كيف اغيّر اخلاق عائلتي الكئيبة ؟

س : أنا طالبة في الجامعة عمري 22 عاماً أعاني من مشكلة عدم الراحة النفسية لأن أهلي دائماً متوترون ولا أحد يضحك في البيت أبداً وكل واحد من إخوتي يعيش لوحده مع إننا في بيت واحد ولا أحد يحكي مشاكله لأي أحد من باقي إخوته ووالدي لا يضحك ولا يتحدث معنا ولا يسألنا ماذا فعلنا في الحياة ودائماً يجلس وحده في أحد أركان البيت وينظر على الشارع وأمي تتحمل كافة المسؤولية من عمل داخل المنزل وخارجه وإخوتي لا يعملون، لقد تركوا الدراسة ولا يجدون عمل ودائماً يبحثون وهذا يؤثر على نفسيتهم وعلى نفسية كل مَن في البيت ودائماً نجلس ولا نتحدث إلا في الهموم والمشاكل فقط وأخواي الأكبر مني يعانون من حالة نفسية سيئة والوضع دائماً في البيت متوتر جداً ودائماً خائفين.

أريد أن تقترحوا لي حلاً يساعدنا من هذا الشعور باليأس والإحباط وأن نصبح مرحين ولا نتحدث إلا بالأشياء التي تفرحنا فقط مع أن الحياة لا تخلوا من المشاكل وهذه طبيعة الحياة، لكن هناك القليل من الهم والقليل من الفرح، لكن نحن دائماً نتحدث إلا بالمشاكل والأسى والحزن وكل أنواع المآسي فقط.أرجو المساعدة على تغيير حياتنا إلى الأفضل ونعمل على تخطيط أفضل لحياتنا.


ج : لا شك بأن وصفك لحالة البيت والعائلة يدل على أن حالة من الكآبة تخيم على أجواء البيت ولكن من الواضح أن لهذا الوضع أسبابه، منها الذاتية ومنها ما هو يتعلق بالواقع الخارجي، وعلى أي حال فان هذه الحالة ليست نادرة بل يعاني منها الكثيرون، حتى يقال بأن أكثر من ثلاثة أرباع الناس يعانون منها بدرجات مختلفة، إذ إنها تتأثر بالوضع الذي يعيشه الفرد وبالحوادث التي مرّ بها، ومن الكآبة ما تزول بادخال تغييرات ايجابية في حياة الفرد أو العائلة، كالذي ينجح في اختبار بعد فشل، أو جمع شمل بعد فراق، أو الحصول على عمل، أو زواج موفق، أو ولادة طفل يدخل الفرح على العائلة.. الخ، ويساعد في ذلك كثيراً تغيير الفرد لعاداته والأجواء التي يتردد عليها، بل حتى الأصدقاء، فان بعض الأصدقاء يبعثون على التذمر كما إن تغيير النظام اليومي وأوقات العمل له الأثر الواضح، وقد ورد في الأثر الشريف: (إياك والكسل والضجر فانهما مفتاحا كل شرّ، مَن كسل لم يؤدّ حقاً ومَن ضجر لم يصبر على حق).

لذا فان تغيير منهج الانسان في يومه وعمله قد يساعد كثيراً على تخطيه الشعور بالكآبة والضجر، وقد ورد أيضاً: (ما أذهب الملل سوى العمل) فالعمل يعطي لحياة الانسان قيمة ويشعره بوجوده النافع ويجعل يومه يختلف عن أمسه وغده عن يومه.
على أن هناك حالات من الكآبة لابد فيها من تدخل الطبيب، وهي الحالات المرضية الشديدة، ويتم علاجها بواسطة العقاقير لفترة معينة، عدة شهور بحسب حالة الانسان، والعلاج عادة ينجح وليست هناك مشكلة فيه.

أما بخصوص حالتك، فان الحل يكمن في مجالين: الأول أنك يجب أن تعملي لانقاذ نفسك من هذا الوضع، حتى تكوني في مأمن من سريان الحالة إليك، وثانياً تستطيعي مع سلامتك تقديم المساعدة لبقية أفراد العائلة، ومن الواضح من رسالتك أنك رغم معاناتك من وضع العائلة إلا أنك في حالة مطمئنة ولديك القدرة على التأثير.

اسعي أولاً لأن تكون لك حياتك الخاصة، من دراسة وعمل وأصدقاء وأقارب وأجواء دينية واجتماعية ترتادينها، ليكن لك عالمك الخاص التي تستطيعين ترتيبه بحسب رغبتك وبالشكل الذي يبعث فيك الحيوية والنشاط والتفاعل الايجابي مع الحياة.. وليس بالضرورة أن يكون ذلك متقاطعاً أو متعارضاً مع التزامك بعائلتك، فيمكن أن تقضي وقتك الخاص بالمطالعة في مكتبة الجامعة وأداء الصلاة في مسجدها وقضاء بعض الأوقات في الراحة ومشاهدة التلفاز والذهاب إلى حديقة أو سوق قريب والتحدث مع قريبة أو صديقة بالهاتف وغير ذلك واسع إلى أن ترتاحي وتأنسي إلى هذه الأجواء حتى تكون محببة إلى نفسك ومسلية لها.

من جانب آخر، في البيت اسعي إلى بث الحيوية والنشاط في كل شيء وفي كل مرفق من مرافق الحياة، ابتداء من السلام والكلام حتى العمل وترتيب البيت وغير ذلك.

فيمكن لتحية الصباح أن تبعث في النفوس النشاط إذا أوديت بحيوية مع بشر وابتسامة، وتناول الفطور المبكر واستماع القرآن في الصباح ومساعدة الأم في عملها ومشاهدة البرامج المفيدة وتداول الأحاديث عن الجوانب المشرقة من الحياة وتنظيف البيت والتغيير في ترتيب بعض أثاثه.. كلها أمور تجدد روحية أفراد العائلة وتغير نمط حياتهم، اضافة إلى خطوات أساسية في حث الأخوة على العمل بطموح واقعي، وأيضاً تجنب النقاشات الحادة خصوصاً في أوقات الراحة وتناول الطعام ومحاولة تهدئة الأحاديث وتناولها دون إثارة أو حساسية.. وكل ذلك بمقدار جهدك، فان لم تفلحي فعليك نفسك، ومن ثم حاولي مساعدة والدتك وادخال السرور على قلبها، وإذا وجدت حالة بعض أفراد العائلة مستعصية وصعبة، فان استشارة المعالج النفسي أو الطبيب عندها أساسية ولازمة.


أما والدك الكريم، فلعل حالته قد اعتاد عليها من قلة الحديث، ولعله يعيش بعض الإحباط بسبب أوضاع أولاده.. ومع ذلك يمكنك أن تصادقيه وأن تنفذي إلى قلبه لينفتح عليك بحديثه ويمكنك توجيهه ليكون أكثر ايجابياً، كما إن من المفيد حث والدتك لتظهر اهتماماً أكثر به، وذلك نافع لتحسين وضع كليهما وتعاونهما بشكل أفضل لحل المشاكل المطروحة.

على أي حال، لنتذكر دائماً قوله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولنتذكر دائماً نعمه الوفيرة علينا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ولنتعامل مع الوجه المشرق للحياة، ونبدأ يومنا بالتوكل على الله والشعور بتدفق الحياة في الوجود.. مع طلوع الفجر وشروق الشمس التي تحمل للأرض كلّ الخير والعطاء، ولا نستسلم لأفكار اليأس والخمول، بل نتطلع إلى غد مليء بالخير والبركة، (فان مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا). وفقكم الله لكل خير.

بلاغ كوم