والرمزي، مما يدعونا إلى طرح التساؤل التالي: هل يعد العنف ضد المرأة مكونا أساسيا من مكونات تشكيل الهوية الرجولية؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، فبماذا يمكن تفسير هذه العلاقة؟ وهل تسعفنا المقاربات المعتمدة في تفسير الهيمنة الرجولية على إيجاد تفسير علمي للظاهرة موضوع الدراسة؟
    ** المقاربات المعتمدة في تفسير الهيمنة الرجولية
    كما سبق أن أشرنا في مقدمة هذا المقال، فإن علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية لم تحض بما فيه الكفاية من الدراسة والبحث، ذلك أن الاهتمام قد انصب أساسا على دراسة الهيمنة الرجولية بوجه عام، حيث اتجه العديد من الباحثين، بالاعتماد على بعض المرجعيات الفكرية والمنطلقات النظرية، إلى البحث عن تفسير لهذه الهيمنة دون الوقوف عند مكوناتها الأساسية، وبانطلاقنا من مسلمة كون العنف بصفة عامة والعنف ضد المرأة بصفة خاصة يعد بعدا أساسيا للهيمنة الرجولية، فإنه يكون من المشروع اعتماد المقاربات المستعملة في دراسة الهيمنة الرجولية لتحليل ظاهرة العنف ضد المرأة لدى الرجال والتعرف على علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية. فما هو مضمون هذه المقاربات؟
    ** المقاربة الأبوية البيولوجية
    تستند هذه المقاربة على السوسيو بيولوجيا التي تنطلق من كون العدوانية الذكورية الموروثة هي التي تمنح الأسس البيولوجية لهيمنة الذكور على الإناث، وللتراتبية والتنافسية بين الرجال وأيضا للحرب،على أساس ذلك، فإن ستيفن كولدبيرك (Steven Goldberg)، عالم الاجتماع الأمريكي، حاول أن يوضح أن الجانب الهرموني هو السبب في هيمنة الرجل، فالهرمونات الذكرية "التستاسترون" (Testasterone) هي المسؤولة في نظره عن نزعة الهيمنة والعنف لدى الرجل، وهذه النزعة هي الدافعة للرجل كي ينجح في أي ميدان وجد فيه، ويستدل على ذلك، بكون الرجال الفاقدين لهذه الهرمونات الذكرية، يعيشون سلوكات شبيهة بسلوكات المرأة، يرى الباحث أن هذا المعطى الغريزي للهيمنة عند الرجل هو المسؤول عن تفوق الرجل في ميادين متعددة، سواء العلمية أو الاجتماعية أو السياسية الخ، إلى جانب ذلك، فإنه يضيف وجود عامل آخر يزيد من رغبة الرجل في الهيمنة، وهو الجانب البيولوجي الفيزيائي لبنية الذكر الجسدية المتسمة بالقوة.
    ** المقاربة الأبوية الثقافية
    من منطلق اجتماعي ثقافي، فإن المقاربة الأبوية تذهب إلى أن العنف ضد المرأة يرجع بالأساس إلى النظام الأبوي الذي يقوم على هيمنة الذكر الممثل في صورة الأب، رب الأسرة، الواسع النفوذ والسلطة من جهة، وعلى إخضاع المرأة الممثلة في صورة الأم وعلى إجبار الطفل على الطاعة واستدماج قيم البالغين والرهبة الموجودة في السلطة الأبوية، وبذلك يكون الصبي هويته كرجل بالاستناد إلى صورة أبيه النفسية التي يراها منعكسة في سلوك الذكور البالغين المحيطين به، كما ذهب إلى ذلك هشام شرابي. وهذا هو ما يجعل الفرد الذكر، في نظره، ينمو في مجتمعنا قضيبيا، ينزع في شخصيته إلى حب البروز والسيطرة ويحتقر المرأة، ويميل إلى إذلال من هم أضعف منه، وتتجسد هذه الشخصية القضيبية المصنوعة من طرف المجتمع، في أشكال ونسب مختلفة من العدوانية والشراسة وتتميز باعتزازها بذاتها، ويجد صاحبها لذته في إبراز أناه والدفاع عن سمعته وفرض نفسه على الآخرين.


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401
    المقاربة النسائية ومرجعية علم النفس الحديث

    محمد عبد ربي
    في محاولة لتفسير السيرورة التكوينية لدى كل من الرجل والمرأة، فإن إيليزابيت بادينتير، ركزت على الطابع المعقد والصعب لهذه السيرورة عند الرجل. ولإبراز هذا الطابع الإشكالي وهذه الصعوبات التي يلاقيها الذكر في تطوره، فإن الباحثة تلجأ إلى مفهوم القانون السلبي الذي جاء به علم النفس الحديث واعتبره مبدأ لتحديد الهوية الجنسية للذكر البشري، وتسوق مجموعة من صور ومظاهر الرجولة التي جاءت بها الأنثروبولوجيا لتأكيد هذا الطابع الإشكالي.
    ففي نظر الباحثة، يتمثل هذا القانون السلبي في أن الطفل الذكر، وللتعبير عن هويته الذكورية، يتوجب عليه أن يقتنع ويقنع الآخرين بأنه ليس امرأة، وليس يافعا، وليس لوطيا، إنه قانون سلبي ثلاثي الأقطاب، كل واحد من هذه الأقطاب يُعد صعوبة كبرى، فالذكر إذن يوجد أمام ثلاثة صعوبات، نوجزها في النقطتين التاليتين:
    أ- الافتراق عن الأم والتميز الجذري عن الجنس المؤنث
    لا يكفي أن تكون حاملا للكروموزوم (XY) وأن يكون لك قضيب لتحس بأنك رجل، إن المرحلة الحاسمة للتفاضل الذكوري تبدأ مع (XY) وتنتهي بالمنظور الذي يكونه الآباء حول جنس أطفالهم، والذي يحدد بدوره الهوية الجنسية للطفل، "طيلة هذه المرحلة فإن الجنين يكون قد "صارع"، حسب تعبير دجاست (A. Jast)، لكي لا يرضخ لبرنامج التطور الأنثوي، هذا الصراع البيولوجي هو أبسط مقارنة مع ذاك الذي سيخوضه الطفل الذكر حين ميلاده، وخلال زمن طويل، ليصبح رجلا"، كذلك، فالطفل الذكر يتغذى فيزيقيا ونفسيا من طرف شخص مخالف، وهو الأمر الذي يحدد مصيره بطريقة أكثر تعقدا ودرامية على خلاف البنت. ولكي يصبح رجلا، فإنه ينبغي أن يتعلم كيف يختلف عن أمه، وأن يكبت في أعمق أعماق نفسه هذا الاستسلام الأولي للأم، إن الذكورة تقتضي قمعا مبالغا فيه للرغبات الاستسلامية، خاصة المتعلقة بالاحتضان من طرف الأم، من هنا، فإن الذكورة خلال طول هذه المرحلة هي رد فعل أكثر منها انخراط، ذلك أن الأمر يتعلق دائما بمساعدة الطفل على تغيير هويته الأنثوية الأولية إلى هوية ذكورية ثانوية، وهذا ما يقوم به النسق الأبوي عندما يستعمل طقوس الإعداد، وبيداغوجية اللواط أو أسلوب الاحتكاك مع الأنداد، وهي آليات تهدف كلها إلى تغيير مكانة وهوية الشاب الذكر لكي يصبح رجلا، فهذه الطقوس "هي أجوبة ممكنة لحاجة كونية يتم الإحساس بها من طرف الطفل الذكر: أن يعترف به كرجل؛ أن يكون مع أولئك الذين قطعوا مع الضعف والارتباط الطفولي" كما أن هذه الطقوس ليست خاصة بالمجتمعات البدائية، إذ أنها تشمل حتى المجتمعات الصناعية كما هو الأمر بالنسبة لطقس التزريك (bizotage) المستعمل في المدارس الخيرية العامة بإنجلترا الحديثة، أو بالنسبة لنظام الكشفية (Boy-scouts) الذي أقيم بأمريكا سنة 1910، وكان الرئيس الأمريكي رئيسا شرفيا له، والذي كان هدفه المعلن من خلال الخطاب الذي ألقاه هو "أن نجعل من الأطفال الذكور رجالا كبارا ونصارع قوى التأنيث".
    ب- الغيرية الجنسية (l'hétérosexualité)
    يتوجب على الطفل الذكر أن يبرهن بأنه ليس لوطيا، أي أن لا يتمنى أنه يرغب في رجال آخرين وأن لا يكون مرغوبا فيه جنسيا من طرفهم؛ أن لا يكون لينا، مؤنثا في مظهره الفيزيقي وفي تصرفاته، في هذا الإطار، فإن الأوموفوبيا (Homophobie) التي تعني كره الرجل للخصائص الأنثوية الموجودة في الرجال، "تشكل جزءا مندمجا لذكورة غيرية بالنظر إلى لعبها دورا نفسيا رئيسيا: أن تعني بأنك لست لوطيا وأن تبين بأنك غيري الجنس"، هذا الحقد على الجانب الأنثوي في الذات يولد طبيعيا ثنائية جنسية متعارضة، إن تأكيد الاختلاف هو رد فعل على تفقد الهوية والغموض الذي يقوي الذكورة، وتعتمد الباحثة على وجهة نظر (G. Groddeck) التي ترى أن الختان عند اليهود هو كبت لهذه الثنائية الجنسية، "إن إزالة القلفة عند اليهود هو إزالة للثنائية الجنسية عند الرجل، إنهم يزيلون عن الذكر الطابع الأنثوي، عن طريق الختان فقط، فإن اليهودي يصبح رجلا".
    من هنا تخلص بادينتر إلى أن مصدر الهوية الذكورية تعارضي وسلبي أكثر منه إيجابي؛ فهذا المصدر يشدد على المفاضلة، وعلى المسافة بالنظر إلى الآخرين، وعلى إنكار العلاقة العاطفية مع النساء، وهذا ما سنتبينه بالضبط في إحدى الدراسات السوسيولوجية التي هدفت إلى البحث في تكوين إيديولوجية الرجولة بالمجتمع الفرنسي، لقد أظهرت هذه الدراسة أن الرجولة كما تعرضها المادة الإشهارية تتمظهر في ثلاثة عناصر أساسية: أولها القوة، التي تشير إلى التمتع بصفات معارضة لصفات المرأة؛ وعنصرها الثاني هو السلطة، أي السيادة على الطبيعة وعلى جميع عناصرها من أدوات وبشر، أي الهيمنة والمنافسة؛ أما العنصر الثالث فهو التملك، أي السلطة على النساء. ولتأكيد هذا الطرح، فإن الدراسة تعتمد على ما أوضحتاه فيما بعد الباحثتان الأمريكيتان (Deborch S. David) و (Robert Brannon) ، واللتان أصبحتا شهيرتين بتبيانهما للمتطلبات الأربعة للذكورة، التي هي كالتالي:
    المطلب الأول: لا شيء مؤنثا، مادام الرجل الحقيقي هو ذاك الخالص من كل أنوثة، فإنه سيكون ملزما بالتخلي عن جزء كامل منه.
    المطلب الثاني: أن الذكر الحقيقي هو الشخص الهام، ما هو مطلوب منه هو التفوق على الآخرين، إذ الذكورة تقاس بالنجاح، بالسلطة والاعتبار، أي بدرجة توفر هذه الأوصاف في الرجل.
    المطلب الثالث -وهو الحلقة الصلبة-: هو ضرورة أن تكون مستقلا عن الغير وأن لا تعتمد إلا على الذات. المطلب الرابع: يركز على ضرورة أن تكون قويا أكثر من الآخرين، حتى بالعنف إذا اقتضى الأمر ذلك، يتوجب على الرجل أن يبين الجرأة والعدوانية؛ أن يبين أنه قادر على تحمل المخاطر، حتى ولو كان العقل والخوف يقتضيان عكس ذلك.
    إن الرجل الذي تتوفر فيه هذه المتطلبات الأربعة هو الذكر الأعلى بامتياز، والذي جعل، ولزمن طويل، الحشود تحلم به. هو الرجل الصلب، الوحيد، لأنه غير محتاج لأحد، هادئ الأعصاب، الفحل، كل الرجال حلموا بأن يكونوه: حيوان جنسي مع النساء، لكن لا يرتبط مع أي واحدة منهن، إنه ذاك الذي لا يلتقي بأنداده الذكور إلا في حالات المنافسة والحرب أو الرياضة. باختصار، إنه أصلب مما هو صلب، انطلاقا من هذه المقاربة نستنتج أن تشكل الهوية الرجولية يقوم في جزء كبير منه على القمع والعنف الموجه للذات بصفة عامة والموجه للآخر والمرأة بصفة خاصة.


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401
    مقاربة النوع الاجتماعي والمرجعية الأنتربولوجية

    محمد عبد ربي
    لتفسير الهيمنة الذكورية، تذهب الباحثة فرنسواز إيرتيرييه، بالاستناد على مقاربة النوع الاجتماعي وبالاعتماد على نماذج المجتمعات البدائية التي درسها الأنثروبولوجيون؛ وخاصة مجتمعات القناصين الملتقطين الذين درستهم الباحثة آن شابمان (Anne chapman)؛ وهي نماذج تُظهر وجود تفوق ذكوري تشوبه تغيرات نسبية تسير من المساواة الكاملة بين الجنسين عند بعض الجماعات الهندية إلى العبودية الكلية للنساء، إلى أن هذه الهيمنة لا ترجع إلى وجود الملكية الخاصة، كما ذهب إلى ذلك موريس كودولييه، وإنما أساسها هو النظام الرمزي، فأسطورة الأصل هي التي تبرر هذه الهيمنة.
    هكذا تحاول الباحثة، بالاعتماد على دراسة أساطير بعض المجتمعات، أن تبين أن الخطاب الرمزي يشرعن دائما السيطرة الذكورية، سواء بمبرر العنف الأسطوري الأول الذي أُخضِع له الرجال من طرف النساء، إذن باستعمال سيئ للسلطة عندما كانت في أيديهن، كما تبينه أسطورة مجتمع أونا(ONA)، أو بمبرر عدم الإمكانية "الطبيعية" البيولوجية التي لا تمكنهن من الوصول إلى الصف العلوي، الذي هو صف الرجال، تقول الباحثة: "هناك قلب أساسي بين الجنسين مدرك دون أن يلفظ به ظاهريا، وهو على الشكل التالي: إن المرأة تتصرف دائما نحو الرجل، هذه هي المعركة الأولى، لا يوجد مجتمع حيث الرجال والنساء يتصرفون كليا بشكل متواز ومتماثل"، فالرجل، يبقى في كل الحالات هو المقياس الطبيعي لكل الأشياء؛ إنه هو الذي يخلق النظام الاجتماعي.
    هذا ما يتبين أيضا حسب الباحثة، من خلال حالة مجتمع باريا (les Baruya) بغينيا الجديدة. تبرز هذه الحالة أن النساء في فجر الزمن هن اللواتي ابتكرن الناي والقوس اللذين كانا رمز سلطتهن، لكنهن لم يصوبن القوس في الاتجاه الصحيح، وقتلن بطريقة عمياء وفوضوية يسودها اللانظام، لهذا السبب اختلس الرجال منهن القوس وصوبوه في اتجاه الوجهة الصحيحة، الشيء الذي يجعلهم يقتلون بروية حسنة، هكذا، فإن الرجل يأتي بالنظام، المقياس العقلي لكل الأشياء، كما يعبر الخطاب الرمزي لهذا المجتمع عن ذلك.
    هذا الأمر يتبين كذلك بخصوص المجتمع العربي الإسلامي من خلال ميتولوجيا التأويل القرآني، والتي تظهر فيها حواء، حسب الباحث تركي علي الربيعو، على أنها مصدر الغواية. إنها هي السباقة إلى الأكل من الشجرة، الشيء الذي يؤكد على طبيعتها الغريزية، وبانتهاكها المحرم تقع في الخطيئة المعرفة ثقافيا، وعبر هذا، تتحول الأسطورة إلى أدلوجة ذكورية تبرر السقوط وتباركه وتؤكد على أنه بنية أساسية في تركيب المرأة، إن خطيئة آدم عابرة وعرضية ويمكن له أن يمحوها بذبح عظيم، أما خطيئة حواء فأصلية وأزلية وتشكل بنية وجودها، فقد خلقت من ضلع أعوج ومن مَيْسَرَة الإنسان، وتحالفها مع الشيطان هو بمثابة نتيجة لتكوينها، إنها الشر بعينه، كما تذهب إلى ذلك بعض الميتولوجيات المتطرفة.
    إذن، إذا كانت كل الأساطير الكونية، تؤكد على تفوق وهيمنة الذكورة وخضوع الأنوثة وتبعيتها، فما هو إذن أساس هذه الهيمنة وهذا العنف ضد النساء؟
    تجيب الباحثة إيريترييه (F. Heritier) أن الخصوبة -وليس الجنس- هي أساس الاختلاف الواقعي بين المذكر والمؤنث، وأن الهيمنة الذكورية هي أساسا مراقبة وتحكم في إنجاب المرأة، في الفترة التي تكون فيها في مرحلة الخصوبة، أما المكونات السيكولوجية والأهليات الخاصة التي تخلق نماذج الذكورة والأنوثة حسب المجتمعات، والتي يفرض فيها أن تبرر هيمنة جنس على آخر، فإنها نتاج التربية، إنها إذن نتاج الإيديولوجية.
    هذا بالفعل ما أكده من قبل جورج بلاندييه حيث يرى أن هناك سلطة بالنساء وعلى النساء. هناك مراقبة وأخذ بالسلطة الطبيعية التي تمتلكها النساء والمتمثلة في الإنجاب، فالرهان كله يدور حول تملك خصوبة المرأة، أي إنتاجيتها الطبيعية، إلى درجة أن المرأة المسنة بحكم أنها أصبحت خارج نطاق إعادة الإنتاج، فهي أقل خضوعا للمراقبة الذكورية ويمكن لها القيام بوظائف كانت محرمة عليها من قبل، ولكون تملك الخصوبة في الجسد الذكوري مآله الفشل، فإن هذا التملك يمر إذن بالمراقبة، بتملك النساء أنفسهن أو تملك منتوج هذه الخصوبة، هكذا، تخلص الباحثة إلى أن المحتمل هو أن الضبط الاجتماعي لخصوبة النساء وتقسيم العمل بين الجنسين هما أساس اللاتكافؤ الجنسي، وهما في نظرنا أساس العنف الرجولي ضد النساء، وهو العنف الذي يجد مشروعيته في النظام الرمزي للمجتمع.
    وقفنا إذن على بعض المقاربات التي يمكن أن تشكل أرضية لتحليل وتفسير ظاهرة العنف ضد النساء وسننتقل بعد ذلك إلى البحث عن تمظهرات هذا العنف على أرض الواقع وعن المبررات التي يقدمها المجتمع لذلك.


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401
    الرجولـة ومبررات العنف المادي ضد المرأة

    محمد عبد ربي
    انطلاقا من بحث ميداني(*)، يبين مجتمع البحث أن تحقق الرجولة بالنسبة للذكور يتحدد في جزء كبير منه بنوع من العلاقة النمطية مع المرأة، وهي العلاقة التي تقتضي من الرجل أن يحسن التعامل معها وأن تكون له قدرة الإنفاق عليها، لكن بالمقابل عليه أن يضمن عفافها والسيطرة عليها،
    لكن الرجولة لا تتوقف عند حدود السيطرة على المرأة -هذه السيطرة التي ينبغي أن تتمثل في اتباعها وامتثالها لأوامره ونواهيه- ولا حتى عند تحقيق الإشباع الجنسي لها، بل لا بد أيضا من ضمان عفافها وعفاف بناته وكل ما يوجد تحت سلطته من نساء، يتطابق هذا المعطى مع ما ذهبت إليه فاطمة المرنيسي من أن" الرجل ليس مسؤولا على إشباع المرأة جنسيا وإرضاء حاجاتها المادية فحسب، ولكنه بصفته ساهرا على النظام الإسلامي يتحمل أيضا مهمة حراسة النساء اللائي يعشن معه وإخضاعهن"، هذا ما يتأكد بصفة خاصة من الموقف من المعاشرة الحرة للفتيات، كما يبينه البحث الميداني، إن فرض هذه السلطة يتم حسب التسلسل التالي: البنت، والحفيدة، والأخت، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وبنت العم، وبنت العمة، وبنت الخال، وبنت الخالة. وبالرغم من كون عامل القرابة ما زال يفرض نفسه، إذ أن بنات الأقارب يشكلن أيضا عرضا عائليا، يتوجب ضمان عفافهن الجنسي، فالملاحظ هو أن هناك عاملا جد محدد يتحكم في القرابة بدورها وهو الرابطة المكانية، إن قرب نساء الأقارب أو بعدهن من سكن رجل ما، أو بالأحرى الإقامة أو العيش معه داخل نفس الفضاء يعد عاملا مهما يؤثر على درجة السيطرة على النساء، فكلما حصل تقارب في الإقامة كلما تقوت سلطة الرجل على قريباته، لكن كلما ابتعد محل الإقامة، كلما قلت أو اندثرت هذه السيطرة، كما يقول هذا المبحوث: "تفُوت عَ اختي وبنتي وتدبّر ارّاسها، أما إلى كانت قريبة لي في الدوار ما نبغيها تدير ذاك الشي، لأنها بنت العائلة، غاديا تجيب الشوهة والصداع للعائلة"، هكذا، تكون سلطة الرجل قوية على النساء اللواتي يقطن معه في نفس المسكن، وتنخفض بالتدريج حسب درجة البعد من الإقامة،على سبيل المثال، يحدث أن لا تكون للرجل أي سلطة على قريباته القاطنات بالمدينة، لكن في حالة زيارتهن له ومكوثهن معه في بيته لمدة ولو وجيزة، فإن سلطته تمتد عليهن ويمكن أن يلجأ إلى ممارسة العنف المادي ضدهن، كذلك، فإن الأخ قد يكون كامل السيطرة على أخته أو بنت أخيه إذا كانتا تقطنان معه في نفس البيت، لكن إذا حدث أن استقل هذا الأخ عن سكن أسرته، فإن سيطرته على هاتين القريبتين تكاد تنمحي، كما يقول هذا المبحوث: "الإنسان اللي خارج من الحضانة ديالك، ما سوقك فيه، ما تتدخل فيه، راه اختك وما تقدر تحكم عليها، الواحد يالله إلى قدر يحكم على اولادو باركة" (45 سنة، متزوج)، داخل فضاء الدوار، فإن سلطة الرجل يمكن أن تشمل كل قريباته، لكنها تختلف حسب الرابطة القرابية، تكون سلطته قوية من جهة النسب الأبوي، فالبنت والأخت أولى بالسيطرة، تليهن بنت الأخ وبنت الأخت، وتتبعهن بنت العم، بعد ذلك بنت العمة وبنت الخال، كما يقول هذا المبحوث: "إلى كانت من عائلتي، ما نبغي يكون فيها العيب، لأنه إلى كنتِ في الجمْع الناس يقولوا: شوف بنت عمك أو بنت خالك آش دايرة، دابا تطيح بالشرف ديالك" (26 سنة، عازب).
    ما يبرر لجوء الرجال إلى ممارسة العنف ضد النساء هو خوفهم من الإقصاء الاجتماعي ومن الشتائم التي يمكن أن تلحق بهم، كما هو الأمر بالنسبة لأولئك الذين يطلق عليهم نعت امرَيْوَة؛ الذي هو تصغير لاسم المرأة، يخص هذا النعت أساسا، الذي يصيب المرء في جوهر رجولته، على كل رجل لا يستطيع ممارسة السلطة على زوجته وبناته وأيضا أخواته وكل من يوجد تحت سيطرته داخل البيت من نساء، ويطلق على الذكر الذي لا يستطيع اتخاذ أي قرار داخل البيت أو خارجه، وإنما على عكس ذلك يلبي كل مطالب المرأة، كما يطلق أيضا على الرجل الذي يكون خاضعا لأوامر زوجته وواقعا لظروف معينة تحت سلطتها، إما بفعل صغر سنه، أو بفعل غناها هي وفقره هو، كما تقول هذه المبحوثة:"غالبينو اولاده والمراة غاسلها عليه. هذا هو المريوة عندنا" (39 سنة، متزوجة). وقد يطلق أيضا على الشخص الذي لم يستطع فض بكارة زوجته ليلة الدخلة، هذه المواصفات من شأنها أن تنزع صفة الرجولة عن الذكر وتجعله لا يحظى بالاعتبار الاجتماعي، كما يوضحه هذا المبحوث: "امريوة، أصغر من امرأته، حاكْمة فيه، تْسيّره كيفما ابغات، أو تحكم فيه بالمتاع ديالها أو بدارها، مني يبْغي يتدخل تقول له: أنت مالك؟ واش لك شي حاجة في هذه الدار، واجماعة ما يبقاو يعتبروه" (45 سنة، متزوج).
    على أساس ما تقدم، ولكي لا تلحق المرأة أي ضرر يصيب جوهر الهوية الرجولية، فالملاحظ أن الأخلاق الاجتماعية وكل التوجيهات والنواهي تصب في اتجاه قولبة المرأة وتكييف سلوكها حسب مطالب الزوج، إلى درجة تجعلنا نستخلص أن المرأة تتحدد بزوجها أكثر ما تتحدد بأي رجل آخر، سواء كان أخا أو أبا أو ابنا أو قريبا أو أي رجل آخر، المطلوب من المرأة في علاقتها بالزوج هو أن تكون مخلصة له من الناحية العاطفية والجنسية وأيضا مطيعة له، أن تكون متفاهمة معه، تشاوره في كل أمر تريد قضاءه، عليها أن تتعاون معه وتساعده، من هنا يتوجب عليها عدم التدخل في شؤونه الخاصة مع ضرورة عملها على الإعلاء من شأنه وخدمته وتوفير العناية اللازمة به، المرأة ملزمة أيضا بعدم إثقال كاهل الزوج بالمطالب الاستهلاكية التي لا يستطيع تلبيتها. وبما أن الرجل الزوج ليس فردا منعزلا عن الآخرين، وإنما له أبناء وأسرة، فإن المرأة مطالبة بخدمة الأبناء وجميع أعضاء أسرة الزوج، وعدم الشجار مع والديه أو أقاربه، وفي حالة وفاته، فإضافة إلى ضرورة تحصنها وعفافها، فإنها ملزمة برعاية أبنائه والعمل من أجلهم حتى يكبروا، على المرأة أيضا عدم التعاطي للسحر وعدم الخروج من البيت أو زيارة الأماكن التي لا يرغب فيها الزوج دون إذنه. ذلك أن أشد ما يخافه المجتمع والرجال على وجه الخصوص هو تعاطي المرأة للخيانة الزوجية والسحر،
    نخلص مما تقدم أن الخوف من المرأة ومن ثمة ممارسة العنف المادي ضدها هو أحد مرتكزات بناء الهوية الرجولية، لكن لماذا ترضى النساء بذلك وكيف يشرعن المجتمع كل الممارسات العنيفة ضدهن؟.


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401
    الجسد الأنثوي وإمتدادات العنف الرجولي

    محمد عبد ربي
    1- الجسد الأنثوي بين الرقابة والكلام
    لأن الجسد الأنثوي، كما ذهبت إلى ذلك الأستاذة رحمة بورقية، "مكان للتفاعل والاندماج الاجتماعيين، فإنه محكوم عليه أن يكون حاملا للرموز، التي يكون اللباس واحدا منها، إن الزينة/ الحلي واللباس يعطيان للجسد الكلام، يجعلانه دالا، لأن العري يعني غياب المعنى، بعبارة أخرى الصمت، بينما يجعل المجتمع والثقافة منه جسدا متكلما"، ولأنه جسد متكلم، فإنه مجال للرقابة والضبط الاجتماعيين بامتياز. يظهر إذن أن كل خصائص الجسد الأنثوي تصلح لأن تكون ضوابط على مدى صلاحيته وتطابقه مع المعايير التي وضعها المجتمع ومدى انضباطه لها، فكما أن انتفاخ بطن المرأة علامة على حملها، فإن الأجزاء الأخرى من هذا الجسد، تشير حسب الخطاب السائد، إلى معاني محددة، هكذا إذن تبين قدم المرأة مدى عذريتها، كما تبين مدى حسن أو سوء طالعها، والثديان أيضا يدلان على ذلك؛ ، ، ونفس الشيء يقال بالنسبة للأعضاء الجسدية الأخرى، لكن ما يثير الانتباه، هو أن المعاني والدلالات التي أسندها المجتمع للجسد الأنثوي تشير كلها إلى تأويلات جنسية تعمل على تهميش المرأة، وتؤكد"أن جسد المرأة، في ذورته البيولوجية الخاصة، يعرضها داخل هذه البنية الثقافية إلى الإقصاء من الحياة العامة ومن دوائر السلطة والمعرفة، بما فيها المعرفة الدينية والصحية"، ولعل هذه الجنسانية التي ألصقت به هي ما يبرر حرص المجتمع على السيطرة على المرأة خوفا من إلحاق العار بالعرض العائلي، ومن ثمة فقد الاعتبار الرجولي الذي تسعى كل الاستراتيجيات الاجتماعية، التي عبرها يحتكر الرجال وسائل الإنتاج المادي ووسائل إعادة الإنتاج الرمزي، إلى تحقيقه والحفاظ عليه، كما هو الأمر بالنسبة للباس.
    2- عذرية الجسد الأنثوي والعنف الممأسس
    يظهر بمجتمعات البحر الأبيض المتوسط أن عذرية الفتيات تخص على وجه العموم مجتمع الذكور الذي يتوجب عليه، حسب قيم العرض، حماية هذه العذرية، من هنا المراقبة الدائمة لسلوك النساء، هذا ما أكده (LEFANCHEUR et G. Falconnet) حيث يرون أن من سوء حظ الفتيات وجود غشاء البكارة، التي هي واقعة فريدة تميزهن عن كل الثدييات، إن البكارة ساهمت في تسهيل المراقبة البوليسية على النساء لضمان عفافهن، وبالمغرب العربي، كما لاحظت (Dujardin)، فإن العذرية جد مثمنة في جميع الميادين الاجتماعية والثقافية والدينية؛ في الميدان الاجتماعي أولا ما دامت عذرية الفتيات الشابات، الملاحظة والمصرح بها أثناء الزواج، هي شغل وعرض كل العائلة، ثم ثقافيا وإيديولوجيا وحتى دينيا، ما دامت نفس هذه العذرية تأخذ قيمة تميز ترقى بهؤلاء الفتيات إلى الطهارة النموذجية، حسب الباحث عبد الرزاق مولاي رشيد، فإن القيمة المعطاة للبكارة تستجيب للأخلاق الجنسية الإسلامية التي تقوم على العفاف في مجتمع يعطي الأهمية للجسد الأنثوي غير المغتصب، إنها تستجيب لمفهوم الأسبقية في الامتلاك الفيزيقي لهذا الجسد، لكن إلى أي حد مازالت البكارة تتمتع بهذه القدسية وهذه القيمة في وقتنا الحالي؟ هل مازال الأفراد يولونها نفس الأهمية ؟ ما هو موقفهم من شريك بدون بكارة؟ هل يقبلون الزواج به ؟
    حسب مجتمع البحث، فإن الحفاظ على البكارة معناه قدرة العروس على صيانة عرضها وعرض والديها، ومعناه أنها ذات نسب وأنها متخلقة بقيم الحشمة والحياء والجدية، ومن ثمة حظوتها بمقام محترم مع الزوج وأسرته، يعد هذا الفعل تشريفا لها ولعرض الأسرة التي ستؤسسها مع زوجها:
    حتى يومنا هذا، فإن البكارة ما زالت مطلبا أساسيا يحرص الشباب على توفره في الشريكة، كما تحرص الفتيات أنفسهن على الحفاظ عليه إلى يوم الزفاف، ويتم التعبير عن البكارة بمجموعة من الألفاظ، التي لكل منها حمولتها ودلالتها الثقافية والاجتماعية؛ فهي "الصباح" وهي "تحميرة الوجه" وهي "السر" وهي "الشرف" وهي أيضا "الحياء" و"الحشمة"، لكن لماذا هذا التمسك القوي بالبكارة؟
    حسب النساء، فالبكارة هي أهم ما تملكه الفتاة، هي مستقبلها، وبفقدها تفقد الحياة كلها، كما جاء على لسان بعضهنمن جهة أولى، فالحفاظ عليها يمليه الخوف من الطلاق وعقاب الزوج والطرد من طرف الوالدين والإهانة من طرف أفراد المجتمع، ومن جهة ثانية، فهي أصعب اختبار لصلاحية المرأة وعفافها، ومن ثم فالبكارة هي الوسيلة الأساسية لنيل الاعتبار الاجتماعي سواء من طرف الزوج أو من طرف الآخرين، إن أهمية البكارة في حياة الفتاة تتجلى أساسا، في نظر المبحوثين، خلال اليوم الثاني من حفل الزفاف، أي في ما يسمى بطقس "البْرَازْ" أي البروز، حيث تظهر العروس أمام النساء المدعوات إلى الحفل.


ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني